مقدِّمة
بعد قرابة أكثر من أربعين عامًا من مناشدات عربية متتالية للمجتمعين الإقليمي والدولي بتحمُّل المسؤولية في غضِّهما الطرف عن خطر تأسيس «الفواعل العنيفة من غير الدول» في المنطقة العربية على الأمن والسِلْم الإقليميين والدوليين، وبعد قرابة أكثر من عقدين من الزمان على طرْح المقاربات العربية البنّاءة للحدِّ من مخاطر الفواعل العنيفة بحُكم القُرب الجغرافي، واستيعاب المنطق الميليشياوي السائد منطلقًا ومضمونًا وهدفًا، أدرك صُنّاع القرار في الشرق والغرب مصداقية السردية العربية والخليجية تجاه المخاطر المستقبلية لانتشار الفواعل العنيفة من غير الدول في الشرق الأوسط، وراحوا يدفعون أثمان غضِّهم الطرف على مدى عقود، بمُضِّيهم في مسار مجابهة التهديدات ومواجهة التحدِّيات المكلفة للفواعل العنيفة من غير الدول، لكن عندما تضرَّرت مصالحهم الذاتية، وتعرَّض أمن حلفائهم الخاصِّين للخطر، وزادت تكلفة المواجهة الحتمية، بتحوُّل تلك الدول، التي انتشرت فيها تلك الفواعل العنيفة في المنطقة العربية، إلى دول غير مستقِرَّة مصدِّرة للأزمات والتهديدات والمخاطر.
توفِّر التحوُّلات الاستراتيجية في البيئة الإقليمية، مع قدوم إدارة أمريكية جديدة مناهضة للفواعل العنيفة من غير الدول، «فُرَصة تاريخية» لوضع المقاربات الواقعية البنّاءة القادرة على الحدِّ من الحضور المؤثِّر لتلك الفواعل في الدول القاطنة فيها، تمهيدًا لتحييدها أو لدمجها بآلية محلِّية تدخلها مرحلة اللا عودة، بما يؤدِّي إلى تعزيز قوَّة وعقلية الدولة الوطنية، لا سيّما أنَّ كافَّة الدول الكائنة فيها تلك الفواعل، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان وليبيا، أصبحت دول فاشلة أو منهارة، ومليئة بالصراعات والأزمات المعقَّدة، وفَّرت ملاذات آمنة للجماعات الإرهابية والمتطرِّفة، وتفاقمت فيها الأزمات الإنسانية التاريخية، بارتفاع معدلات النزوح واللجوء الجماعي غير المنظَّم، وتسبَّبت في خلْق ظاهرة سباق التسلُّح والصراعات المحتدمة بين الأطراف المحلِّية أو الأطراف الإقليمية، ومهدِّدة لحركة الملاحة والتجارة الدولية.
تسعى الدراسة إلى تحليل وتقييم منطق المقاربات والرؤى المطروحة، لحسم ملف الفواعل العنيفة من غير الدول -الميليشيات المسلَّحة الموالية لإيران في الساحة العراقية- بهدف احتكار الدولة العراقية للسلاح، عبر إنهاء حضورها وتأثيرها على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث تتّجِه الأنظار الإقليمية والدولية بشِدَّة نحو العراق لضبط السلاح المنفلِت، أسوةً بما حدَثَ في الساحتين اللبنانية والسورية، وذلك على خلفية الضغوط الأمريكية المكثَّفة والمستمِرّة على الحكومة العراقية لإضعاف الأذرع اللإيرانية بالعراق؛ بهدف دفعها نحو اتّخاذ «إجراءات صارمة» ضدّ السلاح المنفلِت، وتحقيق مطلب احتكار الدولة العراقية للسلاح، حيث لا تكمُن الأزمة في تقديرات متخصِّصين في حل الميليشيات المنفلِتة جزئيًا أو كُلِّيًا، بل في الحشد الشعبي كجسمٍ كامل في القوّات المسلَّحة العراقية يشكِّل جيشًا موازيًا أو رديفًا مماثل للحرس الثوري في إيران.
تطرح الدراسة عددًا من التساؤلات، عطفًا على «الفُرَصة التاريخية(*)» لإمكانية تحقيق هدف احتكار الدولة العراقية للسلاح، أبرزها: هل المقاربات المطروحة تحقِق ذلك الهدف ولو مرحليًا أسوةً بالساحتين اللبنانية والسورية؟ أم أنَّها حلول جزئية وقتية أشبه بمسكِّنات تعالج العرض وليس المرض؟ وأين تكمُن تعقيدات الفواعل العنيفة برمّتها وإشكالياتها المعقَّدة المستعصية على الحلول التقليدية: هل في طريقة انضمام الحشد الشعبي كجسمٍ في الجيش؟ أم في مسألة حل ودمْج الميليشيات المنفلِتة غير المنضوية تحت المنفلِتة «الحشد» لتلحق به ضمن الجيش؟ أم في القصور في فهْم وإدراك المنطق الميليشياوي السائد في العراق؟ وهل من حلول واقعية بنّاءة يمكنها المساهمة في تحقيق هدف احتكار الدولة للسلاح لتحرير القرار العراقي من سطوة الفواعل العنيفة؟ وإذا ما كانت هناك حلول يمكنها أن تُفيد صُنّاع القرار في ترميم المقاربات المطروحة، هل يمكن صياغة آلية تنفيذية للمقاربة؟ وما هي نقاط القوَّة والضعف والخطوط الحمراء لكُلِّ طرف من الأطراف المعنية بالمنطق الميليشياوي السائد في العراق؟ وكيف يمكن الدفع نحو حل الحشد في ظل الفُرَصة التاريخية المتاحة؟
أولًا: رؤية نقدية للمقاربات المطروحة تجاه الفواعل العنيفة بالعراق
اتّجهت أنظار صُنّاع القرار في واشنطن وتل أبيب تجاه الساحة العراقية، باعتبارها المحطَّة القادمة، ضمن أهداف أمريكية أوسع لتقليم مخالب إيران في الشرق الأوسط، وسط مخاوف من تكثيف الضغوط على العراق مع بداية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروف بعدائه الشديد للميليشيات، ومن أن يلجأ للحل العسكري، أو إطلاق يد إسرائيل للانتقام من الميليشيات بالعراق، ما لم تقدِّم الحكومة العراقية برئاسة محمد شيّاع السوداني على تلبية المطالب الأمريكية في حصر السلاح بيد الدولة. وأضحت المقاربات المطروحة في الدوائر الضيقة لصُنّاع القرار الأمريكيين والإسرائيليين والإيرانيين والعراقيين، قضية الساعة في الأوساط الإعلامية العالمية، وفيما يلي أبرز المقاربات المطروحة تجاه معالجة ملف الفواعل العنيفة في العراق:
1. الحل الجزئي لبعض الميليشيات المنفلِتة(*)
طرحت الولايات المتحدة على الحكومة العراقية، أثناء الزيارة المفاجئة، التي أجراها وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن لبغداد في 13 ديسمبر 2024م، مقترحًا مضمونه: أن تتّخِذ حكومة السوداني إجراءات صارمة ضدّ الميليشيات المنفلِتة([1])، أوضحتها العديد من الأوساط الإعلامية، على أنَّها تتمحور حول الحل الجزئي بالضغط لحل الميليشيات الثلاثة، التي انضوت تحت مُسمَّى «المقاومة الإسلامية في العراق»، منذ انخراطها في الحرب كجهة إسناد لحركة حماس لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة -حتى إعلان وقْف إطلاق النار- والمتّهَمة أيضًا بتنفيذ هجمات عسكرية ضدّ الأهداف الأمريكية بالعراق، وهي كتائب حزب الله العراقي بزعامة أبو حسين الحميداوي، وحركة النجباء بقيادة أكرم الكعبي، وكتائب سيِّد الشهداء بقيادة الأمين العام أبو آلاء الولائي المعروف باسم هاشم بنيان السراجي.
تسبَّب المُقترَح في جدلٍ بمراكز الفكر، يعكس ضعفه عن إدراك المنطق الميليشياوي السائد بالعراق، وعجزه على تحجيم دور إيران بالعراق، ولا سيّما أنَّ الأزمة في تقديرات متخصِّصين بمراكز الفكر لا تكمُن في حل الميليشيات الثلاثة أو في كافَّة الميليشيات المنفلِتة، بل في الحشد الشعبي كجسمٍ في الجيش العراقي يشكِّل جيشًا موازيًا أو رديفًا ومماثل للحرس الثري الإيراني، ولذلك اعتبروا المُقترَح داعم للمساعي الإيرانية للفت الأنظار بعيدًا عن قضية القضايا بالنسبة لها، وهي حل الحشد الشعبي ذاته ودمجه في الجيش العراقي بآلية مغايرة للآلية السابقة، التي دُمِج بها في الجيش. كما أنَّ مسألة حل ثلاثة ميليشيات أو حتى كافَّة الميلشيات المنفلِتة لا تُعجِز إيران، ولا تُضعِف نفوذها بالعراق، طالما استمرَّ الحشد بصيغته الراهنة كجسمٍ كامل في الجيش، خاصَّة أنَّ إيران لديها المقدرة على حل الميليشيات الثلاثة بمسمَّيات جديدة، أو أن تدمجها ضمن العديد من بقية عشرات الميليشيات المنتشرة في الدولة العراقية.
2. الحل الكُلِّي لكافَّة الميليشيات المنفلِتة
مُقترَح أمريكي مُحتمَل أن تطرحه إدارة الرئيس ترامب، ضمن استراتيجية متكاملة للقضاء على المخالب الإيرانية بالعراق، عبر الحل الكُلِّي وليس الجزئي للميليشيات. ويتماشى ذلك الطرح مع تأكيد غبريال صوما؛ عضو المجلس الاستشاري للرئيس ترامب، بأنَّ الرئيس الأمريكي سيعمل على القضاء على كافَّة أشكال النفوذ الإيراني، ومنْع الميليشيات من مهاجمة إسرائيل بأيّ شكلٍ من الأشكال، وبأيّ ذريعة من الذرائع، كما يتماشى أيضًا مع تصريح رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني، بأنَّ الرئيس ترامب طلَبَ من السوداني ضرورة حصْر السلاح بيد الدولة. كذلك أشارت العديد من المصادر الإعلامية إلى أنَّ بلينكن حمَلَ رسالة شفهية([2]) من ترامب إلى السوداني، يطالبه فيها بالعمل على ضبْط سلوك الميليشيات، وتقييد حركتها ومنعها من التدخُّل في سوريا.
كذلك نقَلَ وزير الخارجية الأمريكي الحالي مارك روبيو، أثناء مهاتفته رئيس الحكومة محمد شيّاع السوداني في 25 فبراير 2025م، تهديدات وتحذيرات أمريكية شديدة للحكومة العراقية، ما لم تُقدِم على تحجيم النفوذ الإيراني، الذي وصفه بالـ «الخبيث»، وضمان استقلال العراق في قطاع الطاقة، والالتزام بالشروط التعاقدية مع الشركات الأمريكية العاملة في العراق لجذب استثمارات إضافية، ومواصلة التشاور حول قضايا المنطقة، وتعزيز الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق، والجهود المشتركة لمنع عودة ظهور تنظيم داعش وزعزعة المنطقة بأكملها، حسب بيان السفارة الأمريكية في بغداد([3])، وسط مخاوف عراقية من عقوبات أمريكية مُحتمَلة قد تطال كيانات أو مصارف أو شخصيات.
وبينما اكتفى الديمقراطيين بالضغط على بغداد لضبط سلوك الميليشيات، يُتوقَّع أن يتبنَّى ترامب نهجًا أكثر تشدُّدًا وصرامة تجاهها، حال عدم اتّخاذها خطوات لحصر السلاح بيد الدولة، رُبّما يدفعه نحو التلويح باللجوء إلى الحسم العسكري، سواءً بشكلٍ مباشر أو بشكلٍ غير مباشر، عبر منْح إسرائيل الضوء الأخضر لتكرار سيناريو تدمير قُدرات حزب الله في لبنان، لاستكمال تدمير قُدرات كافَّة حلقات ما يُسمَّى بـ «محور المقاومة»، والحيلولة دون انخراطها في أيّة صراعات إقليمية مستقبلية مع إسرائيل، لا سيّما في ظل الموقف العدائي لترامب تجاه الميليشيات الإيرانية في العراق على وجه التحديد.
لذلك، يتنبّأ العديد من المراقبين أن يلجأ ترامب إلى طرْح مقاربة، تقوم على إضعاف النفوذ الإيراني بالعراق، عبر نزع سلاح الميليشيات بموجب مهلة معيَّنة يتخلَّلها ضغْط شديد على الحكومة العراقية، بالتلويح بإمكانية استخدام أدوات ضغْط مختلفة مالية واقتصادية وسياسية وعسكرية ضدّ العراق ومصارفه ونظامه المالي وشركاته النفطية، وضدّ العديد من الرموز الميليشياوية العسكرية والسياسية.
لكن لم تُشِر المعطيات المتوافرة -حتى تاريخ نشْر الدراسة- إلى نيّة أمريكية لحل الحشد الشعبي في عهد ترامب، وهو ما يجب التنبيه إليه، حال وضْع استراتيجية أمريكية لمواجهة إيران في العراق، بأنَّ المشكلة لا تكمُن في حل الميليشيات وتسليم سلاحها ودمجها في الحشد، وإنَّما الإشكالية الكُبرى في الحشد ذاته كجيشٍ موازٍ للجيش العراقي.
3. الحل الكامل للحشد الشعبي
يمثِّل ذلك رغبة إسرائيلية، حيث قدَّمت شبكة «إسرائيل 24»، المقرَّبة من الحكومة، تفسيرات بديلة لما طلبته واشنطن من السوداني، بأنَّها تطلب حل «الحشد» ذاته، بالإضافة للميليشيات المنفلِتة([4])، وهذا مغاير لما طرحته الصحافة العراقية والعربية عمّا يدور خلف الكواليس بين واشنطن وبغداد، ورُبّما يتعلَّق ذلك بإدراك تل أبيب لطبيعة المنطق الميليشياوي السائد في العراق، على أنَّها تكمُن في الحشد كجسمٍ كامل في القوّات المسلَّحة العراقية، لكن لم تتحدَّث الصحافة الإسرائيلية عن صيغة جديدة لحل الحشد، وسُبُل إعادة دمجه في الجيش؛ لأنَّه ليس من المنطقي والعملي حله وتسريح مقاتليه.
4. دمْج مقاتلين من «الحشد» ضمن الجيش العراقي
مُقترَح إيراني، تداولته وسائل الإعلام أثناء زيارة قائد «فيلق القدس» إسماعيل قآاني للعراق في 7 يناير 2025م، ولقائه بالسوداني وبقادة الميليشيات، مفاده أن يُصدِر السوداني قرارًا بدمج الآلاف من مقاتلي «الحشد» كُلِّيًا في الجيش، والتخلِّي عن الصيغة الحالية، التي يحظى فيها الحشد الشعبي بالتبعية المالية والعسكرية للقوات المسلَّحة، وبالاستقلالية في الجانب الإداري وتنفيذ الأوامر والقرارات والزي العسكري وليس زي «الحشد» ([5])، وذلك لتحقيق عِدَّة أهداف:
الأول؛ الالتفاف على مطلب حل الحشد وتفكيكه وتسليم أسلحته، مع ترتيب أموره بصيغة إيرانية تضمن بقائه كجسد، وذلك بشكل استباقي على الضغوط المكثَّفة على بغداد، قبل أن تضطرّ إلى التحرُّك سريعًا لحله بنكهة أمريكية-إسرائيلية، تنهي وجوده، مثلما حدث مع مرادفاته في سوريا ولبنان.
الثاني؛ صبْغ مقاتلي «الحشد» بالصبغة العسكرية للجيش من حيث الملابس العسكرية؛ لكي يصعب على الخصم التفرقة بين مقاتلي الجيش و«الحشد»، ومن ثمَّ تحييد وتأمين مقاتلي «الحشد» عن أيَّة هجمات أمريكية أو إسرائيلية مُحتمَلة مع ولاية ترامب.
الثالث؛ الحيلولة دون اندلاع خلافات بين السوداني وقادة الإطار التنسيقي، بخصوص مستقبل «الحشد» والميليشيات، لا سيّما أنَّ السوداني يتعرَّض لضغوط مكثَّفة لحسم قضية الفواعل العنيفة.
الرابع؛ ضمان عدم اندلاع أيّة خلافات بين قادة الإطار التنسيقي تجاه كيفية التصدِّي للضغوط الأمريكية، تُضعِف تأثير الإطار في المعادلة العراقية، مع بناء موقف موحَّد قائم على إيجاد طُرُق التفافية من شأنها حماية «الحشد»، من بينها مثلًا تحويل الميليشيات المُستهدَفة إلى جبهات سياسية بعدما باتت أوراق مكشوفة ومحروقة، ولم يعُد من الملائم الرهان عليها؛ لكونها باتت وجهة للانتقام الأمريكي والإسرائيلي.
المناورة الإيرانية لمنع حل «الحشد»، الذي تعتبره خطًّا أحمرًا حاسمًا في انتهاء مرحلة نفوذها الإقليمي، يعكس تصميم وتمسُّك طهران بمشروعها الجيوسياسي، وقد ظهَرَ ذلك في تصريح المرشد علي خامنئي عندما التقى السوداني في طهران في الثامن من يناير 2025م، مصرِّحًا: «كما تفضَّل السيِّد السوداني، فإنَّ الحشد الشعبي يشكِّل أحد عناصر القوَّة المهمَّة في العراق، ويجب السعي إلى الحفاظ عليه، وتعزيزه بنحوٍ أكبر»([6])، وكذلك تصريح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني إبراهيم عزيزي عند التقائه بوفدٍ من العشائر العراقية، حين قال: «إنَّ حل قوّات الحشد الشعبي يهدف إلى تقوية الجماعات الإرهابية في المنطقة»([7]).
إجمالًا، المقاربات المطروحة لتحقيق هدف حصْر السلاح بيد الدولة العراقية، مقاربات سياسية وجزئية ليست شاملة، وأشبه بمسكِّنات وقتية تُرتِّب على طارحيها أخطاء استراتيجية ستظهر تبِعاتها بعد سنوات، حيث تخلو من إدراك للمنطق الميليشياوي السائد في العراق، لطرح خطوات واقعية تصُبّ في صالح معالجة قضية الفواعل العنيفة برُمّتها، والقضاء على سطوة الميليشيات على القرار العراقي، فالقضية ليست في حل جزئي أو كُلِّي للميليشيات، وإنَّما القضية تتمحور حول المنطق الميليشياوي السائد في العراق، وفي القلب منه الحشد الشعبي –كلمة السر الإيرانية في العراق– كجيشٍ مواز، وفي آلية دمجه في الجيش العراقي.
ثانيًا: إشكاليات وتعقيدات تسوية قضية الفواعل العنيفة في العراق
لم تكُن المحاولات والمقاربات المطروحة تجاه الفواعل العنيفة بالعراق الأولى من نوعها، وإنَّما سبقتها أكثر من محاولة([8]) ومناشدات عراقية وعربية وأمريكية عديدة، باءت جميعها بالفشل، لكونها مقاربات بعيدة عن سياقات المعضلة العراقية السائدة منذ عام 2003م، ولا تنطلق من تصوُّر واقعي شامل في المعالجات يراعي الإشكاليات المعقَّدة في القضية، التي ترسَّخت في العراق على مدى عقدين من الزمان، والتي تتمحور حول سيادة منطق الجماعة على منطق الدولة، على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية، وليست العسكرية فقط. وفيما يلي أبرز تلك الإشكاليات:
الإشكالية الأولى: سيادة المنطق الميليشياوي
كافَّة المقاربات التقليدية والراهنة، لم تنطلق من إدراك المنطق الميليشياوي السائد بالعراق منذ سنوات: منطق اللا دولة والتخندق المذهبي المعادي لمنطق الدولة والمؤسسات والحُكم المدني والهويّة الجامعة، كنتيجة مباشرة لنظام المحاصصة الطائفية، التي تشكَّلت في العراق بعد الغزو الأمريكي قبل عقدين من الزمان، فتحوَّل النظام السياسي الشيعي في العراق إلى خدمة المذهب والميليشيا والداعم الخارجي، وسيطَرَ المنطق الميليشياوي على المعادلة العراقية بكافَّة أبعادها، ولم يقتصر على البُعد العسكري فقط كما هو الحال في سوريا والسودان؛ ما يعقِّد مسألة حل الحشد الشعبي، وإعادة دمْج مقاتليه بطريقة تضمن عدم بقائه كجسدٍ كامل.
يرتبط «الحشد» بالأساس بالرؤوس والتيّارات السياسية الوازِنة المؤثِّرة في المعادلة العراقية، التي تؤمن بدولة الميليشيات الداعمة لنفوذها وتأثيرها في القرار العراقي، والتمسُّك بها كجيوشٍ موازية أكثر من المؤسسات الرسمية الضامِنة للأمن والسيادة؛ بهدف الاستقواء بها على الخصوم والمنافسين تارةً، والبقاء أقوى من المؤسسات الرسمية بما يمكنها من السيطرة على الدولة ومقدراتها تارةً أخرى.
بناءً عليه، تتمسَّك تلك الرؤوس الوازِنة على بقاء الحشد الشعبي، وهي الإشكالية الرئيسية أمام أيّة مساعي للحصول على توافق سياسي لحله، والمعضلة الجوهرية، التي أطالت من عُمره بصيغته القائمة، إذ أنَّ «الحشد»، لم يعُد مجرَّد جيش موازٍ فقط، بل بات يمثِّل حالة قائمة، وإرادة سياسية وتشريعية واقتصادية واجتماعية، إلى حد إدراكه بأنَّه صاحب الحق في إدارة الدولة والمجتمع معًا، وأنَّ مسألة حله من شأنها فقدان الرؤوس لكافَّة الامتيازات وأدوات التأثير، التي حقَّقتها على مدى سنوات.
الإشكالية الثانية: غياب آليات تنفيذية لحصر السلاح
ترتبط بسابقتها، حيث أنَّ إخفاق الأطراف الخارجية في فهْم المنطق الميليشياوي في العراق، جعَلَ بوصلة مقارباتها مهزوزة، غير قادرة على تحديد الاتّجاه الصحيح لمعالجة الفواعل العنيفة بالعراق؛ لذلك لم تأتِ بصِيَغ موحَّدة متجانسة، حيث ركَّزت في غالبيتها على مفهوم «حل الميليشيات المنفلِتة»، سواءً بشكل كُلِّي أو جزئي، كأنجح طريقة لتحقيق هدف حصْر السلاح بيد الدولة، وركَّز القليل منها على مفهوم «حل الحشد الشعبي»، دون تحديد الآلية الملائمة لما بعد خطوات الحل، بينما تبنَّت إيران مفهوم «دمْج الميليشيات في الحشد الشعبي»، أو «دمْج الحشد الشعبي ظاهريًا من حيث الزي العسكري».
حل الميليشيات المنفلِتة (كُلِّيًا أو جزئيًا)، يعني عمليًا القيام بحلها ثمّ دمجها بـ «الحشد»، وينسجم ذلك مع الحلول الإيرانية، لكن سيُحدِث ذلك خللًا في توازُن القُوى لصالح «الحشد» وعلى حساب الجيش؛ لأنَّ الدمج من شأنه أن يؤدِّي إلى «تغوُّل الحشد»، عندما نعلم أنَّ عدد مقاتليه ارتفع بحلول 2023م، إلى نحو 204 ألف، حسب تصريحات رئيسه فالح الفيّاض([9])، مقارنةً بنحو 200 ألف فرد في الجيش، حسب أرقام الاستخبارات الأمريكية عام 2023م([10]). وعند حساب متوسِّط عدد مقاتلي كل ميليشيا من الميليشيات الثلاثة المُستهدَفة بالحل والدمج في «الحشد» بنحو 30 ألف مقاتل فقط (تتراوح أعداد مقاتلي كل ميليشيا من 10-50 ألف مقاتل، وقد تصِل إلى 100 ألف مقاتل، حسب التقديرات المتعلِّقة بـ «كتائب حزب الله العراقي»)، فإنَّنا سنُضيف نحو 90 ألف مقاتل لـ «الحشد»([11])، ليصبح العدد الإجمالي لمقاتليه نحو 294 ألف مقاتل، مقارنةً بـ 200 ألف في الجيش، لكن حال دمْج بقية الميليشيات المنفلِتة، سنكون أمام «حشد شعبي» بعددٍ مضاعف لعدد الجيش، الذي جاء خلال العام 2023م في المرتبة 45 عالميًا.
كذلك لم تقدِّر الحلول المطروحة ضبابية هياكل الميليشيات، ومدى واقعيتها، حيث أنَّ الحشد الشعبي تمَّ تشكيله منذ سنوات، بينما لم تجعل الميليشيات جميع عناصرها منضوية تحت لوائه؛ لأنَّ العديد من مقاتليها -حسب الأوساط الإعلامية- موظَّفون رسميون في الحكومة، أو بالقطاع الخاص، وينتسبون للميليشيات سرًّا. ولذلك، العديد من مقاتلي الميليشيات مجهولون، وليس لهم معسكرات واضحة يمكن استهدافها ([12])، كما أنَّ غالبية الميليشيات عقائدية، ولا تحتوي على هياكل واضحة ومُعلَنة عن عدد مقاتليها؛ ما يعقِّد مسألة الفواعل العنيفة بالعراق.
الإشكالية الثالثة: العقيدة العسكرية المؤدلجة لـ «الحشد»
هناك بون شاسع في العقيدة العسكرية لكُلِّ الجيش العراقي من ناحية، و«الحشد» والميليشيات المنفلِتة من ناحية ثانية؛ ما يعقِّد من مهمة قبوله بالحل. ففيما تتّسِم العقيدة العسكرية للجيش بالطابع المدني، وتعمل لصالح الأمن القومي في المقام الأول والأخير، تتّسِم العقيدة العسكرية لـ «الحشد» بالطابع العقْدي المؤدلج، والإيمان المطلق بالأُسُس الفكرية لـ «ولاية الفقيه»، والاعتقاد بالدور العقْدي في تمهيد الأرض لظهور «إمام الزمان»، الذي سيقيم حكومة العدل العالمية المزعومة، وبالمبادئ الثورية الإيرانية العابرة للحدود، وبالتالي يعتبرون انخراطهم في تنفيذ المشروع الأُممي المنشود إيرانيًا مهمَّة روحية ودينية بالأساس، ومن ثمَّ يأتمرون بأمر الولي الفقيه، لا بأمر القائد الأعلى للقوّات المسلَّحة العراقية. وتعمل الميليشيات لخدمة المشروع الإيراني لا المصالح العراقية، لا سيّما في ظل الرفض الإيراني المطلق لضياع النفوذ في العراق، بعد أن تعرَّضت إيران لخسائر تاريخية في سوريا ولبنان؛ ما يعقِّد مسألة القبول بحل الحشد الشعبي.
أشارت دراسة عراقية منشورة نهاية 2021م، إلى أنَّ 44 ميليشيا (نسبة 65%) من إجمالي 67 ميليشيا منضوية تحت لواء «الحشد»، البالغ إجمالي عدد ميليشياته نحو 119 ميليشيا([13])، تُدين بالولاء لمرجعية قُم، ويمثِّل الشيعة 85% من المنتسبين في «الحشد»، و15% من السُنَّة. أمّا على مستوى القيادات، فإنَّ الشيعة يسيطرون على «الحشد» بنسبة 100%([14])، يُضاف إلى ذلك، أنَّ العديد من الميليشيات، التي أسستها إيران في العراق بعد مقتل قائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني عام 2020م، جميعها تُدين بالولاء لمرجعية قُم، وترتبط مباشرةً بالحرس الثوري الإيراني، وتضغط لخروج القوّات الأجنبية من العراق، والقيام بدور جماعات الواجهة للميليشيات التقليدية الواقعة تحت طائلة العقوبات والاستهدافات الأمريكية([15])، مثل: أصحاب الكهف، ربع الله، عهد الله، لواء ثأر المهندس، سرايا قاصم الجبارين، سرايا أولياء الدم، عصبة الثائرين، كتائب الصابرين، كتائب كربلاء، كتائب سيف الله، وبالتالي فالاختلاف في حدود الولاء والعقائد العسكرية يعقِّد الأمور ولا يخدم مسألة حل «الحشد».
الإشكالية الرابعة: طبيعة العلاقة بين المنظومة الحاكمة والميليشيات
ثمَّة علاقة طردية بين بسْط يد الميليشيات وأدوات تأثيرها في المعادلة العراقية، وبين طبيعة العلاقة مع المنظومة الحاكمة، خصوصًا من التيّارات الأكثر ولاءً لخط الولي الفقيه، حيث أنَّ سيطرة التحالفات الشيعة على المقاعد البرلمانية، وتشكيلها للحكومات المتعاقبة، رُبّما -حسب ما يراه العديد من المراقبين- تلعب في تحقيقها ورقة السلاح المنفلِت الدور الأبرز، سواءً من خلال تأمين عمليات التزوير لصالح التحالفات الشيعية، أو من خلال التهديد بتفجير الساحة، عندما تشعر التحالفات الشيعية بخطرٍ يستهدف نفوذها في السيطرة على المشهد العراقي، مثلما حدث -على سبيل المثال- عندما لجأ مقاتلي الميليشيات المنفلِتة إلى السلاح ضدّ المحتجِّين الصدريين في المنطقة الخضراء عام 2021م؛ تلك الأزمة، التي آلت في نهاية المطاف إلى انسحاب النوّاب الصدريين من البرلمان، وإعلان الصدر اعتزال السياسية تاركًا الساحة لـ «الإطار التنسيقي» لتشكيل الحكومة الراهنة.
في ظل حملة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية المكثَّفة، تُدرك رئاسة الحكومة العراقية، أنَّها أمام مهمَّة معقَّدة تجعلها أشبه بالذي يسير على الحبال المشدودة، فهي من ناحية تريد إرضاء إدارة الرئيس ترامب تجنُّبًا لأيّة عقوبات أو سياسات ضدّ البلاد تفاقم أزماتها، ومن ناحية ثانية، تريد الحفاظ على المنطق الميليشياوي الضامن لقوَّة النظام الشيعي، والتي دعمتها للوصول إلى الحُكم، ومن ناحية ثالثة تتخوَّف من لجوء الميليشيات إلى تفجير الساحة في سيناريو أشبه بالانتحار حال الضغوط القوية، ولا سيّما أنَّ مقاتليها عراقيين غير الحالة السورية، التي لم تكُن سوريا موطنًا للعديد من مقاتلي الميليشيات، التي انسحبت منها عند فرار الرئيس، كما أنَّ الراعي الإيراني جار حدودي للعراق، يمكنه تقديم الدعم المباشر للميليشيات في العراق لكسب أيّة معركة تنشأ بالعراق، وكل ذلك يعقِّد من مهام حل «الحشد».
ثالثًا: نحو منظور بديل لتسوية قضية الفواعل العنيفة
تبيِّن الإشكاليات السابقة أَّن الحلول المطروحة تجاه قضية الفواعل العنيفة في العراق، انطلقت من تصوُّرات غير واقعية، بعيدة عن استيعاب المنطق الميليشياوي؛ لذلك ركَّزت على معالجة جزئية عسكرية للمنطق الميليشياوي المتعدِّد الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والعقْدية والاجتماعية السائدة بالعراق منذ عقدين من الزمان، بتركيزها على «حل الميليشيات المسلَّحة المنفلِتة جزئيًا أو كليًا»، وهي معالجة لا يمكنها -حال تحققها- من تفكيك ومعالجة قضية الفواعل العنيفة في العراق.
بمراجعة أدبيات وقضايا الفواعل العنيفة من غير الدول لاستخلاص الدروس في المعالجات المنهجية لتلك القضية الشائكة إقليميًا ودوليًا، عطفًا على تعقيد قضية الفواعل العنيفة في العراق، وعلى ضرورة اغتنام الفُرَصة التاريخية المتاحة للمساهمة في تحقيق هدف احتكار الدولة العراقية للسلاح، يمكن طرح «مقاربة واقعية بنّاءة» من منظورٍ عربي بديل ينطلق من استيعاب وإدراك المنطق الميليشياوي السائد بالعراق، كمقاربة واقعية يمكنها الإسهام، ولو بقدرٍ محدود، في معالجة قضية الفواعل العنيفة بالعراق، والانتقال من طور المنطق الميليشياوي إلى منطق الدولة، وذلك بالسير بالتوازي على عِدَّة مسارات:
المسار الأول: القضاء على الجيوش الرديفة
أول الحلول، التي ركَّزت عليها الأدبيات المعنية، يتمثَّل في القضاء على الجيوش الرديفة، ليس فقط في العراق وإنَّما في سوريا ولبنان والسودان، وغيرها. ويمثِّل الحشد الشعبي في العراق جيشًا رديف؛ لكونه أُدرِج في القوّات المسلَّحة، بطريقة تضمن استقلاليته في أي وقت، كجسد كامل، وقد نصَّ على ذلك قانون هيئة الحشد الشعبي، المادَّة رقم (1)، ثانيًا الفقرة (1): «يكون الحشد الشعبي تشكيلًا عسكرًيا مستقِلًّا وجزءًا من القوّات المسلَّحة العراقية، ويرتبط بالقائد العام للقوّات المسلَّحة »([16]) (انظر المرفق رقم 1 بالملاحق)، وهو ما تنبَّهت له الإدارة السورية الجديدة إزاء مطالب قوّات سوريا الديمقراطية «قسد» بالانضمام كجسد كامل، ورفضته، وتنبَّه له الجيش السوداني مبكِّرًا تجاه مستقبل قوات الدعم السريع، وبالتالي ينبغي تعديل المقاربات المطروحة والاستراتيجيات المُحتمَلة تجاه الفواعل العنيفة بالعراق، لتركِّز على عنوان رئيسي: «حل الحشد الشعبي»، بدلًا من عنوان «حل الميليشيات المسلَّحة المنفلِتة» كليًا أو جزئيًا؛ لأنَّ المشكلة الجوهرية تكمُن في تنظيم «الحشد» كهيئة غير معرَّفة مثل الجيش والشرطة، ثمّ حل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة، حسب حديث السياسي الشيعي الأمين العام لحركة الوفاء العراقية عدنان الزرفي على قناة «دجلة» الفضائية في 3 مارس 2025م. وذلك باعتباره واجب وطني، وأهمّ شروط تهيئة الأرضية المناسبة لإجراء التغيير الحقيقي المُفضي إلى بناء العراق الجديد بمنطق الدولة، لا سيّما في ظل الاتّجاه الإقليمي والدولي للقضاء على الفواعل من دون الدول، وقبول حزب العُمّال الكردستاني المعارِض (PKK) مؤخَّرًا دعوة زعيمة المسجون بتركيا عبدالله أوجلان بالتخلِّي عن السلاح بعد أربعة عقود من النزاع، وذلك وفق آلية تنفيذية تقوم على:
- الفرز والدمج: أن يتبنَّى الجيش ضوابط صارمة تسبق عملية الدمج، ترتكز على الفرز والغربلة بين العناصر العقائدية المؤدلجة والمقاتلين العاديين والمقاتلين ذوي المهام الرئيسية في «الحشد» والميليشيات، حسب منطق الدول، والعمل على إعادة تعريفهم ضمن تقاليد الجيش العراقي، ثمّ استبعاد العناصر العقائدية والمقاتلين ذوي المهام الرئيسية، ورُبّما إحالتهم للتقاعد، أو تعويضهم بوظائف مدنية، وعادةً ما تكون أعدادهم قليلة، مع دمْج المقاتلين الاعتياديين وتذويبهم في الجيش.
- التوزيع الفردي: تشكيل لجان عسكرية وطنية مهمَّتها إعادة دمْج المقاتلين الاعتياديين بشكلٍ فردي في الوحدات والفرق والكتائب والألوية، حسب لوائح وقوانين الجيش في الدرجات والرُتَب العسكرية، مع مراعاة المعايير الوطنية، والابتعاد عن الانحياز الطائفي.
- الرقابة والعقيدة: يتِم متابعة العناصر المندمجة بالجيش، ومراقبة مدى التزامها بالعقيدة العسكرية الوطنية، وتجانسها مع قوّات الجيش، مع استبعاد من يثبت بحقهم التمسُّك بالشعارات المؤدلجة؛ لأنَّ ما حدَثَ في السنوات السابقة هو دمْج للميليشيات و«الحشد» بالجيش من دون ضوابط؛ ما أدَّى إلى تشتيت الولاءات داخل المؤسسات العسكرية، وبروز ظاهرة الحشد الشعبي كجسمٍ كامل رديف.
- صلاحيات الجيش: ضرورة تفعيل صلاحيات الجيش في السيطرة على زمام البلاد، من خلال إعادة انتشار أفراده في المناطق الاستراتيجية، التي كانت تسيطر عليها ألوية الحشد والميليشيات المنفلِتة، مثل مناطق السِلَع الاستراتيجية، والمناطق الحدودية، والطُرُق الدولية.
- التوزيع الجغرافي والديموغرافي: يجب مراعاة أن يكون توزيع المقاتلين بعيد عن الحاضنة الجغرافية والديمغرافية، في محافظات غير محافظة الولادة، وفي غير محافظات المذهب.
المسار الثاني: التغيير في المعادلة السياسية القائمة
الحالة العراقية تختلف عن الحالتين السورية والسودانية، فيما يتعلَّق بثِقَل الفواعل العنيفة في المعادلة السياسية؛ فالحالة العراقية شائكة وأكثر تعقيدًا عند التحرُّك لحل «الحشد»، ببساطة لسيادة المنطق الميليشياوي في العراق مقارنةً بسوريا والسودان. ففي سوريا، لم تمتلك «قسد» أيّة تحالفات أو رؤوس سياسية وازِنة لا في البرلمان ولا في الحكومة الجديدة للتأثير عليها، ونفس الحال أيضًا في السودان، ومن ثمَّ تعقِّد مهمَّة الحصول على توافُق سياسي بين التيّارات والرؤوس الوازِنة على حل «الحشد» في العراق، ما لم تمارس الأطراف الإقليمية والدولية المؤثِّرة، ضغوط مباشرة على أطراف المنطق الميليشياوي المباشرين (النظام الحاكم و«الإطار» و«الحشد» والميليشيات)، وغير المباشرين (إيران)، ولذلك يقترح العديد من المتابعين ضرورة التغيير في المعادلة السياسية وخطابها السياسي وفواعلها المؤثِّرة، على النحو التالي:
- الضغط على الرؤوس والتيّارات السياسية الوازِنة: هناك شخصيات سياسية واقتصادية وقضائية ميليشياوية وازِنة في التأثير على المعادلة السياسية العراقية، تعقِّد مهمَّة حل «الحشد» على مختلف مستوياتها. ولذلك، يرى العديد من المراقبين ضرورة تكثيف الضغوط، وفرْض مزيد من العقوبات بحق الرموز الميليشياوية السياسية والعسكرية، ورُبّما أن تلجأ إدارة الرئيس ترامب إلى تجميد أرصدتهم ورواتبهم، أو التلويح بتنفيذ عمليات استهداف ضدّهم، بنفس سيناريو تصفية قيادات حزب الله في لبنان. وفي هذا الصدد، أشارت العديد من التقارير([17]) إلى مغادرة العديد من قادة الميليشيات المُستهدَفين للعراق خشية اغتيالهم، في ظل تعدُّد الرسائل الأمريكية بضرورة سرعة حسْم ملف الميليشيات.
- التأكيد على قاعدة الأغلبية الوطنية في تشكيل الحكومات: بينما يقترب موعد تنظيم الانتخابات البرلمانية في العام الجاري 2025م، ينبغي الضغط على التيّارات الشيعية النافذة، والتي عادةً ما تقفز على القاعدة الدستورية «الكُتلة النيابية الأكثر عددًا»([18])، بدعمٍ إيراني، في تسمية رئيس الحكومة وتشكيلها، وتتمسَّك بالقاعدة التوافقية لتسمية شخصية إيرانية الهوى، فلا بُدَّ من تهيئة الحياة السياسية للقواعد الدستورية الراسخة؛ ما من شأنه إتاحة الفُرَصة للشخصيات والتيّارات العابرة للطائفية والوطنية، وفي القلب منها التيّارات المدنية والسُنِّية بموجب أنظمة مغايرة، لا سيّما في ظل إخفاق النظام السياسي الشيعي في بناء العراق وقبله إيران، أو حتى بناء أيّ دولة من الدول، التي ابتُلِيَت بالتدخُّل الإيراني، حيث أثبتت التجارب أنَّ النهج الميليشياوي حليف وفي للفشل، أمّا النهج الوطني حليف قوي للبناء والتنمية للدول الوطنية.
- تعزيز دور ومكانة التيّارات ذات التوجُّهات المدنية: في المقابل، ينبغيدعْم التحالفات ذات التوجُّهات المدنية، مثل التحالفات التي نشأت بعد الأحداث التشرينية، والتيّارات الشيعية العابرة للطائفية، والتيّارات السُنِّية والكردية الراغبة في بناء الدولة، لممارسة دور أكبر في المعادلة السياسية، بما يحِد من سطوة التحالفات الشيعية المؤيِّدة للمنطق الميليشياوي على مؤسسات الدولة.
المسار الثالث: تفعيل الأُطُر الدستورية والقانونية
سيادة المنطق المليشياوي وتفعيل الأُطُر الدستورية والقانونية لا يجتمعان في بيئة واحدة؛ لذلك ينبغي العمل على إعادة تفعيل القوانين والأُطُر الدستورية الداعمة لمسار الدولة تجاه:
1. تفكيك «الحشد»: تحظر المادَّة رقم (9) فقرة (ب) من الدستور العراقي «تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوّات المسلَّحة»([19])ـ، وتعرِّف القوّات المسلَّحة على أنَّها الجيش والقوّات البحرية والقوَّة الجوِّية والدفاع الجوِّي وحرس الحدود، وتكون تابعة لوزارة الدفاع تحت إمرة القائد العام للقوّات المسلَّحة رئيس الوزراء، كذلك يحتوي البرنامج الحكومي لحكومة السوداني على بند ينُصّ على «إنهاء ظاهرة السلاح المنفلِت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة»([20])، وبالتالي تأسيس الميليشيات، التي تأسس منها «الحشد»، مخالف للدستور من الأساس وللبرامج الحكومية، كما أنَّ ذريعة تشكيل الميليشيات لمواجهة الاحتلال الأمريكي أصبحت باطلة بالانسحاب الأمريكي للعدد الأكبر من القوّات منذ 2011م، كما أنَّ ذريعة محاربة «داعش»، التي تأسس بسببها «الحشد»، لم تعُد قائمة، ولذلك انتفى الأساس القانوني والواقعي لبقاء «الحشد» كجسدٍ كامل بالقوّات المسلَّحة والميليشيات.

2. التصدِّي للمقرّات الميليشياوية الإرهابية: تُلزِم المادَّة السابعة (ثانيًا) من الدستور، الحكومة العراقية بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وتعمل على حماية أراضيها من أن تكون مقرًّا أو ممرًّا أو ساحة لنشاطه، كما حظرت في البند (أولًا) كل كيان أو نهْج يتبنَّى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرِّض أو يمهِّد أو يمجِّد أو يروِّج أو يبرِّر له ([21]).
3. حماية أمن دول الجوار: بتفعيل المادَّة (8) من الدستور، والتي تنُصّ على أنَّ العراق يراعي مبدأ حُسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول، ولذلك فإنَّ كافَّة الميليشيات، التي دخلت سوريا لدعم النظام السوري السابق، أو تهدِّد أمن دول الجوار، غير قانوني، ويرتِّب مخالفات قانونية ودستورية على العراق.
4. قاعدة الكُتلة النيابية الأكثر عددًا: تُلزِم المادَّة (76) رئيس الجمهورية بتكليف مرشَّح الكُتلة النيابية الأكثر عددًا لتسمية رئيس الحكومة وتشكيلها ([22])؛ لذلك يجب تفعيلها، مع تفعيل دور المحكمة الاتحادية الُعليا المعنية بالمخالفات الدستورية، وضمان استقلالها بعيدًا عن المنطق الميليشياوي.
5. إلغاء القوانين المذهبية والإقصائية: نتيجة هيمنة نوّاب الإطار التنسيقي على المؤسسة التشريعية، أجاز البرلمان العديد من القوانين المذهبية لإرساء الهويّة الشيعية، مثل قانون عيد الغدير وقانون الأحوال المدنية؛ ما من شأنه فرْض سردية شيعية على بقية سرديات الطوائف والعِرْقيات العراقية. ولذلك، من الأهمِّية دعْم التيّارات المدنية لوقف اتّجاه تمرير القوانين المذهبية، مع مطالبات لمراجعة كافَّة القوانين ذات الصبغة المذهبية الشيعية، ويمكن الإشارة في ذلك السياق إلى ضرورة إلغاء قانون المساءلة والعدالة المعني باجتثاث عناصر البعث، حيث أصبح الشيعة ينظرون للسُنَّة على أنَّهم مرادفين لـ «البعث»، وبالتالي تجريفهم وتغريبهم من بوابة ذلك القانون.
المسار الرابع: استشارة دول الجوار العربي عند صياغة المقاربات
تتوقَّف فعالية أيّة مقاربة تجاه الفواعل العنيفة بالعراق، على إشراك دول الجوار العربي للعراق، عند صياغتها، وإبداء موقفها ومرئياتها، باعتبارها الأجدر على استيعاب المنطق الميليشياوي في العراق، وبالطبع مقترحاتها ستخدم المقاربة وفاعليتها، لا سيّما بعدما تبيِّن للعواصم الغربية بأنَّ المقاربات، التي طرحتها الدول العربية والخليجية الفاعلة تجاه مخاطر المشروع الجيوسياسي الإيراني، والفواعل العنيفة من غير الدول في الدول وعند ممرّات العبور الدولية، كانت صائبة ومحقة، حيث تكبَّدت الدول الغربية نتيجة إهمالها للمقاربات العربية تكلفة باهظة؛ ما يفرض على الغرب ضرورة الاستماع لرؤى دول الجوار ومقاربتها في ذلك السياق.
رابعًا: فُرَص حل الحشد الشعبي وإعادة دمجه في الجيش
ويُقصَد بها نقاط ضعف «الحشد»، التي تسهِّل مهمَّة حلِّه، وإعادة دمجه، بشكل يضمن عدم بقائه كجسم ٍكامل في الجيش، أبرزها:
1. المخالفات الدستورية في تشكيل «الحشد»
يسود جدل واسع بالعراق حول دستورية قانون انضمام «الحشد» للجيش، منذ إقراره في البرلمان عام 2016م، لا سيّما أنَّه تشكَّل من ميليشيات تأسست بشكلٍ مخالف للمادَّة (9) من الدستور. وهُنا يمكن الإشارة إلى تأكيد الشيخ سائر البياتي في ديسمبر 2024م، على أنَّ «الحشد» مخالف للدستور؛ لكونه تجمُّع لميليشيات تأسست بشكلً مخالف للدستور، وأنَّ غالبية ألويته لها امتدادات ضمن الميليشيات([23])، كما أنَّ «الحشد» لم يندمج بشكل فردي ضمن مكوِّنات القوّات المسلَّحة، ويحظى بميزانية مالية خاصَّة تُقدَّر بـ 2.8 مليار دولار([24])، تُقتطَع من ميزانية وزارة الدفاع البالغ إجماليها 21.6 مليار دولار، على الرغم من كونه يقع تحت إمرتها مباشرة.
كذلك، تقع العديد من الميليشيات، التي لديها ألوية بـ «الحشد»، ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية، مثل كتائب حزب الله العراقي وحركة النجباء وكتائب سيِّد الشهداء، كذلك يُعَدّ انخراط العديد من قادتها في السياسة عبر الترشُّح في الانتخابات البرلمانية أو تشكيل تحالفات سياسية (يترأّس رئيس «الحشد» نفسه حركة عطاء، وتنضمّ قيادات في الكتائب والعصائب ومنظَّمة بدر ضمن الإطار التنسيقي)، مخالفة للقواعد والأعراف الدستورية، التي تحظر على أعضاء القوّات المسلَّحة أثناء عملهم الترشُّح في الانتخابات أو تأسيس أو قيادة أحزاب أو تحالفات سياسية، كما أنَّ هناك الكثير من الميليشيات، التي تتّخِذ من «الحشد» غطاء لها، متورِّطة في قتْل المتظاهرين، كما أنَّها تبتزّ المواطنين والشركات الاستثمارية الأجنبية من دون مساءلة، ولا تخفي بعض فصائل «الحشد» ارتباطها بإيران، كما تعتبر نفسها وبشكلٍ واضح جزءًا لا يتجزأ ممّا أسمته إيران بـ «محور المقاومة»، الذي تعرَّض لضربات تاريخية.
2. موقف المرجعية العُليا بالنجف الداعم لمسار الدولة
تدعم مرجعية النجف، على خلاف من مرجعية قُم، مطلب احتكار الدولة للسلاح، وتعزيز سُلطة الدولة واستقلالية قراراها، وهي من بين القضايا الخلافية بين المرجعيتين. وبينما تتزايد الضغوط على العراق، جدَّدت المرجعية في نوفمبر 2024م، مطلب حصْر السلاح بيد الدولة، باعتباره أول شرط لبناء العراق الجديد المستقِرّ ([25])؛ ما عدَّهُ متابعون على أنَّه رسالة عاجلة للحكومة بضرورة معالجة قضية السلاح المنفلِت، ورسالة للميليشيات بضرورة تفادي قصْف الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، لتجنيب العراق ويلات تجُّدد الحروب.
تؤمن مرجعية النجف بزوال المبرِّرات المنطقية في تأسيس الميليشيات، بموجب فتوى «الجهاد الكفائي» لعلي السيستاني 2014م، ولذلك قرَّرت بنهاية 2020م، فكّ «ألوية العتبات» التي تُدين بالولاء لها، من «الحشد»: «فرقة العبّاس القتالية»، «فرقة الإمام علي القتالية»، «لواء أنصار المرجعية»، و«لواء علي الأكبر»؛ ما أثار غضب الميليشيات الولائية بـ «الحشد»، لكونه شكَّل ضربةً لمساعيها في تعزيز قوَّة «الحشد» ليصبح جيشًا موازيًا. لكن يطرح الكثير من المراقبون، أنَّ المرجعية باتت مطالبة بإصدار فتوى لحل «الحشد» كما أصدرت فتوى لتأسيسه، ولذلك أوضحوا أنَّ زيارتي الممثِّل الأُممي في العراق محمد الحسّان للمرجعية، كانت بهدف طلب إصدار فتوى لحلِّه، لكن فسّرت رفْض السيستاني لقاء الحسّان في الزيارة الثانية على أنَّه رفْض لمطلبه، لكن على ما يبدو أنَّ المرجعية رُبّما لا تريد إصدار فتوى تشعل من جديد فتيل الصراعات والحروب الطائفية في العراق، لكن بناءً على مواقف المرجعية، فأيّ قرار حكومي بحلِّه لا شكّ سيكون محل ترحيب من المرجعية.
3. معضلة الحُكم والسياسة في المجتمع
تُعَدُّ المعضلة المعقَّدة، التي يمُرّ بها الشيعة في الحُكم والسياسة والمجتمع، من الفُرَص الهامَّة للضغط على مختلف الأطراف الشيعية للقبول بحل «الحشد»؛ لكونها أفقدتهم الأوتاد الرئيسية لاستمراريته كجسدٍ كامل في الجيش:
أ. ضعْف النظام السياسي في الحُكم: تكشف المعطيات عن إخفاق النظام الحاكم، الداعم لـ «الحشد»، في بناء العراق الجديد على مدى أكثر من عقدين من الزمان؛ نتيجة افتقاده لبرامج وطنية على مستوى الدولة والهويّة الجماعية قادرة على تسوية الأزمات، مقابل اعتماده على برامج طائفية لخدمة الهويّة الفرعية الشيعية، واختزال الدولة في أُفُق مذهبي ضيِّق لصالح مخطَّطات إيرانية، فتحوَّل العراق إلى قائمة الدول، التي يستشرى فيها الفساد بشكلٍ كبير، وتكفي الإشارة إلى قضية «سرقة القرن؛ 2.5 مليار دولار»(*)، وتعقُّدات أزمة الكهرباء والبطالة ومياه الشرب، وتقاعُس القضاء في محاكمة الفاسدين. هذه القضايا من شأنها ضرْب النظام الحاكم في العراق في مقتل؛ لكونها تنسف الثوابت الثلاثة للنظام: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ما حرَمَ العراق من الفُرَص الاستثمارية الهائلة، حيث كانت الشركات الأجنبية تحجم عن الرغبة في الاستثمار في العراق خوفًا من الفساد؛ ما أدخل العراقيين إمّا في دائرة الفقر، أو في عداد النازحين والمهجَّرين نتيجة منطق اللا دولة.
ب. أزمة البيت الشيعي: يعيش البيت الشيعي أزمة مفصلية بين الأطراف الداعمة والمشكِّلة لـ «الحشد»، حيث يستمِرّ صراع بين أكبر تحالفين شيعيين: الأول، التيّار الصدري، الذي يدعم مسار الدولة بما يضمن حصْر السلاح المنفلِت بيد الدولة، ورفْض هيمنة مرجعية قُم على القرار العراقي، وتغيير القاعدة المعمول بها في تشكيل الحكومات من القاعدة التوافقية إلى الوطنية، وتأسيس علاقات خارجية متوازنة، والثاني، الإطار التنسيقي، الذي يضُمّ عددًا من التحالفات بينها الموالية لإيران، مثل دولة القانون بقيادة نوري المالكي، والفتح بقيادة هادي العامري، ويتمسَّك بمسار اللا دولة بما يضمن استمرارية السلاح المنفلِت. أمّا عسكريًا، يسود انقسام بين كُبريات الميليشيات المنفلِتة، التي تدين بالولاء لمرجعية قُم، مثل الصراع الذي دار بين كتائب حزب الله العراقي وحركة النجباء وكتائب سيِّد الشهداء من ناحية وعصائب أهل الحق ومنَّظمة بدر من ناحية ثانية، على المواقع القيادية في «الحشد»، والموارد والثروات في مناطق النفوذ، وعلى المعابر الحدودية لجباية الأموال وحصْد الغنائم من التجارة السوداء، وذلك منذ غياب مهندس المشروع الإيراني -راعي الوحدة والتناغم والتماسك بين الميلشيات- قاسم سيلماني، وذراعه الأيمن أبو مهدي المهندس.
ج. تآكُل الظهير المذهبي والشعبي: نتيجة فشل النظام الحاكم في الحُكم، تآكل ظهيره الشيعي والشعبي في قلب الحواضن الشيعية بالمحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية. ولذلك، عبَّر الرأي العام الشيعي والسُنِّي والكردي عن رفضه الواضح للحُكم الطائفي؛ لكونه يعمل لصالح أجندة إيرانية مذهبية لا عراقية، في عِدَّة ملامح، أبرزها: خروج الاحتجاجات الشعبية الحاشدة من الشريحة الشبابية -ذات الأفكار المعاصرة المعادية للتخندق المذهبي والأدلجة وصدارة المعمَّمين للمشهد- ضدّ الحُكم الشيعي، ثمّ تسديد الضربات المدوِّية للتحالفات الموالية لإيران في الانتخابات البرلمانية (2018م و2021م)، بعدم التصويت لها في الانتخابات، مقابل التصويت للتحالفات الداعمة لمسار الدولة؛ ما يكشف عن وجود قوَّة جماهيرية عريضة باتت رافضة للمنطق الميليشياوي السائد بالعراق.
4. أزمة الراعي وخشية قياداته من الإطاحة بالنظام ذاته
يعيش الراعي الإيراني لـ «الحشد» حالة ضعْف تاريخية، على خلفية الهزائم الإقليمية، التي مُنِيَت بها إيران في سوريا ولبنان، بتدمير قُدرات وقيادات حزب الله وإجباره على الخروج من الصراع، وتوقيع اتفاق وقْف إطلاق النار بموجب القرار 1701، وسقوط النظام السوري الحليف، وسيطرة نظام جديد يرفض إقامة علاقات مع إيران ومدعوم من تركيا والسعودية القوَّتين الإقليميتين الكبيرتين، ودخول إيران في معادلة ردْع جديدة في المنطقة جعلتها في حالة دفاعية، في ظل الضغوط الأمريكية والتهديدات الإسرائيلية؛ ما جعَلَ رموز نظامها يتخوَّفون من تكرار السيناريو السوري في إيران، ورُبّما باتوا على قناعة بأنَّ خطر سقوط النظام بات أمرًا ممكنًا.
تُضعِف تلك الخسائر الإيرانية من أدوات تأثير إيران على حكومة بغداد تجاه مسألة حل «الحشد»، لا سيّما أنَّ التطوُّرات الإقليمية شكَّلت «محيطًا سُنِّيًا» حول العراق، الذي بات يتوجَّس من مفعول أحجار الدومينو، يضُم: الكويت والسعودية والأردن وسوريا وتركيا، وكلّها دول داعمة لنقل العراق لطور الدولة، ومناهضة للمنطق الميليشياوي بالعراق خصوصًا في ظل اتّجاه إقليمي ودولي بات على قناعة شبه تامّة بأفضلية حُكم السُنَّة على حُكم الشيعة، وهذا ما تؤكِّده اندفاعة الدول الغربية للتسابق إلى دمشق بعد سيطرة المعارضة السُنِّية على المشهد السوري، بل وتأكيد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أثناء زيارته لسوريا عن تلقِّي إشارات إيجابية من الغرب لتعزيز العلاقات مع الإدارة السورية الجديدة([26])، بل وتخفيف الإدارة الأمريكية السابقة -قبل مغادرتها البيت الأبيض- العقوبات على سوريا.
5. توجُّهات إدارة ترامب تجاه الفواعل العنيفة بالعراق
يتّسِم موقف الرئيس ترامب تجاه الفواعل العنيفة بالعراق بالعدائية الشديدة، والذي تشكَّل نتيجة هجماتها المتكرِّرة ضدّ الأهداف الأمريكية ضمن استراتيجية إيرانية مضادَّة لاستراتيجية الضغوط القصوى الأمريكية؛ ما دفعه إلى تصفية مهندس المشروع الإيراني الإقليمي قائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي المدعوم من إيران أبو مهدي المهندس، كما لجأت إدارته السابقة إلى فرْض العقوبات على الميليشيات وقادتها لتجفيف مصادر تمويلها، وأضافت بعض قادتها على قوائم الإرهاب.
كذلك تكشف رموز إدارة ترامب عن توجُّه أمريكي أكثر عدائية تجاه الميليشيات خلال الولاية الثانية لترامب، حيث يتّخذ نائب الرئيس جيه دي فانس موقفًا عدائيًا من الميليشيات في العراق، تشكَّل لديه أثناء تأديته الخدمة العامَّة ضمن سلاح مشاة البحرية الأمريكية أثناء الغزو الأمريكي للعراق، كما أنَّه مؤيِّد قوي لإسرائيل. كما أنَّ وزير الخارجية مارك روبيو معروف بمواقفة الصارمة تجاه الميليشيات في المنطقة العربية، وانتقاداته اللاذعة لمواقف إدارة بايدن تجاه الميليشيات، وجادل بأنَّها أضرَّت كثيرًا بالمصالح الأمريكية؛ لكونها شجَّعت الميليشيات لانتهاك أمن الحلفاء الاستراتيجين في الشرق الأوسط، ورتَّبت تداعيات اقتصادية جمَّة على واشنطن لتوفير الحماية للحلفاء، إضافة لكونه مؤيِّد كبير لإسرائيل.
يُتوقَّع اتُخاذ موقف متشدِّد من «الحشد» في العراق، لا سيّما بعدما أدرك الأمريكيون تهديدها للمصالح الأمريكية، وبعدما أدرك الأوربيون حجم التهديد للأمن الأوربي بتقديم إيران الدعم العسكري لروسيا في حربها مع أوكرانيا، وتشكُّل اتّجاه إقليمي ودولي نحو إنهاء الفواعل العنيفة من دون الدول.
خامسًا: تحدِّيات حل الحشد الشعبي في العراق
1. نقاط قوَّة «الحشد» والميليشيات
يحظى «الحشد» والميليشيات بوزنٍ وتأثير كبيرين لدى النظام الشيعي في العراق، يمنحه التأثير في المعادلة الداخلية والخارجية، نتيجة امتلاكه نقاط قوَّة توفِّر له قدرًا من الحماية عند محاولة حلِّه، أبرزها:
- التماسك الأيديولوجي والمذهبي السائد داخل ألوية الحشد الشعبي.
- الترويج للدور الذي لعبه «الحشد» في محاربة «داعش» في المناطق السُنِّية.
- الاتفاق بين كافَّة التحالفات الشيعية على الشرعية القانونية والمذهبية لـ «الحشد».
- الدعم القوي لـ «الحشد» من التحالفات السياسية الوازنة المؤثِّرة في المعادلة العراقية.
- الدعم الإيراني الكبير بالمال والسلاح، وإن تراجَعَ خلال السنوات الماضية نتيجة العقوبات.
- امتلاك مصادر تمويل خاصَّة من التجارة السوداء والابتزاز في مناطق النفط والمعابر الحدودية.
- عدم وجود فتوى من المرجعية النجفـية تـفـتي بـحـل «الحشد»، مماثلة للفتوى التي تسبَّبت فـي تأسيسه.
- أهمِّية العراق للاقتصاد الإيراني والالتفاف على العقوبات، لا سيّما بعد العودة الأمريكية لاستراتيجية الضغوط القصوى ضدّ إيران.
لذلك، أشارت العديد من المصادر إلى رفْض الميليشيات الثلاثة المُستهدَفة بالحل(*) لأيّة مقاربات تستهدف حلها، حيث أكَّد رئيس المكتب السياسي لحركة النجباء علي الأسدي، في 20 يناير 2025م، أنَّ الحركة لن ترمي السلاح، وأنَّ تصريحات رئيس تيّار الحكمة عمار الحكيم عن تهديد سلاح المقاومة للاقتصاد العراقي لم يعدو كونه دعاية انتخابية مبكِّرة([27])، كما ربَطَ عضو المكتب السياسي للنجباء فراس الياسر بين خروج القوّات الأمريكية وحل الميليشيات، وأوضح المتحدِّث باسم كتائب سيِّد الشهداء كاظم الفرطوسي أنَّه من غير المعقول أن يطلب الخصم من خصمه التخلِّي عن سلاحه.بالطبع، لا تتناسب مطالب الحل مع المصالح والمكاسب الخاصَّة، التي حقَّقتها الميليشيات خلال السنوات الماضية من مكانة ونفوذ وسُلطة وعوائد مالية، ولذلك يُتوقَّع أن تشِنّ هجمة تسقيط سياسي منظَّمة ضدّ السوداني؛ لإضعاف حظوظه في الحصول على ولاية ثانية.
ورُبّما يحدث انقسام بين قادة الإطار التنسيقي تجاه حل الميليشيات، حيث لم يقِف الجميع على مسافة واحدة من حلها، فالتيّارات المقرَّبة من رئيس الحكومة أكثر تأييدًا من غيرها من التيّارات.
2. تركيز السردية الرسمية على حل الميليشيات لا «الحشد»
تتمحور السردية الرسمية حول «حل الميليشيات المنفلِتة» وليس «حل الحشد»، حيث أكَّد السوداني بشكلٍ واضح وصريح في 22 ديسمبر 2024م، رفْض حكومته القاطع لأيَّة إملاءات أو ضغوط خارجية تسعى لحل «الحشد»، معتبرًا إيّاه هيئة رسمية انضمَّت للجيش بمصادقة برلمانية([28]). ويربط المراقبون بين السردية الرسمية وانتماء الحكومة لـ «الإطار التنسيقي» الراعي الرئيسي للمنطق الميليشياوي السائد في العراق، معتبرين إيّاها محاولة التفافية على الضغوط الأمريكية تفاديًا لجرِّ العراق إلى أتون صراعات منهكة، وتصُبّ في صالح إيران وميليشياتها؛ لكونها توفِّر لها الغطاء القانوني لبقائها ضمن «الحشد».
تبذل الحكومة جهود مضنية لتحقيق هدفين: الأول، وقْف الهجمات الميليشياوية على الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، والثاني، إقناع الميلشيات المنفلِتة بقبول الحل؛ لذلك اجتمع السوداني بقادة «الإطار» والميليشيات حول تسليم السلاح للجيش، ثمّ أجرى زيارة لطهران في يناير 2025م، في مهمَّة لإقناع صُنّاع قرارها بضرورة دعْم الحكومة لحل الميليشيات؛ لتجنيب البلاد مغبَّة الانتقام الأمريكي والإسرائيلي. ورُبّما يُشير تركيز خامنئي، أثناء لقائه السوداني، على أنَّ «حل الحشد» يقع ضمن الخطوط الحمراء الإيرانية، إلى إدراكة مكمن الخطورة على نفوذ إيران في العراق، وعدم حديثه على مسألة «الحل الجزئي أو الكُلِّي للميليشيات» يعني قبولها، لكن على أيّ حال، فإنَّ اجتماع السوداني بقادة الإطار التنسيقي، وذهابه إلى إيران، يعكسان إدراكه لمفاتيح الحل في سحْب سلاح الميليشيات.
ارتباطًا بما سبق، صرَّح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في حوار له مع صحيفة «الشرق الأوسط» في 18 يناير 2025م، أنَّ السوداني أبلغ الإيرانيون أنَّ مسألة حل الميليشيات شأن داخلي، وأنَّ الحكومة تبحث في أفكار مختلفة لمعالجة وضْع الفصائل، منها تسليم سلاحها والتحوُّل إلى العمل السياسي أو الاندماج في صفوف «الحشد»([29])، أو الانسحاب من المشهد السياسي والعسكري بالكامل. وجدَّد السوداني في 21 يناير 2025م، موقفه بأنَّ حكومته تعمل على دمْج الفصائل المسلَّحة ضمن الأُطُر القانونية والمؤسساتية لبناء عراق جديد يستند إلى إرثه الحضاري([30])؛ ما يُشير إلى المُضي نحو سيناريو حل الميليشيات الجزئي على أقلّ تقدير.
3. موقف الإطار التنسيقي الرافض لحل «الحشد»
يعد رفْض الإطار التنسيقي(*)، الذي يضُمّ أبرز التحالفات السياسية الموالية لإيران، لحل «الحشد»، من أبرز التحدِّيات أمام أيّة مقاربات مُحتمَلة لحلِّه؛ لكونه الجهة التي شكَّلت الحكومة العراقية ذاتها، كما أنَّ «الحشد» يشكِّل الذراع الأقوى لـ «لإطار» للتأثير على المعادلة العراقية، وتعتبره كافَّة قيادات «الإطار» خطًّا أحمر لا يمكن التفريط فيه، ويعتمدون في ذلك على مبرِّرات مرجعية وقانونية وأمنية، بفتوى المرجعية لتأسيسه، وبتصديق البرلمان على قانون دمجه بالجيش، وبدوره في محاربة «داعش»، وذلك حسب تصريحات القيادي في الإطار عصام الكريطي([31])، والقيادي في تحالف الفتح سعد السعدي في 21 يناير 2025م، والذي أوضح بأنَّه لا تُوجَد فتوى من المرجعية لتفكيكه مماثلة للفتوى التي أنشأته قبل أكثر من 10 سنوات.
زيادة على ذلك، فإنَّ قادة الإطار التنسيقي يسعون لتكريس موقع «الحشد» قانونيًا، وتفادي خروج نحو 4 آلاف عنصر من عناصر «الحشد» للتقاعد ببلوغ سنِّهم سن التقاعد (60 عامًا)، بينهم كبار قيادات «الحشد»: رئيسه فالح الفياض ورئيس أركانه أبو فدك المحمداوي، ورئيس جهاز أمنه أبو زينب اللامي، مستغِلِّين الأغلبية البرلمانية قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة لتمرير القانون، حيث يردِّدون أنَّ قانون الحشد الشعبي (ملحق رقم 1 بالملاحق) يتضمَّن ثغرات قانونية، بعدم نصِّه على أمرين أساسيين: سن التقاعد وآلية الحذف والاستحداث، ولذلك قدَّموا للبرلمان مشروع قانون -لم يُقبَل حتى تاريخ نشْر الدراسة- لتعديل قانون «الحشد»، يتضمَّن:
- إضافة بنْد في القانون يرفع سن التقاعد إلى 70 عامًا.
- إضافة بنْد يتضمَّن إمكانية الحذف والاستحداث، بمعنى أنَّه عندما تتِم إحالة أو عزْل أو إقالة عنصر يمكن تعويضه ببديل بدرجته الوظيفية، خشية تناقص أعداد «الحشد» بما ينهي قوّاته مع مرور الزمن.
فجَّر مشروع القانون جدلًا واسعًا في العراق؛ لكونه يتعارض مع الدستور العراقي، الذي حدَّد سن التقاعد بـ 60 عامًا، ولذلك رفضت العديد من القُوى السياسية تمرير مشروع القانون في البرلمان، ويسود اتّجاه حول إمكانية الإجماع بين القُوى السياسية على إضافة فقرة للقانون، تمنح رئيس الوزراء صلاحية تمديد سن التقاعد لخمس سنوات إضافية لآمري ومسؤولي ألوية «الحشد»، بما فيهم رئيس الهيئة، لحين إيجاد البدلاء([32]).
في المقابل، رُبّما يقبلون مسألة «حل الميليشيات المنفلِتة الجزئي أو الكُلِّي»، حيث بحَثَقادته مفاوضات مع قادة الميليشيات الثلاثة المُستهدَفة بالحل، لدفعها نحو تسليم سلاحها، وكشف عضو البرلمان السابق السياسي المقرَّب من الحكومة والميليشيات عزت الشابندر، عن اتفاق بين قادة الإطار التنسيقي على ضرورة حل الميليشيات الثلاثة، وأنَّ قرار الحل قد اتُّخِذ، وأنَّ مستوى التفاهمات بين السوداني وقادة الميليشيات في تقدُّم([33])؛ ما يتماشى مع حديث عضو ائتلاف دولة القانون وائل الركابي عن قُرب تسليم جميع الفصائل المسلَّحة أسلحتها إلى الحكومة([34])، وذلك تجنُّبًا لضربات مدمِّرة لتمركُزاتها وعمليات تصفية لقادتها أسوةً بما جرى مع حزب الله اللبناني، لكن يضغط بعض قادة تحالفات الإطار التنسيقي، مثل نوري المالكي وهادي العامري على الحكومة لإنهاء الوجود الأمريكي في العراق([35])، كنوعٍ من أساليب إقناع الميليشيات لتسليم سلاحها.
4. تناغُم الموقف الصدري مع الإطار التنسيقي
على الرغم من التباين الشديد بين التيّار الصدري والإطار التنسيقي تجاه طبيعة الدولة، بتمسُّك الأول بمسار الدولة والثاني بمسار اللا دولة، غير أنَّ التحالفين الشيعيين يتّفقان على الوضع القانوني لـ «الحشد»، وعلى مركزيته في المعادلة العراقية، حيث يمتلك الصدر 3 ألوية ضمن «الحشد» (انظر الصورة رقم 1). ولذلك، عندما يتحدَّث عن هدف احتكار الدولة للسلاح يقصد به حل الميليشيات المنفلِتة، وهذا موقف قديم جديد للصدر، حيث طالب في 18 نوفمبر 2021م، من التحالفات الفائزة في الانتخابات البرلمانية، والتي تمتلك مليشيات، إلى حلها([36])، وفي 19 نوفمبر 2021م، أعلن حل «لواء اليوم الموعود» المشكَّل من نُخبة قوّات جيش المهدي (سرايا السلام)(*)، كبادرة منه لتحفيز تحالفات «الإطار» على حل الميليشيات المنفلِتة التابعة له، وفي 6 يناير 2025م، وبعد تهديدات اسرائيل للعراق بضرب الميليشيات، جدَّد الصدر دعواته لحصر السلاح بيد الجيش([37])، لكن يبقى التساؤل: هل سيلجأ الصدر إلى حل الألوية المنفلِتة التابعة له، وعددها 9 ألوية؟
صورة رقم 1: ألوية الصدر المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي

المصدر: https://bit.ly/3Ql61XM
5. الهيمنة المذهبية على مؤسسات الحكم العراقي
على الرغم من إخفاق النظام السياسي في العراق في معالجة الأزمات، غير أنَّ استمرارية هيمنة الشيعة على مؤسسات الحُكم التنفيذية والتشريعية والقضائية، يُعَدُّ من أبرز تحدِّيات حل «الحشد»، حيث تمكِّن المعادلة الراهنة الشيعة من عدم تشريع أو تمرير قوانين لحل «الحشد»؛ لكونهم الأكثرية في البرلمان، وفُقدان الحكومة لخيوط اللعبة لحلِّه، لكونها تشكَّلت من الإطار التنسيقي الراعي لـ «الحشد» والميليشيات بدعم وقوَّة من إيران. ولا تمتلك السُلطة التنفيذية حق مساءلة أيّ طرف ميليشياوي، وليس من أُصول السلامة أن تورِّط الحكومة نفسها في صراع مع قادة تلك الفواعل العنيفة، التي تجاهر بالقُدرة على تفجير الساحة العراقية. ولذلك، يصعب دخول السوداني في صراع معهم ليصبح معرَّضًا لمحاولات اغتيال، كما تعرَّض سلفه الكاظمي عندما قصفت الميليشيات منزله في محاولة لقتله. وتعود الهيمنة الشيعية على مؤسسات الحُكم إلى نظام المحاصصة الطائفية، التي أرسته الولايات المتحدة في العراق خلال مرحلة ما بعد الغزو، وبالتالي سيطر الشيعة على الحكومات وعلى البرلمان والقضاء، وكذلك ديمومة مبدأ المحاصصة -غياب المستقلين- يتيح للشيعة السيطرة على أكثر من نصف عدد الحقائب الوزارية، بينها الوزارات السيادية، بينما يتوزَّع نصف الحقائب الثاني على السُنَّة والأكراد والأقلِّيات.
6. توافُر الحاضنة والجغرافيا المذهبية
على الرغم من تآكُل الحاضنة الشعبية للنظام الشيعي الحاكم بالعراق، غير أنَّ التركيبة الطائفية توفِّر حاضنة شيعية قوية لـ «الحشد» والميليشيات، حيث يحتوي العراق على مكوِّن شيعي يُعَدُّ من أكبر المكوِّنات الطائفية بنسبة تتراوح ما بين 60 إلى 65%، وغالبيتهم ينتمون للمذهب الاثني عشري؛ ما تعتبره إيران ظهيرًا شيعيًا قوي لـ «الحشد» وميليشياته. كما تنتشر ألوية «الحشد» والميليشيات في المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية (انظر خريطة رقم 1): النجف وكربلاء وذي قار والبصرة وبابل وواسط والقادسية وميسان والمثنى، وبعضها حدودي مع إيران، مثل البصرة وميسان وواسط.
خريطة رقم 1: التوزيع الطائفي والعرقي في العراق

المصدر: https://bit.ly/42W55k6
7. القُرب الجغرافي للراعي الإيراني من العراق
بخلاف سوريا ولبنان واليمن، إيران دولة حدودية مع العراق بشريط حدودي يصِل إلى قرابة 1600 كيلومتر، تتخلَّله منافذ حدودية عديدة (انظر الخريطة رقم 2)، تصِل إلى 6 معابر حدودية رسمية و5 معابر غير رسمية برعاية ميليشياوية([38]) نتيجة القيام بالتجارة السوداء بكافَّة أشكالها على الحدود، التي تلعب دورًا بارزًا في الاستراتيجية الإيرانية لفرض الهيمنة على العراق؛ لكونها تتيح لإيران سرعة وسهولة تقديم الدعم والمدد المالي والعسكري والتسليحي بكافَّة أنواعه وأشكاله لـ «الحشد» والميليشيات، وسهولة وسرعة دخول المقاتلين وخروجهم من وإلى إيران حال التهديدات الأمريكية. لذلك، بذلت إيران جهودًا حثيثة لفتح معابر حدودية إضافية مع العراق، وربْط البلدين عبر خطوط سِكَك حديدية جديدة، يبدو أنَّها تعطَّلت بسبب التطوُّرات الإقليمية.
الخريطة رقم 2: المعابر الحدودية بين إيران والعراق

Recourse: Harith Hasan, Border Crossings, Roads, and Regional Politics in Iraq, (July 6, 2021), Accesses: Jan 6, 2025, https://n9.cl/u2h3q
النتائج والخاتمة
تُفيد المعطيات السابقة بأنَّ المقاربات المطروحة لمواجهة الفواعل العنيفة بالعراق ونقله إلى منطق الدولة، بعيدة عن إدراك المنطق الميليشياوي السائد بالعراق، وأنَّها رُبّما تخدِم الهندسة الإيرانية للالتفاف على الضغوط المكثَّفة تجاه السلاح المنفلِت بالعراق، ولفْت الأنظار بعيدًا عن حل «الحشد»، الذي يُعَدُّ كلمة السر الإيرانية؛ لكونه جيش موازي للجيش العراقي بعدد قوّات يفوق عدد قوّاته، وإذا ما أُضيفت له أعداد مقاتلي الميليشيات المنفلِتة بعد حلها، فإنَّنا نكون أمام ضعف عدد مقاتلي «الحشد» تقريبًا؛ ما يزيد من قوّته وتأثيرة في القوّات المسلَّحة العراقية، وحصوله على ميزانية أكبر، وتغوُّله على الجيش، والهيمنة على القيادات العُليا في الجيش، بما يسهِّل من إمكانية السيطرة على قيادة الجيش ذاته في المستقبل، وهُنا مكمن الخطر.
كافَّة التحالفات الشيعية، بما فيها التيّار الصدري، تقف على مسافة واحدة من مسألة الرفض الصريح لحل «الحشد»، وإنَّما تؤيِّد بمسافات مختلفة مسألة الحل الكُلِّي أو الجزئي للميليشيات، كوسيلة للالتفاف على المطالب الأمريكية والإسرائيلية، لاعتبارات قانونية ومرجعية وأمنية، وللتماهي مع المصلحة الإيرانية.
مفتاح حل «الحشد» بقرار سياسي عراقي (الحكومة والتحالفات والميليشيات الشيعية)-إيراني، وإيران حريصة كل الحرص على بقاء «الحشد» كجيش موازي أشبه بالحرس الثوري، مثلما صرَّح خامنئي أثناء لقائه السوداني، لكن تمتلك الولايات المتحدة العديد من أوراق الضغط ضدّ إيران والعراق للقبول بمسألة حل «الحشد» والميليشيات معًا ودمجهما في الجيش بشكلٍ فردي، وليس كجسمٍ كامل، بما يسهم في بناء عراق مستقِلّ على الأجندات الخارجية.
تتعدَّد أوراق الضغط الأمريكية ضدّ العراق، والتي بدأتها إدارة الرئيس ترامب بالفعل، برفع العراق من قائمة الدول المُستثناة من العقوبات ضدّ إيران؛ ما يتسبَّب في حرمانه من استيراد حصَّة الكهرباء الإيرانية المؤثِّرة في ظل حالة العجز الشديد في إنتاج الكهرباء العراقية. وهناك أوراق أخرى بيد واشنطن منها: الأولى؛ إمكانية فرْض العقوبات على مصارف وشركات نفطية والنظام المالي لمنع تهريب الدولار، يمتلك العراق نحو 44 مصرف رسمي، 23 منها أصبحت تحت العقوبات الأمريكية، ويجرى الحديث عن إمكانية فرْض عقوبات على 5 مصارف أخرى (المشرق والمتحد والأمين ومسك والسنام)؛ ما من شأنه خلْق تداعيات سلبية على أسعار صرف الدولار محلِّيًا، ويرتِّب تداعيات خطيرة على وضْع النظام المصرفي العراقي، ورُبّما توقيع العقوبات على المؤسسة العراقية المسؤولة عن النفط سومو. وإمكانية فرْض عقوبات على الميليشيات المنفلِتة وعلى ألوية «الحشد» وشركات تابعة له، وعلى رموز ميليشياوية سياسة أو عسكرية تابعة لـ «الحشد» أو الميليشيات المنفلِتة أو ذات أنشطة اقتصادية، كما يمكن التحكُّم في المبالغ، التي تذهب لـ «الحشد» كمرتَّبات، باعتبار «الحشد» هيئة مهدِّدة للأمن الإقليمي، كما يقول عدنان الزرفي. الثانية؛ القُدرة على تجميد أرصدة العائدات النفطية العراقية، حيث تسيطر واشنطن عليها منذ 2003م، إذ تذهب عائدات النفط إلى حساب البنك المركزي العراقي في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبالفعل سبَقَ أن رفضت واشنطن تسليم بغداد مليار دولار من أرصدة مبيعاتها النفطية في يونيو 2023م، بتُهمة تهريب مليارات الدولارات لإيران. الثالثة؛ ورقة سيطرة واشنطن على التسليح العراقي، والعراق لا يزال بحاجة إلى تطوير عتاده العسكري، حيث يمكن لواشنطن أن ترفض تطوير السلاح العراقي، ورُبّما تربط بين قبولها توقيع صفقات عسكرية جديدة مع العراق لتطوير القُدرات العسكرية وحل الحشد الشعبي، وحال رفضه يمكن لواشنطن الامتناع عن تطوير وإعادة تأهيل وصيانة القُدرات التسليحية العراقية ذات الصُنّاعة الأمريكية، التي تشكِّل نحو 80% من سلاح القوّات العراقية، ومن ثمَّ يمكن -حسب مراقبون- أن تتحوَّل الأسلحة الأمريكية بيد القوّات العراقية إلى أسلحة متهالكة «خردة»، حال عدم وجود صيانة أمريكية، أو الامتناع عن تزويد العراق بقطع غيار أمريكية أو غيرها من الأمور الفنية.
تتمحور الورقة الرابعة حول السيطرة الأمنية الأمريكية على مخيّمي الهول والجدعة على الحدود العراقية-السورية، واللذان يضُمّان آلاف «الدواعش» وعوائلهم من جنسيات متعدِّدة تحت إشراف قوّات «قسد» بدعمٍ أمريكي، وهذه المخيّمات تشكِّل خطرًا كبيرًا على الأمن العراقي الهشّ، حال قررت الولايات المتحدة رفْع يدها. والخامسة، ورقة المعلومات الاستخباراتية الحسّاسة، التي يحصل عليها العراق من الاستخبارات الأمريكية عن المخطَّطات الإرهابية والمناطق السرِّية لتمركُزات العناصر المتطرِّفة والخلايا النائمة والتكتيكية والنشِطة، والغطاء الجوِّي الضروري للجيش العراقي في مواجهة التحدِّيات الأمنية. والسادسة، التهديد بسيناريو تصفية قيادات حزب الله اللبناني، بالنسبة لكافَّة القيادات والرموز الميليشياوية.
كذلك تتعدَّد أوراق الضغط الأمريكية تجاه إيران، أبرزها: الأولى؛ وأكثرها تأثيرًا وإنهاكًا للاقتصاد الإيراني اتُّخِذت بالفعل، بتوقيع الرئيس دونالد ترامب قرار عودة العمل باستراتيجية الضغوط القصوى، التي أنهكت إيران ونظامها، وتسبَّبت في اندلاع عِدَّة احتجاجات شعبية حاشدة، الثانية، ورقة إمكانية إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر بدعمها لشنِّ ضربات وقائية واستهداف مواقع عسكرية في إيران، أو منْح الضوء أو القيام بذاتها بإعادة تكرار سيناريو الاستهدافات العسكرية لقادة الميليشيات والقيادات الكبيرة في الحرس الثوري في بقية ساحات النفوذ الإيرانية، الثالثة، تأجيج ودفْع الدول الأوربية، التي تضرَّرت بفعل الدعم العسكري الإيراني لروسيا في الحرب الروسية-الاوكرانية، إلى اتّخاذ خطوات أكثر عدائية ضدّ إيران، الرابعة؛ الضغط لنزع سلاح حزب الله اللبناني، حيث يجمع المنظِّرون على أنَّ الشروع في تحقيق هدف احتكار الجيش اللبناني للسلاح بنزع سلاح حزب الله، سيكون بلا شك الخطوة التي تقصم ظهر إيران في الشرق الأوسط، وتؤدِّي بالضرورة إلى خطوة مماثلة بالعراق بتفكيك «الحشد» والميليشيات المنفلِتة.
ويمكن للإدارة الأمريكية عبر تلك الأوراق الضغط على كافَّة الأطراف ذات الصلة بحل «الحشد» والميليشيات، من خلال دعْم التغيير التدريجي غير العنيف والمنظَّم في العملية السياسية والدستورية والقانونية، ودعْم الانتخابات الدستورية العادلة، ودعْم الجيل الجديد من العراقيين السُنَّة والأكراد والمدنيين والشيعة المعتدلين، مع مراقبة دولية فعّالة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بالتزامن مع توقيع المزيد من العقوبات على الرموز الميليشياوية السياسية والعسكرية، وقد يصِل الحد رُبّما لإعادة تكرار سيناريو حزب الله في لبنان، بحق الرموز والقيادات الشيعية والميليشياوية المؤثِّرة في المعادلة العراقية.
ينتظر مستقبل الضغوط الأمريكية على العراق تجاه الفواعل العنيفة سيناريو غير متوقَّع، لكنّه ممكن حال إعادة النظر في المقاربات المطروحة بتحويل الأنظار تجاهه، واتّخاذ واشنطن قرار بضرورة حل «الحشد»، على نحوٍ يصعِّب على الأطراف ذات الصِلة الرفض؛ لكونه سيجبر واشنطن على توقيع العقوبات المشدَّدة على العراق، بما يسهم في المزيد من تصدُّع النظام السياسي الشيعي، أو قد تُطيح به، وعقوبات على وزراء في الحكومة ينتمون لـ «الحشد» والميليشيات، وعقوبات على قيادات الإطار التنسيقي؛ لكونهم مؤثِّرين مباشرين على قرارات الحكومة ومستفيدين مباشرين من سلاح الميليشيات في حماية الدولة العميقة، مع توجيه ضربات جوِّية ضدّ مواقع الفصائل و«الحشد»، وإمكانية اغتيال قيادات ميليشياوية، أو اللجوء للخيار العسكري الشامل. كما أنَّ هناك العديد من الأمور العملية من شأنها الدفع نحو حل «الحشد»، فمن الممكن أن تفاوض الولايات المتحدة إيران على الملف النووي وإمكانية رْفع العقوبات مقابل إعطاء الضوء الأخضر لبغداد لحلِّه، أو أن يتِم اللجوء إلى وصفة «آخر الدواء الكي»، بتوفير البيئة الملائمة للمرجعية لإصدار فتوى بحلِّه لنسف الحُجَّة الشرعية، التي تستند عليها الأطراف ذات الصِلة. لكن التساؤل المطروح هُنا ما هي أدوات الضغط على المرجعية حتى تُصدر مثل تلك الفتوى، لا سيّما في ظل خشيتها من اندلاع حرب في الساحة العراقية؟
كذلك قد تمضي الحكومة العراقية، في سيناريو ثاني متوقَّع، في طريق الحلول الوسط والمناورات للابتعاد عن حل «الحشد»، عبر استكمال مهمَّة حل الميليشيات المُستهدَفة أو الكُبرى، التي انخرطت في الصراع الذي شهده الشرق الأوسط منذ عملية طوفان الأقصى، أو اللجوء للحل الكُلِّي للميليشيات المنفلِتة، أو بعض المناورات الإيرانية تجاه حل «الحشد»، مثل الطرح الإيراني المذكور أعلاه، لاعتبارات عديدة تتعلَّق بإشكاليات الفواعل العنيفة من دون الدول المنتشرة بالعراق.

* يجمع كافة الخبراء على وجود فرصة تاريخية يجب اغتنامها لحل الحشد الشعبي ذاته، لأنه خلال مرحلة ما قبل انفجار الصراع الإقليمي في غزة، كان من الصعوبة أو من غير الواقعي الحديث عن حله أو حتى حل الميليشيات المنفلتة، لكن مع التطورات الإقليمية ما كان مستبعدًا أصبح ممكننًا، في ظل مخاوف الدائرة الضيقة للراعي الإيراني على مستقبل النظام ذاته، وانكشاف بقية الميليشيات المسلحة بعد الضرابات الساحقة التي تلقتها إيران في لبنان وسوريا، والضغوط والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية المكثفة على الحكومة العراقية لتحقيق هدف احتكار الدولة للسلاح، وسط توقعات بتصعيد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إيران وميليشياتها في الشرق الأوسط ضمن استراتيجية أمريكية أوسع لتقليم أظافر إيران وإلزامها بمعادلة ردع إقليمية جديدة، وسط تعويل الكثير من العراقيين على فكرة حل الحشد والميليشيات في إنهاء الأزمات المعقدة التي تشهدها البلاد، ومن بين التحولات الإقليمية الدافعة نحو الحد من فاعلية وأدوار الفواعل العنيفة من دون الدول قبول حزب العمال الكردستاني المعارض (PKK) دعوة زعيمة المسجون بتركيا عبدالله أوجلان بالتخلي عن السلاح بعد أربعة عقود من النزاع.
* يقصد بالمليشيات المسلَّحة المنفلِتة، تلك الألوية والكتائب غير المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي المنضَمّ للجيش العراقي منذ 2016م، والمنخرطة في أعمال قتالية وهجمات عسكرية ضّد الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، فالسائد في المنطق الميليشياوي العراقي، أنَّ العديد من الميليشيات المسلَّحة الكُبرى مثل منظَّمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي وسرايا السلام وحركة النجباء وميليشيا سيِّد الشهداء.. إلخ، منها ألوية منضَمَّة تحت لواء الحشد الشعبي، وألوية غير منضَمَّة للحشد ومجهولة الأعداد والتمركزات والنشاطات، فغير المنضَمَّة يُطلَق عليها الميليشيات المنفلِتة وعددها يتجاوز الـ70 ميليشيا، خاصَّةً تلك التي لا تلتزم بأوامر القيادة العامَّة للقوّات المسلَّحة العراقية، مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء وعصائب أهل الحق وغيرها، وهناك العديد من الميليشيات أيضًا لم يخضع أيّ لواء من ألويتها ضمن الحشد، ولذلك تُصنَّف أيضًا ضمن الميليشيات المنفلِتة، ويقول السياسي الشيعي محافظ النجف سابقًا والبرلماني السابق عدنان الزرفي أنَّ قرابة 30% من الميليشيات هي المنضوية تحت لواء الحشد، بينما الـ 70% منفلِتة متسرِّبة مجهولة ذات أنشطة مجهولة غير مرئية.
[1] – Jennifer Hansler, Blinken makes unannounced trip to Iraq as international community grapples with Syrian regime collapse, CNN, (Dec 13, 2024), Accessed: Feb 2, 2025, https://bit.ly/431f4o4
[2]– kurdistan24, US President-elect Trump urged Iraqi PM al-Sudani to reinforce state control over weapons, says Iraq’s Speaker, (Dec 30, 2024), Accessed: Feb 5, 2025, https://bit.ly/41bAQ6m
[3] – الموقع الرسمي للسفارة الأمريكية في بغداد، مشاركة على منصَّة إكس، (25 فبراير 2025م)، تاريخ الاطلاع: (5 مارس 2025م)، https://bit.ly/4buiPEJ
[4]– بغداد اليوم، الإعلام الإسرائيلي يؤكِّد نوايا «حل الحشد»: أمريكا تُعيد تقييم الوضع في العراق – عاجل، (23 ديسمبر 2024م)، تاريخ الاطلاع: 3 فبراير 2025م، https://bit.ly/3QpZds0
[5]– جريدة العرب، قآاني يعرض في بغداد خطَّة للملمة وضْع الحشد الشعبي، (17 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 3 فبراير 2025م، https://bit.ly/3D0lIjX
[6]– خامنهای: حشدالشعبی تقویت شود؛ آمریکا در پی گسترش نفوذ است، (20 دی 1403ه.ش)، تاریخ الاطلاع: 6 مارس 2025م، https://bit.ly/43sOogj
[7]– رئیس کمیسیون امنیت ملی مجلس: انحلال حشدالشعبی در راستای تقویت گروههای تروریستی منطقه است، (25 چی 1403ه.ش)، )، تاریخ الاطلاع: 6 مارس 2025م. https://bit.ly/3Xts6aq
[8] – المحاولة الأولى كانت خلال الولاية الأولى لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، عقب انتهاء فترة الصراع الطائفي، الذي شهِدَته العراق، وتشكيل وزارة للمصالحة الوطنية غايتها حسْم الصراع ودمْج الميليشيات في القوّات الأمنية، أمّا المحاولة الثانية عندما دُمِج الحشد في الجيش مع وجود العديد من الميليشيات المنفلِتة، والمحاولة الثالثة كانت في دعوات أمريكية في 2017م لحل الحشد، كما أنَّ تصريحات قادة الميليشيات بأنَّ الحشد مؤسَّسة رسمية تأتمر بأمر القائد العام للقوّات المسلَّحة، رئيس الحكومة، ليست حقيقية، حيث لم تلتزم الميليشيات منذ انضمام الحشد للجيش، بدايةً من قصفها الأهداف الأمريكية، مرورًا باقتحام المنطقة الخضراء ذاتها -منطقة مؤسسات الدولة- في العديد من المناسبات، والأدهى إطلاق تهديدات بحق القائد العام للقوّات المسلَّحة السابق ذاته رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي، والتي تنضوي تحت لوائه.
[9]– أمير الكعبي ومايكل نايتس، زيارة غير عادية في عديد “قوات الحشد الشعبي بالأرقام”، معهد واشنطن، (6 يونيو 2023م)، تاريخ الاطلاع: 1 فبراير 2025م، https://bit.ly/41lnLID
[10]– The World Fact Book, Military and security service personnel strengths in Iraq, Accessed: Feb 2, 2025, https://bit.ly/3CSrLHn
[11]– موسوعة الرافدين الإخبارية، الفصائل العراقية المدعومة من إيران.. تحرك رسمي لحلها ودمجها في المؤسسة العسكرية، (17 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 25 يناير 2025م، https://bit.ly/4i6CNI6
[12]– المرجع السابق.
[13]– هشام الهاشمي، الخلاف الداخلي في هيئة الحشد الشعبي، مركز صنع السياسات، (01 يوليو 2020م)، تاريخ الاطلاع: 0530 يناير 2025م، https://bit.ly/3ltjpbm
[14]– مؤسسة دوردو الإعلامية، الحشد الشعبي قوة موازية للجيش العراقي، (7 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 09 يناير 2025م، https://bit.ly/4b5UYep
[15] -John Davison and Ahmed Rasheed, Exclusive In tactical shift, Iran grows new, loyal elite from among Iraqi militias, Reuters, (May 21, 2021), Accessed: Oct 21, 2021, https://bit.ly/433cZIh
[16] – الموقع الرسمي لمجلس النوّاب العراقي، قانون هياة الحشد الشعبي، المادَّة الأولى، ثانيًا الفقرة رقم 1، (16 نوفمبر 2016م)، https://bit.ly/3D9PlPT
[17]– العالم الجديد، قادة الفصائل يغادرون لدولة أوروبية.. وبغداد أمام فُرصة أخيرة، (12 ديسمبر 2024م)، تاريخ الاطلاع: 8 فبراير 2025م، https://bit.ly/3EU65uR
[18]– الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية العراقية، الدستور العراقي 2005م، المادَّة السابعة، تاريخ الاطلاع: 8 فبراير 2025م، https://bit.ly/4gLLgiM
[19]– الموقع الرسمي لرئاسة جمهورية العراق، الدستور العراقي 2005م، المادَّة التاسعة، تاريخ الاطلاع: 8 فبراير 2025م، https://bit.ly/4gLLgiM
[20]– الموقع الرسمي لرئاسة الحكومة، المنهاج الوزاري للحكومة الثامنة برئاسة السوداني، تاريخ الاطلاع: 8 فبراير 2025م، https://bit.ly/4gMbyl0
[21]– الموقع الرسمي لرئاسة جمهورية العراق، الدستور العراقي 2005م، المادَّة السابعة، تاريخ الاطلاع: 8 فبراير 2025م، https://bit.ly/4gLLgiM
[22]– الموقع الرسمي رئاسة جمهورية العراق، الدستور العراقي 2005م، المادَّة السابعة، تاريخ الاطلاع: 8 فبراير 2025م، https://bit.ly/4gLLgiM
[23]– الحساب الرسمي للشيخ ثائر البياتي، مشاركة على منصة أكس، (29 ديسمبر 2024م)، تاريخ الاطلاع: 8 فبراير 2025م، https://bit.ly/3QnH7Xq
[24]– مؤسسة دوردو الإعلامية، الحشد الشعبي قوَّة موازية للجيش العراقي، (7 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 09 يناير 2025م، https://bit.ly/4b5UYep
[25]– وكالة الانباء العراقية، السيِّد السيستاني يشدِّد على منْع التدخُّلات الخارجية وحصْر السلاح بيد الدولة، (4 نوفمبر 2024م)، تاريخ الاطلاع: 5 فبراير 2025م، https://bit.ly/4i5QK8U
* تُعَدُّ أكبر فضائح الفساد المالي في العراق، وأُعلِن عنها في نهاية فترة حُكم رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي في 2022م، وهي فضيحة فساد ملياريه بمبالغ 3 تريليونات و750 مليار دينار عراقي -نحو 2.5 مليار دولار -من أموال الأمانات الضريبية، والمتّهم الرئيسي فيها رجل الأعمال المدير المفوَّض لشركة «المبدعون للخدمات النفطية المحدودة» نور زهير، الذي يعيش في لبنان، وهيثم الجبوري مستشار الكاظمي آنذاك، وبعد اعتقالهما أطلق القضاء المختص صراحهما بكفالة، مقابل تعهُّد بتسليم كامل المبلغ المسروق.
[26]– العربية، وزير الخارجية السعودي: الرياض تلقَّت إشارات إيجابية بشأن رفْع العقوبات عن سوريا، (24 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 2 فبراير 2025م، https://bit.ly/4b7D7E3
* كتائب حزب الله العراقي وحركة النجباء وكتائب سيِّد الشهداء.
[27]– غفران يونس، ما مصير ميليشيات إيران في العراق؟، (31 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 6 فبراير 2025م، https://bit.ly/3X3NN0A
[28]– ميديا مينتور، رئيس الوزراء العراقي: لن نقبل بإملاءات خارجية بشأن حل الحشد الشعبي، (22 ديسمبر 2024م)، تاريخ الاطلاع: 6 فبراير 2025م، https://bit.ly/3QoQW7t
[29]– الشرق الأوسط، وزير الخارجية العراقي: أكَّدنا لطهران أن ملف الفصائل شأن داخلي، (18 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 3 فبراير 2025م، https://bit.ly/3EU6U6V
[30]– العالم الجديد، هل قرَّر «الإطار» حل الفصائل أخيرًا؟، (22 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 3 فبراير 2025م، https://bit.ly/3Qou9bX
* يضُمّ تحالفات متعدِّدة مدعومة من إيران: أبرزها تحالف دولة القانون، تحالف الفتح، حركة حقوق، حركة عطاء، تحالف قُوى الدولة الوطنية.
[31]-الشرق الأوسط، مفاوضات سياسية لحل فصائل عراقية مسلَّحة، (17 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 7 فبراير 2025م، https://bit.ly/3CWM7z8
[32]– شفق نيوز، بـ«شرط وحيد».. قُوى الإطار التنسيقي تتّفِق على تمرير قانون تقاعد الحشد الشعبي، (18 فبراير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 18 فبراير 2025م، https://bit.ly/3QnSG0F
[33]– السومرية،«”حل ثلاثة رئيسية يُواجَه برفض».. تفاصيل جديدة بشأن الفصائل المسلَّحة بالعراق، (18 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 7 فبراير 2025م، https://bit.ly/4hUqnD1
[34]– وان نيوز، نشرة أخبار التاسعة، (19 ديسمبر 2024م)، تاريخ الاطلاع: 7 فبراير 2025م، https://bit.ly/4gAqIJN
[35]– مؤسسة دوردو الإعلامية، مفاوضات سياسية لحل فصائل عراقية مسلَّحة، (17 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 7 فبراير 2025م، https://bit.ly/3CXkBS1
[36] – سكاي نيوز، الصدر يدعو إلى حل ميليشيات عراقية موالية لإيران، (19 نوفمبر 2021م)، تاريخ الاطلاع: 6 فبراير 2025م، https://bit.ly/4hRYVWf
* تنظيم شيعي مسلَّح أسّسه الصدر في يونيو 2014م لحماية المراقد والمزارات الدينية، بعدما اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية محافظات عراقية مثل نينوى وصلاح الدين وكركوك والأنبار وديالى، يتكوَّن الهيكل التنظيمي لـ «سرايا السلام» من 12 لواء، واللواء يتكون من 4 أفواج، والفوج يتكون من عدَّة سرايا، في حين تضُمّ السرية من 60 – 120 عنصرًا، ويبلغ عدد عناصر «سرايا السلام» ما بين 10 آلاف إلى 50 ألف عنصر، ولها 3 ألوية ضمن هيئة الحشد الشعبي تنتشر في محافظة صلاح الدين 313 و314 و315.
[37]– الحساب الرسمي للصدر، مشاركه على منصَّة إكس، (6 يناير 2025م)، تاريخ الاطلاع: 6 فبراير 2025م، https://bit.ly/3QbsExw
[38] – Harith Hasan, Border Crossings, Roads, and Regional Politics in Iraq, (July 6, 2021), Accesses: Jan 6, 2025, https://bit.ly/4hV8ioi