خلُصت الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية إلى أنّ إيران تنتهكُ خطَّة العمل الشاملة المشتركة مع استمرار زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصَّب، ولم يعُد تقييم مختلف الجهات ذات العلاقة والمجتمع الإستراتيجي مجرَّد تخمين، إذ أشارت الوكالة في 29 مايو 2020م إلى أنّ مخزونَ إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب يزن 1571.6 كلغم، مسجِّلًا بذلك زيادةً قدرها 550.7 كلغم عن مخزونها حتّى 19 فبراير 2020م. بينما تحدُّ خطَّة العمل الشاملة المشتركة من مجموعِ كمِّية اليورانيوم منخفض التخصيب الإيراني المسموح به إلى 202.8 كلغم.
إلى جانب ذلك، ارتكبت طهران عمدًا انتهاكًا للحدّ الأدنى النوعي أيضًا بتخصيب اليورانيوم إلى 4.5%، مقارنةً بــــ 3.67% المسموح بها.
وألقت حكومة روحاني اللومَ على الولايات المتّحدة، بسبب تعليقِ خطَّة العمل الشاملة المشتركة في مايو 2018م، وإرغامها على ارتكاب انتهاكاتٍ تدريجية مدروسة للمساومة لأجل إزالة العقوبات الأمريكية الشاملة.
ولن تستطيع إيران بأيّ حال إنتاج سلاحٍ نووي بنسبة اليورانيوم منخفض التخصيب البالغ 4.5%، ما لم يتمّ تخصيبُه بنسبة 90%. ومع ذلك، فإنّ هذه المعلومات جاءت بناءً على الموقف الرسمي لإيران، وهناك مواقع تخصيبٍ سرِّية لم يُبلَّغ عنها، تُمكِّن طهران من المُضي قُدُمًا في إنتاج المواد الضرورية لتحقيق طموحاتها النووية.
واستأنفت الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية في مارس التحقيقَ في تِلك المواقع الإيرانية، التي لم تُدرَج في الاتفاق النووي لعام 2015م، وأبلغت الوكالة عن اكتشاف جزيئات يورانيوم من صُنع الإنسان في توركوز آباد جنوب طهران، وهي منشأةٌ سرِّية خُصِّصت لتخزين اليورانيوم المخصَّب.
و أعلنت طهران بشكلٍ لا لبسَ فيه في يناير الماضي أنّها ستتجاهل جميع القيود، التي تفرضها خطَّة العمل الشاملة المشتركة على أنشطة التخصيب. ومع ذلك، اختارت الاستمرارَ في التعاون مع برنامج وكالة الطاقة الذرِّية؛ لتعزيز إجراءات التحقُّق والمتابعة.
وفي حين تتابعُ جميع دول العالم أعمالها عن بُعد من جرّاء جائحة كورونا، لم تفرض إيران حظر الدخول إلى أراضيها، وهي من أكثر الدول تضرُّرًا من الوباء، وبذلك تمكَّن مفتِّشو الوكالة من السفر إلى طهران وإجراء التحقيق والعودة إلى بلادهم.
وأصدر المدير العام الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرِّية رافائيل غروسي تقريرين في 3 مارس 2020، ذكر أحدُهما أنّ إيران لم تمتثل لمطالبات الوكالة بالحصول على معلوماتٍ وتفتيش المواقع، التي أجرت فيها إيران أنشطتها النووية غير المُعلَنة منذ 20 عامًا.
وقامت إيران بالردِّ على الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية برفضٍ حازم لمصادر هذه المعلومات، التي ترى أنّ إسرائيل لفَّقتها، وقد صرَّحت طهران مرارًا وتكرارًا، أنّه لا توجد معلوماتٌ موثوقة تُدينها بامتلاك مِثل هذه المرافق السرية.
ومع تزايد الضغط على المنشآت السرِّية التي لم تكُن مُدرَجةً في الاتفاق لكنّها ما زالت موضعَ اشتباه، ما تزال إيران تمنعُ وصولَ الوكالة عبر الإنترنت إلى شاشات التخصيب غير المراقبة داخل المواقع النووية، التي تُستخدَم لتسجيل بيانات القياس، ووفقًا لآخر تقريرٍ لتطبيق الضمانات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية، فقد كان لدى إيران 1563 كاميرا متّصلة بـ 940 نظامًا، تعمل أو جاهزة للاستخدام في 277 منشأةً؛ وهناك من يرى أنّ إيران يُمكنها أن تتذرَّع بجائحة فيروس كورونا؛ لمنع الزوّار الأجانب من دخول أراضيها، بما في ذلك مفتِّشو الوكالة. وقد خلُصت الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية في تقريرها الأخير إلى ثلاث نتائج محدَّدة ودامِغة:
1. اُستخدمَ اليورانيوم المُخصَّب في أنشطةٍ معيَّنة وفي موقعٍ غير محدَّد، حيث عثرت الوكالة على جزيئات اليورانيوم.
2. اِستخدَمت إيران أو خزَّنت مواد نووية و/أو نفَّذت أنشطةً ذات صلةٍ بالمجال النووي.. في موقعٍ حدَّدته الوكالة.
3. اِستخدَمت إيران أو خزَّنت مواد نووية في موقعٍ آخر حدَّدته الوكالة.. حيث لاحظت الوكالة بعض الأنشطة من أوائل يوليو 2019م وما بعده، والتي كانت تتناسب مع الجهودِ المبذولة لتعقيم جزءٍ من الموقع.
و ردَّت إيران على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية، بالإشارةِ إلى نصِّ خطَّة العمل الشاملة المشتركة: «لن تعترفَ جمهورية إيران الإسلامية بأيّ ادّعاءٍ بشأن الأنشطة السابقة، ولا تعتبرُ نفسها مُلزَمةً بالردِّ على مِثل هذه المزاعم».
و يهدفُ تحدِّي طهران لخطَّة العمل الشاملة المشتركة إلى الوقيعةِ بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، مع دعمٍ كاملٍ من الصين وروسيا، وبعدما أصبحت عضويتها في الاتفاق النووي محلّ جدل، أصبحَ اتفاق واشنطن مع الدول الأوروبية الثلاث المعروفة بـــ E-3 (المملكة المتّحدة وألمانيا وفرنسا)، مهمًّا للغاية؛ لمنع إيران من امتلاك أسلحةٍ دفاعية، وممّا يزيد الطين بلّةً، إطلاقُ إيران لقمرها الصناعي «نور -1» في أبريل الماضي، إذ زاد من المخاوف بشأن القُدرات التقنية والطموحات الإيرانية، وقبل الالتزام بالجدول الزمني لخطّة العمل الشاملة المشتركة لرفع حظر الأسلحة، الذي تفرضُه الأُمم المتّحدة في أكتوبر 2020م، سيتعيَّن على مجلس الأمن مراجعةُ تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية.
وعلى الرغم من التحقيق في مصنع توركوز آباد، فإنّ تقارير الوكالة حول امتثال إيران للتخصيب أو عدمه ستُحدِّد القرار النهائي. لكن التحدِّي المطروح الآن، هو ذريعتها حول مخزونات اليورانيوم منخفضِ التخصيب.
وترى حكومة حسن روحاني أنّ واشنطن لم تعُد طرفًا في الاتفاق النووي، وبالتالي ليس لديها الحقُّ في التذرُّع بشرط العودة إلى الوضع السابق ما قبل 2015م، حتّى لا يُعاد فرض العقوبات الأُممية على طهران. وهناك إجماعٌ من الحزبين داخل الهيئات التشريعية الأمريكية، على تمديدِ حظرِ الأسلحة إلى ما بعد أكتوبر. وعلى أرض الواقع، لم تقُم أيٌّ من إيران والصين وروسيا، بأيّ إجراءٍ مضاد لحذف الولايات المتّحدة من قائمة أعضاءِ خطَّة العمل الشاملة المشتركة.
و يُشكِّل الخلاف بين تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية وموقف سياسة إيران الحالي تحدِّيًا دبلوماسيًا خطيرًا، ومن المُثير للسخرية أنّ الخلاف المذكور يأتي في وقتٍ تمُّر الولايات المتّحدة فيه بخِضمّ الانتخابات الرئاسية. وحتّى لو اتّفق جميع الأعضاء الخمسة الباقون في خطَّة العمل الشاملة المشتركة على إجماعٍ يُثبِّط مساعيَ الولايات المتحدة الرامية لعودة العقوبات الأُممية السابقة، لن تتراجع واشنطن، ومن المُحتمَل أن تنضمّ المملكة المتّحدة إلى جانب الولايات المتحدة، وتعترضَ على الرفع الكلِّي أو الجزئي لحظر الأسلحة، وبموجب الاتفاق النووي، لا يملك أيٌّ من الأعضاء حقَّ النقض ضدَّ إعادة فرض العقوبات الأُممية، بموجب القرار 2231.
ولن تنسحبَ إيران من خطَّة العمل الشاملة المشتركة؛ بسبب العقوبات التي قد يُعيد فَرضها مجلسُ الأمن فحسب، وإنّما ستُهدِّد أيضًا بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وبالفعل، وكما ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية فإنّ إيران تمتلكُ مخزوناتٍ لليورانيوم المنخفض التخصيب، تزيد خمسة أضعافٍ عن الحدِّ المُقرَّر، وسيكون انعدام الثقةِ بين إيران والغرب على أعلى مستوياته، وربّما يكون هناك أملٌ ضئيل لمفاوضاتٍ فعَّالة تُحقِّق نتائج عملية.
ومع اتّخاذ الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية إجراءاتٍ استباقية قَبل مُنعطف شهر أكتوبر المقبل، سوف يتعيَّن على الدولِ الأوروبية الثلاث وروسيا والصين تعديلَ سياساتها.
ومع ذلك، ستسمرُّ إيران بلعب دورِ الضحية، بينما تنتهكُ بنود خطة العمل الشاملة المشتركة. وحتّى الآن، ما زالت إيران تُراهن على شركائها الغربيين، على الرغم من احتماليةِ عودتها إلى المربَّع الأوّل ما قبل 2015م.
ويجبُ على الصقور في الولايات المتحدة أيضًا أن يُقدِّروا عواقبَ تمديد رفع الحظر على مشتريات الأسلحة التقليدية الإيرانية، على الرغم من أنّها لن تُغيِّر ميزان القوى بشكلٍ ملموس، إلّا أنّ تمديد الحظر سيعتبرُ انتصارًا لإيران، وهزيمةً لإدارة الرئيس دونالد ترامب في خِضم الانتخابات الرئاسية.
و من المُحتمل أن تتوصَّل الأطراف إلى تسوية، ألا وهي تمديدُ حظر الأسلحة لمدَّة عام، وعودة الولايات المتّحدة كدولةٍ عضوٍ في خطَّة العمل الشاملة المشتركة، مقابلَ إلغاء العقوبات من جانبٍ واحد، والتزامُ إيران ببنود الاتفاق المتعلِّقة بالتخصيب وتسليم اليورانيوم المنخفض التخصيب والمياه الثقيلة إلى روسيا أو الصين، أو إحدى الدول الأوروبية الثلاث، ضمن إطارٍ زمني متّفقٍ عليه من الجميع، وفي الوقت نفسه، يمكن تجميدُ آلية تسوية النزاعات أيضًا، ويمكن أن يكون هذا الحلّ الوسط بمثابة مقدِّمةٍ لحلٍّ طويلِ الأمد، لا سيما إذا خسر ترامب السباقَ إلى البيت الأبيض.