قد يوافق البرلمان الإيراني الذي يهيمن عليه المتشدّدون بحلول خريف هذا العام على مشروع قانون يهدف إلى تعديل قوانين الانتخابات الرئاسية في البلاد، الذي يرفضه بعض البرلمانيين لأنه يتّسم بالتحيُّز ويحدّ من المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة.
وفي حال الموافقة فإنّ مشروع القانون يشترط على المترشحين لمنصب الرئاسة أن يكونوا من حَمَلة درجة الماجستير على الأقل، بدلًا من مجرّد القدرة على القراءة والكتابة، وهو المؤهل الوحيد المطلوب حتى الآن، ومن المفترض أن يتمتع المرشحون بخبرة إدارية وسجلّ حافل بأنشطة الحزب، ويجب أن يكونوا من أصول إيرانية وتتراوح السنّ بين 40 و70 عامًا، بالإضافة الى الخبرة العملية الواسعة والمكتسبة بعد الثورة الإيرانية عام 1979، كما سيشترط مشروع القانون أن يتمتع المرشحون بمكانة اجتماعية عالية، وأن يكون المرشح قد عمل سابقًا في منصب سياسيّ أو إداريّ رفيع.
سيُطلَب من المرشحين أيضًا تقديم خطة عمل حول سياساتهم إلى مجلس صيانة الدستور، والكشف عن أسماء ومؤهلات المستشارين و/أو الوزراء مستقبلًا، ويقول المتشددون إنّ هذا الإجراء سيقلّل من التكلفة التي تتحملها الدولة لتسجيل المرشحين غير المؤهلين. وعلى سبيل المثال، فقد سجّل ما يقرب من 3000 مرشح غير مؤهل للمشاركة في أحد السباقات الرئاسية السابقة في إيران.
لكنّ معارضي مشروع القانون قلقون من أنه سيُعطي صلاحيات تقديرية لمجلس صيانة الدستور، وهي الهيئة المسؤولة عن الموافقة على ما إذا كان المرشحون مناسبين أم لا لخوض الانتخابات.
وتقول صحيفة «جمهوري إسلامي» إنّ مشروع القانون الجديد سيأخذ تصويت الشعب ويسلمه إلى مجلس صيانة الدستور، فيما ترى صحيفة «أرمان ملي» أنّ هذا المشروع سيمنح الفصائل السياسية القوية سيطرة حصرية على السُّلطة، في حين أنّ الحقّ في الترشح لمنصب دستوريّ هو ملْك لجميع الشعب الإيراني.
وتخشى هذه الصحف أنّ مشروع القانون الذي يمنح مجلس صيانة الدستور مزيدًا من الصلاحيات سيقلِّل تلقائيًّا من أهمية تصويت الشعب، وذلك بالنظر إلى تاريخ المجلس في الإفراط في ممارسة إرادته على العملية الانتخابية. ويتعارض مشروع القانون في الواقع مع المادة 99 من الدستور الإيراني، التي تقيّد دور مجلس صيانة الدستور. ويعتبر أيضًا مخالفًا للقانون الإيراني أن يتدخّل مجلس صيانة الدستور في وضع قوانين للانتخابات عبر صلاحيات موسعة يمنحها له مشروع القانون الجديد، فيما الحكومة هي المسؤولة عن سَنّ القوانين والقواعد المتعلقة بالانتخابات ومراقبتها. ومن المحتمل أن تكون وزارة الداخلية الإيرانية تعرضت لضغوط من الجماعات ذات النفوذ القويّ في إيران، والمعروفة باسم حكومة الظلّ، للامتثال لمشروع القانون. وقالت وزارة الداخلية، وهي الجهة المسؤولة عن إجراء الانتخابات، إنّ المشرّعين الإيرانيين الذين صاغوا مشروع القانون لم يستشيروها، وإنه من مسؤولية البرلمان وضع الصيغة النهائية من قانون الانتخابات الجديد.
ومن المعروف أنّ قائمة طويلة من 25 شرطًا للترشح في مشروع القانون الجديد ستمكّن مجلس صيانة الدستور من منع ترشُّح عديد من المرشحين الشعبويين في المستقبل. ويقول عضو البرلمان السابق علي مطهري إنّ مشروع القانون سيقلّل من فُرَص المشاركة الشعبية إذا حصل مجلس صيانة الدستور على مزيد من السُّلطة في الانتخابات، بحيث يمكّن الفصائل الأقوى من القضاء على الفصائل السياسية المنافسة والأضعف. ولم يقُل النائب السابق بالضبط كيف يمكن أن يحدث هذا، ولكن من الإنصاف القول إنّ مشروع القانون الجديد قد يمنح بشكل تعسفيّ الفصائل المتشددة القوية في إيران مزيدًا من السُّلطة.
يشعر مطهري بالقلق من أنّ مشروع القانون يمكن أن يشجع العناصر القوية في الحرس الثوري الإيراني على السعي وراء المناصب، وقد يمكنهم ذلك من إنشاء دولة إيرانية تقودها حكومة عسكرية. إنّ الحرس الثوري الإيراني غير راضٍ بشكل عامّ عن التدهور السياسي والاقتصادي السريع لإيران، الذي يرى الحرس أنه تهديد للأمن القومي الإيراني، وعليه قد يسعى الحرس الثوري إلى الترشح لمزيد من المناصب عن طريق الانتخاب لإصلاح بعض المشكلات التي تواجهها البلاد، حتى وإن كان ذلك ببسط القوة وبدعم من مواليهم المتشددين. ولتجنُّب هذا السيناريو، يُصِرّ مطهري على أنه يجب على المسؤولين العسكريين على الأقلّ أن يستقيلوا من مناصبهم قبل السعي وراء المناصب.
وتدّعي صحيفة «جمهوري إسلامي» أنّ مشروع قانون الانتخابات الجديد سيصنّف المرشحين تحت خانة «رجل دين» أو «رجل سياسة». ويشعر مطهري بالقلق من أنّ منسوبي الجيش والحرس الثوري الإيراني يُنظَر إليهم في إيران على أنهم «رجال سياسة»، مما قد يؤهّلهم بسهولة للترشح للمناصب عن طريق الانتخاب. وقد أعلن القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني محسن رفيق دوست، مؤخرًا، أنّ الرئيس القادم لإيران يجب أن يكون من بين صفوف الحرس الثوري الإيراني إن كان ذلك يساعد في حلّ مشكلات البلاد.
كما فشل مشروع القانون الجديد في تحديد دور المرأة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المستقبلية. وحتى الآن، لم يسمح مجلس صيانة الدستور مطلقًا للمرأة بالترشح للرئاسة، بقولهم إنّ مصطلح «رجل سياسة» الوارد في نص الدستور الإيراني باللغة الفارسية ينطبق فقط على الذكور ويحرم النساء تلقائيًّا من خوض سباق الانتخابات الرئاسية من هذا المنطلق.
وأغلقت التعديلات المقترحة الأخيرة الباب أمام محاولات سابقة للرئيس حسن روحاني لإصلاح قوانين الانتخابات الإيرانية، لا سيّما الانتخابات الرئاسية. وفي وقت مبكّر من شهر فبراير الماضي، دعا روحاني إلى استفتاء وطنيّ للحدّ من دور مجلس صيانة الدستور في الانتخابات، ولكنْ أحبطها المتشدّدون.
بطبيعة الحال، يخشى الإصلاحيون من محاولة المتشددين إخراج مرشحيهم من السباقات الرئاسية في المستقبل من خلال مشروع القانون الذي يسمح بإعطاء مجلس صيانة الدستور دورًا أكبر في مسألة الانتخابات الرئاسية. وليس من المستغرب أن يقود البرلمان الإيراني في الوقت نفسه مناقشات لتعديل قوانين الانتخابات الرئاسية، يمنح بموجبها مجلس صيانة الدستور مزيدًا من الوضوح حول كيفية فحص المرشحين في المستقبل لهذا المنصب، وإزالة الغموض القائم حول هذا الموضوع كما هو وارد في المادة 115 من الدستور. ولا تنص المادة على أيّ مؤهلات فئوية للترشح لمنصب الرئاسة، وهو ما يمكّن -حتى الآن- الإصلاحيين في إيران من الترشح للمنصب. ويبدو أنّ المتشددين يودّون إدراج مزيد من المؤهلات في هذه المادة.
قد تشير هذه التغييرات الانتخابية إلى صعود قوة الحرس الثوري الإيراني في إيران، التي تُعَدّ بالفعل مؤسَّسة قوية للغاية، ولكن بموجب القوانين الإيرانية الحاليَّة، عليها أن تبقى بعيدًا عن السياسة، وعديد من البرلمانيين في إيران الذين يدعمون مشروع القانون هم أعضاء سابقون في الحرس الثوري الإيراني، وليس من المفاجئ أنه بينما يناقش البرلمان الإيراني مشروع القانون للموافقة عليه، تلقّى رئيس الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي دعوةً لإلقاء كلمة أمام البرلمان الأسبوع الماضي. وفي خطابه، أشاد بالقيادة المتشددة للمرشد الإيراني علي خامنئي، وقد وافق البرلمان مؤخرًا على تعيين وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني الجديد علي رضا رازم حسيني، الذي خدم في الحرس الثوري الإيراني.
سيعزز مشروع القانون الجديد الصعود السياسي للحرس الثوري الإيراني إلى السُّلطة من خلال تمكين أعضائه من الحصول على المناصب بالانتخابات. والأهمّ من ذلك أنه سيمهِّد الطريق أمام الهيئات شبه العسكرية المسلَّحة في إيران للظهور كقادة سياسيين جُدد في البلاد، وتثبيت قوة الجماعات التي تدعم الدولة العسكرية بشكل متزايد.