تتداول وكالات الأنباء يوميًا أخبارًا عن إرسال تركيا لمقاتلين سوريين من الجيش السوري الحر والميليشيات التركمانية العراقية في طائراتٍ عسكرية إلى مطار العاصمة الليبية طرابلس حيث يستقبلهم فريقٌ خاصٌ مِن الضباط الأتراك المكلفين بالعمل مع المقاتلين السوريين والليبيين دعمًا لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس التي يترأسها فائز السراج، إذ أكدَّ مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسّان سلامة وصول مقاتلين أجانب إلى ليبيا في مقابلةٍ أجراها الشهر الماضي مع رويترز حين قال «أستطيع أنْ أؤكّد وصول مقاتلين من سوريا» مقدرًا عددهم بألفي مقاتل تقريبًا.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنَّ تركيا تواصل نقل المقاتلين السوريين إلى ليبيا، إذ أفاد بأنّ 1750 مرتزقًا سوريًا وصلوا إلى العاصمة الليبية وبأنَّ «عدد المجندين الذي وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 1500 مجندٍ وسط استمرار عمليات التجنيد بشكلٍ كبير سواءً في عفرين أو مناطق درع الفرات».
كما انتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيه أربعة مقاتلين يتحدثون باللهجة السورية في إحدى الشقق وتتوسطهم بندقية كلاشينكوف وبحوزة أحدهم الكثير مِن المال، إذ كان يَعُد راتبه الذي تقاضاه بالدينار الليبي والدولار الأمريكي وقيل إنّهم عناصر في فصيل «فيلق الرحمن» الموالي لتركيا.
أمّا مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» فصوّرت طبيعة الحياة التي يعيشها المرتزقة السوريون في ليبيا في تقريرٍ أعدّه الصحافي فردريك ويهري، إذ التقى بعدد من المقاتلين السوريين هناك وقائدهم المدعو أحمد الضراط، وقال ويهري إنّه في بداية المقابلات وبينما على بعد 150 قدمًا فقط مِن الصف الأمامي اقترب منه مقاتلٌ طويل القامة ثُمّ عاد أدراجه فجأة، يقول ويهري «أغطي-منذ سنوات-النزاعات الليبية ولاحظتُ تفاصيل بسيطة ولافتة للنظر في مظهر ذلك المقاتل، إذ كان يعصب رأسه بقطعة قماشٍ ويرتدي سترةً خضراء ويُطل بهيئةٍ عسكرية، وقد أكّد القائد الليبي-الذي كنت معه-ظنوني حين قال مبتسمًا «ليس ليبيًّا». ويُورد التقرير نقلًا عن أحمد الضراط قوله: «أنتمي إلى الجيش التركي.. لدينا جميعًا بيوت في إسطنبول وغازي عينتاب».
كما أفادت «سكاي نيوز عربية» الأسبوع الماضي أنَّ حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول رصدت قبالة السواحل الليبية فرقاطةً تركية ترافق سفينةً تقِلّ مركبات مدرعة كانت متجهة إلى طرابلس.
إنّ تفاصيل إرسال أنقرة لقواتٍ تركية ومقاتلين سوريين إلى ليبيا تُعيد إلى الأذهان تجربة إيران في سوريا وتعاطيها الإعلاميّ والسياسيّ مع هذه القضية، إذ نفى النظام الإيراني -في بداية تدخّله في الأزمة السورية -جميع التقارير الإعلامية التي أفادت بأنّ حرسه الثوري نشر عناصر وميليشيات في سوريا، ثُم اعترفت إيران بوجودها العسكريّ هناك إلّا أنّها ادّعت اقتصار ذلك الوجود على تقديم المشورة العسكريَّة لقوات بشار الأسد دون المشاركة في القتال.
ومع ازدياد قتلى عناصر الحرس الثوري الإيراني وكبار قادته مثل اللواء حسين همداني في سوريا لم يسَع إيران سوى الادعاء بأنَّ الهدف مِن وجود الحرس الثوري في سوريا والميليشيات الموالية لإيران هو الدفاع عن الأضرحة الشيعية مثل مرقد السيدة زينب وغيرها في دمشق بالرغم من انتشار المقاتلين في جميع أنحاء سوريا.
كما أنَّ القاسم المشترك الأكبر بين إيران وتركيا هو استخدامهما لأشخاصٍ يقاتلون في سبيل مصلحةٍ شخصيَّةٍ بحتة، إذ نشر النظام الإيراني مقاتلين عراقيين وباكستانيين وأفغان وجنّد اللاجئين الأفغان في إيران للقتال في سوريا -بأساليب التهديد أحيانًا-مقابل منحهم مكافآتٍ شهرية بقيمة 500 دولار أمريكي ووعودٍ بمنحهم وأُسرهم أوراق الإقامة الدائمة في إيران وقبول طلبات إلحاق أبنائهم بالمدارس الإيرانية التي رُفضت سابقًا لعدم امتلاكهم تصاريح الإقامة.
وقد تولى ذراع الحرس الثوري الإيراني في الخارج «فيلق القدس» بقيادة قاسم سليماني سابقًا عمليات تجنيد المقاتلين وتدريبهم ونشرهم في سوريا، إذ أشرف الحرس الثوري على تلقيهم دوراتٍ تدريبيةٍ عسكريةٍ مدتها ثلاثة أشهر في معكسراته شمال ووسط إيران ثُم نقلهم إلى سوريا على متن طائراتٍ حربيّة أو مدنيّة تابعة لشركة «ماهان» التي يملكها.
وعلى الرغم مِن نشر النظام الإيراني لمقاتلين باكستانيين وأفغان (لوائيّيْ زينبيون وفاطميون) ومقاتلين من حزب الله اللبناني وعديدٍ من الجماعات الوكيلة العراقية منها كتائب حزب الله العراقي ولواء أبو الفضل العباس إلا أنّ التدخل العسكري الروسي في الصراع السوري هو مَن قلب موازين القوى على الأرض لصالح النظام السوري بفضل الغارات الجوية الروسية.
وربما تكون التجربة السورية مقياسًا لما ستؤول إليه الأمور بالنسبة للمقاتلين الأتراك في ليبيا سواءً في ظل وجود دعمٍ جويٍ لقواتها -وهذا خيارٌ مكلف جدًا على الأرجح-أو عدمه.
وثَمَّة وجه شبهٍ آخر بين دوافع المقاتلين الإيرانيين في سوريا والمقاتلين الأتراك في ليبيا يتمثل في أطماع عديدٍ من المقاتلين الأتراك في تحويل وجودهم هناك إلى فرصة للوصول إلى أوروبا، إذ كشف عددٌ مِن وكالات الأنباء والمحطات التليفزيونية الغربية الناطقة بالفارسية عن فرار مواطنين أفغان من ساحات القتال السورية إلى أوروبا الشرقية بعد انضمامهم إلى قوافل اللاجئين السوريين في سلسلةٍ مِن المقابلات التي أُجرَيت معهم، كما تفيد تقارير إعلامية أنّ عديدًا من المقاتلين السوريين الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا قد فروا أيضًا إلى دول أوروبا عامةً وإيطاليا خاصة، إذ ذكر تقريرٌ أن 17 مرتزقًا سوريًا نجحوا في الوصول إلى البر الإيطالي على متن قوارب أبحرت من موانئ تخضع لسيطرة حكومة السراج في العاصمة الليبية طرابلس، وتفيد تقاريرٌ أخرى أن عديدًا من المقاتلين الذين فروّا من القتال في ليبيا في طريقهم إلى أوروبا.
وقد أرسل النظام الإيراني المقاتلين إلى سوريا بعد حشو عقولهم عقائديًا، ويتجلى ذلك في الشعارات الطائفية التي تحملها الشرائط الحمراء المعصوبة حول رؤوسهم، فيما تزعم طهران أنَّ هؤلاء المقاتلين يؤدون واجبًا دينيًا وأنهم تطوّعوا للقتال في صفوف الجيش الإيراني.
وبالمثل فإنَّ تركيا تسعى لتطبيق النموذج الإيراني وتتعلم مِن أستاذتها إيران تلقين مقاتليها الذين أرسلتهم إلى ليبيا أيديولوجيةً يُقال إنها تقوم على أنقاض الإمبراطورية العثمانية والرغبة في إحيائها، إذ يرتدي المقاتلون الموالون لتركيا شرائط مشابهة لشرائط المقاتلين الإيرانيين، إذ قال أحد قياديي الجيش الوطني السوري «أحمد الشهابي» الموالي لتركيا في مقابلةٍ أجرتها معه قناة «آكيت» التركية الشهر الماضي «إنَّ مقاتلينا سيذهبون إلى أيّ مكانٍ يوجد فيه جهاد، وسنضحي بحياتنا وأطفالنا مِن أجل الخلافة العثمانية».
وختامًا، فإنَّ إيران وتركيا على السواء تستخدمان المقاتلين العرب لقتل إخوانهم العرب في سوريا وليبيا والعراق واليمن وغيرها من بؤر الصراع في سبيل تنفيذ مشاريعهم التي تخدم أهدافهم القومية.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد