نجح الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب بطريقة فعالة جدًّا -على الرغم من كونها قاسية وغير دبلوماسية- في تضييق الخناق على صادرات النِّفْط الإيرانيَّة، قبل أن تدخل الحزمة الثانية من العقوبات حيِّز التنفيذ على قطاع النِّفْط الإيرانيّ بـ 50 يومًا تقريبًا، مِمَّا ألحق بطهران أضرارًا اقتصادية بالغة، إذ تراجعت صادراتها النِّفْطية بنحو 35% منذ أبريل الماضي، وهو الشهر الذي سبق خروج أمريكا من الاتِّفاق الذي أبرمته إدارة باراك أوباما سابقًا.
وفي هذا الصدد قال روجر ديوان أحد محلِّلي بيانات النِّفْط المعروفين في مؤسَّسة « آي إتش إس ماركيت » المحدودة للاستشارات: « إن صادرات النِّفْط الإيرانيَّة تتراجع بشدة ».
ويُعدّ هذا التراجع الذي جاء على نحوٍ يفوق التوقعات، إلى جانب حقيقة أنه سيزداد في المستقبل، انتصارًا للرئيس الأمريكي ترامب الذي جعل الموقف الصارم تجاه إيران حجر أساس لسياسته الخارجية، وفرَضَ عقوباتٍ على إيران على الرغم من معارضة أوروبا والعداء المُعلَن من جانب الصين والهند، وهما أكبر الدول المستوردة للنِّفْط الخام الإيرانيّ. وعندما أعلنت إدارة ترامب لأول مرة فرض العقوبات على إيران، دفع الطابع الانفرادي لهذه الدول كثيرين في سوق النِّفْط إلى التشكيك في فاعلية العقوبات.
ووَفْقًا لصندوق النقد الدولي فإن النِّفْط يشكِّل نحو 80% من الإيرادات الضريبية في إيران، ومِن ثَمَّ فإن قطاع النِّفْط بمنزلة الشريان الذي يغذِّي اقتصاد البلاد. ومع تراجع صادرات النِّفْط تراجعت قيمة الريال الإيرانيّ بنسبة 60% في السوق غير الرسميَّة، مِمَّا أدَّى إلى ارتفاع معدَّل التضخُّم في البلاد. وعلى الرغم من أن نجاح العقوبات سيساعد الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب في الضغط على إيران، إلا أن له تأثيرًا ثانويًّا وسلبيًّا إذ سيسهم في ارتفاع أسعار النِّفْط بالنسبة إلى المستهلكين الأمريكيّين في الفترة التي تسبق الانتخابات النصفية في نوفمبر القادم.
وانعكس أثر العقوبات على سوق النِّفْط العالَمي، إذ ارتفع سعر خام برنت المعياري إلى ما يزيد على 80 دولارًا للبرميل الأسبوع الماضي، وعلى الرغم من التعاون الوثيق بين روسيا والمملكة العربية السعوديَّة لتعويض بعض خسائر سوق النِّفْط من خلال رفع الإنتاج، يراهن البعض على أن هذا ليس كافيًا لتعويض جميع الخسائر بعد خروج إيران. ويذكر مؤسَّس شركة « كوموديتيز كوربوريشن » المحدودة التي تعمل في مجال النِّفْط منذ 20 عامًا تيبو ريموندو، أن « سوق النِّفْط يعاني بوضوح من نقص المعروض، مِمَّا يعزِّز المخاطر الجيو-سياسية ومخاطر العرض في السوق ».
ولا يقتصر أثر عقوبات الولايات المتَّحدة على أسعار النِّفْط، إذ إن تَهافُت شركات النِّفْط بدءًا من الصين إلى فرنسا للعثور على إمدادات نفطية بديلة، يرفع أسعار النِّفْط الخام التي قد تعوِّض خسارة الشحنات الإيرانيَّة إلى مستويات عالية. على سبيل المثال، يُتداول مزيج الأورال الروسي بأعلى قيمة مقارنة بنفط برنت المعياري منذ بداية العام، واشترت شركات النِّفْط الصينية مؤخَّرًا كميات كبيرة من الأورال من ميناء روتردام في رحلة طويلة وغير معتادة للناقلات، كما ارتفع خام عُمان على غير العادة، وازداد الطلب على نفط البصرة الخفيف.
إن العقوبات الأمريكيَّة التي ستدخل حيِّز التنفيذ اعتبارًا من 4 نوفمبر، أخافت المستوردين في أوروبا وآسيا، بمن فيهم اليابان والهند. وفي أول أسبوعين من سبتمبر باعت إيران ما معدَّله 1.6 مليون برميل في اليوم، مقارنة بـ2.5 مليون برميل في اليوم في أبريل الماضي، وتَنبَّأَ مجموعة من المحلِّلين في سوق النِّفْط في أبريل أن لا تخفض العقوبات الصادرات بأكثر من 800 ألف برميل يوميًّا.
وعلى الرغم من معارضة الدول الأوروبيَّة قرارات ترامب وطمأنتها حكومة إيران بأنها ترغب في الحفاظ على الاتِّفاق النووي، فإن شركات النِّفْط الأوروبيَّة لا تملك خيارًا سوى الامتثال للعقوبات، إذ ستخسر أي شركة تُتَّهم بخرق العقوبات المفروضة على إيران التعامل مع النِّظام المالي الأمريكيّ.
وتشير الدلائل الأولى إلى أن الدول الأوروبيَّة واليابان ستتوقف نهائيًّا عن شراء الخام الإيرانيّ الشهر المقبل، ومِن ثَمَّ فقد تهوي صادرات إيران بمقدار 350 ألف برميل أخرى في اليوم بحلول نوفمبر ببساطة، لتصل إلى نحو 1.3 مليون برميل فقط في اليوم، ناهيك بأن كوريا الجنوبية لم تستورد أي شحنات نفط من إيران منذ 75 يومًا، مع العلم أنها كانت في الماضي تُعتبر مستوردًا رئيسيًّا للنِّفْط الإيرانيّ.
إن إيران لا تخسر عملاء نفطها الخام فحسب، مثلما حدث في ظلّ العقوبات السابقة من عام 2012 إلى عام 2015، بل تخسر أيضًا عملاء متكثِّف الغاز الطبيعي –أحد أشكال النِّفْط الخفيف، يُستخدم في صناعة البتروكيماويات-، ومع امتناع كوريا الجنوبية عن استيراد أي منهما من إيران، انخفض إجمالي الصادرات الإيرانيَّة من المتكثف في النصف الأول من سبتمبر إلى 175 ألف برميل في اليوم، وسجلت انخفاضًا يفوق 40 في المئة مقارنة بأبريل الماضي.
ويبدو أن الانخفاض المبكر في كل من صادرات النِّفْط الخام ومتكثف الغاز الطبيعي، جاء نتيجة للعقوبات الأمريكيَّة المفروضة على القطاعات المالية والصناعية، التي دخلت حيِّز التنفيذ في أغسطس. ويقول جو مكمونيجل، محلِّل الطاقة في شركة « هيدجاي » للأبحاث ومسؤول كبير سابق في وزارة الطاقة الأمريكيَّة، إن « الحزمة الأولى من العقوبات في أغسطس أرسلت رسالة إلى السوق مفادها أن الولايات المتَّحدة جادَّة، وأعتقد أنها أدَّت إلى هذا الانخفاض المبكِّر للصادرات الإيرانيَّة قبل فرض العقوبات الإضافية على النِّفْط في الرابع من نوفمبر القادم ».
وقد حاولت إيران تعويض بعض الخسائر، إذ عرضت على الصين والهند (اللتين من المرجح أن تواصلا شراء نسبة قليلة من النِّفْط الخام الإيرانيّ على الأقل) أن تشحن لهما النِّفْط على ناقلاتها الخاصَّة بها دون أي تكلفة إضافية، مِمَّا يوفر لنيودلهي وبكين خصمًا متواضعًا في التكلفة الإجمالية. وحتى الآن لا يبدو أن ذلك قد أجدى نفعًا، إذ شحنت الهند في أول أسبوعين من سبتمبر 240 ألف برميل فقط من النِّفْط الإيرانيّ يوميًّا، أي أقلّ من نصف الكمية المعتادة.
وفي إشارة قاطعة إلى عزوف العملاء عن شراء نفط إيران بدأت إيران الآن بتخزين الخام غير المبيع في الناقلات العملاقة، وهي ممارسة تُعرف باسم « التخزين العائم »، وقد لجأت إليها أيضًا في أثناء العقوبات التي فُرضت في عهد أوباما. وتمتلك إيران الآن أربع ناقلات عملاقة تحمل نحو 7 ملايين برميل من الخام قبالة السواحل الإيرانيَّة منذ سبعة أيام على الأقل، وترسو ناقلتان أخريان تحملان 3 ملايين برميل من المتكثف في ميناء جبل علي. وعلى الرغم من النجاح المبدئي الذي حقَّقَته إدارة ترامب، لا يزال البيت الأبيض بعيدًا عن تحقيق هدفه الرسميّ المتمثل في خفض عائدات النِّفْط الإيرانيَّة إلى الصفر، غير أنه توجد أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأن الصادرات قد تتراجع إلى أقل مِمَّا هي عليه.
وحسبما أفاد متداولون فـــ « ستناضل البلدان التي لا تزال تشتري النِّفْط الإيرانيّ بعد 4 نوفمبر في تحويل الأموال إلى طهران، مِمَّا قد يؤدِّي إلى بقاء مليارات الدولارات من عائداتها في الخارج، وإجبار إيران على إبرام الصفقات التي تقايض من خلالها النِّفْط الخام بسلع أخرى. مِن ثَمَّ ستبقى صادرات النِّفْط فوق الصفر، لكن إيران لن تحصِّل إلا جزءًا من الإيرادات ».
وختامًا تذكر أمريتا سين، كبيرة محلِّلي النِّفْط في شركة «إنيرجي آسبكتس المحدودة»، أن « وتيرة خسارة الصادرات الإيرانيَّة تتصاعد، وهو ما أدَّى إلى زيادة التخزين العائم قبالة سواحل إيران، في حين امتلأت مساحات التخزين البرِّي تقريبًا ».
مادة مترجمة عن موقع «إنيرجي فويس»