ناقش مجلس الأمن يوم الثلاثاء الماضي مِلف خطة العمل المشتركة بين إيران ومجموعة 5+1، وأكّد الغالبية على استمرار السلوك العدائي لإيران في المنطقة وخطرها على أمن واستقرار الإقليم، إلّا أنّ الغالبية أيضًا لاتزال متمسّكة بالاتفاق النووي رغم الخروقات الإيرانية. المِلف الأهم والأكثر خطورة هو المشروع الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية لتمديد حظر السلاح على إيران والذي سينتهي شهر أكتوبر القادم، وهذا المشروع وجد تأييدًا أوروبيًّا كاملًا تقريبًا ومعارضةً روسيّة وصينيّة.
هذه المواقف السياسيّة من الصين وروسيا مُخيبة لآمال دول وشعوب المنطقة بأسرها، وهناك تخلٍّ واضح عن القيم والمسؤوليات السياسيّة لأجندات سياسيّة صرفة، وبالتالي تحولت القضية من مسؤولية عضو في مجلس الأمن للمساهمة في ضمان الأمن والاستقرار في العالم إلى مناكفةٍ سياسيّة بين الدول الأعضاء الدائمين لغايات ليس من بينها المسؤوليات المُلقاة على عاتقهم كأعضاء في مجلس الأمن.
لقد ثبت بالدليل القاطع الذي لا يقبل الشكّ أنّ إيران دولةٌ غير مسؤولة، تقوم بشكلٍ مستمر بالمساهمة بشكلٍ مباشر في عملياتٍ عسكرية تستهدفُ الأعيان المدنيّة والمناطق المأهولة بالسكان والمطارات المدنيّة السعودية، وتمّ استهداف مناطق اقتصادية حيوية في شرق السعودية في 14 سبتمبر 2019م بصواريخ وطائرات مُسيرة مصنّعة في إيران وَفقًا لقرار مجلس حاكم الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة الصادر في جنيف بتاريخ 19 يونيو 2020م.
لقد ارتكبت مجموعة 5+1 خطأً إستراتيجيًّا ومصيريًّا للمنطقة في عام 2015م، بتوقيع خطة العمل المشتركة حكرًا على البرنامج النووي الإيراني متجاهلة أنّ الخطر الأكبر والداهم على المنطقة يتمثّل في سلوك إيران العدائي ودعمها وتمويلها للجماعات الإرهابية المتطرفة من لبنان شمالًا إلى اليمن جنوبًا، علاوةً على خطورة برنامج صواريخها الباليستية، وهذا لا يجعل البرنامج النووي عديم الخطورة بل إنه خطرٌ بذاته لكن على المدى المتوسط والبعيد بينما خطورة الجانبين الصاروخي والسلوكي خطورةٌ داهمة تلمسها شعوب المنطقة بشكلٍ يوميًّا. هذا الخطأ الإستراتيجي في فصل هذا الثلاثي السيامي جعل إيران منذ 2015م أكثر خطورةً وأكثر عدائيّةً وأكثر دعمًا للإرهاب والطائفية والفاعلين من غير الدول، الأمر الذي يُناقض بشكلٍ جذريﱟ الأهداف التي أعلنتها مجموعة 5+1 حينها بأنها تسعى من وراء ذلك إلى ترشيد السلوك الإيراني وعقلنته. وقد ارتكبت تلك الدول خطأً إستراتيجيًّا آخرَ بعدم مشاركة دول المنطقة والمتضررة بشكلٍ أكبر من غيرها في صياغة ذلك الاتفاق.
واليوم وبعد مرور خمس سنوات اتسمت بتمرد وعنجهية طهران على كافة الأعراف والمواثيق الدوليّة وثوابت حُسن الجوار يرتكب أعضاء مجموعة 4+1 (بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي) ذات الخطأ مُجددًا، ضاربين بعرض الحائط كل الشواهد والحقائق على واقع الأرض وهم بذلك يمنحون إيران مُجددًا ضوءًا أخضرَ للمزيد من العبث واللا مسؤولية في المنطقة والعالم. الخطورة الكبرى في هذا أنّ إيران بعد شهر أكتوبر القادم ستقوم بتزويد جميع الميليشيات الإرهابية في المنطقة وخارجها بالسلاح المُصنع داخليًّا تحت مزاعم حقها السيادي في بيع أسلحتها لمن تشاء وبالكميات التي تراها وسيتم تغليف ذلك علنًا بصفقات بيعٍ قانونية. كذلك فإنّ الأسلحة التي ستبيعها روسيا والصين وغيرها إلى إيران لن تبقى في داخل الحدود الإيرانية بل سيتم شحنها بكل تأكيد إلى ميليشيا حزب الله في لبنان والميليشيا الحوثية في اليمن.
لذا فإنّ أيّ تجاهلٍ لهذه الحقيقية التي نراها ماثلةً أمام أعيننا قبل حدوثها سيقود المنطقة والعالم بأسره إلى مزيدٍ من الصراعات وسباق التسلح وتهديد الأمن والسِّلم العالميّيْن وأنّ أيّ تصعيدٍ قادمٍ في المنطقة ستصل حرائقه إلى جميع دول العالم سواءً بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، أمنيًّا كان أو اقتصاديًّا أو جيو-سياسيًّا. لقد وصلت كثيرٌ من دول العالم الغربي متأخرًا إلى قناعة تُرددها منذ سنوات شعوب المنطقة المتضررة من النظام الإيراني، واليوم نصدح بصوت عالٍ داعين ذات الدول للاستماع لما تقوله شعوب المنطقة وتراه خطرًا داهمًا إذا ما تمّ السماح لإيران ببيع الأسلحة وشرائها.
لذا ينبغي تصحيح أخطاء الماضي من خلال أمريْن رئيسيْن، أولًا: تمديد حظر التسليح على إيران. وثانيًا: الأخذ بالحسبان مخاوف دول المنطقة وما عدا ذلك فستبقى إيران مستمرةٌ في نهجها التخريبي وستبقى دول المنطقة العربية على الخط الأمامي لتقليص أخطار النظام الإيراني على أمن واستقرار ليس المنطقة فحسب بل والعالم بأسره ما لم تُغير إيران سلوكها وتتحول إلى دولةٍ طبيعية وهذا أمرٌ مستبعدٌ في المستقبل المنظور وبخاصة إذا ما استمرت مناكفات القوى الكبرى على حساب أمن العالم واستقراره. إنّ التاريخ لن يرحم، والشعوب لن تسامح من تجاهل الأخطار المحدّقة لحساب مصالح اقتصاديّة أو صراعات قوى كبرى استخدمت قضايا حسّاسة ومصيريّة لتحقيق انتصاراتٍ دبلوماسيةٍ وسياسيةٍ وهميّة!
المصدر: Arab News