وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته.. المآلات المحتملة على العلاقات الإيرانية-الأمريكية

https://rasanah-iiis.org/?p=35429

سينتهي حادث تحطُّم الطائرة المفاجئ، التي لقِيَ فيها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان حتفهما، بعواقب محدودة، لكن على صعيد آخر قد تؤدِّي الانتخابات الرئاسية الإيرانية إلى تصعيد عسكري بين طهران وواشنطن. لذا، ممّا لا شكّ فيه، ستصُبّ الحكومة الإيرانية خلال فترة عقد الانتخابات الرئاسية، جُلَّ تركيزها على الداخل الإيراني؛ فلا بُدَّ لها من إدارة التنافس الداخلي بين مختلف الفصائل والجماعات السياسية. لكن، يبقى أن نرتقب ما إذا فتَحَ المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الفضاء السياسي لشمل فصائل «المعتدلين» في السباق الرئاسي. حتى وإن كانت الانتخابات محصورةً بين «المتشدِّدين»، ستبقى أولوية طهران في إدارة وتنظيم هذه الانتخابات بين منسوبي المؤسَّسة السياسية الإيرانية، ولن تسعى إيران لتصعيد عسكري في المنطقة. والأهمّ من هذا كلِّه، علينا في هذا السياق الأخذ في الحسبان أنَّ الخطوط العامَّة للسياسة الخارجية الإيرانية يحدِّدها المرشد الأعلى. وعلى الرغم من الإشراف العام من قِبَل المرشد، إلّا أنَّ الرئيس الإيراني لديه قول في عملية صُنع القرار، فيما يخُصّ تنفيذ إستراتيجية إيران تجاه الولايات المتحدة.

جَرَت عملية التسجيل للمرشَّحين في الانتخابات غير المُجدوَلة بعد، في الفترة ما بين 30 مايو إلى 3 يونيو 2024م، وبعد أسبوعين من التسجيل سيُعلن مجلس صيانة الدستور قائمة المرشَّحين النهائية للانتخابات الرئاسية. ستستمِرّ الحملة الرسمية للانتخابات الرئاسية لأسبوعين، بدءًا من 12 يونيو  إلى يوم الانتخابات؛ الموافق 28 يونيو. وبالعودة إلى حادثة تحطُّم الطائرة، قبل بضعة أيام من وقوعها، كانت تجري محادثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عُمان. وفي هذه الأثناء، يستعِدّ المرشد الأعلى للتحدِّيات المُرتقَبة، التي تنتظره بصدد تنظيم الانتخابات الرئاسية، كما يحضِّر أيضًا لخلافته؛ أي من سيخلفه في كرسي المرشد. لذلك، ثمَّة رغبة سياسية داخل طهران لتفادي أيّ اضطرابات إقليمية أو دولية؛ سعيًا منها للتركيز على ما تواجه من تحدِّيات داخلية.

ومن الجانب الإيراني، عقدت المحادثات غير المباشرة تحت إشراف القائم بأعمال وزير خارجية إيران علي باقري كني، أمّا من الجانب الأمريكي، فكانت بعقد اجتماعات غير مباشرة مع كبير مستشاري الرئيس الأمريكي بالشرق الأوسط ريت ماكغورك. وستبقى قنوات التواصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تحت وساطة عُمانية-سويسرية، كقناة تواصُل دبلوماسية بين الطرفين، مفتوحةً خلال فترة الانتخابات الرئاسية وبعدها. وممّا لا شكَّ فيه، تمثِّل السفارة السويسرية في طهران مصالح الولايات المتحدة. وعلى الجانب الأمريكي، ثمَّة أيضًا رغبة سياسية لتجنُّب أيّ تصعيد عسكري في وقتٍ تستعدّ فيه إدارة بايدن للانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.

والجدير بالذكر هُنا، أنَّ العلاقات الإيرانية-الأمريكية قُطِعت منذ عام 1980م، وعلى الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية مباشرة، أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن تعازيها في وفاة الرئيس الإيراني رئيسي ووزير خارجيته أمير عبداللهيان وأعضاء الوفد المرافق له في حادثة تحطُّم طائرة الهليكوبتر، التي وقعت في شمال غرب إيران. هذا الموقف المُعلَن، لن يغيِّر من احتمالية إذابة الجليد في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.

وبالتأكيد، كانت أول ارتدادات وفاة الرئيس الإيراني تتمثَّل في تأجيل المحادثات النووية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرِّية، الساعية لحل الانسداد الحالي في الملف النووي. في ظلِّ الأهمِّية الكبيرة للملف النووي في تشكيل الديناميكيات، قد يفاقم هذا التأجيل من تردِّي العلاقات الإيرانية مع الغرب. ومن جانبها، تؤكِّد الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية أنَّ مخزون إيران من اليورانيوم المخصَّب يصل إلى 6,201.3 كغم في مايو (مقارنةً بخزنها في فبراير من عام 2024م، الذي كان 5,525.5 كغم) ؛ أي بمعدل 30 ضعفًا عن الحد المسموح به في الاتفاق النووي لعام 2015م.

رفعت إيران من وتيرة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، القريبة من نسبة 90% المطلوبة لتطوير سلاح نووي، وذلك برفع مخزونها إلى 142.1 كغم، مقارنةً بمخزونها السابق، الذي وصل إلى 121.5 كغم. وعلى الرغم من استئناف المحادثات الدولية بشأن الملف النووي في عام 2024م، إلّا أنَّ العداء المؤسَّسي بين الجمهورية الإيرانية والولايات المتحدة مستمِرّ منذ عام 1979م. ناهيك عن أنَّ انقطاع العلاقات الدبلوماسية الرسمية منذ الثورة الإيرانية والهجوم على السفارة الأمريكية في طهران، لا يزال المحرِّك الأساسي في تشكيل ملامح السياسية الخارجية لكلا الجانبين؛ ما أدَّى إلى عداء طويل الأمد بين الولايات المتحدة وإيران منذ عام 1979م.

وسوف يتعزَّز العداء المؤسَّسي بين الولايات المتحدة وإيران ويتضخم، إذا استمرَّ «المتشدِّدون»، الذين وصلوا إلى السُلطة في عام 2021م، في السيطرة على المشهد السياسي بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2024م. ثمَّة أيضًا عوامل دولية من المُحتمَل أن تمنع على المدى القصير أيّ احتمال للانفراج في العلاقات الإيرانية-الأمريكية، مثل الحرب في غزة، والاستقطاب السياسي والأيديولوجي داخل إيران، واستمرار العُزلة الإيرانية. علاوةً على ذلك، فإنَّ سياسات إيران الإقليمية، وبرامجها لتطوير الطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية، فضلًا عن دعمها عسكريًا لروسيا في الحرب الأوكرانية، سوف تؤدِّي إلى تعقيد أيّ محاولات دبلوماسية للتقارب بين الولايات المتحدة وإيران في الأشهر المقبلة. وإلى جانب ذلك، سيستمِرّ الوضع في التدهور، إذا اختارت إيران الاعتماد على الإستراتيجية العسكرية بدلًا من اللجوء إلى الحلول الدبلوماسية. وقد حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقِبة التفاوض مع إيران؛ وحقَّق بعضها نجاحًا أكبر من الآخر. على سبيل الذكر لا الحصر، المفاوضات النووية، التي كبحت طموحات إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات المفروضة على إيران. أيضًا كان الرئيس حسن روحاني والرئيس باراك أوباما أكثر استعدادًا لفتح علاقات دبلوماسية ثنائية عمَّن سبقاهما؛ الرئيس جورج بوش الابن والرئيس محمود أحمدي نجاد. وعلى الرغم من هذا التحسُّن المؤقَّت، فمن الواضح أنَّ الملف النووي وحده لن يُفضي إلى التقارُب بين واشنطن وطهران على الساحتين الإقليمية والدولية. لذا، ثمَّة حاجة إلى نهْج شامل؛ يجب أن يشمل هذا النهج على ما يلي: السياسة الإقليمية الإيرانية، وبرامجها للطائرات المسيَّرة والصواريخ، وإحياء العلاقات الدبلوماسية الثنائية. لكن هذه التحدِّيات تتجاوز بكثير سُلطة الرئيس الإيراني. وعلى الرغم من القيود المفروضة على الرئيس الإيراني، سيتعيَّن على الرئيس الإيراني المقبل إدارة خطر التصعيد العسكري؛ لضمان بقاء النظام السياسي الإيراني، في وقتٍ تتزايد فيه التحدِّيات السياسية الداخلية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير