البداية
لطالما كان “البازار الكبير” المترامي الأطراف في طهران مركزًا للمحافظة على السياسة الإيرانية، ويظل قوة اقتصادية داخل البلاد، على الرغم من بناء مجمعات ضخمة حول المدينة. وعارضت عائلات البازار الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي ودعمت الثورة الإيرانية عام 1979 التي شهدت استبدلت به الحكومة الدينية الشيعية.في نهاية 2017 دبت الاحتجاجات الاقتصادية المماثلة في إيران وانتشرت إلى نحو 75 مدينة وبلدة، لتصبح أكبر مظاهرات في البلاد منذ الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في عام 2009، وقد شهدت الاحتجاجات في أواخر ديسمبر ومطلع يناير 2017 مقتل 25 شخصًا على الأقل واعتقال السلطات ما يقرب من 5 آلاف شخص.مع ذلك فإن تلك الاحتجاجات ضربت محافظات إيران بشكل كبير، ويعتقد المحللون أن المتشددين ربما شجعوا أول احتجاج في مشهد لإضعاف إدارة الرئيس حسن روحاني، وهو رجل دين معتدل نسبيًّا في السياسة الإيرانية، ثم خرجت الاحتجاجات عن السيطرة، إذ انتقد الناس علانية كلًّا من روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي.وعانت حكومة روحاني المشكلات الاقتصادية التي شهدت معدلات بطالة مرتفعة، وسرعان ما تجاوز سعر الدولار سعر الصرف الذي حددته الحكومة بمبلغ 42 ألف ريال مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء.في غضون ذلك دعا بعض المتشددين إلى إجراء انتخابات جديدة أو أن يُستبدل بحكومة روحاني المدنية سلطة عسكرية. ونشرت وكالة أنباء فارس، التي يُعتقد أنها مقربة من الحرس الثوري، اليوم الاثنين مقالة من صحيفة “صبح نو” اليومية تصف الحكومة بأنها على استعداد “للاستسلام للتهديدات الخارجية والجلوس على طاولة المفاوضات”.ونُقل عن إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس الإيراني قوله: “البلاد على شفا حرب اقتصادية من قبل إرهابي اقتصادي”، في إشارة الى الولايات المتحدة. وقال جهانغيري وَفْقًا لصحيفة اعتماد الإصلاحية إنه “ستزداد الأوضاع سوءًا في المستقبل، حتى أصدقاؤنا وجيراننا مثل روسيا والصين والأوروبيين لا يستطيعون مساعدتنا اليوم”[1].
الدولار يقفز إلى 9 آلاف تومان.. وتجار الإلكترونيات يتظاهرون في طهران
حسب التقارير الواردة من طهران فقد وصل سعر الدولار في السوق غير الرسمية الأحد إلى 8700 تومان، مسجلًا رقمًا قياسيًّا جديدًا، وعلى أثر ذلك قام بعض التجار في وسط العاصمة بمظاهرات في شارع “جمهوري” احتجاجًا على اضطراب السوق، إذ كانت نقطة انطلاق المظاهرات الحالية من هناك.وذكرت وكالة إيسنا أن سعر الدولار وصل الأحد في السوق غير الرسمية إلى 8700 تومان، في حين ترى المصادر غير الرسمية أن السعر الحقيقي هو 9 آلاف تومان، وأشارت في نفس الوقت إلى أن التعامل بالدولار تَوقَّف عمليًّا، أو أنه يجري على نطاق ضيّق.وحسب وكالة إيسنا، فقد واجهت سوق المسكوكات الذهبية أيضًا ارتفاعًا في الأسعار، وتجاوز سعر المسكوكة الذهبية حاجز 3 ملايين تومان، وأوصت إدارة هذه السوق بوقف عمليات الشراء مؤقتًا.وبالتزامن مع هذه الاضطرابات، نشرت وكالات إيرانية، مثل إيسنا وموقع جماران الإخباري، تسجيلات مصوَّرة حول تجمعات احتجاجية لتجار في مجمعي علاء الدين وتشارسو التجاريين، المتخصصين في بيع الإلكترونيات، وسط العاصمة طهران.وحسب التقارير، فقد أغلق التجار محالّهم التجارية مساء الأحد “احتجاجًا على الاضطرابات التي تعاني منها السوق”، وتظاهروا في الشوارع المحيطة بالسوق.وحسب موقع جماران، توجه المتظاهرون من شارع “جمهورى” نحو ميدان “بهارستان” [حيث مبنى البرلمان] وهم يطلقون شعارات من قبيل “دولار بـ10 آلاف تومان، لا نريده لا نريده”، وحسب هذه التقارير فقد قامت قوات الأمن بتفريق المتظاهرين.وأشارت وكالة إيسنا في تقاريرها يوم السبت، نقلًا عن السماسرة والصرافين، أن من أسباب ارتفاع سعر الدولار في السوق غير الرسمية “ارتفاع سعره في السوق الرسمية” و”عدم عرض البنك المركزي دولارات خلال الأيام الأخيرة”.بالطبع منعت الحكومة في سياسات العملة الجديدة البنك المركزي من توزيع العملة الصعبة في السوق، لكن حسب إيسنا، كان البنك المركزي يوزع العملة الصعبة بأساليب مختلفة للسيطرة على السوق.يُذكر أن سياسات الحكومة في هذا المجال واجهت فشلًا ذريعًا، وحسب المتحدث باسم الحكومة، فقد عرض بعض التجار الذين حصلوا على الدولار بالسعر الحكومي لاستيراد بضائعهم، هذه البضائع حسب سعر السوق السوداء، وباعوها بأسعار مرتفعة.وبالتزامن مع احتجاجات التجار في سوقي علاء الدين وتشارسو، عقد البرلمان جلسة مغلقة صباح الأحد للتباحث حول الغلاء، وأعلن وزير الصناعة والتجارة الإيراني قبل ذلك منع استيراد أكثر من 1400 سلعة ومن ضمنها السيارات وعدد من الأدوات المنزلية[2]
انتشار المظاهرات إلى بازار طهران.. ومجلس تأمين المحافظة يجتمع عقب الإضراب
بالتزامن مع انتشار تقارير بشأن تَجمُّع أصحاب الأسواق المعترضين على عدم انتظام سعر صرف العملة أمام البرلمان، أعلن مساعد الشؤون السياسية والأمنية لمحافظ طهران محسن همداني، انعقاد اجتماع لمجلس تأمين محافظة طهران لأجل بحث هذا الموضوع، معتبرًا أن أهمّ موضوع في الوقت الحالي هو السيطرة على الأوضاع، إذ تحضر الشرطة في نطاق البازار.وعطّل تجار سوق طهران اليوم الاثنين محلاتهم اعتراضًا على عدم انتظام سوق العملة، وبناء على تقارير، فإن هذه التظاهرات حدثت في الشوارع الجانبية، وكشفت وكالة فارس أن محلات البازار لم تفتح أبوابها الاثنين.ويشير ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن القوات الأمنية عبر الهجوم والاشتباكات مع أصحاب الأسواق كانوا يحاولون الحيلولة دون تَشَكُّل هذه التظاهرات، وتفيد تقارير أخرى بتوسع رقعة التظاهرات إلى المناطق التجارية الأخرى في طهران، ومنها مولوي وجمهوري ولاله زار، فيما اكتظّ الشارع الأصلي للسوق، 15 خرداد، بالمتظاهرين[3].
اشتباكات في طهران وعدة مدن أخرى
عقب احتشاد واحتجاج مجموعة من تجار طهران على ارتفاع سعر العملات الأجنبية وسعر البضائع، ونقص القوة الشرائية، اشتبك ضباط الأمن مع المحتجين.وحسب التقارير الواردة من سوق طهران، أُطلِقَت قنابل الغاز المسيلة للدموع صوب المحتجين وتَعرَّضَ عدد من المحتجين أيضًا للضرب والإصابة بجروح.وقد قال شاهد عيان كان يصوِّر مقاطع فيديو، لــ”بي بي سي”: “كنت برفقة أختي مشغولًا بتصوير مقطع فيديو، فهجموا عليّ وأرادوا أخذ الهاتف مني، ولم أسمح فضربوني بالهراوة”.وبدأت هذه الاحتجاجات أمس ممَّا دفع جماعة من تجار طهران إلى إغلاق محلاتهم التجارية والتوقُّف عن العمل، وحسب التقارير الواردة، فقد نزل المحتجون على الغلاء في مدن أخرى غير طهران، منها شهريار وكرج وقشم وبندر عباس ومشهد، وأضرب أصحاب المحلات التجارية عن العمل.وفي مقاطع الفيديو الواردة إلى “بي بي سي”، يشجِّع تجار السوق خلال الاحتشاد والمسيرات زملاءهم على إغلاق محلاتهم التجارية، ويُسمع في هذه المقاطع جمع من التجار يهتفون بشعارات احتجاجية ضدّ موجة الغلاء الأخيرة.ووَفْقًا لتقرير وكالة أنباء فارس، أقدم البزازون والتجار في البداية، من القطاع الأيمن للسوق الكبيرة وتشارسوق وسراي قيصريه، على إغلاق محلاتهم التجارية، ومن ثم توقف سائر التجار عن العمل بعدما أغلقوا محلاتهم أيضًا، وطبقًا للتقارير فقد ظهرت الشرطة في سوق طهران واشتبكت مع التجار.من ناحية أخرى صرَّح أمين عامّ المجمع الإسلامي للتجارة والسوق أحمد كريمي أصفهاني، بأن التجار يطالبون باستتباب أمن السوق وعودة الهدوء والاستقرار الاقتصادي، وأضاف: “كنا توقعنا الظروف الحالية للسوق، وأعطينا المسؤولين مذكرات إحاطة عدة مرات، وقلنا إنه لا يمكن السيطرة على أوضاع السوق بالسياسة الحالية”[4].وامتدّ الإضراب في جميع أنحاء سوق طهران إلى الشوارع المختلفة، وأخذ المتظاهرون يهتفون بشعار الموت للديكتاتور، والعدوّ هنا…ولقيت المظاهرات والاحتجاجات ترحيبًا من التجار والمواطنين، فنشرت قوات مكافحة الشغب عناصرها في الشوارع المؤدية إلى سوق طهران وشارع الجمهورية.وكان بين الشعارات التي ردَّدها المتظاهرون:”لا غزة ولا لبنان روحي فداء إيران”، و”عدونا هنا يكذبون ويقولون عدونا أمريكا، و”نموت نموت ولا نقبل بالذل”، و”اترك سوريا وفكر في حالنا”، و”الموت للديكتاتور”.
وأقدم عدد من المرتزقة ذوي الملابس المدنية على مهاجمة المتظاهرين وضربهم وجرحهم واعتقالهم، وحسب التقارير الواردة فقد قُبض على ما لا يقل عن أربعة من التجار، وتفيد تقارير أخرى باشتباك التجار مع جماعة أنصار حزب الله، ومحاصرة شارع ري، وبوذرجمهري، وشوش، ومولوي، وسوق طهران.وأشارت تقارير إلى احتشاد التجار أمام البرلمان وهتافهم بشعار “الموت للديكتاتور”، في حين تلقي قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين[5].وغرّد مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية حسام الدين آشنا، عبر حسابه الخاص على “تويتر”، قائلًا: يجب الاستماع إلى صوت “الشارع” و”المراكز التجارية” و”البازار”. الصوت الأول هو صوت الشعب، ولكن يجب الحذر في ما يخصّ الصوتين الثاني والثالث، كي لا يُخلَط بين أصوت التجار وأصوات السذج المستغَلِّين[6].ووَفْقًا للأخبار المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي، فقد عُطّلَت سوق شيراز للهواتف الجوّالة، ويرجع استياء أصحاب الأسواق إلى عدم استقرار سعر الريال أمام الدولار الأمريكي، وعدم الاستقرار في الجمرك وعدم ترخيص السلع. وكان إعلان وزير الصناعة والتجارة عن منع استيراد ما يقرب من 1400 سلعة سببًا في إضراب أصحاب الأسواق في طهران وقشم وشيراز[7].
تفاعل وسائل التواصل الاجتماعي مع المظاهرات
نشر حساب موقع “إيران واير” على تويتر، عن تَدخُّل الوحدات الخاصة في قمع المتظاهرين في ميدان إسطنبول، حيث كانوا يطلقون مباشرة الغاز المسيّل للدموع ناحية المتظاهرين[8]، ونشر حساب موقع “إيران واير” على تويتر أيضًا عن رفع متظاهري مدينة شهريار شعار “لا غزة ولا لبنان، روحي فداء لإيران”[9]، كما نقل الموقع نفسه تظاهرات بازار طهران، مسجلًا محاولات عدد من الأهالي المتظاهرين الحيلولة دون ركل اثنين من ضباط الوحدات الخاصة للقوات الأمنية[10].
كذلك نشر موقع “إيران كاركر” مقطع فيديو لاشتباكات بين الشباب الغاضب في طهران مع قوات الأمن الخاصة عبر قذفهم الحجارة نحو البرلمان، وأقدم الشباب على إضرام النيران في دراجة بخارية لقوات الأمن[11].
مصادر رسمية تزعم عودة الهدوء إلى الأسواق
شرح أحمد كريمي أصفهاني، أمين عامّ المجمع الإسلامي للتجارة والسوق بطهران، آخر أوضاع سوق طهران واحتجاج بعض التجار على أداء الحكومة الاقتصادي، وإضراب بعض التجار، بقوله: “منذ صباح اليوم أغلق البعض محلاتهم التجارية في أقسام من سوق طهران، احتجاجًا على الأداء الاقتصادي للحكومة والأوضاع المضطربة للعملة، وهتفوا بشعارات اقتصادية إزاء الوضع الحالي، وقد أدَّى هذا إلى أن يغلق قطاع كبير من التجار محلاتهم التجارية لاستتاب الأمن ومواجهة سلب ونهب الانتهازيين المحتمل”.وأضاف: “الوضع الآن هادئ ومستقر بالطبع، والتجار يعودون لفتح محلاتهم التجارية مرة أخرى للاستمرار في نشاط التجارة، ونهاية هذا الأمر لا تعني الوقوف على احتجاج التجار المسلَّم به، لأن الحكومة فاشلة تمامًا في القطاع الاقتصادي، ومن الواضح أنها لا ترغب في سماع صوت المواطنين والمحتجين. على الأقلّ توقعنا من الحكومة أن تقول للمواطنين إنها أخطأت في منهجها الاقتصادي”.واستطرد أصفهاني: “الاحتجاج على أداء حكومة روحاني الاقتصادي هو احتجاج في إطار نظام الجمهورية الإيرانية ولا يمكن اعتباره أبدًا معاديًا للثورة. لقد حذرنا الحكومة مرارًا وتكرارًا بأن عليها تقوية فريقها الاقتصادي، لكننا توصلنا الآن إلى نتيجة أن هذا الفريق يجب تغييره”[12].من جهة أخرى صرَّح عبد الله إسفندياري، مسؤول هيئة الأمناء المركزية لبازار طهران، بأن الأوضاع تمت السيطرة عليها في السوق، لكنه قال إن الاحتقان لم يصل إلى نهايته حتى الآن، وأضاف أن اعتراض التجار سببه غلاء العملة وتقلبات سعرها وعدم الاستقرار في الجمرك، على نحو لا يستطيع معه أصحاب الأسواق أن يتخذوا القرار، ويبيعوا سلعهم[13].في الوقت نفسه صرح رئيس غرفة التجارة الإيرانية على فاضلي، لوكالة أنباء تسنيم، بأن الأنشطة تُمارَس حاليًّا بشكل طبيعي في السوق الكبيرة بطهران”[14].من جهة أخرى، وبعد إعلان تشكيل سوق جانبية للعملة الصعبة حتى الأسبوع القادم، بدأت أسعار الدولار والمسكوكات الذهبية بالهبوط تدريجيًّا.وحسب مراسل تسنيم الاقتصادي، شهدت سوق الذهب والعملة الصعبة الحرَّة خلال الأيام الأخيرة تسجيل أرقام قياسية مرتفعة وعجيبة في مجال الدولار والمسكوكات الذهبية، حتى إن سعر المسكوكة الذهبية تجاوز حاجز 3 ملايين تومان [715 دولارًا حسب سعر الصرف الرسمي].لكن في النهاية وبعد اشتداد الاضطرابات في السوق الحرَّة، عقدت الحكومة عقد اجتماعًا، وحسب الأخبار المسرَّبة من هذا الاجتماع الذي حضره الرئيس روحاني وأعضاء الفريق الاقتصادي في الحكومة، فمن المقرر أن يصبح بيع وشراء الدولار في سوق جانبية وبسعر توافقي أمرًا ممكنًا.وقد أيّد محافظ البنك المركزي ولي الله سيف هذا الخبر، وأن هذه السوق سوف تبدأ عمله الأسبوع المقبل، وحسب سيف فإن تفاصيل هذه السوق الجانبية جرى تدوينها، وستُخَصَّص لاستيراد السّلع الأساسية، ومصدر هذه السوق سيكون ما نسبته 20% من عوائد الصادرات غير النفطية التي تتمّ بشكل أساسي من خلال القطاع الخاصّ.وأضاف سيف: “سيحول تأسيس هذه السوق دون ظهور بعض التسعيرات غير المحددة المصدر التي يضعها السماسرة في الأزقة اليوم”.وحسب وكالة تسنيم، بعد إعلان الحكومة هذا الخبر، أشارت أسعار أولى المعاملات في سوق العملة الصعبة والمسكوكات الذهبية إلى أن الأسعار بدأت تتخذ منحنى نزوليًّا مقارنة بأمس، فقد تجاوز سعر المسكوكة أمس في السوق الحرَّة 3 ملايين تومان، في حين هبط سعرها اليوم إلى مليونين و780 ألف تومان، كما هبط سعر الدولار اليوم مقارنة بأمس[15].