ذكر الجنرال محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري، خلال مؤتمر لقادة القوات البرية في الحرس في مدينة مشهد، جملة مشهورة، وليته لم يكن قد قالها، فقد زعم أنه في حال استمرّت أمريكا في مشروع فرض عقوبات على الصواريخ الإيرانية أو الحرس الثوري، فسيُحدث هذا الأمر توتراً يتوجب معه على أمريكا سحب قواعدها الموجودة ضمن مسافة 1000 كم من إيران، وسيؤدي إلى أن تقوم أمريكا بتصحيح حساباتها لكن بتكاليف باهظة. ورداً على هذه المزاعم الكبيرة، التي يصرّح قادة الحرس الآخرين بما يشبهها، يجب القول أن الخطر الذي يواجه إيران والمترتب على أخطاء قادة الحرس في حساباتهم أكبر من تهديدات حكومة ترمب.
الجميع يعرف ترمب، ويعتقدون أنه أكثر رؤساء أمريكا الذين لا يمكن توقع خطواتهم القادمة، ومن المحتمل أن يكون رئيساً لفترة واحدة، لكن قادة الحرس، كقادة لإحدى أكبر مؤسستين عسكريتين في الدولة، يقومون بطرح مزاعم وتهديدات ليس فقط لا أساس لها، بل للأسف تشبه كثيراً تصريحات وادعاءات محمد سعيد الصحاف، وزير إعلام صدّام.
هل لدى الحرس القدرة والمعدات العسكرية اللازمة لمواجهة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين والجيش الإسرائيلي، كونه حليف أمريكا، وجميع دول الخليج العربي المدجّجة بالسلاح؟ للإجابة على هذا السؤال ليس هناك حاجة إلى معرفة عميقة بالعلوم العسكرية، لأن أقل معرفة بالمبادئ العسكرية المتعلقة بمعادلات المنطقة وتشكيل المعادلات العسكرية لدول المنطقة تشير إلى أن قائد الحرس الثوري فقد السيطرة على أعصابه ليس إلا.
لا حاجة إلى مقدمات طويلة لإثبات هذا الأمر، فحتى لو امتلكت إيران قوة عسكرية جديرة بالاهتمام، إلا أنها ستتضرر كثيراً في أي معركة برية وبحرية وجوية بالنظر إلى عدم وجود أي حليف يمكن الاعتماد عليه (ربما روسيا) إلى صفّها، لأن المعارك اليوم مرتبطة جدا بالمعدات والتجهيزات العسكرية الحديثة والمتطوّرة، في حين أن جميع المنشآت العسكرية الإيرانية، باستثناء الصناعة الصاروخية، تعود إلى ما قبل 40 عاماً، وجميعها قديمة الطراز، لذا يبدو أن الاستراتيجية الأنجع في الظروف الحالية هي اجتناب الدخول في صراعات وتوترات وانتهاج الصبر حتى تتغير المعادلات المضادة لإيران قليلاً.
ومع هذا، نحن نفترض أن إيران، أو على الأقل الحرس الثوري، قد جهّز قوة عظيمة بإمكانها إجهاض أو قلب أي معادلة أو تهديد أمريكي لإيران، ومن أجل تقييم قوة الحرس الثوري الفرضية يجب أن نرى كم قاعدة عسكرية أمريكية أو قواعد حليفة لأمريكا موجودة في منطقة الشرق الأوسط.
من أجل تحليل مزاعم قائد الحرس، ومعرفة كم أن 1000 كم مساحة كبيرة يجب أن ننتبه لبضعة حقائق أساسية:
1- إيران دولة واسعة، والمسافة بين أقصى شمال غرب وشمال شرق إيران وجنوب شرق وجنوب غربها أكثر من 2000 كم، أي أن المسافة بين مدينة “ماكو” شمال غرب إيران و”بسابندر” جنوب شرق إيران طبق حسابات خرائط “جوجل” تبلغ 2238 كم، أما المسافة بين “درجز” في الشمال الشرقي و”عبادان” في الجنوب الغربي فهي 1273 كم.
2- إن نظرة إجمالية إلى عدد القواعد الأمريكية المستقرة في أطراف الحدود البرية والبحرية لإيران من جميع الجهات تعطينا نتائج جديرة بالاهتمام، فحسب ما يدّعيه قائد الحرس الثوري، يتوجب على أمريكا إغلاق جميع قواعدها المحيطة بحدود إيران البرية والبحرية حتى مسافة ألف كيلومتر، في حين أن جميع القواعد الأمريكية تقع على مسافة أقل من ألف كيلومتر عن الحدود الإيرانية، وتالياً نذكر قائمة بهذه القواعد مع حساب دقيق لمسافاتها، في ما يعتقد محمد علي جعفري أن الحرس الثوري لديه المقدرة على مواجهتها في آن واحد، وهي حسب المسافة التي تبعدها عن أقرب نقطة حدودية إيرانية كما يلي:
– تصل مسافة أبعد قاعدة أمريكية في “قندهار” الأفغانية إلى 380 كم، وهي إحدى القواعد الأمريكية الخمسة في هذه الدولة.
– المسافة بين الأسطول البحري الخامس الأمريكي المستقر في البحرين و”بندر عباس” 581 كم: وهي مركز قيادة البحرية الأمريكية لرصد ومراقبة دائرة نصف قطرها أكثر من 2000 كم.
– المسافة بين الكويت وعبادان هي 139 كم: إن قاعدة محمد الأحمد البحرية الكويتية تُستخدم كذلك من قبل قوات حرس السواحل الأمريكية، وهي تابعة للأسطول الخامس الأمريكي المستقر في البحرين.
– المسافة بين قطر و”بوشهر” تبلغ 398 كم: يستقر في قاعدة “العديد” الجوية في قطر 11 ألفا من جنود القوات الأمريكية، وهي مركز أساسي لعمليات جميع التحالفات في المنطقة، وهي من المراكز التابعة للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، وأحد المراكز التابعة للقيادة العامة للقوات الجوية في الجيش الأمريكي.
– المسافة بين مدينة “تبريز” الإيرانية وقاعدة “إينجرليك” في تركيا هي 400 كم: وهي قاعدة مشتركة للجيش التركي والأمريكي، وتستخدمها كذلك القوات الجوية السعودية، وتستقر فيها صواريخ “باتريوت” الإسبانية، كما أن هناك ذخيرة نووية أمريكية موجودة في هذه القاعدة، لكن رموز تفعيلها موجودة في البنتاغون.
– المسافة بين مدينة “زابل” الإيرانية ومراكز السيطرة على الطائرات الأمريكية بدون طيار في إسلام آباد هي 1130 كم: تستهدف هذه المراكز بالتنسيق مع القيادة المركزية للسيطرة على الطائرات بدون طيار المستقرة في “نيفادا” مراكز طالبان أو أعضاء القاعدة، وبالطبع فهي تجمع معلومات تجسسية عن دول المنطقة.
– المسافة بين مدينة “قصر شيرين” ومنشأة رادارات ديمونا في صحراء النقب في إسرائيل تبلغ 1058 كم: هذه القاعدة هي أهم مركز رادارات أمريكي، وفيها أبراج يصل ارتفاعها إلى 400 متر من أجل رصد الصواريخ البالستية حتى مسافة 2400 كم، ولا يمكن حتى لإسرائيل أن تطّلع على معلوماتها.
– المسافة بين مدينة قصر شيرين ومدن تل أبيب وحيفا والقدس المهمة تصل ما بين 999 إلى 1100 كم: ومن حيث أن إسرائيل أهم حليف لأمريكا في الشرق الأوسط، فهناك ثلاث مراكز قيادة الأولى منها في شمال إسرائيل وتشتمل على 22 قاعدة، والثانية في المنطقة الوسطى وتضم 24 قاعدة، والثالثة في الجنوب وفيها 21 قاعدة، أي ما مجموعه 67 قاعدة عسكرية جميعها تحت تصرف أميركا، وقد حولت الاتفاقيات العسكرية والأمنية واللوجستية الدولتين إلى حلفاء لا يمكن الفصل بينهما.
هل يمكن للحرس مواجهة هذه القواعد الثمانية؟
بالنظر إلى هذا التواجد الكبير وحجم القوات العسكرية على أطراف الأراضي الإيرانية، للأسف يمكن إدراك أن تصريحات قائد الحرس الثوري لا أساس لها، لكن مازال هناك أمر آخر أكثر سوءً لا يعلمه عزيز جعفري (محمد علي جعفري)، فقبل بضع سنوات عندما تعطلت المنشأة النووية الإيرانية بسبب فيروس “ستاكس نت”، لم يتمكن القادة العسكريين والأمنيين في إيران من التعايش مع حقيقة مؤلمة وهي أن الفجوة العلمية والتكنولوجية بين دول العالم الثالث ومن بينها إيران، وبين دول العالم الأول وأمريكا فجوة أبدية ولا يمكن ملؤها تقريباً، وعندما اشتعلت ألسنة اللهب في بعض مصافي النفط والمنشآت البتروكيماوية الإيرانية العام الماضي، لم يكن السبب قذائف المدفعية ولا بسبب الصواريخ ، وإنما بسبب فيروس أُطلق عن بُعد، ودخلنا حينها للمرة الثانية في حرب غير معلنة، لم يفهم القادة أن نقطة قوة إيران لا تكمن في البرنامج الصاروخي ولا في الأحلام الواهمة، بل نقطة القوة تكمن في الاعتماد على الشعب والوفاق الوطن.
لذا، يجب تذكير جنرالات الحرس الثوري الذين يهددون أمريكا وإسرائيل كلما حانت لهم الفرصة من أجل اندلاع حرب واستغلال حالة الطوارئ لتحقيق أهدافهم الخفية الأخرى، بأن الحرب التالية إذا اندلعت فستكون مرة أخرى عن طريق الفيروس، وعن طريق تعطيل نظام البنية التحتية للنفط والغاز والمصافي ومترو الأنفاق ومنشآت الطاقة الكهربائية والماء والهاتف ورادارات المطارات، وفي هذه الحالة لن يطلقوا صافرة الإنذار ولن يعلنوا حتى عن بدء الحرب مع الدول الأخرى.
في حال تعرضت منشآت إيران للهجوم هذه المرة، لا يجب على قادة الحرس أن يتعجبوا من أن تعبر مثلاً الطائرات الإسرائيلية الأجواء الإيرانية عن طريق الأجواء الأفغانية (في الشرق) أو أجواء أذربيجان (في الغرب)، وأن تغادر إيران مثلاً عن طريق الأجواء الباكستانية أو التركية. للأسف مازال قادة الحرس يعيشون في أجواء الحرب مع العراق قبل 32 سنة، في حين أن العالم اليوم أصبح أكثر تعقيداً بألف مرة، وهذا يستدعي التفكير ألف مرة قبل أن نتكلم بأي كلام، في غير هذه الحالة، ستكون خطابات القادة العسكريين في إيران أشبه بخطابات سعيد الصحاف المشهورة، والذي كان يُقسم أن الأمريكيين لم يدخلوا بغداد في حين كانوا قد احتلوا نصفها.
يجب القبول بحقيقة أن منشآت إيران كانت مكاناً لاختبار أحدث جيل من الأسلحة الفتاكة خلال عملية إرسال فيروس “ستاكس نت”، لكن المسؤولين الإيرانيين لا يبالون بذلك، وبدلا من أن يُطلعوا الناسَ على الحقيقة، يحددون تاريخاً لتدمير إسرائيل.
مادة مترجمة عن موقع “زيتون”
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز