لم يكُن الاقتحام الأخير للسفارة الإيرانية في لندن يوم 9 مارس من العام الحالي، واحتلال جزء صغير من السفارة لبضع ساعات، هو الحدث الوحيد. فمنذ زمن بعيد في أبريل عام 1980م، أي بعد مرور نحو عام على قيام ثورة 1979م، تعرّض جزء من قنصلية السفارة الإيرانية في لندن لهجوم “الجبهة الديمقراطية الثورية لتحرير الأحواز”، قُتل خلال هذه الأحداث -التي استمرت لستة أيام- اثنان من الدبلوماسيين الإيرانيين على أيدي المقتحمين، وانتهت الواقعة بتدخّل قوات الشرطة البريطانية ومقتل خمسة مقتحِمين والقبض على واحدٍ آخَر، اعترف بعد ذلك أنهم أُرسلوا للقيام بهذه المهمة بتحريض من حكومة العراق إبان تلك الفترة، إلا أنّ
ما حدث مؤخرًا لا يتشابه إطلاقًا مع هذه الواقعة أو الأحداث المماثلة من اقتحام لسفارات إيران على مدار أربعة عقود. إن هذا الهجوم الذي حدث واحتلال السفارة الإيرانية في لندن لبضع ساعات، يمكن تسميته بـ”بحرب مَراجع تقليد الشيعة”، فلم تقع حادثة الهجوم الأخيرة على السفارة الإيرانية في لندن وتنكيس العلم الإيراني لأسباب استقلالية، ولا على أيدي أحزاب سياسية معارضة، ولم يكن المقتحمون من أتباع الأقليات القومية والمذهبية، بل هم أتباع مرجع التقليد الشيعي صادق الشيرازي، إذ قاموا بهذه التصرفات اعتراضًا على اعتقال نجله حسين الشيرازي في قم، وليست هناك شواهد على أنهم قاموا بهذا الاقتحام بأمر من صادق الشيرازي، لكن مما لا شك فيه أيضًا أن هذا الأمر تم على أيدي مُريديه ومقلّديه، خصوصًا أن دور رجل الدين الشيعي والمقلّد له، ياسر الحبيب، واضح في تحريض المقتحمين.
يستهدف ياسر الحبيب في تصريحاته وعباراته الحادّة علي خامنئي على وجه التحديد، فهو يشكّك في اجتهاد خامنئي، فكيف بمرجعيّته؟! ويعتقد أن المرجعية مُنحت لخامنئي فقط لأسباب سياسية وتحوّل إلى آية الله بين عشية وضحاها، وإلا فلا يبدو من خلفيته التعليمية أنه حاز شروط الاجتهاد.
لكن إلقاء القبض على حسين الشيرازي وقع بعدما انتقد خلال كلمة له في قم نظريةَ ولاية الفقيه التي هي بمثابة العمود الفقري لنظام الجمهورية الإسلامية، وعدّ في كلمته أن ولاية الفقيه تتساوى مع سلوك فرعون الذي اختص نفسه بمقام الربوبية والألوهية، وفي حين أنه ينتقد فكرة أن الولي الفقيه لا يحاسب من قِبل أي شخص، فإنّ فرعون كذلك كان لا يعير اهتمامًا لأي من احتجاجات الآخرين.
لقد أطلق خامنئي قبل أعوام اسم “الشيعة الإنجليز”، في معرض ردّ فعله على التيار الذي يوجّه الدعاية الشيعية بمحورية صادق الشيرازي للهجوم على مقدسات أهل السنّة، وقد أُعِدّ بعد ذلك فيلم وثائقي طويل تحت عنوان “العمائم الإنجليزية”، مستلهمًا هذا العنوان من تسمية خامنئي للفرقة الشيرازية بـ”الشيعة الإنجليز”، وهاجم الفيلم هذه الفرقة بعنف. ومن أجل إدراك مدى خطورة نسبة الشيعة الإنجليز إلى بيت الشيرازيين وإلقاء القبض على حسين الشيرازي، يكفي الانتباه إلى خصائص عائلة الشيرازيين ودورهم في المرجعية الشيعية في تاريخ إيران المعاصر، فمثلًا ميرزا الشيرازي كان من الشخصيات البارزة بين أفراد هذه العائلة، وهو الشخص الذي أشعل ثورة التبغ في إيران بسطر واحد.
إنّ حسين الشيرازي هو ابن صادق شقيق محمد بن مهدي بن ميرزا حبيب بن آقا بزرك شقيق ميرزا الشيرازي (محمد حسن الشيرازي) صاحب فتوى تحريم التبغ، ومن الواضح مما سبق أن نسبة مثل هذه العائلة إلى الشيعة الإنجليز تعدّ شتيمة كبيرة لها ولأتباعها، في حين أنهم كذلك يرون أن المرشد الإيراني لم يحرز مرتبة الاجتهاد، فكيف بإحرازه المرجعية؟!
في مثل هذه الظروف لا يُعَدّ القبض على حسين الشيرازي، الذي لا توجد أي أخبار حوله منذ إلقاء القبض عليه في 7 مارس وحتى الآن، مجرد اعتقال مجتهد ونجل مرجع تقليد، بل إهانة للعائلة الشيرازية الكبيرة، التي احتضنت حتى اليوم ستة من المرجعيات الشيعية ومنها ميرزا الشيرازي. ومن الواضح أيضًا أن اعتقال حسين الشيرازي لا يُعَدّ إغلاق أحد الملفات، بل هو فتح لهذا الملف الذي بدأت أحداثه منذ الاحتجاجات أمام قنصلية إيران في كربلاء، واستمرت كذلك بضع ساعات عند الهجوم على السفارة الإيرانية في لندن، وليس مستبعدًا أن يتكرر وقوع مثل هذه الأحداث مرة أخرى.
إنّ امتعاض بيت الشيرازيين من الجمهورية الإسلامية ليس مقتصرًا على الموضوع الأخير، أي إلقاء القبض على حسين الشيرازي، فقد صبّ الخميني جام غضبه على عمه محمد الشيرازي من قبل، الذي حرّم الحرب بين إيران والعراق، ووُضع لهذا السبب تحت الإقامة الجبرية لأكثر من 20 عامًا حتى تُوفي وهو على هذا الوضع.
إنّ ما هو مسلَّم به هو أن اعتقال حسين الشيرازي وسّع الفجوة بين ما كان يسمى في يوم من الأيام مدرسة الخميني الفكرية ومدرسة محمد الشيرازي الفكرية، ومن المستبعَد أن يمرّ هذا الحدث مرور الكرام على أتباع مدرسة الشيرازيين، وإذا كان محمد الشيرازي قد قضى 20 عامًا تحت الإقامة الجبرية حتى مات، فوسائل الإعلام التي يسيطر عليها هذا التيار لن تسمح الآن بنسيان القضية الأساسية، وبهذا يمكن التخمين بأن “حرب مَراجع تقليد الشيعة” قد بدأت.
مادة مترجمة عن “موقع راديو فردا”
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز