يعتبر البيان الذي أصدره قاسم سليماني، قائد قوات فيلق القدس الإيراني، ضد العائلة الحاكمة والحكومة في البحرين، بعد سحب الجنسية من “رجل دين شيعي”، غير مسبوق ومثير للتساؤلات، بالنظر إلى كونه أول موقف سياسي رسمي له، وكذلك محتواه الحادّ والهجومي، لدرجة أن صدوره أثار موجة من التكهنات للوصول إلى أسبابه، وجعل المراقبين يبحثون عن دوافعه.
وتدور هذه التكهنات حول التتابع الزمني لصدور البيان وعزل حسين أمير عبداللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، الذي كان مقرباً من فيلق القدس، وكان مشهوراً بـ “الدبلوماسي الثوري”، حيث أثار قرار عزله أيضاً ردود فعل كثيرة، ابتداء من رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية، الذي أظهر رضاه التام عن ذلك، وانتهاء بالبيان الذي أصدرته دائرة التعبئة الطلابية “الباسيج” في ست جامعات في العاصمة طهران، والذي ربط عملية العزل هذه بلقاء عبداللهيان نظيره الأمريكي قبل ذلك بثلاثة أيام، وناقش البيان “الشكوك” حول تنسيقه مع الأمريكيين.
هذه “الشكوك” التي ناقشها الطلبة التعبويون والانتقادات المتزايدة لمساعي حكومة حسن روحاني الرامية إلى تحسين العلاقات مع دول المنطقة والغرب وإخراج إيران من عزلتها السياسية والاقتصادية، عندما يتم وضعها إلى جانب حالة الاستياء من عزل حسين عبداللهيان، يتكوّن الفرض التالي، وهو أن يكون عبداللهيان لم يتماش مع السياسة التي انتهجها مسؤولو السياسة الخارجية في الشرق الأوسط. ومن هذا المنطلق، يمكن لبيان قاسم سليماني أن يكون ردة فعل على هذا العزل، وواضح أنّ مثل هذا البيان سيعرقل كثيراً عجلة سياسات حكومة روحاني.
من جهتها، تسعى السعودية جدياً لتشكيل ائتلاف كبير ضد إيران في المنطقة والعالم، ولا تألو جهداً في السر والعلن في سبيل عزل إيران أكثر من ذي قبل، وأن تلحق الضرر بالانفتاح الإيراني على الغرب، وربما يمكن وضع سفر ولي ولي عهد السعودية الأخير إلى أمريكا في هذا السياق.
وفي مثل هذه الظروف، يمكن اعتبار الموقف الرسمي لأشهر قائد عسكري في إيران بمثابة الهدية للسعودية، هذا القائد الذي تحدث علناً عن تشكيل مقاومة مسلحة في دولة مجاورة له، من هنا يعتبر هذا البيان وثيقة رسمية بيد حلفاء السعودية الذين يسعون لإقناع رجال السياسة، والمشرّعين، ووسائل الإعلام، والرأي العام، بأن إيران تشكل خطراً في المنطقة، وتجب مواجهتها.إن التأثير السلبي لهذا الوضع على السياسة الخارجية لحسن روحاني واضح جداً، وذلك في ظل ظروف لا يمضي فيها الوقت لصالح روحاني، فهو من جهة يدخل العام الأخير من مدة ولايته، ويجب أن يدخل معركة حامية من أجل حفظ مكانه في رأس الدولة، ومن جهة أخرى، فإن ورقته الرابحة في هذه المعركة، أي حل الأزمة النووية وإزالة التوتر مع الغرب، مهددة مع انتهاء ولاية أوباما في أمريكا.
ربما استطاع روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف أن يكسبا ثقة رجال السياسة في أمريكا، على الرغم من الأزمات الخارجية التي يفتعلها معارضوهما في الداخل، لكن الأمر لن يبقى بهذه السهولة، سواء كان مستقبل أمريكا بيد هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب، ومن الممكن أن تذهب جميع مساعيهما هباء بالنظر إلى الأزمات الناتجة عن مواقف معارضيهما في الداخل، وربما يفكر قادة المنطقة والغرب في أنه ما لم يتم التأكد من بقاء روحاني في السلطة، فمن الأفضل رسم سياسات يقابلون بها خليفته المحتمل، والذي يمكن أن يكون من التيار المتطرّف.التكهن الآخر خلف بيان قاسم سليماني هو احتمال ترشّح الأخير لمنصب رئاسة الجمهورية، حتى الآن لا يبدو أن لدى سليماني الرغبة في مثل هذا الأمر، ورفض كثير من السياسيين الإيرانيين ومنهم أنصار سليماني مثل هذا الاحتمال، لكن إن تزايدت وتيرة الإضرار بالسياسة الخارجية لحسن روحاني بحيث تؤدي إلى إبطال أثرها، يجب حينها انتظار ظهور منافسين لروحاني، اتخذوا من “الثورية” عنواناً لسياساتهم الخارجية ومن الحرس الثوري كانوناً لهم، بحيث يظهرون بشكل أقوى من الانتخابات السابقة، عند ذلك من سيكون صاحب شهرة وكاريزما تمكنانه من الحصول على الأصوات المطلوبة أكثر من قاسم سليماني؟
السؤال هو ما الدور الذي يلعبه خامنئي
كونه الذي يرسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية لإيران؟
نما الحرس الثوري تحت ظل خامنئي بشكل ملحوظ، وسواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، قام بخطوات تفوق قدرة القوات المسلحة نفسها، لا شك في أن خامنئي يتباهى بنفوذ الحرس الثوري، خاصة في العراق، وبالتزامن مع حديثه صراحة عن اعتماده على الحرس الثوري، لم يخف خامنئي تشاؤمه إزاء الذين ينادون بإنهاء التوتر وتجنب العداء.
مع ذلك، كانت الأمور في إيران دائماً تسير بحيث لا يتمكن تيار من السيطرة الكاملة على التيار الآخر، حتى إن البعض اعتبر هذه الظاهرة “توازناً” بين القوى، وعلامة على حسن إدارة خامنئي، ويعتقدون أنه أحياناً يدعم هذا التيار أو ذاك عن علم، حتى يستفيد من كليهما على حد سواء كجناحي الطائر، فهل هذا التوازن على وشك الانهيار؟
المصدر: بي بي سي فارسي