تتصدر صفقة القرن المشهد الإعلامي حول القضية الفلسطينية الذي يراهن على أنها ضرورة حتمية للخروج من الصراعات في المنطقة، ويصفها بالخيار الأفضل على الرغم من الضبابية الكبيرة التي تحيط بحيثياتها وبنودها وما ستقدمه إسرائيل من حقوق الفلسطينيين المسلوبة عبر عقود من الزمن، ولقد تجدد الحديث عن هذه الصفقة الغامضة بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى سلطنة عمان واستقباله من قبل رأس الهرم في السلطنة السلطان قابوس بن سعيد.
لا شك أن حل هذه القضية التي تعدّ أساس المشكلات في المنطقة أمر جيد ومحمود ويستحق كل العناء والدفع بقوة في هذا المسار إلا أن التفكير الرغبوي لا يزال سيد الموقف حتى تاريخه.
لقد تم استغلال هذه القضية الحيوية من الجميع؛ خدمةً لمشاريع سياسية وأيديولوجية لا يرغب أصحابها في إنهاء مِلفّ هذه القضية حتى لا يخسروا أبرز الكروت التي تعزف على وتر القضية الفلسطينية منذ عقود، فهناك الجانب الإيراني الذي يستغلها في كل أعماله التوسعية والإرهابية وخلق الميليشيات ودعمها تحت شعار «الممانعة» و «المقاومة» والصراع مع الكيان الإسرائيلي لإحقاق الحقوق على الرغم من أنّ إيران كانت ولا تزال ترفض -كما هو الحال الإسرائيلي- كل المبادرات العربية منذ عام 1981 وكذلك مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز التي أصبحت في عام 2002 مبادرة عربية.
إنّ الجماعات الإرهابية لا ترغب في حل القضية ولا في تحرير فلسطين ولَم تطلق طلقة واحدة نحو إسرائيل التي تعدّها في أدبياتها العدو الأول لها وتستقطب أتباعها من الشباب المتحمسين والعاطفيين من منطلقاتها.
كما نجد جماعات الإسلام السياسي مثل تنظيم الإخوان المسلمين يردد الشعارات والخطب الرنانة في هذا الصدد تنظيرًا فقط؛ لأن أكثر من تبناهم وحاول تمكينهم في الدول العربية هي بعض الإدارات الأمريكية الداعمة دائمًا لإسرائيل وسياساتها في المنطقة من بناء المستوطنات والاعتداء على المقدسات الإسلامية وقتل الشباب الفلسطيني الأعزل.
كذلك نجد الدول الأوروبية بالرغم من انتقاداتها للسياسات الإسرائيلية إلا أنها تدعم تل أبيب لدوافع تاريخية، ونوعا من التكفير عن الذنب تجاه ما حصل لليهود إبان الحرب العالمية الثانية.
السؤال المطروح حاليا ما الذي تقدمه صفقة القرن؛ ليُحشد كل هذا الاندفاع تجاهها؟ وما موقف المتضرر الأول وصاحب القضية الأولى أي الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه ومكوناته السياسية المتناحرة في كثير من الأحيان؟!
بعيدا عن العواطف الجياشة والتفكير الرغبوي، لا يمكن أن تقدم الدول الغربية وإسرائيل خِيارات مرضية للأطراف التي تريد فعليا تجاوز هذه المعضلة والوصول إلى سلام إسرائيلي – عربي دائم.
إن هذه القضية كانت ولا تزال قضية العرب الأولى على الرغم من الانحرافات في البوصلة بين الفينة والأخرى تجاه دول وجماعات تستهدف الدول العربية وأمنها واستقرارها، وفِي ظل المماطلة الإسرائيلية ستبقى هذه القضية محور الاهتمام ولبّ مستقبل المنطقة السياسي والأمني.
هناك دول تريد التقرب من القوى الغربية وتعزيز مكانتها أو حصد نقاط سياسية وإقليمية عبر البوابة الفلسطينية لكن الأمر سوف يصطدم بواقع مؤلم يجعلها تصاب بخيبة أمل كبيرة في نهاية المطاف إلى جانب ذاكرة عربية شعبية لن تنسى هذه المتاجرة بالقضية العادلة.
كانت الاتهامات توجه للسعودية بأنها تقف وراء هذه الصفقة المزعومة وتدفعها للأمام وأثبتت السعودية – كما هو الحال عبر العقود السابقة- خلاف ذلك إذ إنها لم ولن تسعى لحصد مكاسب سياسية خاصة بها على حساب قضية أمة مصيرية، ولعل جزءًا كبيرًا من الحملة الإعلامية الشعواء التي تستهدف الرياض حاليا مرتبط بهذا الموقف الحازم والحاسم من القضية الفلسطينية، بمحاولة استغلال جريمة جنائية تم تحديد العناصر المرتبطة بها وإحالتهم للقضاء، والهدف من ذلك كله ليست الجريمة الجنائية في ذاتها بل هو مرتبط أساسا بموقف القيادة السعودية العقائدي والإنساني التي تدرك جيدا أن التاريخ لا يرحم وأن ما سيتم عقده خلف الأبواب المغلقة سوف يطفو على السطح في نهاية الأمر وستخسر السعودية ثقلها العربي والإسلامي والآمال المعقودة عليها دون غيرها من الدول.
خلاصة القول، إن الدول العربية الصادقة والثابتة في مواقفها تريد حلا عادلا وشاملا للقضية الفلسطينية يعيد ملايين اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، ويشكلون دولتهم المستقلة ويسهمون في نموها وازدهارها، لكنها في نفس الوقت لن تنجرف خلف أوهام ووعود سرابية ما تلبث أن تتبخر وتعود الأمور إلى المربع الأول، وثمّة خِياراتٌ للقوى الغربية التي تريد حلا للقضية الفلسطينية والتخلص من الصراعات التي تضرب بمنطقة الشرق الأوسط، من بينها أن تضغط على إسرائيل للقبول بأهم بنود المبادرة العربية المركونة على الرف، وتربط الدعم العسكري والمالي والسياسي لتل أبيب بمدى مرونتها في الوصول لاتفاق يضمن للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني الحصول على حقوقهم المشروعة، وإن كنت أشك كمواطن عربي في جدية ذلك وأتمنى أن أكون مخطئا، أما المتاجرة بالدم الفلسطيني فستكون لعنة تلاحق كل من تلطخت يداه به.
المصدر: Arab News
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد