يرصد هذا التقرير أبرز التطوُّرات على الساحة الإيرانيَّة خلال شهر يونيو 2018م، ليقدم للقارئ المهتمّ بالشأن الإيرانيّ وصفًا دقيقًا للحالة الإيرانيَّة خلال الفترة محلّ الرصد والتحليل. يشتمل التقرير على ثلاثة أقسام رئيسية، يهتمّ الأول بالشأن الداخلي الإيرانيّ، في حين يختصّ الثاني بتفاعلات إيران مع الشأن العربي، ويتناول الثالث الحراك الإيرانيّ على الصعيد الدولي في إطار العلاقات الإيرانيَّة بالدول الكبرى.
في الشأن الداخلي يتناول التقرير أربعة محاور:
المحور الأول هو الملف السياسي، وتناولنا فيه الخطاب الذي وجهه 187 نائبًا بالبرلمان الإيراني إلى الرئيس روحاني لإجراء تغيير في فريقه الاقتصادي بسبب فشل هذا الفريق في حل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد. ويحتوي هذا المحور على ثلاثة أجزاء، الجزء الأول من هذا الملف يتناول التحول الذي طرأ على تهديدات المحافظين للحكومة (من استجواب وزير الاقتصاد إلى المطالبة باستجواب الرئيس روحاني ثم تهديد روحاني بالإقالة أو إرغامه على الاستقالة). وفي الجزء الثاني نناقش موقف الإصلاحيين الرافض لمحاولات المحافظين الرامية إلى الإطاحة بحكومة روحاني. أما الجزء الثالث والأخير فسنرصد فيه ردود أفعال روحاني وظريف تجاه المطالبة باستقالة الحكومة.
المحور الثاني خصص لمناقشة التطورات الدفاعية والأمنية. في الشأن الدفاعي نناقش خطط القوات البحرية الإيرانية لتعزيز أسطولها البحري في شمال البلاد (بحر قزوين) وجنوبها (الخليج العربي) بأربع قطع بحرية خلال الأشهر القليلة القادمة (3 مدمرات وغواصة واحدة).
في الجزء الأول نتحدث عن الغواصة “سهند” وأهم المواصفات التي تحملها، وفي الجزء الثاني نتناول المدمرة “دماوند” التي تم إصلاحها بعد أن اصطدمت برصيف ميناء انزلي في يناير الماضي. وفي الجزء الثالث من هذا الملف نتحدث فيه عن المدمرة “دنا” التي تقول السلطات الإيرانية إنها صناعة وطنية خالصة وإنها أحدث قطعة بحرية تنتجها إيران. أما الجزء الرابع فخصصناه للحديث عن الغواصة “فاتح” التي تقول عنها القوات البحرية إنها أول غواصة إيرانية من الفئة المتوسطة.
وفي التطورات الأمنية لهذا الشهر نرصد الاحتجاجات التي شهدها بازار طهران وعدد من الأسواق الإيرانية، نتيجة لهبوط قيمة الريال الإيراني، وتهديدات كل من رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني والمدعي العام عباس جعفري دولت آبادي للمحتجين، إضافة إلى الطرق التي استخدمها النظام الإيراني للحيلولة دون انتشار رقعة مظاهرات البازار.
في المحور الثالث (الاقتصادي) تناول التقرير مجموعة من المسائل المهمة والتطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة الإيرانية خلال شهر يونيو، وكان الحدث الاقتصادي الأبرز هو الارتفاع غير المسبوق لسعر الدولار أمام التومان الإيراني بالسوق الموازية بنسبة جاوزت 100% مقارنة ببداية العام الجاري، ليصل السعر إلى 9000 تومان للدولار الواحد، بينما سعر السوق الرسمي ثابت عند 4200 تومان للدولار، الأمر الذي دفع إلى خروج مظاهرات غاضبة قادها تجار البازار المتضررون من الوضع. ونتج هذا الارتفاع الشديد لسعر الدولار عن قلة المعروض منه في السوق الإيراني عاكسًا فشل الدولة في تطبيق قرار السعر الموحد للدولار وعدم قدرتها على توفير الكمية اللازمة لتغطية الطلب، سواء من التجار أو من الأفراد العاديين الذين أصبحوا يتهافتون على حيازة الدولار وتخزينه لحفظ قدرتهم الشرائية في المستقبل، ولم يخلُ الأمر من وجود شبه فساد بإعادة بيع بعض التجار للدولار المدعوم من الدولة في السوق الموازية.
وفي ضوء كثرة التكهنات حول مدى صمود أو انهيار الاقتصاد الإيراني مع الأداء الاقتصادي الضعيف والتطورات المتلاحقة وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، كان لازمًا تعريف اصطلاح الانهيار الاقتصادي أولًا والتفريق بينه وبين الأزمة الاقتصادية، ثم عرض أهم مؤشرات الأداء الاقتصادي الإيراني مؤخرًا -باختصار في ضوء المساحة المحدودة للكتابة- لتحديد الواقع الملموس الذي يحدد مسار المستقبل، ثم عرض تصورات وآراء إيرانية حول الوضع الراهن والمستقبلي، ذهب بعضها في اتجاه خطورة الوضع الراهن واتجاهه إلى التأزم في المستقبل مع تبعات اجتماعية وسياسية غير مسبوقة إذا لم تضع الحكومة حدًّا للتدهور الاقتصادي، وذهب رأي آخر (فائزة هاشمي رفسنجاني) إلى احتمالية حدوث تغيير مرتقب في السياسة الخارجية لإيران وإلا قد تتعرض البلاد لمزيد من الضرر الاقتصادي أو ربما الانهيار، لكن هذا التغير في رأيها لن يحدث إلا بعد وصول الأوضاع إلى حافة الهاوية، ولطالما فضلت بلادها هذا السيناريو.
أما الجزء الثاني من المحور الاقتصادي فتناول أهم التطورات ومدلولاتها خلال الشهر، التي كان منها تراجع صادرات النفط الخام الإيراني خلال النصف الأول من يونيو بنسبة 16% كأدنى معدل منذ ديسمبر 2016، وسط رفض شركات عالمية شحن أو تأمين النفط الإيراني. واتجاه دول من منظمة أوبك وخارجها -روسيا- لزيادة إنتاج النفط الفترة المقبلة، الأمر الذي يعني احتمالية انخفاض الأسعار في المستقبل، ما سيزيد الضغط على إيرادات الحكومة الإيرانية ويجمع عليها انخفاض الصادرات النفطية مع انخفاض أسعار البيع.
خصص المحور الرابع للملف الآيديولوجي، وقد ركز على مسألتين، الأولى: اضطهاد وقمع الدراويش الصوفية المستمر منذ فبراير الماضي، واستنكار المنظمات الحقوقية ووزارة الخارجية الأمريكية لهذا القمع المتواصل. والثانية: لقاء المرشد الأعلى علي خامنئي ببعض طلاب الجامعات ومواجهتهم له بانتقادات حادّة للنظام والحكومة، ثم تبريراته التي يُعتقد أنها غير منطقية ومن الصعب أن تُقنع أجيال ما بعد الثورة، لا سيما في ظل الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتردية.
في الشأن العربي تناول التقرير ثلاثة محاور رئيسية، حلل المحور الأول التدخلات الإيرانية في مباحثات التحالفات السياسية العراقية الفائزة في الانتخابات البرلمانية لتشكيل حكومة عراقية جديدة وتسمية رئيسها وإعداد برنامجها، وذلك بهدف الحفاظ على المكتسبات الإيرانية في العراق من ناحية، وضمان تشكيل حكومة عراقية موالية لإيران تمكنها من تنفيذ مخططاتها المذهبية من ناحية أخرى، وفي ضوء ذلك تطرقنا إلى وسائل وأدوات الضغط الإيراني للدفع بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للتحالف مع أقرب وأوثق حلفائها وأذرعها في العراق زعيم منظمة بدر هادي العامري، موضحين الدوافع الدي أدت إلى مثل هذا التحالف الذي فاجأ الأوساط الشعبية والسياسية معًا، ثم التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى تحالف الصدر مع رئيس الحكومة حيدر العبادي من ناحية أخرى، ومستقبل التحالفات العراقية الجديدة في ظل حالة التخبط والإرباك السياسي التي تعيشها الأوساط السياسية العراقية جراء التدخلات الإيرانية.
وتطرق المحور الثاني إلى الصراع الدائرة رحاه في سوريا بين أطراف الأزمة على المستويين الإقليمي والدولي لحصار إيران وتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، إذ يبدو أن هناك شبه إجماع إقليمي ودولي على تحجيم النفوذ الإيراني وحرمان إيران من الوصول إلى ممرات العبور والملاحة الدولية الهامة على البحرين الأحمر والمتوسط، لما لذلك من تهديدات مباشرة على الأمن الإقليمي والدولي وأمن وسلامة الملاحة الدولية. ووضحنا مؤشرات ذلك التي تجلت في تسديد الضربات العسكرية المتتالية للأذرع الإيرانية في سوريا في مناطق متفرقة، وتخلي الروس عن الإيرانيين في ظل تحالف الضرورة، والاستراتيجية التركية لتوسيع دائرة النفوذ التركي في سوريا، وكل ذلك من شأنه تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا.
ومن ناحية أخرى تطرق التقرير إلى تداعيات التصعيد السوري-الإيراني في الجنوب السوري بمحافظة درعا وانتهاكهم اتفاق تخفيف التوتر الموقع في مايو 2017 بمحادثات الأستانة، وانعكاسات ذلك على معدل الصراع بالمنطقة، بينما تناول المحور الثالث والأخير انعكاسات تحرير مطار محافظة الحديدة على المعادلة اليمنية، وإلى أي مدى تشكل الحديدة أهمية استراتيجية لأطراف الصراع، وما انعكاسات تحريرها من الحوثيين على الصراع اليمني، وآفاق الدور الإيراني في اليمن حال استمرارية تقلص نفوذ الحوثيين. وانتهينا إلى أن تحرير الحديدة من شأنه الاستيلاء على بقية المحافظة، الذي سيؤدي بدوره في النهاية إلى هبوط منحنى الدور الإيراني في اليمن.
لاستكمال القراءة إضغط هنا