في الثاني عشر من نوفمبر الماضي، أدلى وزير الخارجية الإيرانيَّة محمد جواد ظريف بتصريحات شكَّلَت زوبعة داخل بلاده، وأحدثت سخطًا سياسيًّا وشعبيًّا، وإن كان أكثر خفوتًا، إذ اعتراف في حوارٍ أجرته معه وكالة أنباء إيرانيَّة بـ«تفشي عمليات غسل الأموال داخل إيران». وأضاف أن «عمليات غسل الأموال باتت حقيقة في إيران، وهناك أشخاص لديهم مصالح اقتصادية تقدَّر بعشرات المليارات». ورفض ظريف الإفصاح عن هُوِيَّة المتورطين وكيف تجري هذه العملية، والأجهزة المتورطة فيها.
ورغم تباين ردود أفعال أعضاء البرلمان والمسؤولين الحكوميين ورجال الدين حول تصريحات ظريف ما بين مؤيد ورافض، فإن رأس الحكومة حسن روحاني أيَّد هذه التصريحات، متبوعًا بنائبته للشؤون القانونية لعيا جنيدي، ورغم هذا التأييد فإن وزير الخارجية الإيرانيّ لا يزال يواجه انتقاداتٍ واسعة من شخصيات سياسية ووسائل الإعلام المحسوبة على التيَّار المحافظ (الأصوليين).
وأجاب ظريف كتابيًّا عن رسالة المدَّعي العامّ في بلاده حول تصريحاته عن «غسل الأموال»، بحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانيَّة بهرام قاسمي الذي قال إن «ظريف أجاب في الموعد المحدد برسالة تضمنت 12 صفحة عن استيضاح المدَّعي العامّ». من جانبه قال عضو الهيئة الرئاسية في البرلمان أصغر يوسف نجاد لوكالة «إيسنا»، إن «رئاسة البرلمان تلقت طلًبا بسحب الثقة من وزير الخارجية». وأضاف أن «الطلب وقَّع عليه قُرابة 24 نائبًا وتضمن 11 محورًا»، مشيرًا إلى أن لجنة الأمن القومي في البرلمان ستدرس الطلب أولًا قبل طرحه في جلسة موسَّعة سيعقدها البرلمان.
ويستند النواب، حسب وكالة «تسنيم»، إلى المادة 89 من الدستور الإيرانيّ والمادة 220 من القوانين الداخلية للبرلمان، وتنصّ الأولى على «أنه يستطيع أعضاء المجلس استجواب مجلس الوزراء أو أحد الوزراء في الحالات التي يعتبرونها ضرورية، ويقبل المجلس طلب الاستجواب إذا وقَّع عليه 10 نواب على الأقل».
وأكَّد قاسمي أن «تصريحات ظريف حول قضية غسل الأموال، صرَّح بها سابقًا عدد من المسؤولين في السلطات الثلاث، إلا أن البعض يحاول استغلال هذه التصريحات لتحقيق مصالحه الضيقة»، مؤكّدًا أن «تصريحات ظريف تهدف إلى تشخيص الأزمة لمعالجتها، وبهدف اتخاذ التدابير اللازمة».
وأشار إلى أن ما صرَّح به ظريف يصنَّف ضمن تشخيص الأزمات في الواقع الإيرانيّ بهدف اتخاذ التدابير اللازمة لحلها، ولا يمكن اعتباره تسريب معلومات أو إساءه إلى إيران كما يحاول البعض تقديمه.
بدوره، وجَّه النائب المحافظ محمد دهقان انتقادات ساخرة إلى ظريف عبر وكالة «فارس» تَضمَّنت ما نصه: «ظريف وجَّه تُهَمًا إلى البلاد لم تَرِدْ على لسان وزير الخارجية الأمريكيّ، وهؤلاء السادة تحت عنوان مركز غسل الأموال يبحثون عن رحلات داخلية وجولات سياحية».
عام الاستجوابات
أما الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني الذي دعم تصريحات وزير خارجيته فقال في اجتماع الحكومة: «لماذا نتقاتل على قضايا واضحة؟ العالَم كله يعاني من غسل الأموال، أروني بلدًا ليس فيه فساد وغسل أموال». وشدد روحاني حسب «إيران إنترناشيونال» في حديثه على ضرورة تكتُّل السلطات الإيرانيَّة لمواجهة غسل الأموال، وأضاف: «لماذا نتجادل كثيرًا؟ علينا محاربته». من جانبها أقرَّت نائبة الرئيس القانونية لعيا جنيدي لوكالة «إيسنا» بحدوث عمليات غسل أموال في المصارف الإيرانيَّة عبر منظَّمات إجرامية ومهربي مخدرات، فيما تدخل الأموال الناتجة عنها النِّظام المصرفي، لعدم وجود شفافية حول المصدر ومقصد الأموال. وأضافت: «الهدف من الجرائم المالية هو تحصيل المال بطريقة غير شرعية، وقد تسبب الافتقار إلى الشفافية والمعاهدات الدولية التي تنصّ على مكافحة غسل الأموال، في عدم معرفة مصدر ومقصد الأموال التي تدخل إثر ذلك إلى النِّظام المصرفي، وهذا يعني غسل الأموال».
في ذات السياق دعم نائب رئيس كتلة «أميد» النيابية محمد رضا تابش، وزير الخارجية الإيرانيَّة واصفا إياه بـ«الشخص الأول في مجال الدبلوماسية»، وقال: «في الواقع، من الضروري أن ندعم وزير الخارجية، لا أن نخدش هيبة الدولة من خلال الضغط والهجوم عليه، لأن مثل هذه الأعمال ستضرّ في نهاية المطاف ببلدنا». وردّ ظريف على هذه الانتقادات قائلًا: «أنا لا أتّهم أي جهاز، وأرى أصحاب المصالح في هذه القضية يقفون وراء بثّ هذه الشائعات». وأفادت وكالة «تسنيم» المقربة من «الحرس الثوري» بأن ستة نواب مقربين من التيَّار الأصولي داخل البرلمان وقَّعوا على عريضة لإقالة ظريف من منصبه، ويبدو أن هذا العام سيصبح عام الاستجوابات في طهران، وَفْقًا لبعض المتابعين، نظرًا إلى الظروف الدولية التي تعيشها إيران، بخاصَّة مع عودة «العقوبات»، وضرورة إيجاد قضية لشَغْل الرأي العامّ والتهدئة الشعبية، فبعد تَعرُّض روحاني للمساءلة في البرلمان، وعديد من الوزراء، سيكون الاستجواب القادم من نصيب وزير الخارجية ظريف.
من جهته، يعتقد المحلل السياسي مهدي مهدوي آزاد، أن «قضية استجواب ظريف جزء من لعبة كبرى، لأجل تبرئة النِّظام من المشكلات الراهنة وإلقاء اللائمة على حكومة حسن روحاني»، مضيفًا أن «محاولاتهم تلك لأجل أن يتمكنوا من عزل بعض وزراء الحكومة، وفرض مقرَّبين منهم على الحكومة، ويفرضوا رأيهم على الحكومة في مواقف تُعَدّ على أصابع اليد لم تتبعهم فيها حكومة روحاني مثل لوائح FATF ولوائح بالريمو وCFT».
مطالبات البرلمان
تَعهَّد عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيرانيّ أحمد أمير آبادي، لوكالة «فارس نيوز»، باستدعاء وزير الخارجية ظريف واستجوابه، بسبب تأكيد الأخير حقيقة عمليات غسل الأموال، قائلًا: «عمليات غسل الأموال في إيران افتراء ضدّ النِّظام، وتلك التصريحات تصبّ في مصلحة أعداء إيران». ولفت إلى أن «تصريحات ظريف مؤسفة للغاية، لكنه سيكون مسؤولًا عن تصريحاته وسيجري استجوابه والتحقيق معه في البرلمان»، متسائلًا: «إذا كان لدى ظريف معلومات عن غسل الأموال، فلماذا لم يبلغ الرئيس حسن روحاني أو السُّلْطة القضائيَّة أو البرلمان؟»، معتبرا إياه أحد أعضاء مجلس الوزراء ويتحمل مسؤولية مشتركة ويجب أن يخضع للمساءلة بشأن تصريحاته.