تحدَّثَ خامنئي في خطابه السنوي بمناسبة حلول عيد النيروز وبداية السنة الإيرانية الجديدة عن عالَمه الخيالي الذي لا يمتّ بِصلة إلى واقع إيران، وادّعى أن جميع القدرات الطبيعية والإنسانية والمالية التي يحتاج إليها الإنتاج الوطني موجودة في إيران، هذا في حين أن عوائق كبيرة جاثمة في هذا الطريق، كما أغرقت أمواج البطالة والركود العاتية الدولة بأكملها.
أولًا: أصبح الاستثمار وتنمية الأعمال في إيران بمثابة مجازفة كبيرة وأمر خطير للغاية، لدرجة أن أرباح الفوائد البنكية أصبحت أعلى من أرباح الإنتاج.
ثانيًا: ضعف قدرة شركات الإنتاج الداخلي على منافسة الشركات الأجنبية، وعندما يصاحب ذلك الدعم الحكومي تفقد هذه الشركات مزاياها الأخرى في التصدير.
ثالثًا: وجود الفساد الإداري والبيروقراطية المعقدة والنقص الذي يعتري نظام الإعفاءات المالية.
رابعًا: تقييد قدرات البيئة الإيرانية في إنتاج المحصولات الزراعية والرعوية بالنظر إلى أزمة الجفاف والتوترات المائية.
خامسًا: التأثير السلبي للبنية الهندسية لنقل الماء للاستهلاك الصناعي وإنتاج الفولاذ والنحاس في المناطق الصحراوية، مما سيؤدي إلى الجفاف التدريجي للمستنقعات والبحيرات وزيادة موجات الغبار وتدمير واسع للبيئة.
سادسًا: ضرورة انتقال التكنولوجيا من أجل تنمية المنتجات القائمة على المعرفة التي يرنو إليها المرشد من قبيل تقنية النانو، بينما تحتاج مثل هذه المنتجات إلى الارتباط بالاقتصاد العالمي والتواصل معه، وأيضًا إيجاد بيئة مناسبة للتنمية والبحث، وعلى الأقل فإنّ نقل العلم من الغرب سيواجه عوائق عقيدة المرشد.
سابعًا: إنّ دعم الإنتاج الداخلي في ظل الظروف الموجودة يعني استمرار الاعتماد على النفط من أجل تقديم الدعم المالي لهذا الإنتاج، والدعم على أي حال وبأي ثمن هو وصفة المرشد من أجل تقدّم الدولة.
إنّ خطاب التنمية المستدامة وإدارة المصادر ما هو في منظومة خامنئي الفكرية إلا مجرّد مظهر من مظاهر الأجانب، وعلى المسؤولين إعلان البراءة منه، كما أنّ استيراد البضائع المستهلكة للماء تعارض سياسة الاكتفاء الذاتي في كلّ شيء، والمرشد يبدي تعصبًا في قضية الاستيراد لدرجة أنه لا يتوانى عن تحريمها شرعًا إذا كان من الممكن إنتاجها محليًّا.
فيبدو أن الخوف من العقوبات واعتماد الدولة على استيراد السّلع الاستراتيجية أمر لا يمكن قبوله من وجهة نظر خامنئي، لدرجة أنه ليس مستعدًّا للتخلي عن مدينته الفاضلة المستقلة المقتدرة الغنية بالمنتجات الزراعية والرعوية بذريعة أزمة شحّ المياه، حتى لو أدى ذلك إلى تنامي التوتر المائي وتدمير البيئة، وتوارث الأجيال القادمة أرضًا محروقة.
إنّ الإصرار على السلعة الإيرانية والإنتاج المحلّي، دون أخذ القدرات الإقليمية والبشرية والمالية بعين الاعتبار، مؤشر على نظرة المرشد القاصرة الأنانية، التي من شأنها إهدار آخر الفرص والمصادر المتاحة من أجل إنقاذ البيئة في إيران.
إنّ خامنئي قام خلال اجتماعه بمجلس الوزراء قبل ستة أشهر بتوبيخ النائب الأول لحسن روحاني بسبب اللامبالاة بالأصول العامة لاقتصاد المقاومة، وقد كان هذا التوبيخ شديدًا لدرجة أنه كان سببًا في تكدّر الأجواء بين المرشد وإسحاق جهانغيري، وبحسب الأخير فإن خامنئي لم يستقبله طيلة ستة أشهر، وخلال هذه الجلسة التي عُقدت بتاريخ 26 أكتوبر 2017 قبل الإعلان عن خطة التنمية السادسة، قال خامنئي مؤكدًا على قضية الاقتصاد المقاوم: “يجب على جميع برامج الحكومة، حتى برنامج التنمية السادس والميزانية السنوية، أن تنطوي تحت لواء الاقتصاد المقاوم وسياساته، وهذا يعني أن لا تتعارض أيّ من هذه الأمور في أي جزء من أجزائها مع سياسات الاقتصاد المقاوم، والمقصود هو أن تتطابق بشكل كامل مع هذه السياسات، لا أن تكون غير متعارضة فقط”.
لقد أثبت خطاب خامنئي بمناسبة العيد أن بيت القائد يجهل معنى آراء الخبراء، وأن خامنئي ليس مستعدًّا لسماع الانتقادات، فبينما يرى الخبراء أن أزمة الماء والتغييرات المناخية مروّعة لدرجة أنها من الممكن أن تطمس الحضارة الإيرانية بأكملها، وبينما يعدّ أكثر من نصف مساحة إيران غير قابل للعيش فيها، يدعو خامنئي الشعب إلى زيادة النسل!!
ختامًا.. لربما بات من الضروري أن ندعو الله أن يحفظ إيران من شرّ الجهل والاستبداد.
مادة مترجمة عن موقع زيتون.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد