وابل الصواريخ الأذربيجانية يباغت أرمينيا لكن الصراع لم ينتهِ بعد

https://rasanah-iiis.org/?p=32664

بعد إطلاق أذربيجان لوابلٍ من الصواريخ، هزمت باكو المقاتلين الأرمن بالوكالة، أو ما يُعرَف بــ«جيش الدفاع أرتساخ»، في أجزاء من ناغورني كاراباخ، الذي كان من المُفترَض حلّه ونزْع سلاحه وفقًا لاتفاق «10 نوفمبر الثلاثي». ومنذ عام 2020م، وُصِف التقدُّم في الصفقة، التي توسَّطت فيها روسيا، بالبطيء؛ ما سيزيد من احتمالية اندلاع أعمال عدائية واسعة النطاق.

في 9 سبتمبر الماضي، أجرى البرلمان المتحالف مع أرمينيا في «جمهورية ناغورني كاراباخ»، ما يُسمَّى بالانتخابات الرئاسية الجديدة، واختار سامفيل شاخرامانيان زعيمًا جديدًا لها. وعلى الرغم من أنَّ هذه الخطوة لم يُعترَف بها من قِبَل المنظَّمات الدولية أو الدول الإقليمية، إلّا أنَّها أشعلت غضب باكو. في الأسابيع التالية، اتّهمت باكو جيش دفاع أرتساخ بزرع ألغام على طُرُقٍ أُنشئت حديثًا، والتدخُّل في الأنظمة الإلكترونية للطائرات، التي تُحلِّق فوقَ أذربيجان وقتْل وجرْح جنود ورجالِ شُرطة أذربيجانيين، في هجمات تخريبية.

بدأت عملية «مكافحة الإرهاب» الأذربيجانية، في 19 سبتمبر، بمهمَّة إرساء السيادة الكاملة على أراضيها المُعترَف بها من قِبَل الأُمم المتحدة. وفي أقلّ من 24 ساعة، استولت القوّات الأذربيجانية على مرتفعات إستراتيجية، وحاصرت طُرُق إمدادات الأسلحة، وأجبرت أعداءها على الاستسلام. كانت الحملة الأذربيجانية سريعة للغاية، حيث لم تستطِع يريفان أو طهران من تنفيذ توعُّدهما، وظلَّت حينها قوّات حفظ السلام التابعة للكرملين متفرِّجة.

عندما رأت أرمينيا أنَّ أملها في التدخُّل الروسي سرعان ما ذهب أدراج الرياح، سارع سُكّان كاراباخ المسيحيون إلى مغادرة منازلهم قبل ظهور الجنود الأذربيجانيين. وقبل ثلاثة عقود، في عام 1992م، أشرفت أرمينيا على الإخلاء الجماعي للطائفة الآذرية من نفسِ المنطقة بعد أن استولت عسكريًا على مساحات شاسعة من الأرض. وفي معرض إدانة ضمّ أرمينيا لتلك الأراضي، اعترف قرار مجلس الأمن رقم 884 لعام 1993م بجمهورية ناغورني كاراباخ كأرض أذربيجانية. في ذلك الوقت، قامت القوّات الغازية بنهب مُدُن مثل شوشا، وزنجيلان، وفيوليا، بتغطية إعلامية ضئيلة إلى معدومة. وفي عام 2020م، اقتصَّت أذربيجان من أرمينيا من خلال تحرير أراضيها المحتلَّة، واستعادة سيطرتها على ناغورني كاراباخ. تدخَّلت موسكو لصالح يريفان وتفاوضت على وقف إطلاق النار، قبل أن تتمكَّن قوات باكو من دهْم  ستيباناكيرت، التي تُنطَق أيضًا «خانكيندي»، وهي أكبر مدينة، وعاصمة جمهورية أرتساخ. ومارست أذربيجان حقّها الطبيعي في الدفاع عن النفس، على النحو المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأُمم المتحدة، ولم تكُن عملية «مكافحة الإرهاب»، التي جرت في 19 سبتمبر الماضي، مختلفة.

على الرغم من أنَّ الهجوم الخاطف حقَّق هدفه في غضون ساعات، إلّا أنَّ الهجرة الجماعية لأرمن كاراباخ خلَقت مشهدًا عالميًا. وعلى الرغم من تأكيدات باكو بإعادة دمْج منطقة ناغورني كاراباخ، إلّا أنَّ الخوف يحتجز أرمن كاراباخ كرهائن؛ لأنَّ عددًا كبيرًا منهم مستوطنون إلى جانب آخرين عاشوا هناك لأجيال. وعلى الرغم من العداء المُتجذِّر، لا يزال عددٌ كبير من الأرمن يعيشون في المدن الأذربيجانية، ويرجع ذلك في الغالب إلى الزواج المختلط ما بين الأرمن والأذربيين. ويُعزى الخوف من عمليات التطهير العرقي جزئيًا إلى ما تحمله الذاكرة الجماعية للأرمن من عمليات التطهير العِرقي في السابق، وأيضًا إلى المحاولة الأخيرة من قِبَل السياسيين الأرمن لجذب التعاطف العالمي.

 وبينما تَعِدْ أذربيجان بحماية الأرواح والممتلكات، إلّا أنَّها لن تقِف أمام الهجرة الجماعية، ولا تُشير المعلومات الاستخباراتية المفتوحة المصدر إلى عملياتِ إعدام دون محاكمة لأرمن كاراباخ، أو هجمات على ممتلكات مدنية. وحتى الآن، أُلقِيَ القبض على ثلاثة مسؤولين من النظام المدعوم من أرمينيا، ونُقِلوا إلى باكو، بسبب أنشطتهم السابقة ضد أذربيجان. أعلن جهاز أمن الدولة الأذربيجاني عن اعتقالِ الزعيمين الانفصاليين السابقين فيتالي بالاسانيان، وأرايك هاروتونيان، ويُعَدُّ روبين فاردانيان، وهو رجل الأعمال والوزير الإقليمي السابق الذي فُرِضت عليه عقوبات من قِبَل أوكرانيا، من الزعماء البارزين في آرتساخ المُلقَى القبض عليهم في سجن أذربيجان. وتسعى أذربيجان إلى محاكمة أرمن كاراباخ، الذين تورَّطوا في ارتكاب فظائع ضد شعبها.

على الرغم من عدم وجودِ حجج قانونية وسياسية مؤيِّدة للوضع، الذي كان قائمًا في السابق، فقد خلقت صُوَر هجرة أرمن كاراباخ على وسائل الإعلام الاجتماعية الرئيسية، انطباعًا عن وجود قضية حقوق الإنسان فضلًا عن أزمة إنسانية. وانتقد وزير الخارجية الفرنسي، أذربيجان بينما تطالب ألمانيا بإرسال بعثة مراقبة للاتحاد الأوروبي لمراقبة الوضع. ودَفَع فشل مجموعة «مينسك» التابعة لمنظَّمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي تترأّسها كلٌ من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، أذربيجان إلى استخدام الخيار العسكري وبشكلٍ حازم في سبتمبر 2020م. ومن المثير للاهتمام، أنَّ سَفيرَي إيران وفرنسا عقدا اجتماعًا نادرًا في يريفان يوم 22 سبتمبر؛ لمناقشة العملية العسكرية الأذربيجانية. وتشُعر طهران بالقلق من احتمال فقدان حدودها بطول 32 كيلومترًا مع أرمينيا، في أعقاب استيلاء أذربيجان على مدينة سيونيك وإنشاء ممرّ زنغزور، الذي يربط بين أراضي أذربيجان وإقليمها نخجوان (ناختشيفان بالأرمينية)، والذي يشمل أيضًا الحدود التركية. ومن الجانب الإيراني، تنظُر طهران إلى أذربيجان على أنَّها قاعدة للأنشطة الإسرائيلية. ومن الجانب الفرنسي، تأخَّرت باريس بتأمين السُكّان المسيحيين في أرمينيا. ويبدو أنَّ الوقت قد فات بالنسبة لفرنسا وإيران، (وهُما حليفان رئيسيان لأرمينيا)، للتأثير على أرض الواقع.

يبدو أنَّ تودُّد يريفان لواشنطن، وحتى إجراء تدريبات عسكرية مشتركة، قد زاد من غضب موسكو؛ إذ رفضت أرمينيا في يناير استضافة المناورات التابعة لمنظَّمة معاهدة الأمن الجماعي. هذا القرار تمخَّضت عنه نتائج عكسية، ألا وهي الدور السلبي  لقوات حفظ السلام الروسية خلال عملية 19 سبتمبر.

عزَّزت تُركيا علاقاتها متعدِّدة الأبعاد مع أذربيجان، من خلال إبرام «إعلان شوشا »، في يونيو 2021م. زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإقليم، الذي يتمتع بحُكم ذاتي بأذربيجان، في 25 سبتمبر؛ لإبرام بروتوكول حول مشروع سكة حديد «كارس-ناخيتشيفان»، وافتتاح مجمَّع عسكري مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف. وفي وقت لاحق، تحدث وزيرا خارجية أرمينيا وتركيا عبر الهاتف.

سيترك نزوح حوالي 100000 أرمني من كاراباخ، تداعياتٍ سياسية واقتصادية على الحكومة الأرمينية. ومع ذلك، فمن غير المرجَّح أن يَخلُقَ أزمة سياسية في البلاد، التي كانت قادرة على تحمُّل نتائج ما بعد الهزيمة حرب مرتفعات قره باغ الثانية، التي تُعرَف أيضًا بحرب الــــ44 يومًا. وستكون عودة المهاجرين إلى كاراباخ مسألة تفاوُض بين أرمينيا وأذربيجان، تتطلَّب أيضًا وساطة أوروبية وأمريكية.

يمكن أن يُخفِّف الغاز الأذربيجاني من الضغط السياسي عن كاهل السياسيين الأوروبيين، على ضوءِ حظر إمدادات الطاقة الروسية إلى القارة الأوروبية؛ بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا. إلى جانب ذلك، تُعَدُّ باكو العاصمة الأكثر ودِّية والأقرب لأوروبا على شواطئ بحر قزوين. وتُعَدُّ أرمينيا بلدًا مسيحيًا ديموقراطيًا، على العكس من أذربيجان. ويبقى أن نرى كيف سيؤثِّر قبول روسيا بالعملية العسكرية الأخيرة، التي شُنَّت في 19 سبتمبر  على سياسةِ أذربيجان، لا سيّما أنَّ موسكو تمارس القليل من النفوذ على باكو، التي تنتهج سياسة خارجية موالية للغرب منذ عقدين من الزمن.

في حالِ اتّخذت أرمينيا مسارًا براغماتيًا من خلال تطبيع العلاقات مع أذربيجان وتركيا، فإنَّها يمكن أن تجني الكثير من المكاسب. يُعتبَر ممرّ زنغزور الورقة الرابحة بالنسبة ليريفان في الجغرافيا السياسية القوقازية، التي من شأنها أن تجعل إيران أقلّ أهمِّية. في الوقت الراهن، تبقى الاحتمالات مفتوحة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير