بعد انسحاب الولايات المتَّحدة من الاتفاق النووي الدولي وفرض العقوبات الأمريكيَّة، هذه هي المرة الثانية التي يهدد فيها حسن روحاني قائلًا: «إذا لم تتمكن إيران من تصدير نفطها فستغلق مضيق هرمز أمام بقية دول المنطقة، ولن تسمح لها بتصدير نفطها»، وقد قال روحاني خلال زيارته لسويسرا في 3 يوليو من هذا العام: «يزعم الأمريكيّون أنهم ينوون وقف تصدير النِّفْط الإيرانيّ بالكامل، لكنهم لم يفهموا معنى كلامهم، لأنه ليس من المعقول أن يتم تصدير نفط المنطقة ولا يتم تصدير النِّفْط الإيرانيّ».
على أثر تصريحات روحاني هذه، بعث قاسم سليماني رسالة إلى رئيس الجمهورية قائلًا: «ما نقلته وسائل الإعلام من تصريحات سعادتكم بأنه لا شيء يضمن تصدير نفط المنطقة إذا لم يتم تصدير النِّفْط الإيرانيّ مدعاة للفخر والكبرياء»، وبعد رسالة سليماني، أكَّد القائد العامّ للحرس الثوري محمد علي جعفري، أن «الظروف مهيأة لتفعيل تهديد رئيس الجمهورية»، أي إغلاق مضيق هرمز، مُعرِبًا عن أمله في أنه إذا طبَّقَت إيران تهديدها فسيحظى ذلك بتأييد شعبي ورسميّ.
وفي يوم الثلاثاء 4 ديسمبر قال روحاني خلال لقائه مواطني مدينة شاهرود: «على الولايات المتَّحدة أن تعلم أننا نبيع النِّفْط وسنبيعه، ولا يمكنها وقف تصدير نفطنا، وعليها أن تعلم أنها إذا قررت يومًا أن تقف أمام تصدير نفطنا فلن يُصدَّرَ أي نفط من الخليج العربي»، واستمر روحاني قائلًا: «لماذا أمريكا غاضبة من الإيرانيّين؟ لا يحتمل الأمريكيّون والصهاينة أن تكون إيران قوية، والشعب الإيرانيّ لم ولن يرضخ أمامهم».
في نفس الوقت أعلن باقر نوبخت رئيس مؤسَّسة التخطيط والميزانية في حكومة روحاني يوم 3 ديسمبر عن انخفاض مبيعات النِّفْط الإيرانيّ خلال العام الجاري قياسًا بالعام الماضي من مليونين ونصف مليون برميل إلى مليون برميل يوميًّا، وجاء هذا الإعلان في وقت انخفضت فيه أسعار النِّفْط في الأسواق العالَمية بشدة، إذ بلغ سعره في الولايات المتَّحدة نحو 50 دولارًا للبرميل الواحد، ووصل سعر نفط برنت إلى نحو 60 دولارًا، وفي أعقاب تصريحات روحاني في سويسرا بشأن إغلاق مضيق هرمز، اعتبر خامنئي أن ما أعلنه روحاني في يوليو الماضي سياسة النِّظام التي لا تتغير بقوله: «تؤكِّد تصريحات رئيس الجمهورية في زيارته الأخيرة لأوروبا حول عدم سماح إيران بتصدير نفط أي دولة في المنطقة في حال حظر تصدير النِّفْط الإيرانيّ، على سياسات وتوجهات النِّظام، وعلى وزارة الخارجية أن تتابع بجدية مثل هذه المواقف التي أبداها رئيس الجمهورية».
يعاني قادة النِّظام الإيرانيّ السياسيون أربعة أوهام، ويمكن أن نقول إن قرارهم بإغلاق مضيق هرمز، كسياسة عامَّة للنظام، متأثر بهذه الأوهام، ويبدو، على الأقل في الظاهر، أن حكومة روحاني والنِّظام الإيرانيّ ليسوا قلقين من تبعات الإعلان عن مثل هذا القرار، الذي من شأنه تعريض أمن بلدنا ومصالحه الوطنية لتهديد خطير.
الوهم الأول: هو وهم لُقِّنَ لهذا النِّظام حول إيران العسكرية، فقد زعم العسكريون ولسنوات أن قوة إيران العسكرية في الشرق الأوسط بلغت مستوى نستطيع من خلاله تحدي الجميع، والوقوف في وجه الآخرين، حتى أمريكا، وأعلن العسكريون مرة أخرى أنهم ينتظرون أوامر المرشد من أجل محو إسرائيل من خريطة الشرق الأوسط، كما يجري الحديث حول استخدام الصواريخ المصنعة في إيران كتقنية متطورة ورادعة وكقوة دفاع إيرانيَّة، ومؤخرا استُنسِخَت المقاتلة الأمريكيَّة F5 وأطلقوا عليها اسم المقاتلة «كوثر»، معتبرين أنها من إنجازات القوات الجوية الإيرانيَّة.
خامنئي يثني على صناعة الصواريخ في البلاد وروحاني يقوم بزيارة المقاتلة «كوثر»، غير أن واشنطن بعد التدخل العسكري الأمريكيّ في العراق في عام 2003 تعلمت درسين عظيمين من ذلك الخطأ: أولًا أن الجيش الرسميّ الأمريكيّ لا يستطيع أن يخوض حرب عصابات، وثانيًا أنها يجب أن تعتمد أكثر فأكثر في الحروب المقبلة على القوة الجوية والأسلحة الحديثة الدقيقة جدًّا، وقد تطورت الأسلحة الحديثة ذات الدقة الهائلة خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية. في العام 2015 وخلال الحرب الأهلية في سوريا، وصلت إيران إلى طريق مسدود بسبب فقدانها لقوة جوية حديثة، ولم تتمكن من مساعدة حكومة بشار الأسد للقضاء على معارضيه، لهذا استغاثت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لما تملكه روسيا من قوات جوية قوية ومؤثرة، وخلال العامين الماضيين استخدمت إيران صواريخها مرتين، مرة لشن هجوم عسكري على دير الزور، والأخرى للهجوم على مكتب الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيرانيّ داخل أراضي كردستان العراق، لكن دقة هذه الصواريخ لم تصل حتى إلى نسبة 50%، وعلى الرغم من أن اثنين من الصواريخ أصابا مبنى الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيرانيّ، فإن ثلاثة منها أخطأت الهدف، كما انحرف صاروخ آخر عن المسار فور إطلاقه.
صحيح أن إيران تطورت في مجال تقنية صناعة الصواريخ، لكن لا ينبغي المبالغة في قوة إيران كي نتمكن من رؤية الحقيقة كما هي، فقد عرضت الولايات المتَّحدة مؤخرًا جيلًا جديدًا من مقاتلات F35 في الأسواق، يُعَدّ من الصناعات الحربية المتطورة جدًّا في هذا المجال، كما تُعَدّ إسرائيل في منطقتنا من الدول المنتجة والمصدرة للأسلحة إلى الأسواق العالَمية، لذا فإن الاستمرار في هذه المبالغة يمكن أن يكون ناجعًا ما لم تحدث أي حرب يمكن من خلالها اختبار هذه القدرات بشكل جدّي، فقادة الحرس الثوري يلجؤون إلى استخدام الدعاية المشفوعة بالغُلُوّ والمبالغة دون أن يعرفوا مدى التقدُّم الحاصل في مجال التسلُّح في الغرب والولايات المتَّحدة، والخطر يكمن في أن مبالغتهم هذه تُوجِد وهمًا لدى القادة السياسيين.
الوهم الثاني: هو أن القادة السياسيين في إيران يظنون أن النِّظام السياسي في إيران يتمتع بشرعية نسبية بين المواطنين، فيما لم يعُد النِّظام هناك يتمتع بالشرعية التي كان يتمتع بها بين أغلبية المواطنين الإيرانيّين في السابق، فالنِّظام كان يتمتع بشرعية أكبر في عهد الخميني في أوائل الثورة، غير أن هذه الشرعية انحسرت بشدة بسبب الفساد المستشري في البلاد، وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، فضلًا عن تزوير انتخابات عام 2009 الرئاسية، وغياب العدالة داخل السُّلْطة القضائيَّة، واعتماد هرم السُّلْطة على شخص واحد، والاستبداد الجامح، وتمييز طبقة رجال الدين من بقية الشعب، والفقر والحرمان، وهروب العقول.
يمكن لهذا الوهم أن يتسبب لإيران في خسائر كبيرة يومًا ما، فأي حرب تخوضها الدول الأجنبية ضدّ إيران، إذا لم تستخدم فيها تلك الدول القوة البرية واكتفت بالقوة الجوية والأسلحة الحديثة، فمن شأن ذلك توجيه ضربات أساسية وعديدة إلى اقتصاد إيران ومصالحها الوطنية، في هذه الأثناء ليس من المؤكَّد أن تتمكن الحكومة في مثل هذه الحرب من كسب دعم المواطنين الإيرانيّين المطلق لها، وهنا يلعب موضوع شرعية النِّظام دورًا هامًّا في نسبة الدعم الشعبي، فلو كانت الحرب الإيرانيَّة-العراقيَّة في السنوات الأولى للثورة أدّت إلى تماسك المجتمع، فإن وقوع الحرب حاليًّا سيؤدِّي إلى تفتيت المجتمع الإيرانيّ، لأن أي نظام يفقد شرعيته بين مواطنيه لا يمكنه أن يتوقع أي مساندة له من الناس في الظروف الحرجة، والحركة الإصلاحية في إيران تأمل أن لا تواجه إيران يومًا ما مثل هذا التحدِّي الذي يهدِّد لُحْمتها، لكن للأسف، القادة السياسيون بما لديهم من وهم بخصوص الدعم الشعبي، لا يُلقُون بالًا إلى هذا التحدِّي في الوقت الحالي.
الوهم الثالث: أن النِّظام يعتقد أن شعبنا يلوم ويُدِين الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب والولايات المتَّحدة فقط لفرضهم العقوبات، فعلى الرغم من أن ترامب ارتكب خطأ في الخروج من الاتفاق النووي، فإن الإيرانيّين لا ينسون أن المقربين من رأس هرم السُّلْطة في إيران لم يسمحوا للاتفاق بأن يصبح رسميًّا بعد المصادقة عليه، فقد كتبوا شعار «الموت لإسرائيل» على الصواريخ التي اختبروها، كما صرَّح الجنرال سلامي مؤخَّرًا بأن «الاتفاق النووي أكَّد أن الأعداء تقدموا عندما تفاوضنا… فالمفاوضات بمثابة حرب، وكلما تراجعت قليلًا رفعوا سقف مطالبهم»، أما المرشد فلم يسمح باستغلال فرصتين تاريخيتين لحل مشكلات إيران والتفاوض مع الولايات المتَّحدة:
الفرصة الأولى كانت في عهد الرئيس بيل كلينتون والعامين الأخيرين من حكومة خاتمي، حين اقتربت وزيرة الخارجية الأمريكيَّة مادلين أولبرايت كثيرًا من تقديم الاعتذار بسبب الانقلاب الذي وجّهته الولايات المتَّحدة ضدّ الحكومة الوطنية التي ترأسها محمد مصدق في عام 1953م، وكان كلينتون كذلك يرغب في لقاء خاتمي، لكن خامنئي حال دون ذلك، أما الفرصة الثانية فقد ظهرت مع بدايات تسلم باراك أوباما منصب الرئاسة في أمريكا، فلو تفاوضت إيران منذ ذلك الحين مع الولايات المتَّحدة لما اتسع نطاق العقوبات الدولية ضدّها، ولاتخذت علاقات بلادنا مع الولايات المتَّحدة طابعًا مؤسَّسيًّا على مختلف الأصعدة.
لقد زادت إدارة أوباما العقوبات على إيران من أجل جرها إلى طاولة المفاوضات، وقدّمت امتيازات هائلة للسعوديَّة وروسيا كي تتمكن من إبرام الاتفاق النووي، فكلما أبدت روسيا تعاونها مع الولايات المتَّحدة والغرب في مجلس الأمن، تَسلَّمَت مكافأة من إدارة أوباما والغرب على هذا التعاون، ويقول وزير الخارجية الإيرانيّ محمد جواد ظريف إنه لو لم يكُن دعم نظيره الأمريكيّ جون كيري وأوباما للمفاوضات لما تمّ الاتفاق النووي، لكن خامنئي لم يسمح لروحاني أن بلقاء بأوباما حتى بعد توقيع الاتفاق النووي، وقد انتقد المرشد ومناصروه الاتصال الهاتفي التي جرى بين أوباما وروحاني عندما كان الأخير في طريقه إلى المطار للعودة إلى إيران. من هنا يبدو أن حديث روحاني في هذه المرحلة من العقوبات حول الدعم الشعبي لنهج وسلوك حكومته وصبر الجماهير، قائم على وهم، فنسبة الجماهير الإيرانيَّة التي تساند الحكومة والنِّظام والآيديولوجيا المعادية للغرب والولايات المتَّحدة غير معروفة، وعندما أشار ظريف إلى أن الإيرانيّين هم من اختار هذا النوع من الحياة، كانت إشارته هذه قائمة على الوهم أيضًا.
الوهم الرابع: يتوهم النِّظام والحكومة أن إيران تستطيع وحدها أن تستفيد على المستوى الدولي من الأساليب التي استخدمتها في السياسة الخارجية، وكذلك السياسات التي اتخذتها حتى الآن، وأن تستنجد بالدعم الدولي عندما تحتاج إليه، وأن تصرف النظر عنه عندما تشعر بأنه لا حاجة بها إليه، فالنِّظام الإيرانيّ لا يهتمّ أبدًا بحساب ما يدفعه من ثمن على المستوى الدولي بسبب السياسات التي ينتهجها وينفّذها.
السؤال المثير للتساؤل والتأمل هو: لماذا لم تقرِّر إيران حتى الآن أن تصبح مواطنًا عالَميًّا؟ فالحرب مع العراق أكَّدت لنا جيدًا أنه لا يمكن أن نكون البطل الوحيد في الساحة، فالسفارة الأمريكيَّة في طهران اقتُحمت من قبل، ولم تجلب لنا سوى الاستنكار العالَمي، في حين كنا نظنّ أن ما سمَّيناها بالثورة الثانية سيعود على إيران بالقدرة والامتيازات، لكن ما تلاها كان الحرب والدمار، ودخلنا إلى سوريا ظانِّين أننا نستطيع الحفاظ على الحاكم المستبدّ ضدّ شعبه، وتوسيع دائرة نفوذ إيران في الشرق الأوسط، وتحويل سوريا إلى قاعدة لـ«عمقنا الاستراتيجي» ضدّ إسرائيل، لكن ذلك لم يتم، فبسبب أخطائنا السياسية والاستراتيجية سلَّمنا زمام أمور سوريا إلى بوتين، وقصفت إسرائيل مواقعنا في سوريا مرارًا وتكرارًا دون أن نتمكن من الدفاع عن أنفسنا، والآن تَفتَّتَت سوريا وتقاسمتها روسيا وأمريكا وتركيا.
عندما نهدِّد بلدًا ما سياسيًّا، علينا أن نعلم أننا لسنا اللاعبين الوحيدين على الساحة، كنا نتصور أن الحرب العراقيَّة-الإيرانيَّة قد بينت لنا هذه الحقيقة التاريخية المريرة، لكن مع الأسف لم يحدث ذلك، وأخذنا مرة أخرى نرتكب أخطاء الماضي، وقد قالها خامنئي صريحةً في كلمته بمناسبة السنة الإيرانيَّة الجديدة، لا علاقة لـ«الفضوليين الدوليين» بذهابنا إلى العراق وتدخُّل إيران العسكري في سوريا، فعندما يكون فهم القائد السياسي لإيران للعلاقات والنِّظام الدولي بهذا الشكل، لا ينبغي حينها أن نستغرب وصولنا إلى هذه المرحلة من العلاقات الدولية.
هل تتطابق مزاعم روحاني وسياسات النِّظام بخصوص إغلاق مضيق هرمز مع المعطيات السياسية الدولية والإقليمية والداخلية لإيران وبعيدًا عن الأوهام التي يعيشها النِّظام؟ أي محلل سياسي وباحث يعرف أن الخليج العربي ومضيق هرمز ليسا ملكًا لإيران فقط، وفي حال نفّذت إيران تهديدات حسن روحاني، فالقوانين الدولية تتيح للدول المستفيدة في المنطقة أن تدافع عن نفسها وعن اقتصادها وتُبقِي مضيق هرمز مفتوحًا.
يجب أن ننتبه إلى أن مضيق هرمز ليس مضيقًا أو طريقًا مائيًّا عاديًّا، إذ يعبر من قناة بنما (Panama Canal) أقل من مليون برميل من النِّفْط، ومن رأس الرجاء الصالح (Cape of Good Hope) أقل من ٦ ملايين برميل، ومن مضيق الدنمارك (Danish Straits) أكثر بقليل من 3 ملايين برميل، ومن مضيق تركيا (Turkish Straits) أكثر من مليونَي برميل، ومن قناة السويس (Suez Canal) أكثر من ٥ ملايين برميل، ومن باب المندب (Bab el-Mandab) أقل من ٥ ملايين برميل، ومن مضيق ملقا (Straits of Malaca) ١٦ مليون برميل، أما من مضيق هرمز (Strait of Hormuz) فيعبر منه نحو ١٩ مليون برميل من النِّفْط يوميًّا.
إغلاق هذا المضيق لن يدفع الدول العربية المصدرة للنِّفْط في الشرق الأوسط إلى الدفاع عن نفسها فقط، بل ستتحالف مع الولايات المتَّحدة والدول الغربية عسكريًّا، وحاجة الدول الأوروبيَّة والآسيوية إلى النِّفْط المصدَّر من الشرق الأوسط ماسَّة، وهي تعتمد بشكل أساسي على الطاقة المنتجة من هذه المنطقة، وإغلاق مضيق هرمز لا يعني توجيه ضربة إلى اقتصاد الدول المصدرة فقط، لا بل توجيه ضربة لاقتصاد الدول الأوروبيَّة والآسيوية أيضًا، وهو يحث الدول الكبرى اقتصاديًّا على دعم الولايات المتَّحدة، وهذا يمنح واشنطن الفرصة التي كانت تريدها لتسدِّد ضرباتها العسكرية إلى الاقتصاد الإيرانيّ.
على أثر هذا الموقف الذي أعن عنه روحاني أرسلت الولايات المتَّحدة أحد أساطيلها الحامل للطائرات إلى الشرق الأوسط، وعندما أعلن روحاني عن مثل هذا الموقف في سويسرا، واجه ردودًا عنيفة من الدول الأوروبيَّة، واضطُرّ إلى التراجع عنها على نحو ما، فاتخاذ روحاني مثل هذه المواقف في الظروف الصعبة الراهنة سيضرّ كثيرًا الدعم الدولي لبلادنا أمام تحالف ترامب ونتنياهو.
لقد تبلورت وتشكّلت سياستنا الخارجية الفوضوية التي تجمع بين طياتها بين عدم الاستقرار، واللا مبدئية، وعدم القدرة على التنبُّؤ، متأثرة بإملاءات المرشد والحرس الثوري والنهج العسكري، وأحد تجليات هذا النهج العسكري هو تَدخُّل بلادنا العسكري في سوريا، فراسمو هذه السياسة ارتكبوا هذا الخطأ التاريخي تحت تأثير الوهم الكبير، فهم لم يدرسوا الآثار الإقليمية والدولية المترتبة على هذا التدخّل، وللأسف بعد التدخلات العسكرية الإيرانيَّة في سوريا انخفض معدَّل التعاطف الجماهيري مع بلادنا كثيرًا، كما انحسرت شعبية بلادنا بين شعوب الدول الإسلامية وفي العالَم. وَفْقًا لإحصائيات مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) حول معدَّل دعم الشعوب في العالَم لإيران بين عامَي 2015 و2016، تُظهر الأرقام انحسارًا هائلًا بعد تدخُّل إيران في سوريا، ففي عام 2015 بلغت نسبة النظرة السلبية تجاه إيران بين مواطني الأردن نحو 89%، أي إن في النظرة الإيجابية تراجعًا بلغ أكثر من 40% مقارنة بعامَي 2006و2007، كما انخفضت خلال هذين العامين النظرة الإيجابية للشعب الماليزي تجاه إيران من 56% إلى 34%، وفي تونس بلغت نسبة النظرة السلبية 70%، وفي البرازيل بلغت نسبة أصحاب النظرة السلبية تجاه إيران 79% مقابل 11% كانت نظرتهم إيجابية، وفي ألمانيا بلغت نسبة النظرة السلبية تجاه إيران 78% مقابل 15% إيجابية، وفي اليابان كانت نسبة النظرة السلبية 73% مقابل 15% إيجابية، وفي فرنسا 81% سلبية مقابل 19% إيجابية، وفي كوريا الجنوبية 56% سلبية مقابل 30% إيجابية، وفي روسيا 44% سلبية مقابل 34% إيجابية، وفي إسبانيا 87% سلبية مقابل 7% إيجابية، وفي تركيا 64% سلبية مقابل 17% إيجابية، وفي إيطاليا 87% سلبية مقابل 9% إيجابية، وفي جنوب إفريقيا 57% سلبية مقابل 18% إيجابية، وفي أوغندا 43% سلبية مقابل 32% إيجابية، وفي المكسيك 62% سلبية مقابل 13% إيجابية، وفي بريطانيا 62% سلبية مقابل 17% إيجابية، وفي الأرجنتين 59% سلبية مقابل 10% إيجابية، وفي الهند 28% سلبية مقابل 28% إيجابية، والملاحَظ في غانا وباكستان أن النظرة الإيجابية غلبت على النظرة السلبية تجاه إيران، ففي غانا بلغت النظرة السلبية 36% مقابل 44% للنظرة الإيجابية، وفي باكستان كانت النظرة السلبية 16% مقابل 57% للنظرة الإيجابية، وعليه فإن خطأ إيران السياسي الاستراتيجي في تدخُّلها عسكريًّا في سوريا، قابله ردّ فعل سلبي من أكثر شعوب العالَم.
الوهم القائم على أن إيران تتمكن وحدها أن تفعل ما تريده على الساحة السياسية الدولية دون دفع الثمن سدّد ضربات عديدة لمكانة بلادنا الأخلاقية (Moral Authority)، وقد حكم أصحاب السُّلْطة إيران بالشعارات والآيديولوجيا المعادية للغرب والولايات المتَّحدة، وقد التحق حسن روحاني مؤخَّرًا بقافلتهم كي تلقى مواقفه قبولًا من الذي يتربع على رأس هرم السُّلْطة، فعند تشويه المكانة الأخلاقية لبلد ما، فلن يتمكن هذا البلد من تلقِّي المساندة للدفاع عن نفسه في الظروف الخاصَّة، ومصالح إيران تتعرض للتهديد من جهات مختلفة، غير أن جذور جميع المشكلات تعود إلى رجال السُّلْطة في بلادنا وسياساتهم الرعناء.
لقد أيَّدْنا بوتين للوصول إلى سوريا، والآن لم تخرج سوريا من تحت سيطرتنا إلى تحت سيطرته فقط، وإنما أصبح يتحالف مع السعوديَّة لإضعاف أوبك وتسديد ضربات هائلة إلى اقتصاد إيران. إنّ السياسة المزعومة التي ينتهجها روحاني من أجل إغلاق مضيق هرمز، لعبة خطيرة أنتجها الوهم الكامن في عقول رجال السياسة في إيران فقط، وستؤدي إلى إجماع دولي ضدّ بلادنا، وستفتح المجال أمام الولايات المتَّحدة كي تتحدى أمننا ومصالحنا، والنتيجة لن تكون سوى عدم استقرار دائمًا في إيران، وتهديدًا لمصالحها الوطنية التي تهدف إلى بناء اقتصاد نشط.
مادة مترجمة عن موقع زيتون
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد