الحوزة و«كورونا».. سلوك النُّخَب الدينية الإيرانية مع الأزمة

https://rasanah-iiis.org/?p=21414

بواسطةد.محمد السيد الصياد

المقدمة

تُعتبَر دراسة سلوك المؤسَّسات الدينية ومواقفِها تجاه أزمات الكوارث والأوبئة، كشفًا عن العقل المذهبي ومعتركَ الفكر الديني، وكيفية تعاطيهما مع المستجدَّات والنوازل، ما من شأنه أن يساعد في إدراك طرائق تفكير النُّخَب الدينية القيِّمة على المؤسسات الدينية الرسمية، الذين هم جزءٌ من إدارة المشهد الديني والثقافي والسياسي، وتوجيه الرأي العام في الدولة الإيرانية.

لذا تمثِّل أزمة كورونا مرحلةً مهمَّة للوقوف على سلوك رجال الدين، وكيفية تفاعُلهم معها، ومدى العلاقة بين الديني/ المذهبي والسياسي.

وتهدُف الدراسة للوصول إلى معرفة أبعاد تديينِ الأزمة، وتسييسِها، وربطِها بهاجس تعزيز الشرعية المذهبية والسياسية، وتحاول الإجابة على عددٍ من التساؤلات المتعلِّقة بتعاطي النُّخَب الدينية مع ما هو ولائي، وما هو أولِّيٌ وثانوي، ومن ثمَّ أسباب سخط السُلطة ممن ناهضوا قراراتها الشعائرية إبان الأزمة، وكذلك رؤية السُلطة للمراجع الذين لا يؤمنون بالولائي، أو بعدمِ إلزاميته في الشأن العام، لاندراجهِ عندهم إمّا تحتَ نظرياتٍ مُغايرة كشورى الفُقهاء، وإمّا تحتَ إطارِ ومدخلِ الدولة المدنية، حسب اختلاف المراجع ومرتكزاتهم الفلسفية.

وتقف الدراسة عند السؤال الفلسفي المركزي الذي روَّجه المراجع في مقولاتهم الموجَّهة إلى العامَّة، بخصوص مثاليةِ النموذج الفلسفي الإيراني قُبال النموذج الفلسفي الغربي، سعيًا لتفكيكِه وإدراك أُسسِه وانعكاساتِه السياسية والمذهبية.

أوَّلًا: كورونا واستهدافُ الدولة الإيرانية

ذهبت النُّخبة الدينية الحاكمة إلى أنّ فيروس كورونا تمّ تخليقُه بيولوجيًّا، من قِوى الاستكبار العالمي، من أجل استهداف إيران والثورة «الإسلامية»، وبدأت هذه المقولة من رأس هرم السُلطة الدينية والسياسية المرشد علي خامنئي، فوفقًا لقوله فإنّ الأدلَّة تُشير إلى احتمالية أن يكون فيروس كورونا هجومًا بيولوجيًّا مُتعمَّدًا(1). 

ثُمّ تلقَّفت النُّخَب الدينية والإعلامية مقولةَ المرشد، وعمِلت على ذيوعِها باعتبارها أمرًا بديهيًا، وليس افتراضًا قابلًا للتشكيك؛ فردَّد حُجّة الإسلام إبراهيم رئيسي مقولةَ الهجوم البيولوجي، وطالبَ بتعزيز قُدرات الدفاع البيولوجية في البلاد(2). وعلى نفس النهج، لم يستبعِد آية الله خاتمي تخليقَ الفيروس بيولوجيًّا، وصرَّح بأنّ الأمريكيين وراءه: «لا يمكن استبعادُ إمكانية الحرب البيولوجية في تفشِّي فيروس كورونا، وبالفعل فإنَّ الولايات المتحدة متّهمةٌ في العالم حاليًّا، وهذا الاتّهام لم يوجَّه إليها من قِبَل إيران فقط، بل عُلماء العالم أثاروا هذه القضية، وسيتمّ كشفُ الحقيقة في المستقبل»(3). وفي نفس المعنى، اعتبرَ آية الله حيدري، أنّ هناك نظريتين بخصوص بداية الفيروس، الأولى أنّه طبيعي، والثانية أنّه مُخلَّقٌ بيولوجيًّا. ثمّ رجَّح الافتراضَ الثاني، وعزا تخليقَ الفيروس إلى قِوى الاستكبار العالمي بُغية مواجهة الثورة: «وإذا قَبِلنا الفرضيةَ الثانية، فإنّ الهدف الرئيسي لهذه الحرب هو مواجهة الثورة الإسلامية في إيران»(4)؛ ويرجِّح مهدي طائب تخليقَ الفيروس، من أجل استهداف إيران والثورة «الإسلامية»(5).

وهكذا تناغمت مقولاتُ رجال الدين، واتّفقت على ترويجِ دعوى تخليقِ الفيروس أمريكيًّا من أجل استهداف إيران وثورتها.

والمفارقة أنّ مقولات النُّخَب الدينية الإيرانية متماهيةٌ مع مزاعم صينية في نفس الصدد، دونَ أدلّةٍ علميةٍ قاطِعة، بل ثمَّةَ مؤشِّراتٍ تدُلّ على العكس، إذ وجَّهت بعضُ القِوى الغربية اتّهاماتٍ إلى الصين بالتسبُّب في انتشار الفيروس.  

وانتقدَ بعضُ الإصلاحيين تماهيَ التيّار المحافظ مع المزاعم الصينية، وفي رأي هؤلاء الإصلاحيين كيف للنُّخبة الدينية التي طالما هتفت باستقلالية القرار الإيراني «لا شرقية ولا غربية»(6)، أن تنحني ناحيةَ الشرق؛ ما أفقدَ القرار الرسمي الاستقلاليةَ المنشودة! وحسبَ بعضِ الإصلاحيين، فقد تمّ الدفاع عن إدارة الصين للأزمة: «لدرجةٍ بدا معها أنّ مفهومَ النفوذ الصيني في إيران أمرٌ طبيعيٌ وجليّ، وأنّ مبادئ السياسة الخارجية لإيران تُنتهك وتُزعزعُ بانتقاد أداء الصين!»، ووصَفت هذه الفئة من الأُصوليين انتقادَ متحدِّث وزارة الصحّة للصين بأنّه «مُكلِف: وتعاملوا معه بحدَّة»(7). وذهب المحافظون إلى ما هو أبعد، فقد برَّر بعضهم اضطهادَ السُلطات الصينية للإيغور باعتبارهم «دواعش» يجب التصدِّي لهم(8).    

هذا كلّه يُنهِي عمليًّا مقولةَ الخميني التي اتُخِذت شعارًا منذ بدايات الثورة وحتّى اليوم: «لا شرقية ولا غربية»، ومقولته: «الإسلام ينتمي إلى المستضعفين لا إلى المستكبرين»(9)، وباتت مِثلُ تِلك الشعارات منحصرةً في الاستهلاك المحلِّي فقط، بُغية حشد الأتباع، وتمايُز المشروع المذهبي.

وحاصل القول إنّ تضخيم رجال الدين لمسألة التخليق البيولوجي للفيروس، كان بمثابة ردّ فعلٍ على تِلك الاتّهامات التي وُجِّهت إلى الجماعة العلمائية، بأنّ مواقفهُم المتمثِّلة في رفض إغلاق العتبات والمدن الدينية، سببٌ رئيسي في انتشار الفيروس؛ وأشار آية الله حيدري إلى هذا المعنى، واعتبرَ أنَّ هدفَ قِوى الاستكبار العالمي تهديم مدينة قُم باعتبارها عاصمةَ الثورة الإسلامية، فقال: «إنَّ قُم هي عاصمةُ الثورة الإسلامية ومركزها، وهي المرجع والملاذ الروحي والديني لأتباع هذا الخطّ المعادي للاستكبار العالمي، وهي الداعم الأساسي للمقاومة الإسلامية، لذلك شاهدنا كيفَ استثمرَ الأعداءُ هذه الفرصة -أي أزمةَ كورونا- للإضرار بسمعة قُم المقدَّسة»(10). ثُمّ بعبارةٍ صريحة رفعُ الملامِ عن قُم ورجال الدين في قُم: «إنّ الأبواق الإعلامية العالمية استغلَّت الفُرصةَ تحت ذريعة كورونا، لتشوية صورة قُم ورجال الدين والمرجعية الدينية، وأعلنت بشكلٍ كاذب أنّ مصدرَ فيروس كورونا هي قُم، وأنّه إذا تمّ عزلُ قُم، فلن يتأثَّر الشعبُ الإيراني»(11).

ثانيًّا: الحُلم المُتوهَّم.. الفلسفةُ الإيرانية كبديل

وجَّهت النُّخّب الدينية خطابًا إلى الداخل الإيراني، خاصّةً التكتُّلات المذهبية والولائية، مفادُه أنّ لحظة كورونا هي اللحظة المناسبة لصعود النموذج الفلسفي الإيراني عالميًّا، كبديلٍ للنموذج الغربي، الذي أخفَقَ وفقًا لرؤيتِهم.    

وبغضِّ النظر عن نوايا رجال الدين من تضخيم النموذج القومي على حساب النموذج الغربي، كأن تكونَ موجَّهةً لتعزيز شرعية النظام المذهبية، أو أنّ تِلك القراءة هي غاية إدراك الولائيين للمشهد الفلسفي الغربي، بغضّ النظر عن ذلك، فإنّ تلك الأزمة بمفردها لا يُمكن الاستدلال بها على أحقِّية نموذجٍ، وصلاحيته، فضلًا عن سقوط نماذج وصعود أُخرى، على غِرار ما فعل المرشد الإيراني الذي ارتأى أنّ الثقافة الإيرانية أثبتت حضورها قُبال النموذج الغربي، بسبب الأزمة الأخيرة، وقال: «لحُسن الحظّ، فإنّ الشعور بالفكر الإسلامي وسلسلة القِيَم الإسلامية قويٌ وراسخٌ للغاية عند الشعب، خلافًا للرغبات والأشخاص الذي عملوا في العقدين الأخيرين على تحقير الثقافة الإيرانية الإسلامية، وتوجيه الشعب صوبَ نمطِ الحياة الغربية، وفي مقابل ذلك كشفت الثقافة والحضارة الغربية عن طبيعتها، ومنها ما حدَثَ في أمريكا وأوروبا، وعَرَض التلفزيونُ بعضًا منها، ولم يعرض البعضَ الآخر، حيث تُصادر حكومةٌ أقنعةَ وقفازاتِ دولةٍ أُخرى وشعبٍ آخر، أو يقومُ الناسُ بإخلاء الأسواقِ من البضاعة يوميًّا في ظرف ساعاتٍ قليلة»(12).

واللافت أنّه لا يتكلَّم عن الدول وحدها، بل يتكلَّم عن الدول والأفراد، فالنموذج الكامن في عقله، أنّ الدولةَ هي المسؤولة عن ثقافة شعبها وتشكُّلاته الأخلاقية، ومن هنا بدا ذلك الحُكم على المجتمعات الغربية لا على الدول فحسب، لذا حَكَم على الغرب كُلّه بأنّه: «يتمتَّع بروح البربرية، لكوننا ندركُ أنّ التعطُّر وارتداءَ ربطةِ العُنق والتأنُّق لا ينفي تِلك الحقيقة، وهذا ما اعترفوا به بأنفسِهم»(13). ويؤكِّد صراحةً في مناسبةٍ أُخرى، فَشَل الفلسفة الاجتماعية الغربية بسبب أزمة كورونا: «إنّ الغربَ فَشِل في مجالاتِ الإدارة والفلسفة الاجتماعية والأخلاق، خلال مواجهتِه لفيروس كورونا»(14)، وسبَبُ هذا الفشل في نظرِه، أنّ روحَ ومضمون الفلسفة الغربية بُنِيا على: «المادِّيات والمال»؛ ولم ينحصر الفَشلُ في الجانب الفلسفي، بل امتدّ في رأي خامنئيّ إلى الفشلِ في «عرض الأخلاق العامّة»(15)، ويُكرِّر محمد رضا يزدي (أحد قادة الحرس الثوري)، قريبًا من مقولة خامنئي، فيرى أنّ الفيروس أفشَلَ مُخطَّطات الغرب لتعميم العولمة، وتدمير كيان الأُسرة(16)، ونفسُ الكلام يُردِّده ممثِّل المرشد في سوريا آشكذري(17)، ويؤكِّد الشيخ محمد ليالي، أنّنا نشهدُ عصرَ «أفولِ أمريكا، وسقوط النظام الليبرالي»(18)، ويتنبّأُ الشيخ محمد ملك زاده أنّ ما نشهدُه هو: «بوادرُ سقوطِ النظام الليبرالي الحاكِم في الغرب»(19).

هذه المقولات تدلُّ بأبعادها على أحشاء الفكر الفلسفي الديني عند الولائيين؛ ونلحظُ التعميمَ فيها، مع أنّ الفلسفة الغربية ليست كُتلةً واحدة، بل هناك جهودٌ غربية لنقدِ الحداثة، وما بعدَ الحداثة، استفادَ منها فلاسفةُ الشرق أنفسهم(20). وعلى مستوى آخر، فلا يُلزم من التفلسُف في الفضاء المعرفي تبنِّيهُ من قِبل الأنظمة السياسية الغربية، لذا فإنّ لكلّ نظامٍ فلسفتُه وطرائق عملِه ومُنظِّروه.

لكن رُبّما يرجع السبب في ذلك إلى ما قِيل عن احتقار النُّخَب الدينية الإيرانية للفلسفة الغربية(21)؛ وذلك بسبب العقل المذهبي المؤدلج الذي لا يرى الخلاصَ إلّا في نموذجِه، ولا يجدُ الحقّانية إلا فرديةً، لا متعدِّدة؛ ما يضعُ على عاتقِه عبء نشرِ نموذجِه الفلسفي، ويُحمِّله بأثقالٍ مذهبية لا تنتهي متعلِّقةً بخلاص الآخرين الأُخروي. ذلك العقل المؤدلج اعتراه قصورٌ شديد في تصوُّر الدرس الفلسفي الغربي، بكلّ تشابُكاته ومُخرجاته، وتنوُّعاته؛ وعلى سبيل المثال، يذهب مجيد محمدي إلى أنّ مرتضى مطهري كان يحتقرُ الفلسفةَ الغربية، وأنّ ذلك يرجعُ إلى: «معرفته القليلة بفلسفة الغرب، لا سيما فلسفة القرون الوسطى، يغفلُ عن أنّ كلّ هذه الحكمة الإلهية التي هي عندنا كانت موجودةً عند المسيحيين أيضًا، وأنّ هاتين المدرستين: المشاء والإشراق والموضوعات العرفانية كانت مطروحةً أيضًا في أوروبيات القرون الوسطى»(22).

وأدَّى هذا النزوع الاستعلائي إلى أمرين: الأوّل: دعوى الكفاية: حيث عزَّز الإيرانيون فكرةَ الاكتفاء: الاكتفاء المعرفي/ الفلسفي، والاكتفاء المادِّي عن الغرب؛ فالاكتفاءُ الفلسفي تمثَّل في تضخيم النموذج الإيراني/ الولائي، ونفي تعدُّدية القوميات والثقافات من حيث الخِلْقة/ الفطرة، والمبدأ، ومن ثمَّ تهيئتُها لقبول الثقافة الإيرانية/ الولائية، وانصهارُها في نموذجٍ فلسفيٍ مُحدَّد.  أمّا الاكتفاءُ المادِّي فتجلَّت مفرداته في أزمة كورونا الأخيرة، إذ ذهبَ المرشد علي خامنئي نفسه إلى أنّ الإيرانيين ليسوا في حاجةٍ إلى دواءٍ أمريكي. فيرفُض في أحد خطاباته، قبولَ مساعداتٍ أو حتّى دواءٍ أو لقاح -في حال توفُّره- من الأمريكيين(23)، ويكرِّر أحدُ قادة الجيش الأدميرال حبيب الله سياري نفسَ الكلام، فإيران وفقًا لقوله تتغلَّب على الفيروس بإمكانياتها الداخلية فقط(24)، والثاني: حُلم استعادة الإمبراطورية: حيث يسعى الولائيون الإيرانيون للوصول إلى مرحلة الحكومة العالمية، ويصرِّحون بذلك غير مُبالين بحدود الدول الوطنية وسيادتها، ولا بأعرافٍ دوليةٍ ودبلوماسية، لذا يدعمون جماعاتٍ وتيّاراتٍ دونَ الدول الوطنية، ويتدخَّلون بأنفسهم في دولٍ ذات سيادة؛ ومن التصريحات اللافتة في هذا المقام، ما صرَّح به إسماعيل قآني، عندما كان نائبًا لقائد فيلق القدس، بأنّ التدخُّلات الإيرانية في كربلاء والنجف، وسوريا ولبنان، ليست سوى تدخُّلاتٍ براغماتية، هدفُها هو: «إقامة حكومة إمام الزمان التي ستحكُم العالم أجمع»(25). هذا الحُلم في التحكُّم بالعالم، وتأسيس حكومةٍ عالمية، وتشريب الإيرانيين لذلك المعنى، والتركيز عليه حتّى بات هاجسًا لدى النُّخَب الدينية وصُنّاع القرار السياسيين والعسكريين، بغضّ النظر عن مدى أخلاقيته، فإنّه سببٌ من أسباب بقاء النظام الراهن منذ الثورة وحتّى اليوم، رغم كلّ العقوبات الاقتصادية التي فُرِضت عليه؛ وعن أهمِّية هذا التخليق للحُلم حتّى مع عدم واقعيته السياسية -أو عدم أخلاقيته- فإنّ المسيري يقول على سبيل المثال معلِّقًا على تنبُّؤ هيكل بسقوط السوفييت بسبب افتقادِهم للحُلم: «من لا يملك مشروعًا حضاريًّا يتقدَّم بخطى حثيثة إلى مزبلة التاريخ»(26). لذا نجد الإيرانيين يتعاملون كنِدٍّ للفلسفة الغربية، ومنافسٍ يُريد شرعيةً وتواجدًا في الساحة الفكرية والسياسية عالميًّا، بل يريدون إقصاءَ الآخر، باعتبار أنّ الإسلام -وفق قراءتهم المذهبية- لا يقبل تعدُّدَ الثقافات، ولا القوميات ولا الفلسفات، ولا تعدُّدَ التصوُّرات الدينية وتفاوتَ المبادئ الأخلاقية، وتِلك في نظر مُنظِّري الدولة الإيرانية: «أمورٌ ثابتةٌ مُطلقة غير نسبية»، كما يذهب مرتضى مطهري(27).     

ثالثًا: مذهَبَة الأزمة.. وتديينُ الأُفق

استعملَ رجال الدين مصطلحاتٍ دينية ومذهبية خالِصة، لمخاطبة الجماهير إبان أزمة كورونا، باعتبارها ابتلاءً من الله، ومحنةً ينبغي الصبرُ عليها، لتحويلها إلى منحة، وباعتبارها تارةً أُخرى عاملًا من عوامل تهيئة الأرض لظهورِ المعصوم، وتأسيسِ الحكومة العالمية.

  1. ظهورُ المعصوم: نحوَ حكومةٍ عالمية

لمّا اعتقدَ الولائيون بمثالية نموذجِهم، وبخصوصية «الإسلام الإيراني»، وشكَّكوا في النموذج الغربي، وحكموا بفشله، عملوا موازاةً مع ذلك المستوى التهديمي للنموذج الغربي، على وراثتِه، وإحلالِ نموذجِهم المعرفي محلّه، عبرَ التمهيد للحكومة العالمية، وقيادة الإمام المعصوم؛ ويتفق الولائيون الشيعةُ هُنا مع الحركات السُنِّية، التي تسعى كذلك لما تُسمِّيه بـ «أُستاذية العالم»، أو إقامة «الخلافة العالمية».

ومن هذا المدخل، اعتبرت النُّخبة الدينية الإيرانية أنّ أزمةَ كورونا تمهيدٌ لظهور المعصوم، فتحدَّث عددٌ من رجال الدين الولائيين، عن علاقة المهدي بجائحة كورونا، باعتبارها مؤشِّرًا أوّلًا على قُرب ظهوره، وثانيًا على ضرورة وجودِه في ظلّ «انهيار» النموذج الغربي.

ولا يخفى أنّ مِثل هذه المفردات موجَّهةٌ بالدرجة الأولى إلى الجمهور الإيراني، ومحاولةِ إقناعِه أنّ تِلك المحنة مرجوّة الثمرات العقدية التي طال انتظارُها، وبالتالي تخفيف العبء النفسي عن ذلك الجمهور، الذي اتّهمَ بعضُهُ النظامَ السياسي بالفَشَلِ في مواجهة الأزمة.

ورغمَ أنّ الخطاب مُوجَّهٌ إلى الداخل، لأنّ الخارج لا يعنيه أمرُ المعصوم، فضلًا عن ظُهوره، إلّا أنّه وفقًا للمرشد علي خامنئي، فإنّ العالم كُلّه اليوم يشعر بـ: «بالحاجة إلى منقذ، الحاجة إلى المهدي، الحاجة إلى القدرة الإلهية، إحساس الحاجة إلى إمامٍ معصوم، الحاجة إلى العصمة، والحاجة إلى التوجيه الإلهي»(28)، ومثل تلك المقولات ليست فقط لتجاوز أزمة النظام في التعامُل مع الوباء، بل هي أيضًا تعبئةٌ للعقل المذهبي بأحمالٍ أيديولوجية متعلِّقة بالرسالة والتبليغ، وإنقاذ البشرية كلّها، وهذا ملمحٌ مُهمّ لتفكيك العقل الديني الإيراني المُعاصر، وإدراك تشكُّلاته، وفهمِ مآلاتِ خِطابه في الواقع السياسي والاجتماعي.

وبنفس نظرة المرشد، يؤكِّد آية الله علم الهدى أنّ الأزمة أظهرت عدمَ قُدرة الأنظمة الحاكمة في العالم على الإدارة(29)، ومن ثمَّ فإنّ الحلّ من وجهة نظرِه لإصلاح العالم هو الحكومة العالمية بزعامة الإمام المعصوم: «فالعقيدة المهدوية هي فكرٌ سياسيٌ عالمي، وقد نشأ لتتمَّ إدارةُ حياة البشر بطريقةٍ تفوقُ الطريقةَ البشرية، وذلك بعد أن سئم العالم من الأنظمة الإدارية المختلفة»(30).   

وهذا التضخيم من دور الإمام الغائب في إنقاذ العالم وتصحيح مساره، قُوبِل بتصريحاتٍ لافتة صادرةٍ من داخل الجماعة العلمائية، ففي تصريحٍ لافت لرجل الدين الإيراني قاسم ترخان، قال: إنّ الإمام الغائب مُعرَّضٌ للمرض بسبب فيروس كورونا: «قد يمرض -الإمام الغائب- ويطلب منّا أن ندعو من أجل صحّته»(31)، و: «قد يُصاب الإمام المعصوم بالمرض، وقد يتسبَّب الفيروس أو عاملٌ آخر بالمرض والوهن له»(32).  

لكن يبدو أنّه استشعَرَ تبِعات تِلك المقولة، ومدى إشكاليتِها؛ لأنّه إذا اعتُبِرت كمُقدِّمةٍ منطقية، فيُمكن الخروجُ منها بعدَّة نتائج، كالقول بموتِه، أو عجزِه، ونحوَ ذلك؛ ولذا وازَنَ الكلام مرَّةً أخرى، وألمحَ إلى أنّ الإمامَ المعصوم بإمكانه أنّ يشفي المرضى، لكنّه لا يتدخَّل إنفاذًا لقوانين السُنَن الكونية، أو أنّه يمتنعُ عن التدخُّل بسبب ذنوبِ البشر: «لا يُتوقَّع من الإمام تحطيمُ نظام الأسباب والمُسبِّبات، ونفسُ الأمر ينطبقُ على سُنَن الله في الكون..، وأحيانًا يكون سببُ المرض هو الذنوب التي يرتكبُها البشر، مثلما أنّ العديدَ من المشاكل البيولوجية ناجمةٌ عن الأداء غيرِ الصحيح للبشر»(33).

وقد باتت المسألة المهدوية أداةً من أدواتِ الصِراع والتوظيف السياسي، وتُستحضَر كثيرًا في الأزمات، كنوعٍ من أنواعِ اللجوء إلى الأيديولوجيا، والتأثير على الجماهير، وتعزيزِ الشرعية، والمزايدات المذهبية، وقد فصّلنا القولَ فيها في موضعٍ آخر(34).

  • من المحنة إلى المنحة: ابتلاءٌ لا وباء

طالب المرشد الإيراني علي خامنئي من الجميع أن يتوسَّلوا ويلتفتوا إلى الله عزّ وجلّ، من أجل رفعِ الوباء، ووفقًا لقولِه فإنّ هذا البلاء: «ليس عظيمًا جدًّا، وقد شهدنا أعظمَ منه لكنّني أعقدُ الأملَ الكبير على الدعاء النابِع من قلوب الشباب النقية والصافية والأتقياء؛ لأجل دفعِ البلاءات العظيمة». ثمّ طالبَ بقراءة أدعيةٍ مذهبيةٍ خالِصة: «فالدعاء السابع في الصحيفة السجّادية دعاءٌ مميَّز، وينطوي على مضامين رفيعة»(35)، ويعود فيؤكِّد في موضعٍ آخر، أنّ الدعاءَ يجلبُ البركةَ للمجتمع، وأنَّ كورونا ابتلاءٌ وامتحانٌ للحكومات والشعوب(36)؛ وقريبًا من ذلك، يذهب آية الله الأعرافي في بيانٍ له حول فيروس كورونا: «النوازل والكوارث الطبيعية في منظور الشريعة ما هي إلا امتحاناتٌ واختباراتٌ إلهية للعباد؛ من أجل رفعِ منزلةِ المؤمنين وإعلاءِ درجاتِهم عند الله تعالى، وتحذيرٌ للمقصِّرين والمتهاونين في شرائع الله وطاعته»(37)، ويوصِّي آية الله خاتمي الناسَ بالدعاء، لرفعِ الابتلاء: «إن الآيات والروايات تُوصي المؤمنينَ بالصبر والتأنِّي في مواجهة المشكلات والبلايا..، وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»(38).   

ولتواتُر مِثل تِلك المقولات الدينية، استحضارًا للبلاء والابتلاء، والدعاء، ينبغي أن نطرَحَ تساؤلًا متعلِّقًا بعقيدة الولائيين الشيعة في الجبرِ والاختيار؟!  

بالنسبة لعلماء الكلام الشيعة عمومًا، فإنَّهم لا يقولون بالجبر، فيذهب آية الله جعفر السبحاني -مقرِّرًا لمذهب المدرسة الشيعية- إلى أنّ الإنسانَ مخيَّر، وأمّا عِلمُ الله فتعبيرٌ عن الواقع الخارجي، بما لا يتخلَّف عنهُ قيدَ شعرة(39)، ويؤكِّد ذلك مصباح يزدي بقوله: «فإذا حدثت هذه الأفعال على صفة الجبرية، تكون قد تحقَّقت على خلافِ العِلم الإلهي، وتخلَّفت عنه»(40)، وقد يُستدرَك على هذا ما قِيل عن التلازُم بين العِلم والمشيئة، فقد ذهبَ أبو جعفر القُمِّي إلى أنّ العِلم والمشيئة متلاقيان، فما يعلمُه الله يشاؤه، لكن استدرَكَ عليه الشيخُ المفيد وقرَّر أنّ مقولةَ أبي جعفر القُمّي ليست مذهبَ الإمامّة(41)، ومن العبارات المشهورة في موقف الإمامية من تلك المسألة، قولُ جعفر الصادق: «لا جبرَ ولا تفويض بل أمرٌ بين الأمرين»(42)، وهي قريبةٌ من مذهب الأشاعرة، وإن لم يُصرِّحوا بالكسب الأشعري، ولم يتماهوا مَعه.  

وبالنسبة للولائيين، فإنّهم نظريًّا نفوا كلَّ جبر، فيقول مرتضى مطهري في الجبر والاضطرار: «الحقُّ أنَّ الحوادث التاريخية لو كانت تقعُ على وجهِ الجبر والاضطرار، لما عادت للفرد أيّ مسؤولية، ولما عادَ أيُّ فردٍ يستحقّ التمجيد والثناء، أو الذمّ واللوم»(43)؛ ونجد نحوَ ذلك عند جعفر السبحاني، الذي نفى كلَّ جبرٍ على الإنسان، ومنحهُ الحُرية المُطلَقة في الاختيار والأفعال(44)، وكذلك تؤكِّد عبارات يزدي آنفةُ الذِكر نفسَ الاتجاه.

لكن في نفس الوقت نجدُ أنّ القدَرَ يُستحضَر على المستوى العملي/ السياسي، فكلّ شيءٍ وقَعَ إنّما هو بإرادة الله ومشيئته وفِعله، فأزمةُ كورونا، بلاءٌ وابتلاءٌ من الله، ولا تُرفَع إلّا بالدعاء، وباتَت من تمهيدات ظهورِ المعصوم؛ والمفارقة أنّ الولائيين رغم قولِهم بالحرِّية والاختيار، يقولون بفردانيةِ النموذج المعرفي، ووحدانية الثقافة الفلسفية للمجتمع البشري كلّه، كما جاء على لسان مطهري، أيّ إجبارُ المجتمع البشري على اعتناقِ نموذجٍ بعينه، وذلك تناقُضٌ صَراح مع القول بالاختيار.

ويحاول آية الله مصباح يزدي الخروجَ من هذا الإشكال، فيذهب إلى أنّ الدعاءَ والابتهال، لا يتعارض مع قانون العلّية العامّة: «إنَّ هناك شُبهاتٍ ورَدَت حولَ الدعاء، مفادُها أنّ الابتهال إلى الله ودعاءه مما يتعارض وقانون العلّية العامّة، والذي تُثبتُه ضرورة العقل وتعتمدُ عليه الأبحاث العلمية. إنّ للدعاء تأثيرًا إيجابيًا على الإنسان لا يمكن أن يتعارضَ وقانون العلّية، على سبيل المثال: فإنّ طلبَ الكمال من الله سبحانه لا يحملُ تعارُضًا مع العلّية العامّة»(45)، وعضَّد قوله بأنّ في الكونِ عللٌ لم يكتشفها الإنسان، ويمكن أن تُعَدّ في سلسلةِ العِلل غيرِ المادِّية، وبالتالي يتّضحُ ما يحملُه الدعاءُ من تأثير، لا يتعارضُ مع العلّية العامّة(46).  

رابعًا: مركزيةُ العتبات: موانعُ الإغلاق وبواعثُ الفتح

كان الرأيُ الفقهي السائد في بداية أزمةِ كورونا لدى النُّخَب الدينية الإيرانية، عدمَ إغلاقِ العتبات والمراكِز الدينية، أو فرضَ عُزلةٍ صارمة على المُدن «المقدَّسة»، ويبدو من تسلسُل الأحداث والمواقف، أنّ هذا كان رأيَ الدولة، ممثَّلةً في المرشد الأعلى، والنُّخبَة الدينية.

وسرعان ما تطوَّر الموقف الرسمي لرجال الدين جرّاءَ الإصابات الكبيرة بالفيروس، والتي طالت عددًا من رجال الدين والمسؤولين الإيرانيين أنفسهم؛ ما حمَلَ النظامَ على التعاطي مع هذا الملفّ، والنظر إليه بعينٍ مختلفة. فقد مات رجل الدين هادي خسروشاهي (1938 – 2020م)، ورجلُ الدين محسن حبيبي، وأُشيع عن إصابة المرجع الديني شبيري زنجاني، بعد إصابة أحد مساعديه بالفيروس، وتمّ عرضُه على الفحص الطبِّي، الذي جاء سلبيًّا، لكنه تغيَّبَ عن دروسِه وصلوات الجماعة(47).

وأُصيبت أيضًا شقيقةُ المرجع شبيري زنجاني، وتُوفِّيت في إحدى مستشفيات قُم، وهي والدة محمد مير محمدي، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي تُوفِّي إثرَ إصابته هو الآخر(48).

وبسبب تلك الوفيات، اضطرَّت السُلطات لغلق العتبات، وتراجَع من كان يرفُض الغلقَ من رجال الدين، إلى تبريره فقهيًّا، والتماسِ المخارج الشرعية له، بل وسِمَ المحتجِّون على قرار الغلق بـ «الخوارج». أيضاً فإنّ ضغوطًا دوليةً وإعلامية مُورِست لإغلاق تِلك العتبات، التي بدت كسببٍ من الأسباب الرئيسية لنشرِ الفيروس في عموم البلاد، بسبب التجمُّعات الدائمة. كذلك فإنّ لجوءَ الإيرانيين إلى المجتمع الدولي لطلب الدعم الطبِّي والاقتصادي، أوجبَ على المسؤولين استباقَهُ ببعض الإجراءات الجادَّة في الداخل.

ويمكن رصدُ مواقف رجال الدين تجاه غلق العتبات، من خلال المراحل التالية:

المرحلة الأولى: بين المذهبي والمصلحي.. رفضُ غلق العتبات

هناك ميراثٌ روائي مُحمَّلٌ بطهرانية تلك العتبات، وأنّها مواطنُ دواء، تُشّفي من الأسقام والأوجاع، وشكَّل ذلك التراث العقلَ الجمعي لرجال الدين، والذاكرةَ التراكُمية للعامّة عقودًا وقرونًا من الزمن. وكانت هذه المقولات الروائية سببًا رئيسيًّا من أسباب موقف رجال الدين، ومن تلك الروايات، ما جاء عن الحسين قوله لرسول الله: «يا أبتاه، ما لمن زارك؟»، فقال رسول الله: «يا بني من زارني حيًّا أو ميِّتًا أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقًّا عليَّ أن أزورهُ يوم القيامة وأُخلِّصه من ذنوبه»(49). وقد حملوا ما جاء من فضلٍ في زيارة النبي إلى زيارة الأئمة، ثمّ إلى زيارة عموم العتبات من أقارب المعصومين، والفقهاء المعروفين. فقد روى الكليني بسندِه عن جعفر الصادق، قِيل له: «ما لمن زار أحدًا منكم؟»، قال: «كمن زار رسول الله صلى الله عليه وسلَّم»(50)، وفي روايةٍ أخرى يحثّ جعفر بعضَهم على الزيارة بقوله: «ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة، ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون؟»(51).

ولذا كان رفضُ الإغلاق هو الموقفَ الأوّل لجناحٍ عريض من رجال الدين؛ فآية الله السعيدي -ممثِّل المرشد في مدينة قُم- طلبَ من الناس الذهابَ إلى «الحرم المقدَّس» لأنّه موضعُ شفاء، قائلًا: «نعتبرُ هذا الحرم المقدَّس دارَ شفاء، ودارُ الشفاء يعني أن يأتي الناس إليه للحصول على علاجٍ لأمراضهم الروحية والجسدية، وبناءً على هذا يجب أن يبقى هذا المكان مفتوحًا، ويجب على الناس أن يأتوا بكثرة. بالطبع نحن نعتبرُ أخذَ الحيطة والحذر شرطًا، وأنّ علينا مُراعاة المسائل الصحِّية»(52).  

وعندما علَّق مجلس محافظة قُم صلاةَ الجماعة في مرقد «السيِّدة المعصومة» بُغية تعقيمه، أصدَرَ موقع المرقد مذكرةً تنتقدُ قرارَ مجلس المحافظة، واستندَ إلى أنّ: «هيكل الضريح مُضادٌ للجراثيم، وهو حاجزٌ قويٌ لوباء كورونا»(53)، ومن الملاحظ أنّ الاعتراضَ ليس فقط على غلقِ المرقد، بل على عمليات التعقيم، باعتبار الحرم «المقدَّس» دارَ شفاء، وهيكلُه مضادٌ للجراثيم!

وبسبب تلك المواقف الغارقة في المذهبية والطُقوسية، ازداد تفشِّي الفيروس، واتّسعت رقعةُ انتشاره، وانعكس موقفُ رجال الدين على جمهرةٍ من المقلِّدين، فحاولَ بعضُ العامّة تحدِّي الفيروس عبرَ لعقِ الأضرحة باعتبارها أماكنَ شفاء، وليست مواطنَ وباء!

وقامت السُلطات باعتقال بعض الذين نشروا فيديوهاتٍ لهم أثناء لعقِ المقامات، باعتبارهِم خالفوا تعليماتِ وزارة الصحَّة، وقالت السُلطة القضائية إنّ هذا العمل «غير مألوف»(54)

في حين تردَّد مراجعٌ آخرون، فلم يحسموا المسألة، بالأدلّة المُتعارَفة أُصوليًّا وفقهيًّا. فالمرجع نوري همداني قال في معرض ردِّه على فتوى حول السفر إلى قُم بنيةِ الزيارة وأداء النذر: «إنّه ينبغي أداءُ النذر في وقتٍ آخر، في حالة انتفاءِ الضرر»(55).

وقال المرجع مكارم الشيرازي ردًّا على نفس السؤال: «إذا لم يكُن هناك خطرٌ كبيرٌ عليك مع مراعاة نصائح السلامة والصحّة، فلا مانعَ من القيام بهذه الزيارة، وإلّا فلن تكونَ مضطرًّا لأداء النذر في ظلّ الظروف الحالية، وعليك القيامُ بذلك بعد انتهاء الخطر»(56).

وبناءً على هذا الموقف المتحوِّط، فقد عُطِّلت كثيرٌ من المؤتمرات والندوات الرسمية في عددٍ من المساجد التاريخية، مِثل مسجد جامكران، وغيره(57)، بيدَ أنّ العتبات ظلَّت مفتوحةً، للاعتبارات السابقة.

والمُلاحَظُ أنّ مطالبات رجال الدين لم تكُن حاسمة، بل كانت متناغمةً مع قرار السُلطة الذي وضعَ ضوابطَ صحِّية لزيارة العتبات(58)، ولم يمنعها بالكُلِّية؛ ومن تلك الضوابط: التعقيم، وغسلُ اليدين، والأقنعة الطبية(59).

ويأتي هذا التردُّد رغم أنّ الأطباء والقطاع الصحِّي قد حسموا مسألةَ ظنِّية الضرر أو قطعيته، وطالبوا مرارًا بمنع الذهاب إلى قُم -والعتبات- باعتبارها مركزَ تفشِّي الفيروس في البلاد.

واستندَ موقفُ رجال الدين المبدئي ضدَّ غلقِ العتبات إلى عدَّة مسائل معقَّدة ومتشابكة، فالمسألة المالية والموارد حاضرةٌ بقوّة في خلفيات هذا الرفض، إذ إنّ التُجّار المتديِّنين ممن يملكونَ الفنادقَ والشركات القائمة على الزوّار والعتبات يساهمون في تمويل رجال الدين عن طريق الخُمس، وغيره؛ ومن ثمَّ فإنّ مواردَ رجال الدين تُتهدَّد جرّاء هذا الإغلاق، علاوةً على الخشية من اهتزاز مكانتِهم المجتمعية، وشرعيتهم بين عموم المقلِّدين، إذ إنّ التقليد ينبَني على الصِلة الفقهية المستمرّة بين المرجع وأتباعه، وهذه الصِلة منها ما هو علمي، ومنها ما هو شعائري. أيضًا فإنّ الدولة نفسها كأجهزةٍ ومؤسَّسات تُفادُ كثيرًا من تلك العتبات، باعتبارها راعيةً للحُجّاج والزوّار، مع ما تضيفه تلك المراسم من شرعيةٍ مذهبيةٍ كبيرة داخل إيران وخارج إيران عند عمومِ الجماعة الشيعية.

المرحلة الثانية: أولوية المصلحي.. إغلاق العتبات

بعد سرعان انتشار المرض، وتزايد عدد الإصابات، ونصيحة الأطباء المتكرِّرة بوجوبِ تطبيق قواعد أكثرَ صرامةً بخصوص العتبات، ووفاة وإصابة عددٍ من المسؤولين، قرَّرت السُلطات الإيرانية إغلاقَ المراقدِ والعتبات.

وجاء في بيانٍ مشترك للعتبة الرضوية وإدارة حرمِ المعصومة: «إنّه نظرًا لحلول السنة الإيرانية الجديدة، وتوافُد الزوّار إلى العتبات المقدَّسة في مدينتي مشهد وقُم المقدَّستين، واجتنابًا لانتشار الأمراض والأوبئة، نُعلن عن توقُّف استقبال الزوار في هذين الحرمين الشريفين من صباح يوم الثلاثاء ١٧ من شهر مارس حتّى إشعارٍ آخر»(60)؛ وأعلنَ قسم العلاقات العامّة لمرقد عبد العظيم الحسني إغلاقَ أبوابه حتّى إشعارٍ آخر، حفاظًا على سلامة الزوّار أيضًا، وبنحوِ ذلك قرَّرت إدارة مسجد جمكران(61).

وكان من المتوقَّع أن يُقلقَ القرارُ رجالَ الدين بمختلف ميولهم، لذا فقد حاولَ الرئيسُ الإيراني امتصاصَ غضبهم(62)، ومع ذلك فقد قُوبِل القرارُ بمعارضةٍ ظاهرة، لبعض رجال الدين والتيّارات المناهضة للنظام، واتّخذت المناهضةُ والتعامُل معها أبعادًا سياسية.

  1. المؤيِّدون للقرار: تعزيزُ الشرعية الولائية

حاولَ رجالُ الدين الولائيين التناغُم مع مَنحى السُلطات الرسمية في إغلاق العتبات، وبرَّروا الإغلاقَ فقهيًّا ومذهبيًّا، حتّى أولئك الذين عارضوه من قَبل.      

حيث طالبَ آية الله علم الهدى ممّن سمّاهُم محبِّي آل البيت السيطرة على مشاعِرهم، كي لا يتمكَّن الأعداء من استغلال الأوضاع، وحاولَ علم الهدى إيجادَ تخريجاتٍ فقهية، وتبريراتٍ عقلية، لقرار السُلطة، وتمثَّلت أبرزُ مقولاته فيما يلي:

  • إذا كانت الاستغاثة بآل البيت أفضل علاجٍ لرفع المصائب؛ فعلى الناس أن يقفوا على أسطُح المنازل ويتّجهوا إلى الإمام الكاظم، ويقرأوا دعاء الزيارة ويتوسَّلوا به لرفع هذا البلاء.
  • حضور الناس في حرم الإمام الرضا غير ممكن، لأنّ أمرَ إغلاق أبواب الحرم صادرٌ عن خبراء طبِّيين ومسؤولين في مكافحة الفيروس.
  • الأشخاص المسؤولون عن هذا الأمر منزعجون وقَلِقون من هذا الإغلاق أيضًا، فمثلُهم مِثل عامّة الناس.
  • ليس هناك شخصٌ يقع اللوم عليه، فلم يُغلق العدو أبواب الحرم كي نقاومه، وإن اقتضاء الحياة الاجتماعية ووجودَ هذا المرض والفيروس، أدَّى إلى إصدار المسؤولين هذا الأمر(63).

ومن ثمَّ نجد أنّ علم الهدى يحاول إرجاعَ مسألة الإغلاق إلى الحكم الولائي، ومصلحة عامّة الناس «محبِّي آل البيت»، والتي يراها الولي الفقيه، الذي هو منزعجٌ أيضًا وقلقٌ من الإغلاق، وبالتالي لا يقع أيّ لومٍ عليه؛ لأنّه ليس عدوًّا يُقاوَم.

أمّا آية الله مصباح يزدي، فقد استندَ إلى قاعدة التزاحُم(64)، وكَيَّفَ المسألة أصوليًّا كالتالي:

  • هناك تزاحُم بين النفع والضرر، ووجبَ تحديدُ أهمّها، والتحديد لا يكون بالعواطف والمشاعر.
  • امتناعُ المرشد عن زيارة مشهد، وإلغاء خُطبته هناك.
  • إذا استمرّ الإغلاق سنواتٍ عديدة وأدَّى إلى تناسي الناس، فسوف يحتاجُ الأمرُ حينئذ إلى برنامجٍ خاصّ. فيُذهِبُ الإمامُ البعضَ على نفقةِ «بيت المال»، على غِرار عدم تعطيل مبدأ الحجّ، لكن هذه الموارد نادرة.
  • البعض يريد أن يستغلَّ الإغلاق استغلالًا سياسيًّا، ولأغراضٍ شخصية، لإثارة الفُرقة بين الناس(65).

فركَّز مصباح يزدي على فعل المرشد/ الولي الفقيه في الامتناع عن زيارة مشهد، ومن ثمَّ حُجّيةِ ذلك الفعل، والتأسِّي به في الامتناع؛ لأنّ أمرهُ ملزم، وقد بدأ بنفسه. وسأستدلُّ بقاعدة التزاحُم، والتي يفصِّل الأمر فيها الفقهاء، لكن إذا تعلَّق الأمر بشأنٍ من شؤون الدولة فإنّ أمر الولي الفقيه مُقدَّمٌ باعتبار ولايته، بخلاف غيره من الفقهاء. لكنَّ المفارقة أنّه قاسَ زيارةَ العتبات على الحجّ، وهو أمرٌ لا يستقيم من ناحية القياس الأصولي، بيد أنّ هذا الاستدلال يدلّ على مكانة تلك العتبات في العقل الجمعي الإيراني- الشيعي، ومن ثمّ يؤشِّر على أسباب تأخُّر قرارِ الغلق.

  • الرافضون للقرار: مواجهةُ الولي الفقيه

 اعترض بعض الناس من فئات المتديِّنين على إغلاق المراقد والعتبات، وحاولت مجموعاتٌ من الشيرازيين وعموم المتديِّنين اقتحامَ حرمِ المعصومة وفتحهُ بالقوّة، وتمّ اعتقال أحد عشر شخصًا «انتهكوا حُرمة ضريح آل البيت»، وفقًا للمدَّعي العام في مدينة قُم(66).

وقارنَ المحتجُّون بين عدمِ تمكُّن رضا خان من غلقِ المراقد والعتبات، في حين تمكَّنت حكومة الولي الفقيه من ذلك، وسارعَ مُنظِّرو النظام(67)، بتفنيد تلك المقارنة، باعتبارها مقارنةً «غير منصفة»؛ لأنَّ رضا خان كان يُعارض المظاهر الدينية، في حين أنّ الإغلاقَ الحالي هو إغلاقٌ مؤقَّت، للمحافظة على أرواحِ الناس، واستندوا إلى مسألة الحكم الولائي/ الحكومي، الذي يمنح الولي الفقيه الحقَّ في تعطيل أيّ عبادةٍ حتّى ولو كانت الصلاة والحجّ لمصلحةٍ يرتئيها؛ فـ «قوانين الحكومة الإسلامية وعلى رأسها الفقيه، واجبةٌ على الجميع، وكان الخميني يؤمن أنّ تجاوُزَ الخطّ الأحمر مُحرَّمٌ شرعًا؛ لأنّه انتهاكٌ لقوانين الحكومة الإسلامية»(68).

ووُصِفَ هؤلاءِ المُحتجُّين على القرار من قِبَل المسؤولين بالمُتحجِّرين فكريًّا، وبالخوارج؛ فيصِفُهم علي مطهريّ، بقوله: «إنّ الأفرادَ المتحجِّرين فكريًّا الذين اقتحموا حرمَ المعصومة احتجاجًا على إغلاق أبوابه، وكسروا الأبواب يجبُ اعتقالُهم ومعاقبتُهم، سواءً بسبب مساعدتهم في تفشِّي فيروس كورونا أو بسبب إضعافِ الإسلام والشيعة، فأولئك أحيوا ذكرى الخوارج»(69).

ولا يخفى أنّ استحضار مُصطلح «الخوارج» في بيئةٍ مذهبية ومسألةٍ شعائرية، تحريضٌ وتسقيط: تحريضٌ للدولة على التعامل الأمني باعتبار أنّ دماءَ الخوارج مُهدَرة، وتاريخُهم مع الشيعة مُشْكَلٌ، وتسقيطٌ مذهبي لهم بنزعِ انتسابهم إلى الجماعة الشيعية، ووضعِهم في جانب أعداءِ آل البيت!

واعتبر مسؤولون آخرون أنّ تلك الاحتجاجات دليلٌ على صرامةِ تنفيذ القرار بالنسبة للسدنةِ في تلك المحافظات، ومن ثمَّ ينبغي: «إبداء التقدير لرجال الدين ودعمهم، والشعبُ سوف يُقدِّر تفانيهُم والمخاطر التي يتعرَّضون لها»(70).

وكان التيّار الشيرازي على ما يبدو أبرزَ الرافضين لغلق المقامات، وهو وإن لم يتبنَّ اقتحامَ «حرم المعصومة» رسميًّا، إلا أنّ تنديدًا رسميًّا صدَرَ من مكتب أحد زعامات التيّار ضدَّ اعتقال مقتحمي الحرم؛ فقد اعتبرَ الشيخ ياسر الحبيب، أنّ اعتقالهم جريمة: «هذه الجريمة تُضاف إلى سجلّ جرائم هذا النظام الطاغي، الذي لا يعرفُ سوى منطق القمع والتنكيل، ولا يرقَبُ في أحدٍ إلًّا ولا ذمة»(71).

وقد اتّهمت وسائل إعلامٍ إيرانية المرجعَ صادق الشيرازي شيخُ التيّار في قُم، بالوقوف خلفَ تلك الأحداث(72).

واتّهمت الحكومة التيارَ الشيرازي رسميًّا باقتحام حرمِ المعصومة، وذكر مصدرٌ حكومي أنّ هناك خمسة أشخاصٍ ينتمون للتيّار الشيرازي من بين أحد عشر شخصًا تمّ اعتقالُهم، أحدهم هو المشرف على قناة شبكة المرجعية التابعة للتيّار، وعددٌ منهم من ضاربي السيوف في عاشوراء في قُم، والبعض الآخر من مجموعةٍ أُخرى كانوا يريدون تأليبَ الوضع وِفق اعترافهم؛ ومن ثمَّ تمّ تحميلُ التيّار مسؤوليةَ اقتحامِ الحرم، فهو: «المسؤول عن الحادث، وأنّ ما يُشاع عن أن تيًارًا آخر هو المسؤول عن الاقتحام، عارٍ عن الصحّة»(73).

ويبدو أنّ النظامَ وجدَ مبرِّرًا كافيًا لامتصاص غضبِ بعض القواعد والمتديِّنين بسبب إغلاق العتبات، بإلقاء تُهمة الاقتحام والاحتجاجات على التيّار الشيرازي، رغم أنّ المعارضةَ في بداية الأزمة كانت من رجال الدين المحسوبين على النظام نفسه، قبل أن تصير المسألة حكومتيةً.

وعند مقارنةٍ وجيزة بين المرجعية الدينية في النجف، ومراجع الدين في إيران، نجدُ أنّ المرجعية النجفية وإن واجهت أصواتًا معارضة لغلق العتبات، إلّا أنّها تفهَّمت غضبَ الناس، ومشاعِرهم المذهبية، فلم تُحرِّض على المعارضين، أو تسعى لتسقيطِهم مذهبيًّا وسياسيًّا، حتّى عندما تمّ اقتحام العتبة العلوية أو الكاظمية من تيّاراتٍ بعينها(74). وقال آية الله بشير النجفي حينئذٍ: إنّ قرار الغلقَ من أجل الاحتياط على حياة شيعة الأئمة، وللمحافظة على مذهبهم، وطالبَ بالاستشفاء بهم عن بُعد(75).

ومردُّ موقفِ النجف، أنّ المرجعية العُليا هناك لا ترى فتاواها أحكامًا ولائية، بخلافِ النُّخبة الدينية في إيران.

وهذا يُحيلنا إلى مسألةٍ مهمَّة بخصوص غضبِ السُلطة الإيرانية من أولئك المحتجِّين على الغلق الرسمي للعتبات، رغم تفهُّم النُّخبة الدينية لغضب كثيرٍ من الناس، ورغم معارضةِ جماعةٍ من داخل الجماعة العلمائية للإغلاق قبلَ قرار الغلقِ الرسمي، ومن ثمَّ فإنّ غضبَ السُلطة ممّن احتجُّوا وحاولوا فتحَ الضريح بالقوّة، محمولٌ على صدور هذا الفعل من تيّارٍ معروف بمناهضتِه للولائيين وقراءتهم الفقهية ونموذجِهم الحُكْمي، فاعتبرتهُ السُلطة عدمَ مبالاةٍ بقرارٍ رسميٍ صادرٍ عنها، ومحاولةَ كسره وعدمَ التقيُّد به؛ ما ينالُ من شرعيتها في مسألةٍ شعائرية مذهبية، ومركزية لدى عموم التيّارات الشيعية؛ واعتبرته السُلطة كذلك عدمَ تقيُّدٍ بالأحكام الحكومية وتقديم الأوّلي بالثانويّ عليها، وهو ما تعي السُلطة مخاطِرهُ داخل الجماعة الشيعية إنْ تمّ تمريره وتغاضي الطرف عنه، حيث إنّه لا إجماعَ علمائي لأولوية الحكومي على الأوّلي فضلًا عن الثانويّ(76)، فإذا سُمِح لهؤلاء إنفاذ قراءتهم الأُصولية والفقهية على أرض الواقع، سيؤدِّي ذلك إلى أحقِّية كافَّة المقلِّدين للمراجع المخالفين في تلك المسألة أو غيرها، ممّا يتعلَّق بالدولة والسياسة إلى إنفاذ مقولاتهم المذهبية في الواقع، فتفقِد السُلطة سُلطتها السياسية، وهيبتها المذهبية. لذا آثرتْ وقدَّمت كبحَ جماحِ هؤلاء ومعاقبتهم على تفهُّمِ مطالِبهم، وعاطِفتهم المذهبية، خِشيةَ تضخُّم الظاهرة وتعملُقِ أصحابها، ويدلّ على ذلك أنّ المحافظين أنفسهم طالبوا الحكومةَ بفتحِ العتبات بعد تلك الحادثة بأيّامٍ قليلة.  

المرحلة الثالثة: تهيئةُ الرأي العام لاستئنافِ الشعائر

في هذه المرحلة، طالبت أصواتٌ محسوبةٌ على المحافظين، بفتح المراكز الدينية في البلاد، وكان فيما يبدو نوعًا من ممارسة الضغط على الحكومة، وتهيئة الرأي العام لإعادة فتحها.

وأرسلَ 266 رجل دين ومنشد للرئيس الإيراني حسن روحاني، يطالبونه فيها بإعادة افتتاح الأماكن الدينية في ظلّ أيام شهر رمضان، واعتبَرت وسائلُ إعلامٍ مقرَّبة من المحافظين، أنّ هذه المطالب «تمثِّل إرادة الشعب الإيراني»(78)، وطالب مدير الحوزات العلمية نفسُه بتقديم موعد فتحِ الأماكن الدينية.

ويبدو أنّ الرئيس روحاني تفهَّمَ ضغوطَ المحافظين وخلفياتها، فقال: «إنّ الحكومة غيَّرت قرارها بناءً على طلبِ مدير الحوزات العلمية، وقدَّمت تاريخَ إعادة فتحِ الأماكن الدينية خمسة عشر يومًا، إلى الأمام»(79).

واللافت أنّه أُعلن أنّ تقديمَ تاريخ فتح العتبات إنّما جاءَ بطلبٍ من مدير الحوزات، وهو مؤشِّرٌ إمّا على عدم موافقتِه وحكومتِه على مبدأ الفتح في تلك المرحلة، أو على الأقلّ عدمِ تحميلِهما تبعات هذا القرار، وإمّا كانت مقولتُه بمثابة رسالةٍ إلى الجماهير أنّ مسألةَ فتح العتبات هي مسألةٌ مُتشابكة وليست منحصرةً في قرار الحكومة فقط، بل هناك فواعل آخرون يعنيهم الأمر، كالنُّخبة الدينية الحاكمة.  

ومع أنّ مدينتي قُم ومشهد لم تنضمّا رسميًّا للمناطق البيضاء حينئذ، إلّا أنّ روحاني وتماشيًا مع الضغوط السابقة، أملَ أنْ تنضمّ المدينتان سريعًا إلى المناطق البيضاء، ومن ثمَّ يتمّ فتح المساجد والعتبات في المدينتين(80).

ودافعَ روحاني عن رجال الدين إزاءَ موقفِهم من الأزمة، فقال: «إنّ حساسيةَ وهواجس مراجع وعلماء الدين للحفاظ على أرواح وصحَّة المواطنين إزاءَ تفشِّي فيروس كورونا، كانت بالضبط موازيةً وبذات القدرِ للحساسية والهواجِس لدى مسؤولي الشؤون الصحِّية، وهو أمرٌ يحظى بأهمِّيةٍ فائقة”(81)، وتلك العبارات سِيقت في مقامٍ تبريريٍ ودفاعي، ومن ثمَّ رُبّما يُفهَم منها إدانتُه للنُّخبة الدينية، أكثر ما يُفهَم منها التبريرَ والدفاع».

المرحلة الرابعة: استعادةُ المذهبي.. فتحُ العتبات

بعد ضغط المحافظين ورجال الدين على الحكومة لفتح العتبات والمراكز الدينية، وإعادة الحياة في المدن الدينية إلى طبيعتها، قرَّر المسؤولون الحكوميون فتحَ العتبات والمراكز الدينية نهايةَ مايو 2020م، رغم تأكيدهم في بداية الشهر نفسِه أنّ العتبات والمراكز الدينية ستظلّ مُغلَقةً حتّى يُسمَح بفتحِها من السُلطة الطبِّية المُختصَّة.

وصرَّح المرشد نفسه أنّه لا يتدخَّل بخصوص فتح العتبات، وأنّه: «يتبع الرأي والتشخيص الخبرائي للجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا»(82)، إلّا أنّه استدرك قائلًا: «لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ العبادات والتوسُّل بالله تعالى خاصّةً في شهر رمضان المبارك وليالي القدر تُعَدّ من الحاجات الأساسية والحتمية للمواطنين»(83). ثمّ لفت الانتباه إلى إمكانية وضع قواعدَ صارمة في حال فتحِ المراكز الدينية، مؤكِّدًا أنّ: «المؤمنين ومرتادي المساجد سيلتزمون بها»(84).

وكان ذلك بمثابة تهيئةٍ للرأي العام بقرار الفتح، وتطمينٍ له بخصوص الاحتياطات الطبِّية، إذْ ردَّد آية الله علم الهدى نفسَ الكلام، فقد أبدى استعدادَ المسؤولين في خراسان وفي القدس الرضوي لاستقبال الزوّار، مع تنفيذ أيّ برامج طبِّية يُحدِّدها المختصُّون(85).

ويبدو أنّ المرشد والنُّخب الدينية مارسوا ضغوطًا على مسؤولي الصحّة؛ ليصلوا إلى صيغةٍ تُنهِي مسألةَ إغلاق المراكز والحوزات الدينية في البلاد. يؤشِّر على ذلك ما صرَّح به وزير الصحة سعيد نمكي أنّهم عقدوا اجتماعًا بتوصيةٍ من المرشد، لإيجاد طريقةٍ لإعادة فتحِ المساجد أمام المصلِّين: «لحُسن الحظّ، فقد توصَّلنا إلى حلٍّ مناسب سيتم الإعلان عنه قريبًا”(86)؛ وتصريح وزير الصحَّة صريحٌ في توصية المرشد بإيجاد حلٍّ مناسب؛ وبناءً عليه، اتّخذت الهيئة الوطنية لمكافحة كورونا يوم 16 مايو، مجموعةَ قرارات، منها فتحُ العتبات آخر مايو، وإقامةُ صلاة عيد الفطر في كافّة أنحاء البلاد، والسماحُ بالتجمُّع يومَ القُدس في المحافظات البيضاء(87)، وبالفعل تمّت إعادةُ فتح العتبات يوم الاثنين 25 مايو، بعد إغلاقٍ دام 70 يوماً.

واشترط قرار فتح العتبات أن يتمّ فتحُها لدخول الزوّار ساعةً قَبل الشروق وساعةً قَبل غروب الشمس يوميًا -تمّ إلغاءُ هذا الشرط لاحقًا- مع ضرورة مراعاة كافّة القواعد والإرشادات الصحِّية(88).

ومع ذلك، أبدى آية الله علم الهدى اعتراضهُ على الفتح المشروط والمقيَّد للعتبات(89): «يتواصلُ الناس في السوق، ويتحدَّثون ويتعاملون معًا، ولكن في المرقد يقومُ الجميع بالزيارة وأقصى اتصالٍ بينهم هو الوقوف معًا..، فبأيّ مبرِّرٍ طبيٍ وعلمي يتمّ إغلاقُ المرقد ليلًا، وفتحُه نهارًا؟»(90).

ثم تطرَّق إلى النقطة المركزية لأسبابِ اعتراضِه، والتي عرقَلت المؤسَّسات المعنية في التبكير بغلقِ العتبات، وهي المسألة المالية، فقال: «في هذه المدينة المقدَّسة، خسِرت الشركات والفنادق ملياراتٍ من التومانات. حيث لا يأتي أحدٌ إلى مشهد، هل نُغلق أبوابَ المرقدِ ونوقِفُ الزيارة؟ للأسف، تمّ تجاهُل المصالح الاقتصادية للمحافظة ومشاعرِ الناس الدينية»(91).

وهذه المقولة تُبدِي أسبابَ حِرص النُّخب الدينية من بداية الأزمة لإبقاءِ العتباتِ مفتوحةً، ثمّ بعد ذلك الدعوة إلى تسريعِ فتحِها، فـ «المصالح الاقتصادية للمحافظة»، وبالتالي للمسؤولين في السُلطة في خطر، ومن ثمَّ كانت الدعوات الرسمية للانتقال إلى مرحلة «التعايش مع الفيروس»، وهو ما عبَّر عنهُ وزير الداخلية عبد الرضا رحماني: «يجب أن نتمكَّنَ من التعايُش بسلامٍ مع كورونا، وأن تسيرَ الحياة، وتتمّ الأنشطةُ في المجتمع. يجبُ أن يحدث ذلك مع الاهتمامِ والمراعاة الكاملة للبروتوكولات والمبادئ الصحِّية من قِبل الشعب والمسؤولين”(92).  

واستُؤنِف النشاطُ العلمي في الحوزة القُمّية أيضًا بدءًا من يوم 28 مايو، وقد أعلنَ آية الله الأعرافي رئيسُ الحوزات العلمية في إيران أنّ عودةَ دروسِ البحثِ الخارج والسطوح العُليا تمّ بعد التنسيق مع المراجع، والمجلس الأعلى للحوزة، ولجنة مكافحة كورونا(93)، ولا ننسى في هذا السياق ما صرَّح به روحاني من قَبل عن طلبِ مدير الحوزات العلمية تقديمَ موعد فتحِ العتبات.     

وحاصلُ القول إنّ رأي رجال الدين المبكِّر مُنذ بداياتِ الأزمة المتعلِّق برفض إغلاق العتبات والمراكز الدينية، ثمّ رأيُهم بتسريعِ وتيرةِ الفتح بعد الإغلاق بفترةٍ وجيزة، تمّ تقديمُه على رأي الخُبراء والمعنيين، بلْ رُبّما تعرَّض المعنيون في قطاع الصحَّة إلى ضغوطٍ من أجل تمرير تلك القرارات، أو الموافقة عليها، ولموقفِ رجال الدين أسبابٌ مذهبية، وأُخرى شخصية يتمُ مذهبتُها وتديينها.

خلاصة:

تخلُصُ الدراسةُ إلى أنّ النُّخبةَ الدينية الولائية حاولت تعظيمَ مكاسِبها الأيديولوجية والسياسية إبانَ أزمةِ كورونا، من خلال ترويجِ نظرية المؤامرة ضدَّ إيران، فردَّدت كثيرًا على المستوى الإعلامي والمذهبي أنّ الفيروس تمّ تخليقُه بيولوجيًّا من الأمريكان لاستهداف الثورة «الإسلامية»، والنموذجِ الحضاري الإيراني.

وفي نفسِ الوقت وموازاةً مع مقولةِ المؤامرة والتخليق، دلَّلَ الولائيون على إخفاقِ النموذج الفلسفي الغربي بفشلِه في مواجهة أزمة ِكورونا، وتمظهُرات هذا الفشل تتمثَّلُ في إقبالِ الناس على الضروريات والحاجيات الحياتية، وكذلك في اشتباكِ الدول الغربية للحصولِ على الموارد الطبِّية اللازمة، وبالتالي لم يبقَ أمام العالم سوى النموذج الفلسفي والحضاري الإيراني، الذي بدوره يمهِّدُ الأرضَ لظهور المعصوم لتأسيس حكومةٍ عالمية، ولم يروا في هذا الخطاب تناقُضًا مع ما ردَّدوه من قَبل عن تخليقِ الغرب للفيروس استهدافًا لإيران. لكنّ الملاحظَ أنّ الإمعانَ في تكرارِ النُّخب الدينية لتلك المقولة يؤشِّر على أنّ المعنِيَّ بها تلك التكتُّلات الولائية والمذهبية على مستوى الداخل لتمتينِها وتعمِيق ولائها، وكذلك التيّاراتُ التغريبية التي تروِّجُ للنموذج الحضاري الغربي وفلسفتِه، لتكميشِها واستلابِ حُجَجِها ومنطِقِها، وقواعِدها. أيّ أنّ تلكَ المقولات هي جزءٌ من معركةِ الداخل ضدَّ التيّارات التغريبية، وأُخرى مناهِضةٌ تُطالب بالحرِّيات ومزيدٍ من الفصلِ بين السُلطات، و«لبرلةِ» الحياةِ السياسية والاجتماعية.

كذلك ركَّز رجالُ الدين على المقولاتِ المذهبية والعقدية، كالإيمانِ بالقضاء والقدر، وتحوُّل المحنةِ إلى مِنحة، ولم يروا كذلك في هذا الخطاب تناقُضًا مع مقولاتهم الكلامية حولَ نفي الجبر والاضطرار.

وربما تؤشِّر طريقةُ تفاعُل النُّخَب الدينية مع أزمة كورونا، إلى تضاؤلِ قُدرتهم أمامَ الحُلول المدنية الفاعِلة، والعقلانية، التي تُرضي المجتمع، وتنالُ مقبوليتَهُ بصورةٍ واسِعة.

أيضًا فإنّ السُلطات الإيرانيّة لم تتغاضَ عن القناعاتِ العقدية والمذهبية أثناءَ الأزمة، فقامت باعتقالِ بعضِ المُحتجِّين على قرارِ إغلاقِ العتبات، معتبرةً ذلك تهديدًا للقراءة الولائية، ونبذًا للحُكم «الحكومي»، وتقديم قراءاتٍ مُغايرة لا ترى في الحُكم الحكومي أيَّ إلزامٍ شرعي، سوى باعتبارهِ مصلحةً عامّة، وشأنًا دنيويًّا لا يرقَى لموازاةِ الحُكم الأوّلي والثانوي، لذا سارعَ الولائيون -موازاةً مع التعامُل الأمني- بتعزيزِ حضورهِم الفقهي بنفس الأدواتِ القواعِدية والأُصولية، فاستدلُّوا بقاعدةِ التزاحُم، وغيرها من قواعد تُؤصِّلُ لقراراتِ السُلطة فقهيًّا وأصوليًّا، وتُفنِّد مقولاتِ المُحتجِّين، المُترَّسين بمقولاتٍ فقهيةٍ ومذهبيةٍ أيضًا.


([1])   مهر للأنباء، قائد الثورة يلوح باحتمال هجوم بيولوجي، 13 مارس 2020م. https://bit.ly/3ch65Ci

([2])   مهر للأنباء، رئيس السلطة القضائية: تعزيز قطاع الدفاع البيولوجي في البلاد اليوم أمر لا بدّ منه، 16 مارس 2020م.

https://bit.ly/35H3QWr

([3])   وكالة رسا للأنباء، آية الله خاتمي: لا يمكن استبعاد إمكانية الحرب البيولوجية في تفشِّي فيروس كورونا، 19 أبريل 2020م. https://bit.ly/2YxD5SH

([4])   وكالة رسا للأنباء، آية الله حيدري: أعداء الثورة والإسلام يبحثون دائمًا عن كلّ فرصة لإلحاق الضرر بالثورة الإسلامية، 20 أبريل 2020م. https://bit.ly/3ddFrtW

([5])   انتخاب، مهدی طائب: کم کم کشف می شود ویروس‌ کرونا علیه ماست / خدا می داند برای ما با این ویروس چه در سر داشتند / بعدها معلوم خواهد شد خداوند چگونه مکر اینها را به خودشان برگردانده‌ است، 18 مايو 2020م.

https://bit.ly/2AcMjtK

([6])   كان هتاف «لا شرقية ولا غربية» من مقولات الخميني التي تمّ تبنِّيها لاحقًا كشعارات للهتاف في مظاهرات الشوارع أثناء الثورة. راجع: أروند إبراهيميان، تاريخ إيران الحديثة، ص204.

([7])   أحمد زيدآبادي، اصولگرايان، چين و معناي استقلال!، 25 أبريل 2020م، https://bit.ly/3ekoIGD

([8])   المرجع السابق.

([9])   أروند إبراهيميان، تاريخ إيران الحديثة، ص204.

([10])   وكالة رسا للأنباء، آية الله حيدري: أعداء الثورة والإسلام يبحثون دائمًا عن كلّ فرصة لإلحاق الضرر بالثورة الإسلامية، 20 أبريل 2020م. https://bit.ly/3ddFrtW

([11])   المرجع السابق.  

([12])   خبر اون لاين، کنایه‌های صریح رهبری به آمریکایی‌ها..، تاريخ الاطلاع: 06 مايو 2020م. https://bit.ly/3c9b08h

([13])   المرجع السابق. وذلك التوسُّع في مسألة الولاية لتشمل كلّ ما هو ديني وثقافي، أقلق بعض الفلاسفة الإصلاحيين كملكيان ومجتهد الشبستري وغيرهما، ممن رأوا أنّ ذلك مدخل للتنظير لأعمال العنف، وتجويز استعمال آليات القهر من قبل الدولة على الناس. راجع: محمد مجتهد الشبستري، نقد القراءة الرسمية للدين، ص 45-46، ومصطفى ملكيان، مقالات ومقولات في الفلسفة والدين والحياة، ص155.

([14])   كيهان، القائد: الغرب فشل فلسفيًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا في مواجهته لكورونا، السنة الأربعون، العدد رقم 10395، 11 مايو 2020م. ووكالة أنباء الحوزة، الإمام خامنئي: انهزام الإدارة والأخلاق العامّة وفلسفة الغرب الاجتماعية أمام فيروس كورونا، 10 مايو 2020م. https://bit.ly/2Ldvhh4

([15])   المرجع السابق.

([16])   سردار یزدی: شیوع کرونا خیلی‌ها را به خود آورد..، 9 أبريل 2020م. https://bit.ly/3edNyZ1

([17])   وكالة رسا للأنباء، ممثل قائد الثورة الإسلامية في سورية: فيروس كورونا رغم صغر حجمه دمر هيمنة الدول الاستكبارية، 02 مايو 2020م. https://bit.ly/3e7t7Md

([18])   وكالة رسا للأنباء، الشيخ ليالي في حوار مع رسا: مؤشِّرات أفول أمريكا باتت واضحة، 10 يونيو2020م. https://bit.ly/3cQVfT0

([19])   رسا للأنباء، الشيخ محمد ملك زاده: المجتمع الإنساني بات يتفهَّم ضعف الحضارة الغربية، 10 يونيو 2020م. https://bit.ly/2MN88CL

([20])   وقد صرَّح المسيري كمثالٍ أنّ نقده للحداثة الغربية متأثِّر بالنقد الغربي لتلك الحداثة!. راجع: المسيري، رحلتي الفكرية.. في البذور والجذور والثمر، ص209.

([21])   راجع: مرتضى مطهري، المجتمع والتاريخ، ص71.

([22])   مجيد محمدي، اتّجاهات الفكر الديني المعاصر في إيران، ص135.

([23]) موقع مكتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي، أيّ عاقل يقبل مساعدة أمريكا المتّهمة بإنتاج فيروس كورونا؟، 22 مارس 2020م. https://bit.ly/3cjCpEv

([24]) وكالة مهر للأنباء، امیر سیاری در گفتگو با مهر: می‌توانیم با توان داخلی بر کرونا غلبه کنیم/ نیازی به غرب نداریم، 13 أبريل 2020م. https://bit.ly/3b5MNz6

([25])   المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، قيادي بـ«فيلق القدس»: تدخُّلاتنا في المنطقة لإقامة حكومة المهدي..، 11 أغسطس 2018م. https://bit.ly/2MKuzsf

([26])   عبد الوهاب المسيري، رحلتي الفكرية، ص467.

([27])   مرتضى مطهري، المجتمع والتاريخ، ص49.

([28])   وكالة ارنا، رهبر انقلاب: بشریت هیچ زمانی به اندازه امروز نیازمند منجی نبوده است، 21 أبريل 2020م.

https://bit.ly/2XmnuVf

([29])   وكالة مهر للأنباء، امام جمعه مشهد: وظیفه ما مبارزه با استکبار برای زمینه‌سازی ظهور است، تاريخ الاطلاع: 28 أبريل 2020م. https://bit.ly/34k65hC

([30])   المرجع السابق.

([31])   وكالة مهر للأنباء، قاسم ترخان پاسخ داد؛ چرا بلایا توسط امام زمان(عج) دفع نمی‌شود؟ تاريخ الاطلاع: 28 أبريل 2020م. https://bit.ly/3a2KN9r

([32])   مهر للأنباء، پاسخ تکمیلی حجت الاسلام ترخان به شبهه بیماری معصوم؛ عالم براساس نظام اسباب اداره می شود..، تاريخ الاطلاع: 28 أبريل 2020م. https://bit.ly/3b37Vpw

([33])   وكالة مهر للأنباء، قاسم ترخان پاسخ داد؛ چرا بلایا توسط امام زمان(عج) دفع نمی‌شود؟ تاريخ الاطلاع: 28 أبريل 2020م. https://bit.ly/3a2KN9r

([34])   راجع: محمد الصياد، فقه الانتظار، ص129 وما بعدها.

([35])   الموقع الرسمي لخامنئي بالعربية: بعد غرس شتلة بمناسبة يوم التشجير.. توصيات الإمام الخامنئي للناس بخصوص المرض الناجم عن فايروس كورونا، 03 مارس2020م. https://bit.ly/2IeaTLg

([36])   وذلك في كلمة له بمناسبة النصف من شعبان 1441هجري. راجع: وكالة رنا، رهبر انقلاب: بشریت هیچ زمانی به اندازه امروز نیازمند منجی نبوده است، 21 أبريل 2020م. https://bit.ly/2XmnuVf

([37])   الإعلام الرسمي للحوزات العلمية – قُم: آية الله الأعرافي، الحوزات العلمية تعرب عن جهوزيتها لمواجهة كورونا حتّى الإعلان عن القضاء عليه بشكل نهائي، 01 مارس2020م. https://bit.ly/2IlzvBy

([38])   وكالة رسا للأنباء، آية الله خاتمي: لا يمكن استبعاد إمكانية الحرب البيولوجية في تفشِّي فيروس كورونا، 19 أبريل 2020م. https://bit.ly/2YxD5SH

([39])   جعفر السبحاني، القضاء والقدر في العلم والفلسفة الإسلامية، تعريب: محمد هادي اليوسفي، ط/ دار الأضواء بيروت 1987م، ص104. وراجع بالتفصيل: د. محمد زكريا النداف، مسائل الاعتقاد عند الشيعة الإثني عشرية في ضوء مصادرهم الحديثة، 2/ 587 وما بعدها.

([40])   محمد تقي مصباح يزدي، دروس في العقيدة، ص166، نقلًا عن مسائل الاعتقاد عند الشيعة الإثني عشرية، 2/ 597.

([41])   محمد أبو زهرة، الإمام الصادق حياته وعصره.. آراؤه وفقهه، ط/ دار الفكر العربي القاهرة د.ت، ص172.

([42])   المرجع السابق. وعن معنى المقولة وكيف استُعمِلت من قِبل المفوّضة والغُلاة، راجع: محسن كديور، القراءة المنسية، ص123.

([43])   مرتضى مطهري، المجتمع والتاريخ، ص63.

([44])   راجع: جعفر السبحاني، القضاء والقدر في الفلسفة الإسلامية، ص107. وقد خالف الإمامية الأشاعرة الذين قالوا بالكسب، والمعتزلة الذين قالوا إن الإنسان خالقٌ لفعل نفسه، فقال الإمامية: إنّ الإنسان فاعلٌ، كما جاء في الآيات القرآنية، وفرّقوا في هذا المقام بين الفعل والخلق، وآثَروا استخدام المصطلحات القرآنية دون تغيير، حتى لا يلزم من مذهبهم ما لم يلزموه.

([45])   وكالة رسنا للأنباء، آية الله مصباح يزدي، الابتهال في ساحة الله لا يتعارض مع قانون العلية العامّة، 17 مايو 2020م.

https://bit.ly/2LJYnVj

([46])  المرجع السابق، ويُفسّر الفيلسوف الطباطبائي مبدأ العلية العامّة بقوله: «أن يكون هناك أمرٌ واحد أو مجموع أمور إذا تحقَّقت في الطبيعة مثلًا تحقَّق عندها أمرٌ آخر نسميه المعلول بحكم التجارب كدلالة التجربة على أنّه كلَّما تحقَّق احتراقٌ لزمَ أن يتحقَّق هناك قبله علّة موجِبة له من نار أو حركة أو اصطكاك أو نحو ذلك، ومن هنا كانت الكلِّية وعدم التخلُّف من أحكام العلية والمعلولية ولوازمهما. وتصديق هذا المعنى ظاهر من القرآن فيما جرى عليه وتكلَّم فيه من موت وحياة ورزق وحوادث أخرى علوية سماوية أو سفلية أرضية على أظهر وجه، وإن كان يسندها جميعا بالآخرة إلى الله سبحانه لفرض التوحيد.
فالقرآن يحكم بصحَّة قانون العلية العامّة بمعنى أن سببًا من الأسباب إذا تحقَّق مع ما يلزمه ويكتنف به من شرائط التأثير من غير مانع لزِمه وجود مسببه مترتِّبًا عليه بإذن الله سبحانه وإذا وجِد المسبِّب كشف ذلك عن تحقُّق سببه لا محالة». الطباطبائي، تفسير الميزان، 1/ 74.

([47])   ايلنا، با انجام آزمایش؛ تست کرونای آیت‌الله شبیری زنجانی منفی اعلام شد، 27 فبراير2020م. https://bit.ly/2SZmKCR
و: ايلنا، نوه آیت‌الله العظمی شبیری زنجانی: آقاجان از یک هفته پیش تا کنون در منزل هستند و حتی حرم نرفتند/ آقای فاضلی بر اثر کرونا از دنیا رفت/ فعالیت‌های دفتر تعطیل است، 25 فبراير2020م. https://bit.ly/2vi0A5M

([48])   وكالة مهر للأنباء، وفاة محمد مير محمدي عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام إثر إصابته بفيروس كورونا، 03 مارس2020م. https://bit.ly/2uNrKRS

([49])   الكليني، الكافي، باب زيارة النبيّ، 4/ 774.

([l50   الكليني، الكافي، باب فضل الزيارات وثوابها، 4/ 824.

([51])   الكافي، باب فضل الزيارات، 4/ 824.

 ([52])   امام جمعه قم : “ما این حرم مقدس رو دارالشفا می دانیم. .. بنابراین باید اینجا باز باشه، منشور على يوتيوب بتاريخ 26 فبراير2020م. https://bit.ly/2TwTL8P

([53])   العربية نت: نائب إيراني: قم بؤرة انتشار كورونا في إيران ودول الجوار، 04 مارس2020م. https://bit.ly/2VKpu93

([54])   العربية نت، أتذكرون لاعق الأضرحة في إيران.. هذا ما حلّ به، 02 مارس2020. https://bit.ly/2TjVHT4

([55])   همشهري اونلاين، مراجع تقلید: سفر به قم جایز نیست ؛ حتی به نیت ادای نذر، 25 فبراير2020م. https://bit.ly/392RQPU

([56])   المرجع السابق.  

([57])   همشهري اونلاين، برنامه‌های تجمعی مسجد جمکران تعطیل شد، 25 فبراير 2020م. https://bit.ly/32HXWmn

([58])   الشرق الأوسط: كورونا: تعليق أداء صلاة الجمعة في إيران.. وشروط لدخول أماكن العبادة، 27 فبراير2020م. https://bit.ly/2VDeWbI

([59])   راجع: اليوم السابع، وفاة سفير إيران الأسبق لدى مصر بعد إصابته بفيروس كورونا في مدينة قُم، 27 فبراير2020م. https://bit.ly/2wjWzOx

([60])   شفقنا، للحدّ من انتشار فيروس كورونا..إغلاق العتبات المقدَّسة في إيران حتّى إشعار آخر، تاريخ الاطلاع: 01 أبريل 2020م. https://bit.ly/2R1i0LS

([61])   المرجع السابق.

([62])   راجع: خبر اون لاين، واکنش روحانی به تعطیلی حرم‌های متبرکه درپی شیوع کرونا /اگر پادگان یا نهادی خصوصی در کنار اتوبان هستند، باید پول آن را بدهند، تاريخ الاطلاع: 29 مارس 2020م. https://bit.ly/2xLoUOv

([63])   خبر اون لاين، موضع گیری علم الهدی به هتک حرمت برخی به حرم امام رضا (ع) بعد از بسته شدن درب‌های حرم بخاطر شیوع کرونا، تاريخ الاطلاع: 01 أبريل 2020م. https://bit.ly/2IWTLtO

([64])    يستعمل التزاحُم في معنى التضايُق، واستعمله الأصوليون للتعبير به عن تضايق حكمين شرعيين واجبين على مورد واحد، وعدم قدرة المكلَّف على امتثالهما معًا في وقت واحد، وهنا يأتي دور الفقيه في الترجيح وتحديد أيّ الأمرين أولى بالفعل، وأيُّهما أولى بالترك، وفرَّقوا بينه وبين التعارض. راجع: حميدة كاظم الأعرجي، التزاحم عند أُصوليي الإمامية، مجلّة كلِّية الفقه، العدد 23.  

([65])   همشهري، واکنش مصباح یزدی به بسته شدن درب حرم‌ها..، تاريخ الاطلاع: 28 مارس 2020م. https://bit.ly/2J0J8pW

([66])   أفكار نيوز، دستگیری ۱۱ نفر درپی تجمع غیرقانونی در اطراف حرم حضرت معصومه (س)، تاريخ الاطلاع 01 أبريل2020م. https://bit.ly/2TYAZIA

([67])   جاء التفنيد على لسان محسن رهامي، أستاذ القانون بجامعة طهران.

([68])   همشهري، حقوقدان اصلاح‌طلب: هتک حرمت اماکن مقدس، موجب بدبینی دنیا به مذهب و مردم ایران می‌شود، تاريخ الاطلاع: 30 مارس 2020م.  https://bit.ly/2Uto00X

([69])   خبر اون لاين، علی مطهری: افراد جامد فکری که درب حرم حضرت معصومه را شکستند، یاد خوارج را زنده کردند /این افراد باید بازداشت و مجازات شوند، تاريخ الاطلاع: 01 أبريل2020م. https://bit.ly/33pTrgz

([70])   خبر اون لاين، واکنش متفاوت آقای نماینده به تصمیم سخت بستن درب‌های حرم حضرت معصومه وامام رضا در روزهای شیوع کرونا، تاريخ الاطلاع، 29 مارس 2020م. https://bit.ly/3damB7W

([71])   القطرة، الشيخ الحبيب يدين اعتداء عناصر الأمن الخامنئية على زوّار السيدة المعصومة عليها السلام، تاريخ الاطلاع: 04أبريل 2020م. https://bit.ly/3bUTtQq

([72])   إرم نيوز، إيرانيون يهاجمون مواقع دينية شهيرة بعد قرار إغلاقها (فيديو)‎، تاريخ الاطلاع: 05 أبريل 2020م. https://bit.ly/2UJhMuY

([73])   وكالة فارس، بازداشتی‌های قم از عناصر اصلی جریان شیرازی هستند، تاريخ الاطلاع: 30 مارس 2020م. https://bit.ly/3biJ691

([74])   راجع: nrttv  : رغم التحذيرات من كورونا هكذا بدا المشهد في مسجد الكوفة، تاريخ الاطلاع: 02 أبريل 2020م. https://bit.ly/2V8WxSz

والأناضول: الصدر يرفض اتهامه بـ «زيادة تفشِّي كورونا» في العراق، تاريخ الاطلاع: 02 أبريل 2020م. https://bit.ly/3aO6cVf

([75])   شفقنا، المرجع النجفي: يجب الاحتياط في حياة شيعة أهل البيت ويمكن الاستشفاء بزيارة الأئمة عن بُعد، تاريخ الاطلاع: 21 مارس 2020م. https://bit.ly/345OwSs

([76])   في الفارق بين الولائي، والثانوي، والأولي، راجع: علي حبّ الله، دراسات في فلسفة أصول الفقه والشريعة ونظرية المقاصد، 514 وما بعدها.

([77])   جاده إيران، جدل حول المطالب بإعادة افتتاح المراكز الدينية، تاريخ الاطلاع: 27 أبريل 2020م. https://bit.ly/2VIayba

([78])   صحيفة همدلي، سئوال از پی سئوال، بی‌هیچ جوابی، تاريخ الاطلاع: 27 أبريل 2020م. https://bit.ly/2RS3xSI

([79])   صحيفة كيهان، رئيس الجمهورية: سيتمّ فتح أبواب المساجد وأماكن العبادة وصلاة الجمعة، في المناطق البيضاء، الاثنين 27 أبريل 2020م، العدد 10383.

([80])   كيهان، رئيس الجمهورية: من المؤمَّل إعادة فتح المراكز الدينية مع السيطرة على كورونا، نشر الأحد 26 أبريل 2020م. تاريخ الاطلاع: 27 أبريل 2020م، عدد: 10382.

([81])   كيهان، القائد: الغرب فشل فلسفيًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا في مواجهته لكورونا، السنة الأربعون، العدد رقم 10395، 11 مايو 2020م.

([82])   المرجع السابق.  

([83])   المرجع السابق.

([84])   خبر اون لاين، انتقاد تند علم الهدی از دولت: محدودیتی که حرم امام رضا شب بسته باشد و روز باز باشد را با کدام توجیه پزشکی و علمی قائل شدید؟، تاريخ الاطلاع: 01 يونيو 2020م. https://bit.ly/3ccvZpF

([85])   وكالة مهر للأنباء، وزیر بهداشت خبر داد: جلسه فوری پس از توصیه رهبری درباره مراسم شب های قدر، 12 مايو 2020م. https://bit.ly/2xVNJI4

([86]) مهر للأنباء: روحاني: مراسم يوم القدس ستُقام في المناطق البيضاء والطهرانيون سيتظاهرون ركوبًا في السيّارات، نشر 15 مايو 2020م، تاريخ اطلاع: 31 مايو 2020م. https://bit.ly/3eDMMUy

([87]) وكالة تسنيم، إعادة فتح أبواب حرم الإمام الرضا (ع) في مشهد +صور، نشر 25 مايو 2020م، تاريخ الاطلاع 28 مايو 2020م. https://bit.ly/3gLbW5h

([88]) وذلك خلال خطبة الجمعة الافتراضية الثالثة عشرة يوم 29 مايو 2020م.

([89]) خبر اون لاين، انتقاد تند علم الهدی از دولت: محدودیتی که حرم امام رضا شب بسته باشد و روز باز باشد را با کدام توجیه پزشکی و علمی قائل شدید؟، تاريخ الاطلاع: 01 يونيو 2020م. https://bit.ly/3ccvZpF

([90])   المرجع السابق.  

([91])   مهر للأنباء، رحمانی فضلی خبر داد: پیشنهاد بازگشایی مساجد کشور تصویب شد، اطلاع: 01 يونيو 2020م.

https://bit.ly/2X9DF7T

([93])   وكالة أنباء الحوزة، حوزة قُم العلمية تستأنف دروس البحث الخارج والسطوح العُليا، تاريخ الاطلاع والنشر: 28 مايو 2020م. https://bit.ly/2MerOiG

د.محمد السيد الصياد
د.محمد السيد الصياد
باحث متخصص في الدراسات الفكرية والأيدولوجية بـ «رصانة»