على الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات على تَولِّي الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني منصبه، فإن وعوده بالإصلاح الداخلي، التي كانت حافزًا لانتخابه عام 2013 ولإعادة انتخابه في وقت سابق من العام الحالي، لم ترَ النور بعد. وكانت هذه الوعود أكسبته دعمًا قويًّا من الإيرانيّين الحَضَر والعلمانيين وأفراد الطبقة المتوسطة وجعلته يظفر بإعجاب الغرب. غير أن الإيرانيّين لم ينالوا حرية أكثر من التي نالوها قبل أربع سنوات، كما أن الجمهورية الإيرانيَّة لا تزال دولة أمنية كما كانت في الماضي. كان فوز روحاني في صناديق الاقتراع آنذاك كافيًا لإعطاء النِّظام صورة متفائلة ومعقولة لمستقبل إيران، وللحَدّ من السخط المتزايد، ولكنه لم يكُن كافيًا لإحداث أي تغيير حقيقي.
وكان لدى المدافعين عن روحاني نظرية جديدة تبرِّر التباين بين خطاباته وواقع الحال في إيران، فهم يدّعون أن روحاني -بسبب ضغط بعض حلفائه عليه- يحاول أن ينأى بنفسه عن الإصلاحيين داخل النِّظام، وأنه يسعى لاسترضاء التيَّار المتشدد، أو “التيَّار الأصولي” كما يُدْعَى. وَفْقًا لهذا التبرير فإن تَحوُّل روحاني المزعوم “إلى اليمين” يأتي على الرغم من ميوله الإصلاحية. ولكن روحاني يسعى لخلق تيَّار جديد معتدل ذي طبيعة محافظة في السياسة الإيرانيَّة.
وقد كتب الصحفي الإيرانيّ سعيد جعفري يوم الاثنين 13 نوفمبر 2017 نصًّا يحمل هذه الفكرة في موقع “المونيتور”، وهو موقع إخباري يحاول جاهدًا إخفاء تأييده لطهران. وذكر جعفري إن الإصلاحيين غير راضين عن وعود حملة روحاني التي لم تتحقق، مثل وعده بإعطاء المرأة دورًا بارزًا في المشهد السياسي الإيرانيّ، وإزالة الحصار الأمني في الجامعات الإيرانيَّة، وخلق بيئة أكثر انفتاحًا. ونقل جعفري عن وزير سابق في حكومة خاتمي عمل من عام 1997 إلى 2005 قوله: “إن روحاني شخص ذكيّ ولن يختار التحوُّل إلى اليمين، لأنه يعلم أنه إذا فعل ذلك فإنه لن يحصل على أي شيء، ناهيك بأنه سوف يفقد الدعم الضخم للشعب الإيرانيّ الذي يقف وراءه، وعلى روحاني أن يكون حذِرًا من ذلك”. كما أن أصواتًا أخرى -بدعم من محمود واعظي مدير مكتب روحاني- سادت في النقاش الداخلي وأقنعت الرئيس بتَجنُّب الإصلاح.
هذه محاولة جيدة لتبرير أفعال روحاني، إلا أن السجلّ الطويل لهذا الرجل المتشدد في الجمهورية الإيرانيَّة ينافي النظرية التي يحاول البعض استخدامها للدفاع عنه. ومهما حاولوا الدفاع عن روحاني فلن يستطيعوا أن يخفوا حقيقة أنه عمل أمينًا للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيرانيّ في الفترة 1989-2005، وهي السنوات التي شنّت فيها إيران حملة اغتيالات و”سلسلة جرائم قتل” تستهدف المنشقّين في الداخل والخارج. كما لا يمكن للمرجعية أن تُلغِي الدور القيادي لروحاني في الحملة التي شنَّها ضدّ انتفاضة الطلاب في عام 1999، عندما دعا قوات أمن النِّظام إلى “قمع أيّ تَحرُّك لهذه العناصر الانتهازية بكل قسوة وعلنًا”. وأخيرًا لا يمكن أن يتجاهل المدافعون عن روحاني صمته -الذي دام سنوات طويلة- ورفضه التحدُّث عن زعماء الحركة الخضراء المحتجَزين.
وكما قال لي بيام فضلي نجاد، وهو عالَم آيديولوجي بارز ينتمي إلى تيَّار النِّظام المتشدِّد، وباحث في صحيفة “كيهان” (التي كان رئيس تحريرها نائب المرشد الأعلى الإيرانيّ لشؤون وسائل الإعلام): “السيد روحاني شخص محافظ، بل هو أحد مؤسَّسي حزب المحافظين في إيران، لذا فهو أقرب إلى اليمين والتيَّار الأصولي منه إلى الإصلاحيين”. وأضاف فضلي نجاد: “روحاني أحد الأسباب التي جعلت التيَّار الأصولي يتمتع بهذه السُّلْطة في إيران”.
ماذا يعني كل هذا بالنسبة إلى الغرب؟ يعني أنه على الولايات المتَّحدة وحلفائها التوصل أخيرًا إلى اتِّفاق مع الجمهورية الإيرانيَّة وَفْقًا للواقع، لا كما تحدِّد رغباتهم، فبعد قرابة أربعة عقود مرَّت على تأسيس النِّظام الإيرانيّ، يشير الواقع إلى أن النِّظام أصبح أكثر تماسكًا وتَوحُّدًا من الناحية الفكرية، على العكس مِمَّا تُظهِره المشاحنات بين نُخَب تيَّارات النِّظام، لأنه ليس في الداخل فكر ليبرالي مؤيِّد للغرب. وما يثير الأسف الشديد أن واشنطن وبروكسل لا تزالان تملكان الأمل الإصلاحي في الداخل الإيرانيّ وتؤمنان أنه ينبوع لا ينضب.
مادة مترجمة: موقع كومنتاري
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز