كما أثار تعيين الحاكم العسكري الإيراني «سفيرًا» لإيران لدى الحوثيين في اليمن قبل نحو سنة كثيرًا من الضجيج، أحاط الغموض بوفاة حسن إيرلو قبل أيام، وأثيرت تكهنات حول النهاية الغامضة لرجل لعب دورًا كبيرًا في الأحداث التي شهدها اليمن في السنوات الأخيرة.
رغم إعلان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة صبيحة الثلاثاء أن المذكور لقي مصرعه متأثرًا بوباء كورونا، فإنه أطلق عمليًّا حملة -دأب على شنِّها المسؤولون الإيرانيون- ضد المملكة، عبر اتهامها بالمماطلة وعرقلة إعادته إلى إيران لتلقِّي العلاج، وكانت تصريحات وزير الخارجية أمير عبد اللهيان أكثر وضوحًا في هذا الصدد، مما جعل المتحدث باسم التحالف العربي لدعم الشرعية يفنِّد تصريحات المسؤولين الإيرانيين، ويؤكد أن التحالف أبدى تعاونًا لإجلاء المذكور من اليمن، لاعتبارات إنسانية وتقديرًا لوساطة دبلوماسية من دول شقيقة، بعد أقلَّ من 48 ساعة من الإبلاغ عن حالته الصحية.
أوضح الاتهامات للمملكة جاء على لسان موقع «رجا نيوز» المقرَّب من الحرس الثوري الذي انفرد باتهام قوات التحالف علانية بقصف الموقع الذي كان فيه إيرلو في صنعاء، إذ قال: «في الأيام القليلة الماضية قصفت المقاتلات السعودية المنطقة التي كان فيها، بعد تسريب أخبار عن مكانه». لكن الموقع لم يقدِّم أي تفاصيل أو أدلة على مزاعمه، وواصل الخبر على أساس إصابة المذكور بوباء كورونا، متهمًا المملكة بالتسبب في «استشهاده»، مضيفًا أن هذه ليست المرة الأولى التي تتسبب فيها السعودية في قتل دبلوماسيين إيرانيين، بعد قتلها السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن آبادي بعد أن نجا من حادثة مِنَى عام 2015، على حدّ زعم الموقع.
كذلك كانت الاتهامات التي أطلقها رئيس لجنة التعليم في البرلمان الإيراني أحمد نادري ضد السعودية حادة للغاية، إذ قال: «إن “الاستشهاد” الفاجع لسفير إيران في اليمن يمثِّل حرقة في قلوب المقاومة في المنطقة. إنها المرة الثانية التي تخطف منا فيها دولة تكفيرية تدّعي الإسلام سفيرًا. لو كانت تلقّت ردًّا مناسبًا في المرة الأولى، لما فكرت في تكرار فعلتها. يجب التفكير بجِدِّيَّة». وشنت ابنة المذكور فاطمة إيرلو هجومًا وقحًا حادًّا على السعودية، قائلة: «كما أدى “استشهاد” الحاج قاسم إلى تعاسة ترامب، فإن “استشهاد” والدي أيضًا سيؤدي إلى مزيد من التعاسة لابن سلمان بن أبي سفيان»، وهي بالطبع لا تمدح أبا سفيان الذي يُكِنّ له غالبية المسلمين احترامًا بوصفه أحد الصحابة الكرام. تبعتها كذلك ابنة السفير الإيراني الأسبق في لبنان زهرا ركن آبادي التي يُعتقد أنها تعمل حاليًّا في وزارة الخارجية، إذ قالت في تغريدة لها: «إن قتل السعوديين للسفراء لم يبدأ بركن آبادي ولن ينتهي بإيرلو. أزقّة الكوفة شاهدة على آلام سفير الحسين، وقتل السفراء عادة لدى أبناء أبي سفيان».
يبدو واضحًا من تصريحات المسؤولين الإيرانيين أن إيرلو لم يكن دبلوماسيًّا عاديًّا من الكوادر التي تدرجت في المناصب الدبلوماسية في وزارة الخارجية حتى وصلت إلى منصب السفير، رغم أن وكالة «إيسنا» الرسمية حاولت القول إنه من كوادر الوزارة منذ وقت طويل، وزعمت أنه من الدبلوماسيين ذوي الخبرة في الوزارة، وإنه كان خبيرًا في الشؤون العربية وشؤون شبه الجزيرة العربية، كما زعمت أن «المسؤول عن الشؤون اليمنية في وزارة الخارجية» تَولَّى بعد بدء الحرب في اليمن عام 2015 مسؤولية تنسيق المساعدات الإنسانية الإيرانية لليمن، وأنه شغل قبل تولِّيه منصب السفير في اليمن منصب مساعد وزير الخارجية الخاص للشؤون اليمنية بين عامَي 2015و2020
لا شكّ أن إيرلو شخصية على درجة كبيرة من الأهمية للنظام الإيراني، وإلا لما طلب النظام من السعودية التي يُكِنّ لها عداءً أيديولوجيًّا السماح بنقل إيرلو للعلاج خارج اليمن. بات من الواضح بعد تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين أن إيرلو كان قياديًّا بفيلق القدس، إذ أفاد نائب قائد الحرس الثوري العميد علي فدوي بأنه التقاه قبل نحو 40 عامًا في إحدى الجبهات خارج البلاد، فيما قال إسماعيل قآني قائد فيلق القدس إن إيرلو قضى عمره في خدمة الثورة الإسلامية وجبهة المقاومة، كما اعترف عديد من المواقع الإخبارية المقربة من الحرس الثوري بأنه كان رفيق قاسم سليماني في القتال، وأنه لعب أدوارًا خارج اليمن أيضًا، فورد في موقع «رجا نيوز» أن «الخدمات التي قدَّمها الجنرال حسن إيرلو لمحور المقاومة تتجاوز اليمن. لن يُنسى دوره المحوري في انسحاب أمريكا للمرة الأولى، وكذلك منظمة المنافقين “مجاهدي خلق” من العراق مطلقًا»، كما قالت صحيفة «جوان»: «كان إيرلو دبلوماسيًّا ثوريًّا، يهتمّ دائمًا بجغرافية العالم الإسلامي. هو من جيل قاسم سليماني الذي لم يكُن يعرف أي حدود لمساعدة الناس». كذلك تحدثت وكالة «إيرنا» الناطقة باسم الحكومة عن لعبه دورًا محوريًّا في العراق في حقبة ما بعد صدام.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن «الميدان» هو الذي يتحكم في السياسة الإيرانية في المنطقة، وأن فيلق القدس هو الذي يعيِّن السفراء في دول المنطقة ولا سيما في دول ما يسمى «محور المقاومة»، وأن دور وزارة الخارجية يقتصر على تأمين الغطاء الدبلوماسي لجنرالات الحرس، فليس من المستبعَد مُطلَقًا أن يكون المذكور قياديًّا في فيلق القدس لا دبلوماسيًّا عاديًّا.
إضافة إلى ما تَقدَّم، أعاد «استشهاد» الرجل المعروف بـ«قاسم سليماني اليمن»، السجالات بين مؤيدي النظام الإيراني أنفسهم، بين مَن نعاه باعتباره عبد الرضا شهلائي (القيادي في فيلق القدس الذي خصَّصَت أمريكا مكافأة بقيمة 15 مليون دولار لمن يُدلِي بمعلومات عنه)، قائلًا: «حين أصبح شهلائي سفير إيران في اليمن فجأة وخرج إلى الأضواء كي يقدِّم خدمات كبيرة للشعب اليمني المقاوم، كنت أتوقع استشهاده، لكن ليس بسبب كورونا»، وبين من نفى ذلك جملة وتفصيلًا، متهِمًا مَن يروِّج الشائعة بأنه يسعى للشهرة وكسب مزيد من المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأطلق البعض العنان لنفي الخبر لدرجة تأكيد أن شهلائي بصحة جيدة ويمارس عمله خارج البلاد كالمعتاد. لكن ما ذكرته وكالة الأخبار الرسمية الناطقة باسم الحكومة «إيرنا» زاد التكهنات، حين اعترفت بأنه كان يُعرف باسم شهلائي، قائلةً: «إيرلو الذي كان يُعرف باسم القائد شهلائي أيضًا من قادة المقاومة»، ثم ما لبثت أن حذفت هذه الفقرة من الخبر، بلا إيضاحات بهذا الخصوص، كما لم تصدر تصريحات رسمية عن المسؤولين الإيرانيين تنفي هذه الشائعة أو تؤكدها.
ورغم احتمالات أن يكون إيرلو هو شهلائي نفسه، فإن احتمالات أن يكون تسريب وكالة «إيرنا» متعمَّدًا تبقى قائمة، وقد يهدف من خلالها النظام الإيراني إلى الإيحاء إلى أمريكا بأن إيرلو هو شهلائي نفسه، للكفّ عن البحث عنه ومحاولة استهدافه، كي يواصل مهامَّه بلا خوف من الاستهداف. وعلى الرغم من أن إطلاق صفة «الشهيد» في إيران لا تعني بالضرورة أن يكون المتوفى استُشهد حسب المعنى المعروف للشهادة، فإن احتمال مقتله نتيجة الخلاف مع الحوثيين تبقى قائمة. وإذا ما صحّ هذا الاحتمال فإنه يشير إلى اتساع الهوة والشقاق بين النظام الإيراني والحوثيين بعد الإخفاق في السيطرة على مأرب، ونجاح قوات التحالف العربي في توجيه ضربات موجعة إليهم في قلب العاصمة صنعاء. ربما لن يطول الوقت حتى نلحظ تداعيات فقدان هذا «الدبلوماسي» الإيراني على جبهات القتال في اليمن.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد