3 أزماتٍ داخليّة تجرُ إيران إلى حافة الهاوية

https://rasanah-iiis.org/?p=22007

يُعاني الداخل الإيراني سواءً على مستوى المجتمع أو الدولة من مصاعبَ جمّة كارتفاع معدل الجريمة وسوء التّغذية (التي طالت  70 % من السكان) وشبكات نقل وكهرباء عفا عليها الزمن وظاهرة الهروب من المدارس ودمار ٌهائل لفّ البيئة الطبيعية بالإضافة إلى عدم مشروعيّة الحكومة. وعلى الرغم من هذه المصاعب وتعدُّدها ثَمَّة أزماتٍ عميقة تدور حول الهُويّة الوطنيّة والبنية التحتيّة واتساع فجوات الدخول. ومع مرور الوقت ازدادت هذه الأزمات سوءًا ولم تعالجها بنجاعة أيٌ من الحكومات المُتعاقبة فالسياسيون وأحزابهم لا يُقدمون سوى الوعود الكاذبة والفارغة التي يطلقونها في حملاتهم الانتخابيّة لحلّ هذا الأزمات. كان يعتقدُ جيل الثورة في إيران أنّ الحكومة سوف تعالج أزمة الهُويّة وتسُدُّ تفاوت الدخول في المجتمع إلّا أنّ الحكومة على أرض الواقع زادت الطين بِلّة.

بعد الثورة الإيرانية في عام 1979م فَقَد الإيرانيون هُويّتهم الوطنيّة التي كانت طريقًا يهتدون بها في سبيل معرفتهم لمصالحهم الوطنيّة ولبِنةً يرسخون بها لُحمتهم الوطنيّة في مواجهة الأزمات الاجتماعيّة والسياسيّة التي كانت تعصفُ في البلاد آنذاك. وبشكلٍ عامّ تتولّد الهُويّة من عواملَ عِدّة سواءً أكانت اللغة والثقافة المُشتركة أو الفخر الجماعيّ بانتصاراتٍ تاريخيّة أو التوحّد في مواجهة عدوﱟ مُشترك وهنا اختار النظام الإيراني العامل الأخير (العدو المشترك)؛ لتوحيد الشعب الإيراني تحت رايةٍ واحدة. إلّا أنّه لم ينجح بها أيضًا.  فالولايات المتحدة الأمريكية حيث يعيشُ ملايينٌ من الإيرانيين وإسرائيل التي لم تتوعّد قط بمسح إيران من الخارطة كلتا الدولتان لم يُعزّزا العداء للشعب الإيراني. ولذلك من الصعب جدًا على الحكومة الإيرانية أن تُنمّي العداء تُجاه هاتين الدولتين في أذهان غالبية الشعب الإيراني. وفضلًا عن تحديد عدوﱟ مشترك رَوّج مسؤولو النظام الإيراني للإسلام السياسي كرايةٍ توُحّدهم إلّا أنّهم فشلوا في تحقيق هذا الهدف أيضًا.

وعلى صعيد الأمن المائي، تُعاني شبكات مياه الشرب في إيران من أزمةٍ خانقة؛ فحسب ماورد على لسان خبير أنّ 30 -40 % من أنابيب مياه الشرب المستخدمة الآن لم تُجرى فيها عمليّات صيانة منذ حوالي ستين عامًا. وبلا شكّ تُفاقم هذه الشبكات المتهالكة من نسب تسرُّب المياه، إذ تقدرُ كميات المياه المهدورة سنويًّا بـ30%. وعلى صعيد خدمات الطاقة، أصبح انقطاع التيار الكهربائي ظاهرةً معتادة وستَتَفاقم مالم تقُم الحكومة الإيرانية بإجراءاتٍ تُعالج بها شبكات الكهرباء المتردية في البلاد.  

والجدير بالذكر هنا أنّ معظم خطوط شبكات الكهراباء شُيّدت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؛ بمعدل عمرٍ افتراضيﱟ يصلُ إلى خمسين عامًا تقريبًا. والآن قد تهالكت بالفعل وتحتاج إلى تطويرٍ عاجل. أمّا المدارس فتعاني من نقص التمويل ومتابعة صيانةٍ للمباني فهناك 30 % من مباني المدارس في حالةٍ سيئّة. والطُرقات كذلك ليست بحالةٍ أفضل فالجسور والشوارع متهالكة؛ قرابة الــــ 30% من حوادث الطرقات سببها تدني مستوى البنية التحتية لشبكات الطرق. وما ذكرناهُ من أزماتٍ تعصفُ بإيران لا يدخل معظمها في تقييم الحكومة السنويّة للبنية التحتيّة حتى تُقرّر إذا ما كانت هذه القطاعات تحتاجُ إلى تحسينات أم لا.

نظرًا للفساد الهيكليّ في البلاد وما تتمتّع به الطبقة الحاكمة من امتيازاتٍ وتوزيع إيرادات الحكومة بين أعضاء الطبقة الحاكمة وأقاربهم، نشأت فجوةٌ كبيرة في الثروة بين الشعب الإيراني والطبقة الحاكمة. وازدادت هذه الفجوة اتساعًا وعُمقًا من العقد الأول من الألفية على الرغم من القفزة في إيرادات النّفط وتدفُق الأموال بعد إبرامها للاتفاق النووي عام 2015م. سبق وقد تضاءلت هذه الفجوة في الثمانينات من القرن الماضي، حينما سعت الطبقة الحاكمة الدينيّة لترجمة شعارات الثورة الإيرانية –تحقيق العدالة الاجتماعيّة- على أرض الواقع. وفي التسعينيات ازدادت نسبة الاستيلاء على موارد الدولة  -أو ما يُطلق عليه اصطلاحًا بـــِ « السعي وراء الريع» – وازداد معها انخراط الجيش في اقتصاد البلاد  وقويَت قبضة المرشد الأعلى أكثر في مختلف القطاعات الاقتصاديّة الإيرانيّة.

ومع مرور الزمن أصبح الاقتصاد الإيراني والنظام السياسي غارقًا في الفساد. وهذا دفع لنشوب أزمةٍ في عام 2018م وعام 2019م عندما اندلعت مظاهراتٌ عفوية في الشوارع والمدن الإيرانية والأحياء الفقيرة في أطراف المدن. وحسب التقارير الصادرة عن الحكومة الإيرانية يوجد قرابة 23 إلى 40 مليون إيرانيﱟ يقبعون تحت خط الفقر المُطلق ويعيش ثلاث أرباعهم تحت خط الفقر النسبيّ. تعيشُ هذه الطبقة الفقيرة على إعانات الحكومة ليسُدُّوا بها رمقهم، إذ إنّ متوسط تكلفة المعيشة لأسرةٍ يُعيلها شخص واحد تسعة ملاين تومان شهريًّا، بينما نجد أنّ متوسط الدخل الشهري للعامل في إيران يصل تقريبًا إلى ثلاثة ملاين تومان.

وازدادت أعداد الإيرانيين الذين يعيشون في العشوائيات من عام 2018م إلى 2020م من 19 مليون نسمة إلى 38 مليون نسمة. وفي الأدبيّات الاجتماعيّة والسياسيّة في إيران يُطلق على قاطني العشوائيات بـــِـ: سكان المقابر وسكان مصانع الطوب وسكان الأحياء الشعبيّة وسكان العشوائيّات. وهنالك عوامل عِدّة أدت إلى ازدياد نسبة نزوح الإيرانيين نحو أطراف المدن الكبُرى أبرزها: شُحّ المياه وارتفاع معدلات البطالة في المدن الصغيرة والكوارث الطبيعيّة كالفيضانات والهزات الأرضية. وفي جميع الأحوال يزداد الإيرانيون فقرًا؛ فقد انخفض نصيب الفرد من الدخل إلى34 % من 2011-2019م بينما تزداد الطبقة الحاكمة غنًى وهذا أدى بدوره إلى اتساع فجوة الثروة في البلاد لتُثقل كاهل الدولة والمجتمع بالمزيد من الضغوطات.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير