هل لا يزال الوقت مبكرًا أمام حلم السلام الأوكراني؟

https://rasanah-iiis.org/?p=35590

رفضت الصين الحضور، وروسيا لم تتلقَّ أيّ دعوة، بينما شاركت البرازيل بصفة مراقب في قمَّة السلام العالمية، التي ترأّستها أوكرانيا، وعُقِدت في يومي 15 و16 يونيو الفائت بسويسرا. وقد وقَّعت 80 دولة -من بين 92 دولة كانت قد حضرت القمَّة- على البيان الختامي، الذي قدَّمته كييف، إذ كانت سويسرا تتوقَّع أنَّ المشاركة في القمَّة تعني دعْم أوكرانيا في معاناتها، إلّا أنَّ ثمَّة دولٌ امتنعت عن التوقيع عليه، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وإندونيسيا وجنوب أفريقيا والهند والمكسيك. على الرغم من ذلك، فقد رأت أوكرانيا أنَّ حضور 92 دولة للقمَّة من بين 193 من الدول الأعضاء في الأُمم المتحدة، كان إيجابيًا، ولو أنَّها استطاعت إقناع الصين بالمشاركة في القمة؛ لحضرت عشرات الدول للقمَّة أيضًا.

ومن بين الحضور، فقد أرسلت 56 دولةً رؤساءها، في حين أرسلت 30 دولةً أخرى مسؤولين كبار، مثل نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، كما حضرَ وزراء خارجية ووفود وزارية المستوى؛ ما جعل القمَّة حدثًا لا يمكن لروسيا تجاوزه أو تقليده.

وجاء في البيان المشترك للقمَّة، أنَّ «احترام السلامة الإقليمية وسيادة جميع الدول سيكون أساسًا لحل الصراع مع روسيا»، وأيَّدت الوثيقة ثلاثة مقترحات من خطَّة السلام ذات العشرة بنود، التي كانت أوكرانيا قد اقترحتها، إذ دعت القمَّة على وجه التحديد، إلى تشغيل محطَّة زابوروجييه للطاقة النووية، التي تحتلَّها روسيا حاليًا «تحت سيادة أوكرانيا الكاملة»، إلى جانب الدعوة إلى تبادُل شامل للأسرى والمعتقلين الأوكرانيين. كما أيَّدت القمَّة أنَّ الأمن الغذائي «لا يجب أن يُستخدَم كسلاح»، وأنَّه يجب أن تُمنَح كييف حرِّية تصدير الغذاء «بأمان».

غير أنَّ البيان المشترك كان ملطَّفَ اللهجة، إذ تجنَّب الإشارة إلى العدوان الروسي، واكتفى بوصف الصراع الدائر بـ «الحرب»، وعلى الرغم من أنَّ البيان أكَّد ضرورة احترام ميثاق الأُمم المتحدة، إلّا أنَّه تجنَّب الدعوة الصريحة إلى احترام السلامة الإقليمية الأوكرانية.

ولم تساهم القمَّة في جذْب تغطية إعلامية أكبر للصراع الروسي-الأوكراني فحسب، بل سلَّطت الضوء على عزْم كييف على عدم التنازل عن أراضيها لروسيا. ومع دخول الصراع عامه الثالث، باتت الحملة الدفاعية الأوكرانية تواجه تعقيدات إستراتيجية وتكتيكية وسياسية، وروسيا صامدة وعازمة أيضًا على عدم التراجع. وقد حاول فلاديمير بوتين كسْب كوريا الشمالية وبيلاروسيا وإيران لصفِّه؛ بغرض الحصول على إمدادات الأسلحة والذخيرة.   

وفي ظل استقرار الخطوط الأمامية للصراع، فقد يُقدِم أيّ الطرفيْن على كسْر هذا الجمود، من خلال تحرُّك عدواني بارع، أو اللجوء إلى القنوات الدبلوماسية. وعلى الرغم من أنَّ حزمة المساعدات العسكرية الأوكرانية قد وجدت طريقها أخيرًا، بعد أن عرقلتها سياسة الكونجرس المضطرِبة، إلّا أنَّ خط الإمداد لا يزال مهدَّدًا بمخاوف من تصعيد غير متوقَّع. ولم تعُد كييف قادرةً على إظهار الهدوء، بشأن مماطلة الولايات المتحدة في الدعم العسكري، الذي هو حاسمٌ لانتصارها. فخلافًا للتصوُّر الشائع بأنَّ واشنطن قد بدأت برنامج تدريب للقوّات الجوِّية الأوكرانية على طائرات «إف-16»، فإنَّ عدد الطيّارين، الذين تلقُّوا تدريبًا كاملًا حتى الآن هو 20 فقط. وعلى الرغم من أنَّ بلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج قد تعهَّدوا بنقل أكثر من 60 طائرة من طراز «إف-16»، إلّا أنَّ الولايات المتّحدة لم تسمح بتدريب الطيّارين في أكثر من 10 مواقع مُقترَحة. وحاليًا، يقتصر برنامج التدريب على ولاية أريزونا الأمريكية، وقاعدة جوِّية في الدنمارك، بينما لا تُوجَد أماكن تدريب مُتاحة في رومانيا. ومن المتوقَّع أن تصِل الدفعة الأولى من الطائرات في وقت لاحق من العام، وحتى حينها لم يُحدَّد الوقت الذي بإمكانها فيه بدء مهامها القتالية. وقد أفادت تقارير بأنَّ الولايات المتحدة غير مستعِدَّة لإعطاء الأولوية لتدريب الطيّارين الأوكرانيين؛ نظرًا لأنَّ بلدانًا أخرى في قائمة الانتظار قبلهم. ومن جانبها، ذكرت رئيسة لجنة الأسلحة والذخائر في كييف، أوليكسندرا أوستينوفا، لصحيفة «ذا تايمز» البريطانية: «هذه ليست حجَجًا، بل ذرائع يستمِرُّون في إيجادها مرارًا وتكرارًا». ووفقًا للوتيرة الحالية، فمن المُحتمَل أن يكون لكييف سربٌ كاملٌ من الطيّارين عددهم 40، حتى نهاية عام 2025م. ومن غير المعروف حتى الآن مستوى التقدُّم، الذي تستطيع أوكرانيا إحرازهُ باستخدام الطائرات المسيَّرة المفخَّخة وبإمدادات محدودة من أنظمة الدفاع الجوِّي.

وفي ظل الاضطرابات السياسية، التي تعيشها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، فإنَّ الوضع يصُبّ في صالح روسيا فقط. إذ تختلف وجهات نظر ترامب ولوبان وستارمر حول الحرب الروسية-الأوكرانية عن أسلافهم، وقد مثَّل أداء بايدن «المعيب» في المناظرة الرئاسية الأولى مع ترامب، صحوةً مباغتة للغرب ولأوكرانيا على الخصوص. أمّا في فرنسا، فيواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فرْض سُلطته على السياسة الخارجية والدفاعية وفق صلاحياته كرئيس، لكن من المتوقَّع ألّا يكون عمله مع رئيس وزراء يميني منافس سلِسًا، لا سيّما وسط تقلُّص شعبيته.   

وفي سبيل كسْر جمود الصراع الروسي-الأوكراني وإنقاذ حياة الآلاف المتواجدين على خطوط المعركة الأمامية وكذلك في المُدُن، فإنَّ الدبلوماسية هي طوق النجاة. وبإمكان إحدى الدول الممتنعة عن التوقيع على بيان القمَّة الختامي وتحظى بنفوذ دبلوماسي على أطراف الصراع، عقْد قمَّة للوساطة. وحاليًا، فبينما تسعى أوكرانيا إلى تحرير أراضيها من قبضة روسيا، فإنَّ الأخيرة تفرض مطالب متطرِّفة، وبالنسبة لبوتين فلا يُوجَد سبب يدعوه إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، في حال أبدى أكبر داعمي أوكرانيا الثلاثة –الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا- استعدادًا أقلّ لتسليحها بعد الانتخابات. ولن يواجه الكرملين مشكلةً في الوتيرة البطيئة التي يسير بها خط إمداد كييف، لا سيّما في ظل الإجهاد الحربي، الذي تعاني منه حملة تجنيدها. فعلى الجانب الروسي، تؤمِّن موسكو خطوطها بمرتزقة متعدِّدي الجنسيات، إلى جانب قوّاتها المدرَّبة حديثًا.  

وفي حال نجا بايدن أو فاز أيّ مرشَّح ديموقراطي آخر بأعجوبة في انتخابات 2024م، فستكون الرياح الجيوسياسية في صالح أوكرانيا، وفي فرنسا سيظل ماكرون رئيسًا حتى عام 2027م/ وبإمكان البيت الأبيض أن يطلب من حكومة بريطانيا عدم خفْض الدعم إلى أوكرانيا أو وقفه، وفي حال لم تحقِّق كييف اختراقات على الخطوط الأمامية، فإنَّ إجهاد الحرب على المستوى الشعبي سيسوء. 

وقد أصبح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكثر واقعية، إذ يخطِّط لعقد قمَّة أخرى، قد تكون في عام 2025م، وقد تُسفِر عن خطَّة سلام لروسيا، ورُبَّما تأخذها موسكو بجَدِّية في حال استطاعت واشنطن وكييف إقناع بكين بالمشاركة في عملية السلام. وفي المستقبل المنظور، فإنَّ النيران الأقوى هي من ستحدِّد مسارَ الأوضاع الجيوسياسية.  

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير