الهجمات الإيرانية على القواعد الأمريكية بالعراق.. دلالات وسيناريوهات

https://rasanah-iiis.org/?p=19309

في خضم التصعيد العسكري الأمريكي-الإيراني على الساحة العراقية الذي لطالما حذرت من تداعياته الكارثية بعض دول المنطقة على أمنها واستقرارها، استهدف الحرس الثوري الإيراني فجر الأربعاء 08 يناير 2020، قاعدتين أمريكيتين الأولى قاعدة «عين الأسد» الجوية بمحافظة الأنبار غربي العراق، والثانية قاعدة «الحرير» بمحافظة أربيل، بواسطة 10 صواريخ باليستية متوسطة المدى انتقامًا -على حد قوله- لمقتل قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، إثر هجوم صاروخي أمريكي بواسطة طائرة مسيرة استهدف موكبه بمحيط مطار بغداد الدولي فجر الأحد 03 يناير 2020، وذلك دون وقوع أي إصابات للجنود الأمريكيين، حسب الرواية الرسمية للإدارة الأمريكية.

تكشف الهجمات الصاروخية الإيرانية على هذا النحو على القواعد الأمريكية عقب الوعود الإيرانية بالرد العسكري عن عدة تساؤلات: هل قرار إيران بالرد العسكري ضد القواعد الأمريكية من باب تنفيذ التهديد والوعيد للرد على استهداف سليماني؟ أم أنه لإنهاء الحديث عن اندلاع حرب محتملة بين البلدين ستكون كارثية بكل المقاييس؟ وما هو وصف هذه الهجمات؟ وهل أدركت طهران بهذه الهجمات رسائل الردع الأمريكية القوية عندما تصل الأمور إلى قتل جنود أمريكيين؟ وما هي المكاسب التي جنتها إيران من وراء التصعيد الذي لطالما حذرت منه بعض الدول ضد الأهداف الأمريكية؟ وما هي السيناريوهات المستقبلية للصراع الأمريكي-الإيراني؟

أولاً: حدود وطبيعة الضربات الإيرانية للقواعد الأمريكية:

وصف العديد من المختصين في الشأن الإيراني الهجمات الإيرانية على القاعدتين الأمريكيتين العسكريتين بـ 10 صواريخ باليسيتة من طراز فاتح 313 (طالع الجدول رقم-1) بالعراق بعد خمسة أيام فقط على استهداف سليماني بـ «الرمزية والمحدودة» بالنظر إلى سرعة إعلان المسؤولين الإيرانيين، وقبل أن يتحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالانتهاء من الرد ووقف التصعيد، بغية الحفاظ على ماء الوجه داخليًا وخارجيًا، حيث سارع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ببث تغريدة له على حسابه في «تويتر» بإعلان انتهاء بلاده من الرد ووقف التصعيد، وأنها لا تريد حربًا بقوله إن «بلاده اتخذت إجراءات مناسبة للدفاع عن نفسها وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة عبر استهداف القاعدة التي انطلق منها الهجوم»، مؤكدًا أن «طهران لا تريد الحرب أو التصعيد لكنها ستدافع عن نفسها بوجه أي عدوان عليها»، فيما حذر رئيس هيئة أركان القوات المسلحة اللواء حسين باقري في بيان له الولايات المتحدة من العواقب المحتملة لرد أمريكي، وأشار المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي في تغريدة له على حسابه في «تويتر»: «نحن لا نسعى وراء الحرب لكن أي اعتداء آخر من أمريكا سيواجه برد أكثر إيلامًا».

الجدول رقم-1:ملامح الصاروخ الباليستي الإيراني فاتح 313

المصدر: إعداد وحدة الدراسات الإقليمية والدولية، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 8 يناير 2020، بالاعتماد على المصدر: جنگاوران: موشک های خوانواده فاتح، https://2u.pw/Op6wA

الرد الأمريكي بعد الهجمات الإيرانية يدفع هو الآخر للحديث عن ضربة إيرانية رمزية ومحدودة، حيث اكتفى الرئيس ترامب، المعهود عنه الردود السريعة والقوية، بعد تغريدة ظريف بتغريدة مقتضبة على حسابه في «تويتر»: «كل شيء على ما يرام»، كما لجأ ترامب أثناء خطابه الذي ألقاه من صالة الاستقبال الرسمية الرئيسية في البيت الأبيض، وليس من المكتب البيضاوي -الذي يُلقى منه تاريخيًا إعلانات الحروب والانتصارات الأمريكية- مساء يوم الهجمات الإيرانية إلى خفض التصعيد ضد إيران بعد ردها الرمزي والمحدود عارضًا السلام لمن يريد السلام، ملوحًا بالعودة إلى سيناريو تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران مع بحث الخيارات الأخرى (لن يحددها) بغية تعديل سلوك إيران الخارجي، مضيفًا «بالإمكان أن يكون لإيران مستقبل مشرق إذا اختارت وقف دعمها للإرهاب وخفض التصعيد والدخول في اتفاق نووي جديد».

وما بين تهديده بفرض عقوبات جديدة بقوله «بقتل سليماني أرسلنا رسالة قوية، مفادها أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران حتى تقوم بتغيير موقفها»، وترغيبه بقوله «السلام لمن يريد السلام وأن داعش هو العدو الأول لإيران، ويمكن العمل معنا في هذه الأولويات المشتركة»، ذكر ترامب أن بلاده أصبحت أكبر منتج للنفط والغاز في العالم وتمتلك أفضل قوة عسكرية عالمية لا تريد استخدامها، مؤكدًا أن «إيران حصلت على 150 مليار دولار بعد إبرام الاتفاق النووي، وبدلاً من توجيه الشكر لبلاده، كان الإيرانيون يصيحون الموت لأميركا وأشعلوا الاضطرابات في اليمن وسوريا ولبنان وأفغانستان والعراق، وقاموا بقتل 1500 شخص في المظاهرات التي عمت أنحاء إيران»، مستطردًا «سأطلب من حلف الناتو تعزيز دوره في منطقة الشرق الأوسط» في دلالة بالغة الأهمية على توجهات وأولويات دوائر السياسة الخارجية الأمريكية.

مؤشر آخر على رمزية الضربة يأتي من تأكيد الرئيس ترامب عدم مقتل أمريكي واحد في الهجمات الصاروخية الإيرانية على القواعد الأمريكية، رغم إعلان الإيرانيين مقتل نحو 80 جنديًا أمريكيًا بقوله إن «الهجمات الصاروخية الإيرانية لم تفض إلى أي خسائر في الأرواح الأميركية أو العراقية نتيجة عمل أنظمة التحذير المبكرة»، وذلك يعني أن طهران أدركت الخطوط الحمراء الأمريكية واستوعبت رسائل الردع الأمريكية القوية بعدم استهداف الجنود الأمريكيين، حيث اشتعلت نيران الصراع الأمريكي – الإيراني على خلفية مقتل متعاقد مدني أمريكي وإصابة آخرين أمريكيين وعراقيين في الهجمات الصاروخية للحشد الشعبي الموالي لإيران في العراق على القاعدة الأمريكية-العراقية K-1 بكركوك، الأمر الذي من شأنه خلق رأي عام أمريكي ضد السلوك الإيراني يمكن استثماره لتحقيق مكاسب في انتخابات الرئاسة 2020.

ثانيًا: دوافع الضربات الإيرانية للقواعد الأمريكية:

1-الحسابات الداخلية للنظام الإيراني: يدرك قادة النظام في إيران حجم التداعيات الداخلية على قوته حال استبعاده خيار الرد العسكري وإن كان محدودًا ضد الأهداف الأمريكية، وأن عدم الرد سيضعف النظام لدى أنصاره ومؤيديه في قلب الحواضن الشيعية للنظام الثيوقراطي، وكذلك تعزيز فرص جناح المتشددين مع توسيع دائرة المعارضين للنظام، فضلاً عن تنامي الضغوط الداخلية المتمثلة في اندلاع التظاهرات المطالبة بالانتقام لسليماني، ورفع الراية الحمراء التي تحمل شعار «يا لثارات الحسين» فوق قبة مسجد جمكران في مدينة قم، وترفع الراية الحمراء التي تشير إلى لون الدم عندما تسقط الدماء وتظل موجودة حتى يأخذ الثأر، وتشير إلى سخط الإيرانيين الشديد لمقتل سليماني، ووضوح الهدف بتبني الولايات المتحدة رسميًا استهداف سليماني و نائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهندي المهندس ورفاقهم، وجميعها شكلت أوراق ضغط للرد الإيراني.

المصدر: https://cutt.us/Rduup

2- تنفيذ التهديد والوعيد بالرد العسكري لتعزيز المصداقية: يدرك رموز النظام أن عدم تنفيذ سيل التهديد والوعيد بالرد العسكري سينال من مصداقيته، حيث كان العنوان الرئيسي لردود أفعال رموز النظام الإيراني على مختلف مستوياتهم الدينية والسياسية والعسكرية على استهداف سليماني «الرد والثأر قادم لا محالة»، إذ أعلن المرشد الإيراني على خامنئي يوم الأحد 03 يناير 2020 الحداد ثلاثة أيام، متوعدًا أثناء زيارته أسرة سليماني يوم الاثنين 04 يناير 2020 «بانتقام قاس من المسؤولين عن قتلة سليماني في الزمان والمكان المناسبين»، فيما تعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني أثناء زيارته أيضًا لأسرة سليماني «بالانتقام الشديد»، مضيفًا أن «الجميع سيثأر لسليماني»، ردًا على تساؤل ابنته «من سينتقم لوالدي».

وكذلك، كشف المجلس الأعلى للأمن القومي، كأعلى جهاز أمني في إيران، بعد اجتماعات له بحضور خامنئي وروحاني يوم الأحد 03 يناير 2020 «اتخاذه القرارات اللازمة للرد على الولايات المتحدة»، ويتفق مع ذلك، حديث قائد الحرس الثوري العميد حسين سلامي يوم الأربعاء 06 يناير 2020 بصدور الأوامر للرد بقوله «أقول بالخط العريض وبقول فصل، الأوامر صدرت، نحن نأخذ ثأرًا قويًا وحازمًا ومندمًا وحاسمًا وقاضيًا فلا مكان آمنٌ للولايات المتحدة في المنطقة»، وتصريح القائد العام للجيش اللواء عبد الرحيم موسوي «هذا الهجوم لن يبقي بلا رد أبدًا».

وبدوره، وصف وزير الخارجية محمد جواد ظريف الرسالة الأمريكية بأن لا يتجاوز الرد الإيراني مقتل سليماني، التي وصلتهم عبر السفير السويسري لدى طهران راعي المصالح الأمريكية بـ «الوقحة»، وكتب المساعد الخاص لرئيس البرلمان حسين أمير عبد اللهيان تغريدة على حسابه في «تويتر»: «سليماني ليس شهيد الـ 80 مليون إيراني فحسب، ولكنه شهيد 1.5 مليار مسلم في العالم». وتكشف هذه التصريحات ممزوجة بمشاهد تأثر القيادات أثناء الصلاة على جنازة سليماني، والصدمة على وجوه كبار المسؤولين والحشود المليونية الغفيرة أثناء تشييع جثمانه أن الرد أمرٌ ليس مفاجئًا.

ثالثًا: دوافع اختيار الإيرانيين الساحة العراقية للرد العسكري:

أولت إيران الساحة العراقية الأولوية لاعتبارات تتعلق بكون العراق خط الدفاع الأول الذي استهدفت واشنطن على أراضيه منسق ومنفذ المشروع الإيراني الإقليمي، وسهولة استهداف المصالح والقواعد الأمريكية المنتشرة في العراق (طالع الجدول رقم-2) سواء لقربه جغرافيًا غربي إيران أو من خلال الانتشار الميلشياوي العسكري الموالي لإيران واسع النطاق في ربوع الدولة العراقية، الذي يجعل من مسألة ضرب الأهداف الأمريكية أمرًا ممكنًا، فضلاً عن أهمية العراق في المدرك الاستراتيجي الإيراني كامتداد جغرافي غربي إيران وساحة نفوذ ورئة اقتصادية ومتنفس للتخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية، ومركزيته في الاستراتيجية الإيرانية وتركيبته المذهبية الاستراتيجية وأهميته الأمنية والعسكرية لمد النفوذ الإيراني غربي إيران ناحية الدول العربية بما يحقق في النهاية تنفيذ الممر الإيراني نحو البحر المتوسط، وتهريب ونقل السلاح لحزب الله والميلشيات المسلحة الموالية لإيران في سوريا وغيرها.

الجدول رقم-2: القواعد العسكرية الأمريكية في العراق

المصدر: إعداد وحدة الدراسات الإقليمية والدولية، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 8 يناير 2020.

رابعًا: العوامل المؤثرة على إيران لاختيار سيناريو الرد المحدود:

1-طبيعة نخبة النظام وسلّم أولوياته: إذ تتسم النخبة الحاكمة في إيران بالعقلانية والإدراك للفوارق الشاسعة بين حجم القدرات الشاملة الأمريكية والإيرانية، وتخشى الدخول في مغامرات غير محسوبة تنال من نظامها الحاكم في إيران منذ أكثر من 40 عامًا، حيث يعد الحفاظ على النظام الحاكم على قمة قائمة أولويات القيادة الإيرانية أكثر بكثير من الانتقام لمقتل قائد عسكري، وإن كان بوزن سليماني إذا ما قورن بأولوية النظام الحاكم وديمومته لتنفيذ المشاريع والمخططات الإيرانية في الداخل والخارج، وهو ما شكل قيدًا على تبني إيران لنهج غير محسوب تخشى من تأثيره على قوة ومكانة النظام الحاكم.

2-تصعيد مقابل تصعيد: يبدو أن إيران قدرت الاستهداف الأمريكي لسليماني بأنه «تصعيد مقابل تصعيد» وليس تحولاً في الموقف الأمريكي تجاه تحجيم نفوذها الإقليمي، ولذلك فضلت سيناريو المواجهات المحدودة دون إراقة مزيد من الدماء للقوات الأمريكية، وذلك على ضوء إدراكها للخطوط الحمراء الأمريكية، وحسابات إيران الدقيقة لحجم المخاطر المحتملة من الدخول في مواجهات شاملة على بقاء النظام ومكاسبة الإقليمية من مد نطاق النفوذ الذي كبدها خسائر مالية وبشرية هائلة تنتظر جني ثمارها بفارغ الصبر في ظل أوضاعها الاقتصادية الخانقة، والتكلفة الباهظة التي ستتحملها إيران حال اندلاع مواجهات مفتوحة مع دولة كبرى لا تضاهيها عسكريًا أو اقتصاديًا في أي منطقة بالعالم.

3-القدرات العسكرية الهائلة للولايات المتحدة: تدرك القيادة الإيرانية مدى امتلاك الولايات المتحدة قدرات عسكرية نوعية رادعة في جميع مناطق التماس مع إيران، تتمثل في انتشار عشرات القواعد العسكرية الأمريكية حول الدولة الإيرانية، والتفوق الساحق للبحرية الأمريكية في مواجهة البحرية الإيرانية، بما يجعل العديد من الأهداف الإيرانية في مرمى النيران الأمريكية، كما أن منصات النفط الايرانية في مياه الخليج تُعد هدفاً سهلاً لأسلحة الجو والبحرية الأمريكية، وانكشاف مقرات الميليشيات الشيعية في العراق أمام الضربات الأمريكية، وإجادتها فن التفاوض لتعظيم مكاسبها، حيث ذكر الرئيس ترامب «لم تفز إيران أبداً بحرب، لكنها لم تخسر التفاوض أبداً».

4-تكلفة سيناريو المواجهات الشاملة: على ضوء عامل التكلفة المادية والبشرية المطلوب للدخول في مواجهات مسلحة كارثية على مصالح جميع أطرافها في المنطقة في ظل الاقتصاد الإيراني المنهك بفعل العقوبات الاقتصادية، وإيلاء إيران الأولوية للحروب غير المتماثلة (حروب الجيل الرابع) عن الحروب التقليدية (حروب الجيل الأول)، وكذلك، خسارتها الفاعلين الأوربيين إلى جوارها بعد تحديها المجتمع الدولي بإعلانها المرحلة الخامسة من خفض الالتزامات النووية، فضلاً عن أنه يبدو من الخبرة الماضية أن إيران تفضل اللجوء إلى المواجهات المحدودة بحيث لا تتحمل تكلفة مباشرة.

خامسًا: السيناريوهات المستقبلية للصراع الأمريكي-الإيراني:

على ضوء المعطيات السابقة وطبيعة التصريحات الأمريكية-الإيرانية بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية على القواعد الأمريكية بالعراق ومواقف الأذرع الإيرانية في العراق وسوريا واليمن ولبنان، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا يدور حول وقف التصعيد العسكري الأمريكي الإيراني المباشر بأن يتوقف الجانبان الأمريكي والإيراني عن قصف الأهداف عسكريًا لكليهما، حيث أعلن ظريف على وجه السرعة «انتهينا من الرد»، وإشارته إلى السعي لوقف التصعيد أو اندلاع الحرب، ورد ترامب «كل شيئ على ما يرام» وتخفيضه مستوى التصعيد ضد إيران في خطابه بالبيت الأبيض.

ومن المرجح العودة إلى مرحلة ما قبل التصعيد التي أفضت إلى مقتل متعاقد مدني أمريكي، مع تشديد الولايات حصارها الخانق ضد النظام الإيراني بفرض عقوبات جديدة، كما توعد ترامب بتعديل سلوك النظام الإيراني خاصة في ظل إدراك طهران للخطوط الحمراء الأمريكية، إذ لم يقتل أمريكي واحد في الهجمات الصاروخية على القواعد الأمريكية مع خسائر مادية محدودة حسب الرواية الأمريكية، مع استمرارية إيران في «الحرب بالوكالة» بالضغط على وكلائها بشكل غير مباشر بغية إخراج القوات الأمريكية من الساحة العراقية، بتوظيفها موقف الوكلاء بالجهوزية للانتقام من مقتل سليماني، بالنظر إلى:

  • موقف الحوثيين: استعجال القيادي محمد على الحوثي إيران قبيل الهجمات على القواعد الأمريكية بالرد بقوله «الرد السريع والمباشر في القواعد المنتشرة هو الخيار والحل»، ويقصد هنا القواعد الأمريكية المنتشرة في العراق والخليج العربي، ويريد الحوثي، والذي بات لم يدخر جهدًا في تأكيد الطاعة للولي الفقيه، أن يقول لإيران مستعد للضغط من خلال أوراق متاحة لتهديد أمن الملاحة البحرية عند باب المندب بما يعيق إمدادات النفط وحركة التجارة.
  • موقف الحشد الشعبي: زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي-المصنف وعصائبه ضمن المنظمات الإرهابية أمريكيًا- توعد بتوجيه ضربة للقوات الأميركية لا تقل عن مستوى الرد الإيراني انتقاماً لمقتل نائب الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في الهجمات الأمريكية التي استهدفت سليماني في 3 يناير 2020، بقوله «الرد الإيراني الأولي على اغتيال سليماني حصل، الآن وقت الرد العراقي الأولي على اغتيال القائد الشهيد المهندس».
  • موقف حزب الله: أعلن الأمين العام للحزب حسن نصرالله في كلمة له يوم الأربعاء 06 يناير 2020، تعكس قوة العلاقة بين سليماني ونصرالله، ودور الجنرال في تطوير قدرات الحزب عسكريًا وميدانيًا، أن الرد سيستهدف الوجود الأمريكي في المنطقة، في إشارة إلى أن مسألة إخراج القوات الأمريكية من العراق ستكون الأولوية الأولى للأذرع الإيرانية في قادم الأيام.

ففي اعتراف رسمي نادر وخطير للغاية في آن واحد على تبعية الميليشيات المسلحة لإيران بشكل رسمي ومباشر يجب دون أدنى شك اعتبار الحشد الشعبي حالة عراقية، والحوثيين حالة يمنية، وحزب الله حالة لبنانية، والميليشيات السورية حالة سورية، فجميعهم باتوا بهذا المظهر ميليشيات إيرانية رسمية، تحدث قائد القوة الجو فضائية بالحرس الثوري الإيراني العميد أمير علي حاجي زاده خلال مؤتمر صحفي يوم السبت 09 يناير 2020 عن تتابعات ضرب بلاده القواعد الأمريكية بالعراق، متفاخرًا وخلفه 9 أعلام  6 منهم للميليشيات المسلحة في الدول العربية بالترتيب، إضافة إلى ثلاثة أعلام إيرانية (علم سلاح الجو، علم القوة الصاروخية، علم إيران)، وذلك على النحو التالي:

  1.  ميليشيا زينبيون الشيعية الباكستانية في سوريا.
  2. ميليشيا فاطميون الشيعية الأفغانية في سوريا.
  3. حركة حماس الفلسطينية.
  4. الحشد الشعبي العراقي.
  5. حركة أنصار الله باليمن (الحوثيين).
  6. حزب الله اللبناني.

وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها قائد بالحرس الثوري وخلفة أعلام ما يسمونه إيرانيًا بـ «محور المقاومة»، ففي السابق، كان قادة الحرس الثوري يتحدثون وخلفهم فقط أعلام الحرس الثوري وإيران، وهذا مؤشر على أنها ميليشيات إيرانية وليست عراقية أو يمنية أو لبنانية أو سورية، وبذلك المظهر يصبح التساؤل كيف يمكن أن يكون الحشد الشعبي تابعًا للجيش العراقي ولذراعه السياسي برلمانيون ووزراء في الحكومة العراقية، وهو ميليشيا إيرانية بهذا المظهر هل تعمل لصالح العراق أم لإيران؟ وكيف يكون لحزب الله أعضاء بالحكومة اللبنانية وأعضاء برلمانيون، وهو يعمل لصالح إيران؟ وماذا عن حركة حماس التي تعتبر نفسها حركة مقاومة وليست وكيلًا إيرانيًا؟

وتريد إيران بهذا المظهر بث رسالة للخارج والداخل تؤكد أطماعها التوسعية تقول فيها بأنها شريك رئيسي في اتخاذ وصناعة القرارات في هذه الدول، وأن دورها يتجاوز بكثير ما نتحدث عنه من تقديم الدعم المالي والسياسي والعسكري، وكشفت عن الدور الحقيقي لتلك الميليشيات بأنها تعمل لصالح إيران لا لصالح الدول القاطنة فيها، ومن زاوية أخرى هذا المظهر يضر إيران أكثر مما يفيدها، إذ باتت أي أعمال تقوم بها هذه الميليشيات تنسب لإيران مباشرة باعترافها بتبعيتها لها، كما أنه من المتوقع تصنيفها جميعًا ضمن التنظيمات الإرهابية بكونها ميليشيات إيرانية تمارس أعمالًا خارج الحدود الإيرانية.

الخلاصة

رغم أن التصريحات الأمريكية والإيرانية تشير إلى انتهاء مرحة التصعيد العسكري على الساحة العراقية، وعدم رغبة الطرفين في اندلاع مواجهات مسلحة كارثية على مصالح الجميع بالمنطقة، والعودة من جديد إلى سيناريو ما قبل مقتل المتعاقد المدني الأمريكي، حيث استمرارية العقوبات المشددة مع استمرارية رفض إيران للدخول في المفاوضات دون إنهاء العقوبات، غير أن احتمالية تجدد التصعيد بين الجانبين الأمريكي – والإيراني من جديد تظل أمرًا واردًا في أي لحظة، نظرًا لعدم معالجة جذور الصراع الأمريكي-الإيراني تجاه تعديل الاتفاق النووي، والحد من الصواريخ الباليستية، وتحجيم نفوذ إيران الإقليمي، ورغبة الميليشيات في الرد باستهداف القوات الأمريكية.

إيران هنا الخاسرة بكل المقاييس، ولم تجن ممثلة بوكلائها الإقليميين في العراق أي مكاسب استراتيجية خارجية من وراء تصعيدها ضد القوات الأمريكية بالعراق، باستثناء ضرب الحراك الاحتجاجي العراقي المعادي للنفوذ الإيراني في العراق، والمطالب بعودة العراق إلى محيطة العربي، لكونها تجاوزت الخطوط الحمراء الأمريكية، ما أدى إلى دخول المنطقة إلى مرحلة لطالما حذَّرت بعض دول المنطقة من تداعياتها الكارثية على أمن واستقرار المنطقة، فالمواجهات المسلحة ليست في صالح كافة الأطراف، وإنما الجلوس على مائدة المفاوضات الخيار الأنجع لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الإيرانية بشكل دبلوماسي؛ خاصة كما يقول الرئيس ترامب «إيران لن تكسب الحرب وإنما لم تخسر المفاوضات أبدًا».

وحتى محاولات النظام الإيراني لتوظيف مقتل سليماني في كسب المزيد من الدعم الشعبي والرضا الجماهيري والاصطفاف خلف النظام بائت بالفشل، وخسر النظام التعاطف الشعبي الذي حظي به بعد مقتل سليماني، وذلك على خلفية تراجعه واعترافه بالوقوف وراء إسقاط الطائرة الأوكرانية التي كانت تقل 176 راكبًا، وكان من بين الضحايا 82 إيرانيًا، و63 كنديًا، و11 أوكرانيًا من بينهم تسعة هم أفراد الطاقم، و10 سويديين، وأربعة أفغان، وثلاثة بريطانيين، وثلاثة ألمان، بحسب ما قاله وزير الخارجية الأوكراني، فاديم بريستايكو، وقد أصيبت الطائرة بصاروخ بعد دقائق من إقلاعها من ميناء الخميني، وبناءً على ذلك انطلقت تظاهرات شعبية وطلابية من جديد في طهران وأصفهان يوم السبت 11 يناير 2019 تطالب برحيل المرشد علي خامنئي، وكف يد الحرس الثوري عن الحكم في البلاد، مرددين هتافات «الموت للديكتاتور» في إشارة إلى خامنئي، «خامنئي قاتل.. ولايته باطلة».

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير