مقتل رَضيّ موسوي في سوريا.. رسائل الاستهداف الإسرائيلية والموقف الإيراني

https://rasanah-iiis.org/?p=33599

صورة أرشيفية تجمع موسوي مع الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله

على الرغم من تنفيذ إسرائيل للعديد من الغارات الجوِّية، خلال السنوات الأخيرة، ضدّ مناطق تمركُز الميليشيات الإيرانية وعناصر حزب الله في سوريا، واستهداف البنية التحتية ومستودعات الذخائر والأسلحة الإيرانية، ضمن إستراتيجية «المعركة بين الحروب»، إلّا أن عملية 25 ديسمير 2023م ومقتل  رَضيّ موسوي المعروف بــ«رضي موسوي»، أحد أهمَّ القيادات الإيرانية في سوريا، مثَّل حدثًا لافتًا في سياق التنافُس الإيراني والإسرائيلي في سوريا، وفي سياق التوتُّر، الذي تشهده المنطقة، والآخذ بالتصاعُد في العديد من الجبهات. ويُلقي هذا التقرير الضوء على دوافع ودلالات هذا الاستهداف، في ميزان الصراع بين إسرائيل وإيران.

أولاً:  رَضيّ موسوي.. الدور والمهام في الإستراتيجية الإيرانية بسوريا

يُعَدُّ موسوي شخصية بارزة ومهمَّة في الحرس الثوري الإيراني، وتقدِّمه طهران بصفة مستشار عسكري لتنفيذ مهمَّة تنسيق التعاون العسكري الإيراني-السوري، لكنّه في الواقع كان أحد العناصر الرئيسية لأنشطتها في المنطقة، وبمثابة اليد اليمنى لقائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني في أنشطته بدول المنطقة. وكان موسوي في الواقع ممثِّلًا لـ«فيلق القدس» في سوريا، إذ يُعَدُّ قائدًا مهمًّا في الوحدة 2250، والتي تمَّ تأسيسها كمجموعة فرعية من الوحدة 2000؛ بهدف تلقِّي المعدّات والأسلحة والأفراد القادمين من إيران عبر سوريا إلى لبنان. وتذكُر بعض المصادر أنَّه عمِلَ في سوريا منذ 30 عامًا؛ لذا يمكن اعتباره القائد الفعلي لـ«فيلق القدس» في سوريا، خصوصًا في ظل عدم شعبية قاآني وضعْف خبرته في سوريا. لهذا، لا عجب أن يُعَدّ كشخصية محورية في الاستهداف الإسرائيلي؛ لقطع كل ما يتعلَّق بالاتصال اللوجستي وممرّ الأسلحة الإيراني، ما بين الحرس الثوري والميليشيات الإيرانية في سوريا وحزب الله في لبنان، والمهدِّدة لمصالحها في خِضَم الحرب التي تخوضها مع حركة حماس منذ السابع من أكتوبر 2023م.

صورة أرشيفية تجمع بين قاسم سليماني و رَضيّ موسوي 

ثانيًا: الدوافع والرسائل الإسرائيلية من الاستهداف

حملت الضربة الجوِّية الإسرائيلية على محيط ريف دمشق، واستهداف أحد أهمَّ القيادات الإيرانية في سوريا، دوافع جيوسياسية ترتبط بالتطوُّرات المتسارعة، التي تشهدها الساحة الإقليمية، ورسائل أرادت إيصالها إلى الجانب الإيراني، نذكر منها ما يلي:

  1. توجيه رسائل عسكرية لإيران

يُعَدُّ موسوي هدفًا منذ فترة طويلة، وهذه ليست المرة الأولى، التي تهاجم فيها إسرائيل الوحدة 2250، فسبق أن خضعت الوحدة لهجوم سابق في سبتمبر 2022م، كما كثَّفت تل أبيب من ضرباتها على المطارات السورية ومواقع أخرى جنوب العاصمة. وقُتِل عدد من القياديين الإيرانيين في سوريا خلال عمليات استهداف إسرائيلية مختلفة في سوريا، من بينهم نائب قائد «فيلق القدس» محمد حجازي في عام 2021م، بجانب إعلان الحرس الثوري في أوائل ديسمبر عن أنَّ اثنين من ضُبّاطه قُتِلا في هجوم إسرائيلي بسوريا، دون تقديم أيّ تفاصيل حول الشخصيتين.

كما تحمل هذه العمليات رسائل عسكرية أخرى، من بينها عرقلة استخدام إيران المتزايد لخطوط الإمداد الجوِّية لتوصيل الأسلحة إلى حلفائها في سوريا ولبنان، بما في ذلك حزب الله، كما أنَّها وجَّهت رسالةً إلى طهران بأنَّ عناصر الحرس الثوري الإيراني في سوريا، باتوا تحت مجهر الاستهداف الاسرائيلي بشكل أكبر ممّا سبق. وتسعى تل أبيب إلى توجيه رسائل تحذيرية أيضًا لـ«حزب الله»، على خلفية الأحداث القائمة عند الحدود بين لبنان وإسرائيل، حيث تتصاعد ردود أفعال الحزب، وسط مخاوف من الانزلاق إلى حرب شاملة.

  • توجيه رسائل أمنية واستخباراتية

ويمكن أيضًا قراءة الحادثة من زاوية موقع الاستهداف، حيث تُعَدُّ منطقة السيِّدة زينب كمنطقة حيوية لـ«فيلق القدس»، في أعقاب ثورة 2011 م ضدّ الرئيس السوري بشار الأسد، ويتواجد فيها الآلاف من القوّات، التي تقودها إيران؛ وبالتالي اختارت تل أبيب ضرب قلب النفوذ الإيراني في سوريا. ولا تبدو الغارة الإسرائيلية في استهداف قائد إيراني بهذا الحجم وفي منطقة تُعَدُّ تحت سيطرة إيرانية خالصة بالعشوائية في ظاهرها، فبجانب رسالتها في ضرْب قلب النفوذ الإيراني، وجَّهت الحكومة الإسرائيلية رسالة خفية أخرى، أرادت بها إظهار قُدرتها الاستخبارية ودقّتها في الوصول إلى إحداثيات دقيقة توجِّه عمليات استهدافاتها للقيادات الايرانية في سوريا.

يطرح هذا الاستهداف تساؤلات وشكوكًا إيرانية عدَّة، حول قُدرة تل أبيب في مراقبة الحراك الإيراني لقياداتها داخل سوريا، ومصادر معلوماتها حول تواجُد موسوي في هذا التوقيت وفي هذا المكان بالتحديد، هل هو اختراق في الداخل الإيراني، كما شهِدَت طهران خلال السنوات القليلة الماضية قضايا اختراق أمني واستخباراتي في الداخل الإيراني، أم هو ثمرة للتعاون الإسرائيلي-الروسي؟ وهو سؤال مشروع، في ظل الشكوك الإيرانية المكبوتة منذ زمن في سوريا تجاه الصمت الروسي نحو مئات الغارات، التي تشنّها القوّات الإسرائيلية على مواقع إيران وميليشياتها، بينها أكثر من 30 غارة منذ السابع من أكتوبر الماضي، دون أيّ اعتراض روسي.

كما شهِدَت علاقة إيران وروسيا تأزُّمًا في الأيام القليلة الماضية، حيال ملفات مختلفة، من بينها حالة الانسجام الملحوظ في المواقف الروسية-العربية حيال الأزمة الفلسطينية-الإسرائيلية، وتأييد روسيا للجهود العربية من أجل إيجاد حل للأزمة الراهنة، وهذا ما ترفضه إيران، وكذلك التوتُّر من جرّاء الموقف الروسي الرافض للتدخُّل الإيراني في الشؤون الداخلية العربية، لا سيّما في الجزر الإماراتية الثلاث، التي تحتلّها إيران.

3. رفْع إسرائيلي لوتيرة التصعيد في المنطقة

لا ينفصل هذه الاستهداف عن سياقات عدَّة تجري في المنطقة، من بينها حالة التصعيد الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، بالتزامن مع التصعيد في غزة، حيث انتقل التصعيد في جبهة جنوب لبنان إلى مرحلة جديدة لم تصِل إليها المعركة منذ بدايتها، ومساعي الحكومة الإسرائيلية لتوجيه ضربة قوية إلى حزب الله وفرْض معادلة جديدة على حدوده الشمالية؛ وبالتالي تحميل إيران جزءًا من كلفة عملية طوفان الأقصى، التي نُفِّذت في 7 أكتوبر 2023م، بجانب الضغط على إيران في الملفات الخلافية الأخرى، كالملف النووي وغيرها من الملفات.

ثالثًا: الموقف الإيراني ومسارات الرد المُحتمَلة

تسابق المسؤولون الإيرانيون إلى إعلان النية الواضحة لمحاسبة إسرائيل، على استهدافها لأهمّ قياداتها في سوريا، ووصف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الهجوم على موسوي، بأنَّه «خبيث»، ودليلٌ على «عجْز إسرائيل وإحباطها» في المنطقة، وهدَّد بأنَّ إسرائيل «ستدفع ثمن هذه الجريمة». كما وصف المتحدِّث باسم وزارة الدفاع الإيرانية العميد رَضيّ طلائي نيك، الهجوم الإسرائيلي على موسوي، بأنَّه «انتهاكٌ واضح لسيادة سوريا»، وتوعَّد بأنَّ إيران سترُدّ بشكل «قوي» على هذا الهجوم.

وليس من الواضح كيف ستكون طبيعة الرد الإيراني، أو متى سيكون، إلّا أنَّه بالتأكيد تنظر الحكومة الإيرانية إلى هذا الاستهداف في قلب معاقلها بسوريا، باعتباره إحراجًا محلِّيًا وإقليميًا مُحتمَلًا، بعد عقود من التهديدات الموجَّهة نحو اسرائيل. وسيضعها أمام خيارات صعبة، إذ إنَّ عدم ردّها على تلك الضربات قد يعمِّق تأثير الضربة، ويدفع تل أبيب إلى رفْع مستواها وتوسيع نطاقها في المرحلة المقبلة؛ وبالتالي فرْض قواعد اشتباك جديدة مع طهران. في حين أنَّ ردها عليها، قد يكون كفيلًا بمواجهة المحظور، الذي حرصت على تجنُّبه من البداية، وهو الانخراط في الحرب الحالية، أو على الأقلّ الاضطرار إلى دفْع جزء من كلفتها.

لذا، يمكن ألّا يخرج سياق الرد الإيراني عن المسارات التالية:

1. الرد المباشر: باستهداف إيراني مباشر لإسرائيل، وهو احتمال مُستبعَد أن تقدِم عليه طهران في فتح المزيد من الجبهات، التي قد تهدِّد بانفلات الأمور أمامها بشكل غير مسبوق، والانسياق خلف محاولة تل أبيب لاستدراجها في صراعٍ بشكلٍ مباشر، وهو ما لا تريده طهران في هذه اللحظة، وحفاظًا على المكتسبات، التي راكمتها طهران خلال 13 عامًا في داخل الجغرافيا السورية. كما أنَّ العقيدة العسكرية الإيرانية وقُدراتها العسكرية، وطبيعة استجابتها للضربات السابقة وحملات الاستهدافات العديدة، التي طالت عددًا من قياداتها المهمَّة على الصعيد العسكري أو النووي، كاستهداف قاسم سليماني ومحسن فخري زاده، تقودنا إلى التوقُّع بأنَّ طهران لن تقدِم على ردٍّ عالي المستوى.

2. رد عبر أذرعها في استهداف المصالح الإسرائيلية بالإقليم: فلا يُتوقَّع انخراط إيران في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، وإنّما سيقتصر الأمر على استجابة محسوبة ومحدودة، باستهداف المصالح الإسرائيلية بعيدًا عن إسرائيل نفسها. وستنحصر بين مسارات تقليدية تتعلَّق بالتصعيد العسكري والأمني أو السيبراني، سواءً عبر تنفيذ اختراقات للمجال الجوِّي جنوب سوريا بمنطقة الجولان المحتلَّة، أو استهداف سُفُن مملوكة لإسرائيل بمياه الخليج العربي وبحر العرب، وهي سياسة دأبت طهران على استعمالها مُسبَقًا، أو عبر تصعيد للهجمات في الداخل السوري أو البحر الأحمر، أو الرد من جبهة جنوب لبنان، وإن كان مُستبعَدًا هذا المسار الأخير في الوقت الراهن. وقد تكون الهجمات السيبرانية أو الاستخبارية، عبر استهداف رعايا إسرائيليين في بعض الدول، أحد الردود الإيرانية المرشَّحة الأخرى خلال المرحلة المقبلة.

خلاصة واستنتاجات:

يُعتبَر مقتل القائد العسكري الإيراني الأكثر تأثيرًا في سوريا، تصعيدًا كبيرًا يماثل من حيث الأهمِّية عملية استهداف الولايات المتحدة لقائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني، ومؤشّرًا ذا مغزى خاص، يتعلَّق بتطوُّرات عديدة طرأت على ملفات أخرى تحظى باهتمام خاص من جانب كُلٍ من إيران وإسرائيل، على غرار تحميل تل أبيب لطهران كلفة عملية طوفان الأقصى، ومحاولة ردْع إيران من استغلال الانشغال الأمريكي والإسرائيلي بالحرب في غزة، بتعزيز مواقعها داخل سوريا والعراق، أو لرفع مستوى الأنشطة النووية الإيرانية خلال الفترة الماضية، ومواصلة التهديدات التي توجّهها ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، ضدّ تل أبيب. وقد تجرّأت إسرائيل على تنفيذ هذه العملية النوعية، رُبّما لإدراكها عدم رغبة إيران في الدخول في معترك الأزمة الحالية بشكل مباشر، والتي رُبّما تجبر الولايات المتحدة في حال تدخَّلت إيران باستهدافها بشكل مباشر.

وحيث تشهد المنطقة في الوقت الراهن، توتُّرًا أمنيًا وسياسيًا كبيرًا، فقد يزيد هذا الاستهداف من منسوب الخطورة، فالوضع الأمني في سوريا مع الأردن يشهد توتُّرًا، على خلفية إحباط تهريب سلاح من سوريا إلى الأردن، اتّهمت فيه عمان ميليشيات إيرانية بالوقوف خلف هذه العملية غير المسبوقة، كما أنَّ التوتُّرات في لبنان والعراق بجانب التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، تؤشِّر جميعها على انسياق المنطقة نحو وضعْ خطر تسعى دولها إلى تجنُّبه، مقابل سعيٍ إيراني وإسرائيلي إلى إشعاله، خاصَّةً في ظل غياب الموقف الأمريكي الحاسم تجاه التحرُّكات الإسرائيلية والإيرانية، التي من شأنها رفْع مستوى التصعيد الإقليمي.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير