إنّ القرار الأخير للحرس الثوري بخصوص نزوله إلى شوارع طهران من أجل مواجهة «البلطجية» ومساعدة قوّات الشرطة، قُوبِل باهتمام كبير من قِبل الرأي العام، فقد كان وجود قوّات التعبئة (الباسيج) في الشوارع وممارستهم لنشاط مُوازٍ لقوّات الشرطة سابقةً خلال العقود الماضية، واستمرّت هذه الحالة في مراحل مختلفة على الرغم مما واجهته من صعوبات، لكن على إثر تأسيس «قوّات الشرطة» في عام 1991 جرى وقف دوريات الحرس الثوري التي كانت تجوب الشوارع بذريعة مواجهة «الجرائم الاجتماعية» وليس «التهديدات الأمنية».
وبغضّ النظر عن أهداف القرار الجديد، فأحد الأسئلة المهمّة المتعلقة بالإعلان عن هذا القرار هو: ما التفسير الذي سيقدّمه قادة الحرس للقوانين الموجودة ليبرّروا نزول قوّاتهم إلى شوارع العاصمة؟
يوم الاثنين 11 ديسمبر، صرّح المتحدث باسم وزارة الداخلية بأن قوّات الشرطة، حسب القوانين الإيرانية ومقررات «مجلس إيران الاجتماعي»، هي المسؤولة عن التعامل مع انعدام الأمن الاجتماعي، وأنها لم تطلب أيّ مساعدة من الحرس الثوري، وأنّ المجلس الاجتماعي برئاسة وزير الداخلية هو المسؤول عن وضع السياسات والتنسيق بين الأجهزة من أجل مواجهة المشكلات الاجتماعية، إذ يوجد فيه ممثلون عن الأجهزة الحكومية المختلفة، كوزارة الاستخبارات وقوّات الشرطة ومنظمة الرعاية الاجتماعية ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون والسلطة القضائية وقوّات التعبئة.
لقد جاء تصريح المتحدث باسم وزارة الداخلية هذا بعد يوم واحد فقط من تصريحات محمد رضا نقدي، قائد الحرس الثوري لطهران الكبرى، التي قال فيها: «إنّ الحرس الثوري في طهران الكبرى قد شكّل بالتعاون مع قوّات الشرطة دوريات من أجل الحيلولة دون وقوع السرقات ومحاربة البلطجية».
تشريعات المجلس الأعلى للأمن القومي
أحد المواضيع التي جرى طرحها والمتعلقة بقرار الحرس الثوري إرسال دورياته إلى شوارع العاصمة طهران، هو أن القوّات التي ستتعامل مع «الجريمة» يجب أن تكون مغطاة من الناحية القانونية، وبعبارة أخرى أن تكون بمرتبة «مأمور الضبط القضائي».
لقد صنّف قانون الإجراءات الجنائية الإيراني الذي تم إقراره عام 1999 مأموري الضبط القضائي، واشتمل التصنيف على قوّات الشرطة والتعبئة وغيرها من القوّات المسلحة في بعض الحالات التي يوكل فيها المجلس الأعلى للأمن القومي جميع أو بعض مهامّ المأمور القضائي إلى هذه الجهات.
لذا، وبناءً على قانون عام 1999، فإنّ لَعِب الحرس الثوري دورًا في بعض القضايا الخاصة كمأمور ضبط قضائيّ كان يحتاج إلى قرار المجلس الأعلى للأمن القومي. لكن في قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي أُقرّ عام 2013، فإن مأموري الضبط القضائي صُنّفوا ضمن مجموعتين: «المأمور العامّ»، أي كوادر قوّات الأمن المدرّبة، و«المأمور الخاص»، بحيث إن المجموعة الثانية هي من بين المسؤولين والمأمورين «الذين يُعَدّون مأموري ضبط قضائيّ بموجب قوانين خاصّة وضمن نطاق المهامّ الموكلة إليهم».
وينص القانون على أن المجموعة الثانية تضمّ: «مأموري وزارة الاستخبارات، ومأموري قوّات التعبئة (الباسيج) التابعة للحرس الثوري، بالإضافة إلى سائر القوّات المسلحة، بموجب القانون وضمن نطاق جميع أو بعض مهامّ مأموري الضبط القضائي الموكلة إليهم».
كما أن القانون الجديد تعرّض للتعديل عام 2014، فأضاف جزء من هذه التعديلات الجديدة «وكالة استخبارات الحرس الثوري»، بشكل خاصّ، إلى مجموعة «المأمورين الخاصّين»، وبناءً على القانون الجديد وتعديلاته، فضلًا عن كوادر قوّات الشرطة، كمأمورين أساسيين، أصبح بإمكان مأموري وزارة الاستخبارات ووكالة استخبارات الحرس الثوري وقوّات التعبئة «وغيرها من القوّات المسلحة أن تقوم بموجب القانون بجميع أو بعض مهامّ مأموري الضبط القضائي الموكلة إليهم».
الفرق بين القانون الجديد وقانون عام 1999 هو أنّ القانون الجديد لم يعُد يؤكّد بشكل منفصل على أن الحرس الثوري مؤسسة يمكنها القيام بمهامّ مأمور الضبط القضائي في حالات محدّدة، مع أنه قد أُشير فيه إلى منظمتَين تعملان تحت مظلّته وهما: منظمة التعبئة، ووكالة الاستخبارات، تعملان كمأموري ضبط قضائيّ في بعض الحالات الخاصة.
هناك جزء آخر من القانون الجديد بإمكانه أن يشمل الحرس الثوري بشكل غير مباشر، وهو الجزء الذي يعدّ «باقي القوّات المسلحة» في بعض الحالات فئة من المأمورين الخاصّين التي «بموجب القانون توكل إليها جميع أو بعض مهامّ مأموري الضبط القضائي»، لكنّ هذا الجزء من القانون الجديد، على عكس القانون القديم الذي يجعل قيام الحرس الثوري بدور مأمور الضبط القضائي منوطًا بمصادقة المجلس الأعلى للأمن القومي على كلّ حالة من الحالات على حدة، لا يشير إلى دور المجلس الأعلى للأمن القومي، وعوضًا عن ذلك ينصّ على أن تدخّل الحرس يجب أن يكون «بموجب القانون».
في نوفمبر 2014، وخلال عملية التعديلات التي كانت تجري على قانون الإجراءات الجنائية، جرت المصادقة على «قانون إجراءات جنايات القوّات المسلحة»، وفي جانب منه تمّ تعريف مأموري الضبط التابعين للقوّات المسلحة (كالحرس الثوري) على أنهم من اكتسبوا «المهارات اللازمة» من أجل هذه الوظيفة، وحصلوا على «بطاقة مأمور الضبط العسكري»، مع أنه في حال عدم وجود هؤلاء المأمورين فإن باقي الضباط وحمَلة الرُّتب في القوّات المسلّحة لديهم الصلاحية للتعامل مع «الجرائم المشهودة».
المقصود من الجرائم المشهودة هو الجرائم التي لها ميزات خاصّة، ومنها مثلًا «أن تقع على مرأى من مأموري الضبط القضائي»، أو «أن يقوم المأمورون المذكورون بالوجود مباشرة في محل وقوع الجريمة، أو يشاهدون آثار الجريمة مباشرة بعد وقوعها»، أو «أن يكون المتّهم قد نوى أو همّ بالهروب مباشرة بعد وقوع الجريمة»، أو «أن يكون المُتّهم مشرّدًا معروفًا بسوء السمعة في ذلك المكان».
بالنظر إلى مثل هذه التعاريف للجريمة المشهودة، فإن إجراءات من قبيل مواجهة «البلطجية»، التي يزعم قادة الحرس الثوري لطهران الكبرى أنهم قاموا من أجلها بتشكيل دوريات خاصة بالحرس، من المحتمل أنها ستُبرَّرُ شكليًّا، مع أنه من غير المستبعد أن تقوم هذه الدوريات، في حال بدأت مهامّها، بالتعامل مع حالات الحجاب غير الشرعي كنوع من الجريمة المشهودة، بذريعة مواجهة البلطجية.
بموجب قانون الإجراءات الجنائية الإيراني الجديد، فإن مأموري الضبط القضائي بإمكانهم إلقاء القبض على المتّهمين في حال تحصّلت لديهم «أدلّة وعلامات قوية» تشير إلى ارتكاب الجريمة المشهودة.
الاستناد إلى النظام الأساسي للحرس الثوري
من الواضح أن وجود مأموري الحرس الثوري في الشوارع، بناءً على قانون الإجراءات الجنائية الموجود في إيران، كمأموري ضبط قضائيّ، أمر ممكن على الرغم من أن ظروف هذا الوجود ستفسّر بأشكال كثيرة، فمثلًا كما أُشير سابقًا فإن وجود قوّات الحرس في هذا الموقع بموجب قانون 1999 منوط بموافقة المجلس الأعلى للأمن القومي، لكن هذا الشرط المحدّد والواضح ليس له أي وجود الآن.
من جهة أخرى، أثبتت التجارب أنه عندما يحدث جدل حول وجود الحرس الثوري في ميادين غير عسكرية، فإن المدافعين عن هذا الوجود يستندون إلى قوانين «فضفاضة» تتعلق بهذه القوة العسكرية، وأحدها النظام الأساسي للحرس الثوري.
لقد أطلق هذا النظام يد الحرس للقيام بمجموعة واسعة النطاق من الإجراءات، ويمكن اعتبار تشكيل دوريات داخل المُدن بعضًا منها، بالطبع بعد تقديم تفسير خاص.
لقد ورد بشكل دقيق في جانب من هذا النظام الأساسي أن إحدى مهامّ الحرس «التعاون مع قوّات الشرطة عند الضرورة، من أجل إقرار النظام والأمن وسيادة القانون في الدولة»، ويشير توضيح هذه المادة بصراحة إلى أن الحرس سيقوم بعمله في هذه المهامّ «كمأمور ضبط قضائيّ». بالتأكيد وحتى بناءً على هذا النظام الأساسي، فإن إجراءات الحرس الثوري في مجالات مشابهة لمجالات قوّات الشرطة ستتم بناء على تنسيق مع هذه القوّات، وليس بإمكان الحرس القيام بها بناءً على قرار أحادي الجانب من قبل قادته.
أما ما أعلنته وزارة الداخلية يوم الاثنين الماضي من أن قوّات الشرطة لم تطلب المساعدة من الحرس الثوري من أجل التعامل مع حالات انعدام الأمن الاجتماعي، فهو يقوي الشكوك حول أن إعلان الحرس عن تشكيل دوريات لم يجرِ بالتنسيق مع قوّات الشرطة ووزارة الداخلية، وبالنظر إلى عدم التنسيق هذا فليس من المعلوم هل ستبدأ دوريات الحرس الثوري جولاتها في شوارع العاصمة طهران، بغضّ النظر عن موافقة وزارة الداخلية أو عدمها؟ أم سيحدث في نهاية المطاف نوع من الاتفاق بين الطرفين بهذا الخصوص؟
مادة مترجمة عن موقع «بي بي سي» الفارسي
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز