ظلَّت السردية الغربية تجاه تطورات الشرق الأوسط منذ نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والانخراط العسكري في إشكاليات المنطقة واضحةً ومكرَّرة، وأحيانًا مقنعةً لبعض شعوب منطقة الشرق الأوسط، ومفرحةً لجزءٍ يسير منها كان ولا يزال يردِّد ضرورةَ طرد أو إخراج القوى الغربية من المنطقة بكلِّ السُّبل.
يمثِّل هذا التوجُّه إيران وما يسمى بمحور المقاومة والميليشيات المرتبطة به من جانب، والجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة من جانبٍ آخر.
لقد تبنَّى الرئيس الأمريكي الراهن سياسةَ الانكفاء من منطقة الشرق الأوسط، وسحب القوات المتواجدة في العراق وأفغانستان بمبرِّر ضرورة إعادة الجنود الأمريكيين إلى الداخل الأمريكي، مع التركيز على الصين بشكلٍ أو بآخر. أما الجانب الأوروبي فقد كان يردِّد بشكلٍ دائم أنه لن ينخرطَ مطلقًا في صراعات المنطقة عسكريًا.
وفجأةً، أو تبدو كذلك، ظهرت الأزمة الأوكرانية والاجتياح الروسي العسكري لهذه الدولة. منذ اليوم الأول للدخول العسكري الروسي لأوكرانيا وأنا أتابع بدقَّة الموقفَ الغربي (الأوروبي والأمريكي)، لاحظت تغيرًا دراماتيكيًا في الموقف لهذه الدول، وتم تحريكُ العديد من القوات إلى الدول المجاورة لأوكرانيا. وحقيقة أنَّ الشعور بالخطر هو الدافعُ الرئيسي لذلك وبخاصة أنَّ شرقَ القارة الأوروبية في خطرِ اجتياحٍ روسي.
لكنَّ المثيرَ للاهتمام هو مطالبةُ هذه الدول لكثيرٍ من دول العالم وبخاصة الدول المصدِّرة للنفط والغاز باتخاذ مواقفَ مناهضة لروسيا، والضغط لرفع إنتاج النفط والغاز؛ ليكون بديلًا عن الطاقة الروسية. كما أعمَلت تلك الدول عقوباتٍ صارمة ضدَّ روسيا وتعملُ على إخراجها من المنظومة الدولية بشكلٍ كامل.
نحن في المنطقة نفهمُ اللغةَ العدائية الغربية تجاه روسيا؛ لأنَّ الكثيرين في المنطقة وبخاصة تلك الدول التي تضرَّرت من السلوك العدائي الإيراني طيلةَ العقود الماضية يرون في ذلك نموذجًا مماثلًا لسلوك النظام الإيراني، وتهديده لأمن واستقرار المنطقة بكاملها.
لهذا، يقفزُ إلى الأذهان السؤال التالي: ماذا لو قامت الدول الغربية بخطوات لا أقول مماثلةً بل بنسبة 10%من هذه الخطوات تجاه إيران؟ هل ستستمرُّ إيران في سلوكها العدائي؟ وهل ستتبجَّح بأنها تسيطرُ على أربعة عواصم عربية؟
وهل سيصمدُ المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة؟ ألن تقودَ تلك الخطوات غير العسكرية منها إلى إجبار طهران على تغيير سلوكها والتَّحول إلى دولةٍ طبيعية؟
أترك الإجابة على هذا السؤال للأصدقاء في الغرب، في الوقت الذي يشعرون فيه بالخطر كما عاشتهُ وتعيشُه دولُ الشرق الأوسط.
عند النظر إلى العلاقة التاريخية الطويلة بين دول الخليج والغرب (ولا سيما الولايات المتحدة) وما تخلَّلها من تقلُّبات، أستطيعُ الجزمَ تقريبًا بأنَّ هذه العلاقة تغيَّرت خلال السنوات القليلة الماضية عمَّا كانت عليه، وحان وقتُ إصلاحها بما يحقِّق مصالحَ الطرفين.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد