دلالات توقيت استهداف الحوثي للمدن السعودية

https://rasanah-iiis.org/?p=21320

أعلن تحالُف دعم الشرعية في اليمن في 23 يونيو 2020 أنّ الميليشيات الحوثية أطلقت عددًا من الطائرات المفخَّخة دون طيّار، والصواريخ البالستية، باتّجاه التجمُّعات المدنية في السعودية، وتمّ التصدِّي لها وتدميرها. وقد جاء في تصريح المتحدِّث الرسمي باسم قوّات تحالُف دعم الشرعية في اليمن أنّ قوات التحالُف المشتركة تمكَّنت من اعتراض وتدمير 8 طائرات دون طيّار (مفخَّخة) و3 صواريخ بالستية أطلقتها الميليشيات الحوثية باتّجاه المملكة، استهدفت المدنيين والأعيان المدنيَّة، مُبيِّنًا أنّ هذا الاعتداء الآثم هو امتداد للمحاولات العدائية والإرهابية المستمرَّة، التي كان آخرها مساء 22 يونيو وفجر 23 يونيو.

جاء ذلك في الوقت الذي تسعى فيه المملكة العربية السعودية إلى محاولة وقف التصعيد بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، في ضوء التطوُّرات الأخيرة في المحافظات الجنوبية، والخلاف حول آليات تنفيذ اتفاق الرياض بين الجانبين. وكان المتحدِّث الرسمي باسم قوات التحالُف قد صرّح بتاريخ 23 يونيو بأنّه في ضوء التطوُّرات الأخيرة في جزيرة سقطرى ومحافظة أبين، قد رحَّب التحالُف باستجابة كلٍّ من الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي لطلبه وقف إطلاق النار الشامل، للمُضيّ قُدُمًا في تنفيذ اتفاق الرياض، وعودة اللجان والفرق السياسية والعسكرية للعمل على تنفيذه وبشكل عاجل، مؤكِّدًا أنّ التحالُف يقف دائمًا إلى جانب اليمن وشعبه الشقيق، لاستعادة دولته وأمنه واستقراره وسلامة ووحدة أراضيه.

ولم تكُن هذه الهجمات الأُولى من نوعها من قِبل الميليشيات الحوثية على أراضي المملكة، فقد سبق أن استهدفتها بأكثر من 330 صاروخًا بالستيًّا، اعترضتها جميعًا قوّات الدفاع الجوي السعودي. ومن أبرز الاستهدافات التي قامت بها الميليشيا الحوثية إطلاق صواريخ على منطقة مكّة المكرمة، ومدينة الرياض، والمناطق المأهولة بالسُّكّان في مناطق نجران وعسير وجازان.

وبالنسبة إلى دلالات موقف الحوثيين من اتفاق الرياض، فقد توصَّلت الحكومة اليمنية -بوساطة سعودية-إلى اتفاق مع المجلس الانتقالي الجنوبي لإنهاء الخلاف بينهما، بسبب نزعة الحراك الجنوبي إلى محاولة السيطرة عسكريًّا وأمنيًّا على مناطق جنوب اليمن وإدارتها ذاتيًّا، خصوصًا مدينة عدن. هذا الاتفاق ينُصّ على أن تنسحب القوّات الحكومية وكذلك مقاتلو المجلس الانتقالي الجنوبي من منطقة مدينة عدن الساحلية، التي تُعتبَر حاليًّا المقرَّ المؤقَّت للحكومة اليمنية، والتي استولى عليها المجلس الانتقالي الجنوبي، كما امتدّ النزاع العسكري بين الطرفين لعدَّة مُدن جنوبية أخرى، على أن تُنشَر قوّات سعودية في عدن لضمان السلام والأمن في مدينة عدن.

وشمل الاتفاق الذي وُقِّع في الرياض بتاريخ 5 نوفمبر 2019، بحضور الجانب الإماراتي، ترتيبات تتعلَّق بتشكيل حكومة كفاءات تتألَّف من 24 وزيرًا، يُعيِّن الرئيس أعضاءَها بالتشاوُر مع رئيس الوزراء والمكوِّنات السياسية، على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية، كما اتُّفِق على توحيد الرؤى حول الترتيبات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية، ومشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في وفد الحكومة لمشاورات الحلّ السياسي النهائي.

وقد رحَّبت الأمم المتحدة وواشنطن وعدد من الدول العربية والمنظَّمات بهذا الاتفاق، كخطوة مهمَّة في طريق تسوية الخلاف الدائر في اليمن، إذ قال مبعوث الأمم المتحدة الخاصّ إلى اليمن، مارتن غريفيث إنّ «توقيع الاتفاق يمثِّل خطوة مهمَّة في الجهود الجماعية الرامية إلى التوصُّل إلى تسوية سلمية للنزاع في اليمن».

ومِن طرفهم، رفض الحوثيون الاتفاق، مشيرين إلى أنّه لا يَعنيهم في شيء. وللتعبير عن رغبتهم في إفشال أيّ اتفاق يسعى إلى توحيد الجبهة اليمنية، نفَّذوا مباشرةً استهدافًا صاروخيًّا لمواقع قوّات العمالقة اليمنية في الساحل الغربي، وميناء المخا، وقُتل على أثر ذلك 7 جنود من قوّات العمالقة، وجُرِح آخرون. ويعزو بعض المحلِّلين ذلك إلى رفض الحوثيين المدعومين من إيران للاتفاق، الذي وُقِّع في العاصمة السعودية الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية.

وبالنسبة إلى دلالات الأهداف الحوثية من الهجوم الأخير، يمكن مناقشة دوافع الحوثيين للقيام بهذا الهجوم المكثَّف، في إطار هذه المساعي: أوّلًا، لإفشال نجاح اتفاق الرياض، إذ تنشط المملكة في سبيل توحيد صفوف اليمنيين من خلال تنشيط تفاهُمات اتفاق الرياض، ومتابعة سير تنفيذ بنود الاتفاق. وترى الحركة الحوثية أنّ هذا الاتفاق لا يصُبّ في مصلحتها، ويستهدف بقاءَها، ولذلك تسعى إلى إرسال رسائل بأنّ أيّ حلّ لا يشملها سيُقابَل بتصعيد مِن قِبلهم.

وثانيًا، لتخفيف الضغط عن إيران، إذ تمُرّ إيران بظروف غير مسبوقة من الضغوط الدولية بشأن برنامجها النووي، وتهديد الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية بإعادة ملفّ الاتفاق النووي (أو ما يُسمَّى بخطّة JCPOA) بين إيران ودول 5+1، إلى مجلس الأمن وتطبيق آلية فضّ النزاع في الاتفاق النووي، التي قد تُفضي إلى إعادة فرض العقوبات على إيران، التي كانت مفروضة قبل الاتفاق النووي، وذلك لقيام إيران بأنشطة نووية مخالفة للاتفاق النووي. كما أنّ قانون قيصر الذي طُبِّق ضدّ النظام السوري سيكون له تداعيات سلبية على النظام الإيراني، وحرمانه من الاستفادة من استثماراته في سوريا. لذلك تسعى ميليشيا الحوثي، وهي إحدى الأذرُع الإيرانية، إلى فتح جبهة مشاغلة جديدة لمحاولة صرف النظر عن التركيز على إيران، ورُبّما جرى ذلك بإيعاز من طهران للضغط على المملكة، التي تعتقد إيران بأنّ لها دورًا مهمًّا في اتّخاذ الولايات المتحدة سياسات متشدِّدة تجاهها.

وثالثًا، امتلاك قوّة تفاوضية، فهناك مساعٍ من أطراف فاعلة تجاه الملفّ اليمني تقدِّم مقترحات لإنهاء الأزمة المستمرّة في اليمن، وفي هذا الشأن ترغب الميليشيات في حال الدخول في أيّ مفاوضات أن تكون في موقع تفاوُضيّ جيِّد، يحقِّق لها مكاسب أمام أنصارها، ويحقق أيضًا مكاسب لإيران، فاستمرار الحرب في اليمن يخدم مصالح إيران. وقد صرَّح قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال فرانك ماكنزي، بتاريخ 19 يونيو 2020، بأنّ «المملكة العربية السعودية تسعى بصدق للوصول إلى نهاية متّفَق عليها للنزاع القائم في اليمن، ولسوء الحظ يوجد طرف ثالث في هذه المفاوضات، وهذا الطرف هو إيران. لا مصلحة لإيران في انتهاء هذه الحرب، وأعتقد أنّ السعودية الآن في موقع يرغبون فيه، فهُم على استعداد للتفاوُض، وأعتقد أنّهم يتفاوضون بحُسن نية، في محاولة لتحقيق هذه الغاية».

ورابعًا، ازدياد الضغط على الحوثيين، فمن خلال الدعم الذي تقدِّمه قوّات التحالُف للحكومة اليمنية، توفَّرت للحكومة الشرعية إمكانات تستطيع من خلاها ترجيح كفّتها وبسط نفوذها على مزيد من الأراضي اليمنية، وازدياد خسائر الميليشيات المادية والبشرية، لذا تحاول الميليشيات استهداف أراضي المملكة لمحاولة كسر عزيمة قوّات التحالُف.

وفي الخلاصة، لم تَعُدِ الميليشيات الحوثية تمتلك قرارَها في أيّ تفاوض يُطرَح أو مقترحات تُقدَّم، فقد أخلَّت بتفاهمات سابقة في الكويت، وتفاهمات جنيف (1 و2)، واتفاقية ستوكهولم، ومساعي المبعوث الأُممي (السابق والحالي)، إذ لم تلتزم الميليشيا الحوثية طرح ما يخدم المصالح الوطنية اليمنية، بعيدًا عن الارتهان لأجندات خارجية، ولم يَعُدْ أمامها إلّا أن تصبح رجع الصدى لمشكلات إيران، وأداةً تحركِّها وقتما تشاء، ولم يَعُدْ في قاموس مُنظِّري الحركة الحوثية إلّا اللجوء إلى استخدام الأسلحة ذات الأثر ضد المدنيين لإسماع صوتهم. وأصبح الأمر واضحًا أمام المجتمع الدولي، مَن الطرف المعطِّل لأيّ تسوية في اليمن، ويتوجَّب على المجتمع الدولي عدم التساهُل مع مَن يريد استمرار تلك الحرب ومن يدعمهم، ودعم مساعي قوّات التحالُف في استكمال الإجراءات الحازمة لتحييد وتدمير قدرات الحوثي الصاروخية والطائرات دون طيّار، لإجبارهم على العودة إلى المفاوضات وفق المصلحة الوطنية اليمنية، ولحماية المدنيين من الاستهدافات الحوثية التي تتنافى مع القانون الدولي الإنساني، ورُبّما من الأجدى للحكومة اليمنية أن تتبنَّى الترويج لملفّ يتضمَّن جرائم الحوثي في حقّ الشعب اليمني لتُتَّخَذ إجراءات دولية حاسمة لإنهاء هذا العبث.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد
اللواء/ م.أحمد بن علي الميموني
اللواء/ م.أحمد بن علي الميموني
مدير مركز الدراسات و البحوث