تعرَّض الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال الأسابيع الأخيرة لانتقاداتٍ لاذعةٍ من رئيس البرلماني الإيراني الجديد محمد قاليباف. ويواجه روحاني تلك الانتقادات إزاء فشله في إنقاذ اقتصاد البلاد المتعثِّر بسبب العقوبات الأمريكية وتفشِّي وباء كوفيد-19؛ وتمثَّلت محاولات روحاني -الرامية إلى شقّ صفّ «الأصوليين» والتي باءت بالفشل- في رفض المطالبات بإقالته وتحميل «الأصوليين» مسؤوليةَ تقويضِ رئاسته، ولم ينجح سوى في حشد دعمٍ كافٍ من «التيّار الأصولي» ليبقى في منصبه حتّى الانتخابات الرئاسية، التي ستُعقَد العام المقبل، ويُضعف هذا الوضع موقف روحاني جدًّا ويمهِّد الطريق أمام حصول «الأصوليين» على قدرٍ أكبر من السُلطة في إيران، بعد انعقاد الانتخابات الرئاسية في البلاد في يونيو 2021، إذ سيتنافس على كرسي الرئاسة جملةٌ من المرشَّحين. وتنشر وسائل الإعلام الإيرانية معلوماتٍ موجزة عن الشخصيات المرشَّحة المُحتمَلة من «التيّار الأصولي».
ومؤخَّرًا قدَّم أعضاءٌ «أصوليين» في البرلمان مقترحًا في يونيو بهدف استدعاء الرئيس روحاني واستجوابه في البرلمان. وفي يوليو، حاول البرلمان جمع تواقيع بهدف عزله، وقد أفادت تقاريرٌ بأنّ مساعي البرلمان قد توقَّفت بعد تدخُّل المرشد علي خامنئي بهدف إنهاء الصراع بين التيّارين «الأصولي» و«الإصلاحي»، إيمانًا منه بأنّ ذلك يُضرّ بسمعة إيرن في الخارج ويقوِّض استقرارها في الداخل؛ وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ المخاوف التي فرضها دَين إيران العام المتزايد جعلت رئيس البرلمان الجديد محمد باقر قاليباف يطلب من المرشد أن يعارض قرار روحاني بشأن طرح سندات نفطية مدعومة من الحكومة في البورصة المحلِّية بهدف جني الإيرادات، وواصل روحاني سعيه لتنفيذ هذه الخطوة خلال الصيف في اجتماعٍ للمجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، وهو هيئةٌ أُنشِأت مؤخَّرًا بهدف مواجهة الأزمة الاقتصادية الإيرانية، وقد وجَّه أعضاءٌ آخرون في المجلس -ومنهم قاليباف ورئيس السُلطة القضائية «الأصولي» إبراهيم رئيسي- اللومَ لروحاني لإبرامه الاتفاق النووي وتقييده برنامج إيران النووي؛ وفي 2018 انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق، وأعادت فرضَ العقوبات على إيران، وفي أغسطس من هذا العام طرحَ أعضاءٌ في مجلس الشورى (البرلمان) مشروع قانونٍ للمطالبة بالانسحاب من الاتفاق النووي وإنهاء التزام إيران بالبروتوكول الإضافي لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وفي أكتوبر تصاعد هجوم «الأصوليين» على روحاني حين انتقده رئيس البرلمان بسبب فشله في تحقيق الاستقرار للعُملة الإيرانية، التي تراجعت قيمتها نتيجةَ العقوبات الأمريكية، إذ انخفضت قيمة الريال الإيراني في أكتوبر من سعر الصرف الرسمي 42000 مقابل الدولار الأمريكي إلى ما يزيد عن 300000 مقابل الدولار. وبعدها بفترةٍ وجيزة، دعا النائب «الأصولي» ورئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان مجتبى ذو النوري المرشدَ الأعلى لمعاقبةِ روحاني بالأمرِ بإعدامه ألف مرَّة بسبب سوء إدارته للبلاد.
وبعد شكاوى روحاني، تدخَّل المرشد الأعلى لمنع الهجوم عليه، وأكَّد خامنئي على ضرورة إكمال روحاني باقي فترة ولايته، وعلى الرغم من أنّ ذو النوري تراجع عن دعواته السابقة عن إعدام روحاني، إلّا أنه واصل المطالبة بعزله، ثم سكتت المطالبات بعزل روحاني، بعدما رأى النوّاب «الأصوليين» أنّه لا طائل منها في ظلّ اقتراب موعد انتهاء ولايته؛ وفي نفس الوقت، يريد البرلمان أن يتولَّى مسؤوليةَ توفير السلع الأساسية وتوسيع نطاق رقابته على سياسات روحاني الاقتصادية، وقد نشر أعضاء البرلمان الإيراني قائمةً تضُمّ سياسات/إجراءات الحكومة التي أدَّت -حسب اعتقادهم- إلى انهيار اقتصاد البلاد، كما يرفضون مراجعة ما يقارب 67 مشروعَ قانون قدَّمتها حكومة روحاني لإصلاح الاقتصاد أو التصديق عليها. وفي خطوةٍ أُخرى، صادق البرلمان -بأغلبية ساحقة- على إلزام الحكومة بدفع إعاناتٍ شهرية لتغطية تكاليف السلع الأساسية.
وتشير الخلافات المتنامية في إيران حول كيفية التعامُل مع أزمة البلاد الاقتصادية إلى مشاكل أكثر أهمِّية، إذ يُنتقَد روحاني على رغبته في إجراء محادثات جديدة مع الولايات المتحدة، فيما يرفض «الأصوليين» الإيرانيون عقدها بدعوى أنّها عديمة الفائدة ومُذِلَّة، بالنظر إلى أنَّ وزارة الخزانة الأمريكية لم تفرض عقوباتٍ على الحكومة الإيرانية فحسب بل على دائرة روحاني الضيقة بمن فيهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف ووزير النفط بيجن زنغنه؛ وقد تزايدت هجمات «الأصوليين» على روحاني في الأيام القليلة الماضية، ودعوه إلى استبدال المناصب الإدارية في حكومته غير المؤهَّلة ببيروقراطيين أكثر تأهيلًا، كما يتّهمون حكومته بتضليل الشعب، ويريدون أن تأخذ حكومةٌ جديدة بزمام القيادة قريبًا؛ ويشير «الأصوليين» -من خلال وصف اتّجاه أنصار روحاني بـ «المضلّل»– إلى أنَّ روحاني والولايات المتحدة يضعفون الثورة الإيرانية على حدٍّ سواء؛ ما يدُلّ على أنَّ كثيرًا من «الأُصوليين» يراودُهم شعورٌ قوي بأنَّ روحاني -بعمدٍ أو جهل- يخدمُ مصالحَ الولايات المتحدة من خلال إضعاف إيران، وبالتالي فبمجرَّد أن يترك روحاني منصبه من المرجَّح أن يضغطَ الأصوليين في إيران لتغيير سياساته، بما فيها جهودُه الرامية إلى إقامة علاقاتٍ أوثق مع الغرب بإبرام الاتفاق النووي في عام 2015.