بحـلـول السابع عشر من يونيو 2020م، دخل قانون «قيصر سوريا للحماية المدنية لعام 2019م» لمعاقبة النظام السوري وحلفائه، المعروف إعلاميًّا بـ«قانون قيصر»، حيِّز التنفيذ. ويكتسب التطرُّق إلى القانون أهمِّية خاصّة مِن خلطِه للأوراق وإرسائه معالم مرحلة جديدة في سوريا، تستأثر خلالها الولايات المتحدة بالدورالأكبر في تحديد مستقبل هذا البلد في مرحلةِ ما بعد التحوُّل في ميزان القوى لصالح الرئيس بشار الأسد، بعد أن ظلّ الروس والإيرانيون يستأثرون بالنصيب الأكبر في القرارات السورية، وهو ما يستدعي بنفس القدر من الأهمِّية تحديد الأبعاد السياسية لمضمون القانون، الذي يُعَدّ بمثابة عصا غليظة بيد الإدارة الأمريكية، وآثاره على نفوذ إيران في سوريا ولبنان والعراق، وحدود التأثير الإيراني للالتفاف على العقوبات في ساحات النفوذ.
أوّلًا: الأبعاد السياسية لمضمون قانون «قيصر سوريا»
يتيح «قانون قيصر» للإدارة الأمريكية فرض عقوبات على أيّ حكومة أو شركة أو فرد يتعامل بشكل مباشر أو غير مباشر مع الحكومة السورية، أو يوفِّر لها دعمًا ماليًّا أو تقنيًّا أو ماديًّا، أو ينخرط في صفقة كبيرة معها أو مع شخصية سياسية رفيعة فيها، سواء كان مقاولًا عسكريًّا أو مُرتزقًا أو قوّة شبه عسكرية تعمل بصفة عسكرية لصالحها أو لصالح الحكومتين الإيرانية والروسية. وكذلك يتيح فرض عقوبات على أيّ حكومة أو شركة أو فرد يتعامل مع الحكومة السورية في أربعة قطاعات حيوية: الأوّل قطاع الطاقة، والثاني قطاع الطيران، والثالث القطاع المالي والمصرفي، والرابع قطاع البناء والهندسة.
ويوفِّر القانون للرئيس الأمريكي آلية رفع العقوبات بشروط: وقف الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون عمليات القصف للمدنيين وللمنشآت المدنية، ووقف كل القيود التي تفرضها قوّات الدول الثلاث روسيا وإيران وسوريا وكلّ الكيانات المسلَّحة المرتبطة بها على إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدن المُحاصَرة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والسماح لمنظَّمات حقوق الإنسان الدولية بإجراء التحقيقات اللازمة، والسماح بالعودة الآمنة للاجئين، ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا، وتقديم المتورِّطين للعدالة. بيد أنّ بعض هذه الشروط يصعب تحقيقها، لا سيَّما مطلب محاكمة مرتكبي جرائم الحرب، إذ يُعَدّ الأسد ذاته وكبار مسؤوليه من المتورِّطين في ارتكاب الجرائم.
وقد أشارت الأوساط الإعلامية الأمريكية إلى أنّ العقوبات ستُفرَض على مراحل: الحزمة الأولى صدرت بالفعل بعد سريان القانون بساعات قليلة في 17 يونيو 2020م، تطال الأسد وزوجته وشقيقته بشرى ونحو 39 كيانًا وشخصًا آخرين، من بينهم ميليشيا «فاطميون» الموالية لإيران، والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد. الحزمة الثانية فستُفرَض خلال النصف الأوّل من يوليو 2020م، وستطال شخصيات جديدة لها علاقات سياسية واقتصادية بالحكومة السورية، وستصدر حزمتان في أغسطس 2020م.
ورغم أنّ الإدارة الأمريكية أعلنت أنّ الهدف الرئيسي للقانون، ومدّته 5 سنوات تبدأ من تاريخ توقيع الرئيس الأمريكي عليه، يتمثَّل في تعديل سلوك النظام السوري بقبوله الحلّ السياسي للأزمة، من خلال الضغط بورقة تجريده من قوّة تحالُفاته الإقليمية والدولية التي ضَمِنت بقاءَه حاكمًا، وتجفيف خطوط التمويل المادِّي للأسد، فإنّ هناك أهدافًا رئيسية للقانون تتمثَّل في تحجيم النفوذ الإيراني الإقليمي عامّةً، وفي سوريا خاصّةً، وتقليم أظافر طهران التمدُّدية في سوريا، والضغط لتلبية المطلب الإسرائيلي المتمثِّل في إخراج الميليشيات المسلَّحة الموالية لها من سوريا، والحيلولة دون تطبيق نظرية ترجمة التقدُّم الميداني في صورة مُنجَزات سياسية واقتصادية وعسكرية لصالح إيران. والأهمُّ حرمان روسيا وإيران من الحصول على نصيب الأسد في عملية إعادة الإعمار المقدَّر تكلفتها بـ 400 مليار دولار، خصوصًا بعد أن حصر الأسد ملفّات الطاقة والاستثمار وإعادة الإعمار في يد الروس والإيرانيين فقط. وكذلك تراهن واشنطن من خلال أدوات «قانون قيصر» على زيادة تعقيد المشهد، بما يضع حدًّا للانفراد الروسي والإيراني بتحديد مستقبل سوريا، وامتلاك أدوات ضغط أمريكية للتحكُّم في شكل ومستقبل سوريا الجديدة، بما يعني أنّ الولايات المتحدة ترغب في أن تكون الطرف الأقوى في المعادلة السورية، والقادر على تحديد مآلات التسوية وتوزيع الغنائم وتمرير الحلول السياسية.
ثانيًا: انعكاسات «قانون قيصر» على نطاق النفوذ الإيراني في سوريا
تكشف بنود الاتفاق وأدواته أنّ إيران هي المُستهدَف الرئيسيّ من القانون لاتّساع دائرته، لتطال أذرعها في المنطقة، فضلًا عن أنّ «قانون قيصر» يُعَدّ امتدادًا طبيعيًّا لإستراتيجية الضغوط القصوى ضدّ طهران، ومن ثمَّ يطرح سريان القانون التساؤلات حول تأثيراته المُحتمَلة على حجم النفوذ الإيراني في سوريا:
1. اقتصاديًّا: زيادة خنق إيران اقتصاديًّا، بتجفيف كل مصادر التمويل المُتوقَّع حصدها من نفوذها في سوريا، من خلال حرمانها من الاستفادة من الاستثمار، أو بمنعها من توظيف ساحات النفوذ في التحايل على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ عام 2018م، أو بحرمانها من مكاسب مرحلة قطف الثمار بالانخراط في عمليات إعادة الإعمار نظير ما قدمته إيران -ولا تزال- من أثمان ماديِّة (تقديرات إيرانية عام 2020م بنحو 30 مليار دولار)، وبشرية (تقديرات إيرانية عام 2019م بنحو 2000 قتيل)، بوقوفها إلى جانب الأسد، لأنّ القانون يضع العوائق أمام تفعيل إيران لعشرات الاتفاقيات الاستثمارية والتجارية الموقَّعة مع الأسد منذ عام 2017م.
2. سياسيًّا: يضيف القانون تحدِّيات جديدة أمام الدور الإيراني في لحظة بالغة الأهمِّية بالنسبة إلى طهران، لطالما انتظرتها لترسيخ حضورها بعد التحوُّل في موازين القوى الداخلية لصالح حليفها الأسد، إذ تحاول إيران ترجمة التقدُّم العسكري على الأرض في سوريا، بما يتيح لها مكاسب سياسية في المعادلة الجديدة، غير أن «قانون قيصر» جاء لحرمانها من تحقيق هذه المكاسب، كما يحدّ من تأثيرها في مرحلةِ ما بعد التحوُّل العسكري على الأرض من خلال إرباك المشهد السوري في غير صالح إيران وحليفها الأسد.
وتدرك الولايات المتحدة الغايات الإيرانية في سوريا، ضمن إستراتيجية بقاء سوريا دولة ضعيفة تابعة غير قادرة على الخروج عن العباءة الإيرانية، وأن يكون القرار السوري بيد القوات غير النظامية، في استنساخ لتجربة «حزب الله» في لبنان، بما يمكِّنها من تحقيق مشروعاتها التوسُّعية وطموحاتها الديموغرافية في سوريا، فضلًا عن تعطيل استكمال مشروعات ومخطَّطات «الكوريدور الإيراني»، الذي يربط طهران بالبحر المتوسِّط، وحرمان طهران من التمركُز شرق المتوسط وبالقرب من الحدود الإسرائيلية لمنع تطويق إسرائيل.
والأهمّ أنّ القانون يستهدف تقديم ضربة قوية للأذرُع الإيرانية، ليس فقط في سوريا، وإنّما تتّسع لتشمل الذراع الأهمّ لها في سوريا، «حزب الله» اللبناني المُصنَّف إرهابيًّا، وبعض ميليشيات «الحشد الشعبي» العاملة ضمن الجيش الشيعيّ الحُرّ التابع لإيران في سوريا، مثل ميليشيا «عصائب أهل الحق» و«حركة النُّجَباء».
3. عسكريًّا: يضع «قانون قيصر» عراقيل إضافية أمام الطموحات الإيرانية في سوريا، بحرمانها من استمرار التقدُّم العسكري لمدّ نطاق النفوذ في كل المدن السورية، ومن إعادة هيكلة المؤسَّسة العسكرية السورية، بما يضمن لها تمرير مخطَّطاتها، والعمل على تقليص حجم الحضور العسكري الإيراني في سوريا، إذ يُعَدّ الحضور العسكري لـ«حزب الله» اللبناني في سوريا لدعم الأسد مخالفة لـ«قانون قيصر». وكلّ ذلك من شأنه تقليص حجم الحضور الإيراني في سوريا، كما يحدّ من التحرُّكات الإيرانية لتدشين مزيد من القواعد العسكرية للسيطرة على مفاصل سوريا.
وإدراكًا من إيران بأنّ المُستهدَف الرئيسيّ من هذا القانون هو معدَّل نفوذها في الدول المركزية للمشروع الإيراني الإقليمي -سوريا ولبنان والعراق- كسر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الحظر الذي فرضه فيروس كورونا على زياراته المكوكية لعواصم الدول المؤثِّرة دوليًّا، ليتّجه إلى أنقرة وموسكو في 14 يونيو 2020م -قبل دخول القانون حيِّز التنفيذ بثلاثة أيام-؛ وذلك للتنسيق مع الروس والأتراك حول سُبُل تفريغ القانون من مضمونه في إطار مسار الأستانة، وفي إطار التنسيق الروسي-الإيراني بشأن سوريا، باعتبار أنّ الدولتين طرفان رئيسيان في مسار الأستانة، وروسيا هي الطرف الثاني المتضرِّر من القانون بعد إيران. ولم يستطِع ظريف إخفاء أسرار مباحثاته، مصرِّحًا بأنّ بلاده تمتلك علاقات اقتصادية وتجارية قوية مع سوريا، ويعتزم الطرفان تعزيزها خلال المرحلة المقبلة. وكذلك صرحَّ الأمين العام لــ«حزب الله» حسن نصر الله بأنّ «حُلفاء سوريا الذين وقفوا معها سياسيًّا وعسكريًّا لن يتخلَّوا عنها في مواجهة الحرب الاقتصادية، ولن يسمحوا لها بأن تسقط»، كتحدٍّ واضح لـ«قانون قيصر».
ثالثًا: تداعيات «قانون قيصر» على الداخل اللبناني
تتّسع مظلَّة «قانون قيصر» لتطال لبنان، التي يتعاطى معها نظام الأسد بوصفها ساحة مالية ومصرفية وتجارية خلفية، بحُكم استهداف القانون للأذرُع الإيرانية التي تقدِّم الدعم والمساندة بشكل مباشر أو غير مباشر للحكومة السورية. ويُعَدّ «حزب الله» اللبناني من أبرز الميليشيات المسلَّحة الموالية لإيران التي تعمل لصالح حكومة الأسد في سوريا، ويمكن للإدارة الأمريكية فرض عقوبات على لبنان بموجب القانون، لأنّ «حزب الله» اللبناني يحظى بعدد من الوزراء داخل الحكومة اللبنانية برئاسة حسّان دياب، وهو ما يؤثِّر بدوره على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة في لبنان، إذا ما اعترضت واشنطن بسبب أنشطة الحزب في سوريا -المخالفة لقانون قيصر- على حصول لبنان على قرض بمبلغ 10 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لمعالجة الأزمات الاقتصادية، التي تقف وراء الاحتجاجات المتكرِّرة في لبنان.
ومن شأن توقيع العقوبات على لبنان بسبب أنشطة «حزب الله» في سوريا تجدُّد الخلافات بين أكبر تحالفين بلبنان، تحالف «8 آذار»، وتحالف «14 آذار»، وقد تتطوَّر الخلافات في لبنان لتصل إلى حدّ الاشتباكات المسلَّحة بين الفرقاء اللبنانيين بما يُعيد لبنان إلى المرَّبع الأول، وبالتالي فالتطوُّرات التي سيفرزها «قانون قيصر» ستضع حكومة حسّان دياب أمام خيارات صعبة، فإمّا الضغط على «حزب الله» بالخروج من سوريا، وإمّا التقارُب مع المحور الأمريكي، ما قد يعرِّضه لمحاولات اغتيال من أنصار «حزب الله» أو تعطيل عمل مهامّ حكومته، وإمّا الاستقالة، ما يضع لبنان على شفير أزمة فراغ جديدة قد تستمرّ لسنوات.
رابعًا: حدود التأثير الإيراني في «قانون قيصر»
رغم أنّ القانون لا شكّ يُعَدّ من أقوى قوانين العقوبات الأمريكية، لأنّه لم يحدِّد مسبقًا الكيانات والشركات والقطاعات والأشخاص المُستهدَفة بالقانون، كما يخوِّل الإدارة الأمريكية صلاحيات واسعة بأوامر تنفيذية لتوقيع العقوبات حسب ما تقتضيه المصالح الأمريكية، وكذلك يرتبط بقانون الدفاع الوطني الأمريكي لتوجيه رسالة إلى الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين بأنّ الأزمة السورية باتت مقرونة بالأمن القومي الأمريكي، فقد تطرَّق مراقبون إلى نقاط ضعف القانون والخبرة الطويلة للإيرانيين والسوريين في الالتفاف على العقوبات، كالتالي:
1. حصر الساحة السورية بيد إيران: بنود القانون توفِّر فرصة ولو متواضعة لإيران للاستثمار والتجارة والتمدُّد بمفردها، لا تتوافر لغيرها من أطراف الأزمة السورية، لأنّ العقوبات التي سيفرضها القانون على الدول المخالفة لبنوده ستجعل كثيرًا من الدول التي تفكِّر في الاستثمار وإعادة الاعمار في سوريا -بما فيها روسيا- تجنُّب مخالفتها خوفًا من العقوبات الأمريكية، بما يفسح الساحة لإيران للتمدُّد وزيادة التعاون التجاري مع سوريا. فمن يستطيع أن يستثمر ويتمدَّد ويتاجر في الساحة السورية في وقتنا الراهن -بما يوجد على الأرض السورية بالفعل من شركات- غير إيران وشركات الحرس الثوري الإيراني؟
2. اتّباع ورقة ضغط واحدة: أشار مراقبون إلى عدم جدوى ورقة العقوبات بمفردها ضدّ إيران ونفوذها، لكونها تخضع لعقوبات بالفعل منذ 2018م، فالنظام الإيراني يتعايش مع العقوبات منذ أكثر من 40 عامًا، والنظام السوري كذلك تعايش مع العقوبات خلال المراحل التاريخية المختلفة منذ سبعينيات القرن الماضي، ونظام صدّام حسين تعايش مع العقوبات لأطول فترة ممكنة. لذلك لا بد من إلحاق العقوبات بوسائل مثل فرض حصار برِّي وبحري وجوِّي، وهو ما يصعُب تحقيقه بحُكم سيطرة الميليشيات الموالية لإيران جغرافيًّا وحدوديًّا، والتنسيق مع الحلفاء الإقليميين ودول جوار الدولة المُستهدَفة، وتعزيز الحضور العسكري في المناطق الحدودية والموانئ البحرية.
3. الخبرة الإيرانية الكبيرة في الالتفاف على العقوبات: تمتلك إيران خبرة تزيد على 40 عامًا في الالتفاف على العقوبات، وتمتلك أدوات للتغلُّب على العقوبات مع دمشق، ما يمكِّنها من تصدير وارداتها إلى سوريا بسهولة، وتقديم المساعدات لوكلائها، مع امتلاك إيران نفوذًا عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا واسع النطاق في سوريا، وتمركز ميليشياتها المسلَّحة قرب الحدود العراقية-الإيرانية، والحدود العراقية-السورية، ما يسهِّل مهمّة تهريبها للسلاح والأدوية والسلع الضرورية إلى سوريا، وامتلاكها منفذًا بحريًّا إستراتيجيًّا على البحر المتوسِّط بسيطرتها على أهمّ مرفأ تجاريّ سوريّ، مرفأ اللاذقية، منذ بداية نوفمبر 2019م، حسب «التايمز» البريطانية.
4. العلاقات الإيرانية القوية بدول الجوار: تمتلك إيران علاقات قوية مع العراق منذ عام 2003م، ومع سوريا منذ عام 2011م، وتمتلك نفوذًا سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا واسع النطاق في الجارتين الغربيتين، بما يسهِّل عليها مهمَّة استكمال عديد من المشروعات بسهولة ويُسر، نظير ما قدَّمته إيران من مساندة ودعم لهاتين الدولتين.
خامسًا: التوقُّعات المستقبلية
لا محالة سيرسم «قانون قيصر» ملامح معادلة جديدة في سوريا على خلفية إرباكه للمشهد، تتراجع خلالها المؤشِّرات الاقتصادية والمعيشية إلى أدنى مستوياتها، وقد اتّضح ذلك بانخفاض قيمة الليرة السورية من ناحية، مع استحواذ واشنطن على عدد مؤثِّر من أوراق اللعبة في تحديد مستقبل سوريا من ناحية ثانية. وقد يتّفق الروس والإيرانيون على إزاحة الأسد، حسب وسائل الإعلام الألمانية، مع الحفاظ على النفوذ الروسي-الإيراني في سوريا.
وعلى ضوء الموقف السوري الرافض للقانون، يُتوقَّع أن تكون خيارات الردّ السوري على النحو التالي: قد يلجأ الأسد بدعم من حلفائه إلى الحلول الصفرية بالتصعيد العسكري من جديد لزيادة تعقيد المشهد باتجاه السيطرة على محافظة إدلب لتحسين شروطه التفاوُضية، بما يتيح السيطرة على مسار التسوية، أو قد يلجأ إلى تغيير قواعد الاشتباك في مناطق الإدارة الذاتية شرق الفرات ضدّ المكوِّن الكردي الحليف للولايات المتحدة، مع إمكانية اتّخاذ إجراءات اقتصادية، مثل اللجوء إلى شركات الواجهة والشركات الخاصّة المحسوبة على النظام، ومنح التراخيص لشركات الطيران الخاصّة للالتفاف والتحايل، خصوصًا أنّه لا توجد منظومة اقتصادية سورية مرتبطة بالاقتصاد العالمي، واللجوء إلى دول الجوار للحصول على الاحتياجات الأساسية للتخفيف من وطأة العقوبات.
وكذلك يمكن للنظام السوري اللعب على عامل الوقت، عن طريق الظهور بمظهر المُقبِل على تحريك العملية السياسية لكسب الوقت، أملًا في حدوث متغيِّرات دولية وتغييرات في واشنطن، أو أنّ المرحلة المقبلة ستشهد لقاءات أمريكية-روسية مكثَّفة للتفاهُم يمكن توظيفها لكسب الوقت، غير أنّه لا تُوجَد نتائج مضمونة، وأنّ ملامح التمرُّد والرفض وعدم الرضوخ للقانون الأمريكي هي الأكثر وضوحًا بالنظر إلى المواقف الروسية والإيرانية والسورية الرافضة للقانون، وإن أبدى الأسد رغبة شكلية في الحلّ السياسي لتخفيف وطأة العقوبات. وهذا يعني أنّ العقوبات الأمريكية لن تكون فعّالة على النحو المرجوّ أمريكيًّا، ما دامت لإيران وسوريا منافذ للالتفاف على العقوبات، لامتلاك طهران علاقات قوية مع دمشق وبغداد، وامتلاكها نفوذًا واسعًا بالدولتين مقارنة بحجم النفوذ الأمريكي فيهما، وهو ما يتطلَّب البحث عن بدائل لفاعلية القانون، وعدم الاكتفاء بتوقيع العقوبات، كما لم يتحدَّث «قانون قيصر» عن أيّ أدوات تصعيدية ضدّ الأسد وحلفائه إذا ما انتهت مدَّة القانون المحدَّدة دون قبول الأسد للاشتراطات الأمريكية لتسوية الأزمة سياسيًّا.
خلاصة
يمكن القول إنّ «قانون قيصر» بات ساري المفعول، ولا شكّ أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب، كما تفعل مع العقوبات على إيران، ستُجري عمليات تقييم لهذا القانون ولن تسمح بعدم فاعليته، لذا من المرجَّح أن تشهد سوريا وحليفها الإيراني والميليشيات المسلَّحة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة مزيدًا من الإجراءات التصعيدية ضد إيران لتحجيم نفوذها الإقليمي، ضمن مساعيها لإنجاح إستراتيجية الضغوط القصوى ضدّ طهران، لكن من الصعوبة أيضًا تصوُّر وقوف الحليفين السوري والإيراني مكتوفي الأيدي، خصوصًا أنّ إيران ليست بتلك السهولة حتّى تضحِّي بمكتسباتها التي حقَّقتها في سوريا ودفعت من أجلها أثمانًا مادِّية وبشرية طائلة.