حسنًا فعلوا عندما شنّوا غارات على مواقع في سوريا، ليس لأن هذه الغارات ستؤدي إلى إضعاف الأسد أو إضعاف نفوذ إيران، بل لأنها أثبتت أن إيران لا تملك أيضًا دفاعات جوية على غرار سوريا، فروسیا ما زالت تخدع إيران وحلفاءها خدعة كبيرة.
الغارة الصاروخية التي شنّتها أمريكا-فرنسا-بريطانيا على سوريا كانت امتحانًا يمكن من خلاله معرفة هل الدول المُجهزة بدفاعات جوية روسية تستطيع حماية مجالها الجوي، أم أن هذه الدفاعات الجوية المنصوبة واجهة عسكرية للاستعراض لا غير؟ هذا السؤال يحظى بأهمية كبيرة من حيث إن إيران أيضًا تمتلك ذات نظام الدفاع الصاروخي الذي يحمي القواعد السورية.
إنّ أهمية أنظمة الدفاع الجوي للدول تأتي من أساس أننا نستطيع أن نفهم من خلالها هل أجواء هذه الدول مفتوحة أمام الغارات الجوية للدول المعتدية أم أنها كما يُقال مغلقة أمام كل طائر معتدٍ.
تملك إيران وسوريا كلتاهما نظام الدفاع الصاروخي إس ٣٠٠ وإلى حدّ ما إس ٤٠٠، كما أن قضية بيع صواريخ الدفاع الجوي من طراز إس ٣٠٠ لإيران من القضايا الأليمة في تاريخ الصفقات العسكرية الإيرانية، فقد دفعت إيران المبلغ المتفق عليه لشراء صواريخ إس ٣٠٠ إلى روسيا منذ ١٥ عامًا، ولكن موسكو تبعًا لعقوبات التسلّح على إيران لم تُسلّم هذه الصواريخ إلى أن تغيرّت المعادلات العالمية المحيطة بإيران، وتتساءل بعض التقارير: هل الصواريخ التي تسلّمتها إيران هي الأكثر تطورًا أم صواريخ إس ٤٠٠؟ وعلى أي حال فإن الإشاعات المتداولة حول إس ٣٠٠ تثير تساؤلات عديدة بخصوص أدائها.
تفيد تجربة صنع وبيع صواريخ إس ٣٠٠ منذ الحرب الباردة بأن هذه الصواريخ متى ما تم نصبها في منطقة ما فإنّ الناتو يوقف حركة طيرانه في تلك المنطقة، وعلى ما يبدو فقد تمكنت إسرائيل على الأقل خلال الأعوام الماضية القليلة عن طريق روسيا البيضاء أو أوكرانيا من فكّ شفرة هذه الصواريخ، وبالتالي فلم يعد نظام الدفاع الصاروخي هذا يشكل تهديدًا للمقاتلات الإسرائيلية أو أي طائرات معتدية أخرى خلافًا للماضي.
لقد قام الروس بتزويد مواقعهم العسكرية في سوريا بصواريخ إس ٤٠٠، لكنّ هذه المنظومة لم تصدّ الغارات الجوية التي قامت بها صواريخ كروز في سوريا فجر أمس، وهذا يعني بأن الروس:
– لم يشغلوا نظام الدفاع الصاروخي.
– أو أنهم لم يرغبوا في أن يتولى نظام دفاعهم الصاروخي مهمة حماية سوريا.
– أو أن الروس والأمريكيين قد اتّفقوا على القيام بغارات قصيرة ومحدودة.
وبغضّ النظر عما حصل، يمكن القول بصراحةٍ إنّ إيكال مهمة الدفاع الجوي أو حماية المؤسسات والمراكز الاستراتيجية للدول إلى أنظمة الدفاع الروسية خطوة غير عقلانية، وتحمل مجازفة كبيرة.
ويقال إن أنظمة إس ٣٠٠ تتولى مهمّة حماية كل المراكز الاستراتيجية، ومنها “نطنز” و”فردو”، ولكن إيران والدول التي تشتري مثل هذه الأنظمة عليها أن تأخذ بعين الاعتبار أن روسيا لديها سوابق عديدة في التورط بصفقات تبيع من خلالها حلفاءها، أو أنها لا تسمح بالاستفادة الكاملة من أنظمتها ومعدّاتها، وذلك بحسب الثمن المتفق عليه في الصفقة، أو بناءً على التهديد الذي يواجه الروس أنفسهم، وهذا ما جرى في سوريا خلال العامين الماضيين.
لقد كانت صواريخ إس ٣٠٠ الروسية منصوبة في سوريا منذ عامين، ولكن إسرائيل تشنّ دومًا غارات وتنتهك أجواء سوريا وتقصف بعض المواقع فيها، هذا في حين ذُكِر في دليل استخدام هذه الصواريخ بأن صواريخ إس ٣٠٠ بإمكانها أن تعترض -وعلى أي ارتفاعٍ كان- كل المقاتلات تقريبًا، وأيضًا صواريخ كروز، ولكن ما حصل في سوريا أمس هو أن نحو ١٠٠ صاروخ كروز شنت غارات على مواقع عسكرية في سوريا وأصابت أهدافًا، مما يشير إلى أن إس 300 لم تعُد تتمتع بإمكانية دفاعية مقبولة ومقنعة، وهناك احتمال بأن الروس بالأمس لم يشغلوا من الأساس أنظمة دفاعهم الصاروخية.
بعبارة أخرى يمكن الآن أن نصل إلى نتيجة خطيرة مفادها أن سماء إيران على غرار سماء سوريا، لا يوجد ما يحميها أمام الغارات والهجمات الجوية!
مادة مترجمة عن موقع زيتون