عقيدة «الدفاع الأمامي» الإيرانية.. برامج الصواريخ والفضاء

https://rasanah-iiis.org/?p=22396

بواسطةنويد أحمد

مُقدِّمة

يشغل موضوع التسلُّح والبرامج الصاروخية حيّزًا واسعًا من الاهتمام العالمي العسكري والسياسي. وبينما  لم يترك سباق التسلح العصري للدولِ خيار الاعتماد على العامل العسكري وحده، على اعتبار أنَّ المخزون الهائل للأسلحة ستضع العالم على فوهة بركانٍ مشتعل؛ فإنَّ  التسلُّح يبرز كذلك كتهديدٍ أمنيٍّ خصوصًا لدول الجوار الإقليمي.

تتناول هذه الدراسة «برنامج إيران الصاروخي .. من العقيدة إلى الانتشار»، عقيدة إيران العسكرية وتبنيها نهج المواجهة في الفضاء  الإقليمي، في ظلِّ محافظة النظام الثيوقراطي على قبضته في السلطة، وتفعيلها إستراتيجية «الدفاع الأمامي» وانتهاجها  عقيدة «الدفاع الفسيفسائي» ونهج الحرب غير المتكافئة. كما تستعرض تشكيلةً من الصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز» المتنوعة التي تمتلكها إيران، ويجري تطويرها باستمرار لتكون جاهزةً لاستيعاب حمولاتٍ مستقبلية، وذلك لعدم تمكنها من شراء صواريخ جديدة، نظرًا للعقوبات المفروضة عليها. وتكشف الدراسة عن برنامج إيران الصاروخي منذ بداياته إبان الحرب الباردة حتى الآن، إذ صاحب هذه الرحلة قلقٌ من تصميم إيران للصواريخِ والرؤوس النوويّة التي تزعم أنَّها تحتفظ بها للاستخدام التقليدي. وبكشفها عن نظام دفاعها الجوي؛ أثبتت إيران أنَّها مواصلةٌ في تعزيزِ وتوسيع  قدراتها الدفاعية الجوية، ولكن يُتوقَّع أن تقبع في مجال استنساخِ الأسلحة ما دام حظر استيرادها للأسلحة قائمًا. وتُركِّز الإستراتيجية العسكرية الإيرانية على مكوناتٍ جيوسياسية، من ضمنها إعاقة الوصول إلى مضيق هرمز، في إطار تباهيها بقوّة أسلحتها المخصّصة للمناطقِ المحظورة باستهداف نماذج «تشبيهية» لحاملاتٍ طائرات وسفنٍ أمريكية، ومع ذلك فإنَّ أمام إيران الكثير للوصولِ إلى أهدافها. ويظل برنامج الفضاء الإيراني مبهمًا فهو لا يختلفُ عن برنامجها النووي ذي البُعد العسكري الذي تنكره، وتسعى إلى تطويره بتعاملها في السوق السوداء مع كياناتٍ ودولٍ تلتف على العقوبات الأمريكية. ومع أنَّ القوة الصاروخية الإيرانية تظهر كأسلحةٍ للمواجهة والقتال الحربي، إلَّا أنَّها قد تتعثَّر في نهجها المتبع في الحروب التقليدية إذا ما أخطأت في تقدير قرارات الخصم وقوّته العسكرية.

 وعن إمكانية التصدّي لانتشار الصواريخ، خلصت الدراسة إلى أنَّ قوة إيران الصاروخية لن تمكِّنها من الانتصار في حربٍ على خصومها في الخليج وحلفائهم من الغرب، إذ يشوب قوتها ضعفٌ وقصور، نظرًا للاختلافات في موازين القوة التسليحية بين الدول، ولكنها كافية لرفعِ تكلفة الحرب  ماديًّا وبشريًّا في حال إشعالها.

أوَّلًا: عقيدة عسكرية تصادمية

يُعَدّ التفكير الإستراتيجي لإيران غير تقليديّ مقارنة بالدول المجاورة لها، ففي الوقت الذي تُواجِه فيه مجموعة فريدة من التحديَات الأَمنية، تُجابِه كذلك طبيعة تهديدات غير مسبوقة منذ بداية مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية 1979م. وتتبنى إيران نهج المواجهة في ساحة الأمن الإقليمي، ومع ذلك تمكّنت الثيوقراطية الإيرانية من الحفاظ على قبضتها في السلطة. ولم تتغير قَطُّ رؤية طهران للدول المجاورة والقوى الكبرى، إذ استمرّت في تطوير عقيدتها الإستراتيجية لمواكبة للتطورات التكنولوجية والمتغيرات الجيوسياسية والداخلية.

تابعت إيران عن كثب أحداث ما يُسمى بـ«الربيع العربي» التي بدأت في عام 2011م، إذ تدخَّلت بشكلٍ واضح في اليمن وسوريا، بمحاولتها التأثير على نتيجة هذه الصراعات. ووجد الإستراتيجيون في إيران أنّ الفرصة مواتية لطهران مع منافسيها غير القادرين على استغلال التغيير الذي حدث بعد عقود من ركود الأحداث في الشرق الأوسط، وذلك ما يفسِّر تقدُّم إيران على هؤلاء المنافسين. وعلى الرغم من دعم العالم الغربي ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل أخرى مثل شبكة «الجزيرة» لهذه الأحداث، فإنّ إيران راهنت على المتظاهرين لزعزعة الاستقرار في الدول العربية، وفي المحصّلة أدّى التغيير السريع في التفكير الإستراتيجي الإيراني إلى ظهور ما أسمته طهران بـ «الدفاع الأمامي»، وهو أسلوب دخل الحيِّز العملي بالفعل في العراق وأفغانستان([1]).

نشأت إستراتيجية «الدفاع الأمامي» نتيجة للاعتراف بالقيود المفروضة على الدولة الإيرانية وقدراتها العسكرية التقليدية باعتماد إستراتيجيتها على التداخل بين الردع التقليدي و«سياسة الإنكار للتدخلات». وتمظهَر ذلك في مسارات الإرباك التي وجدت إيران فيها إمكانات أكبر لإبراز النفوذ والسلطة من خلال الجماعات المسلّحة غير الحكومية وجماعات المجتمع المدني، والمنصات الإعلامية الناشئة، والطائرات المسيّرة، والقوات الصاروخية، مستفيدةً من تجربتها في العراق وأفغانستان. فمن وجهة نظر عسكرية بحتة، تعتمد إيران في عقيدة ما أسمته «الدفاع الأمامي» على استغلال ضعف خصومها في إيجاد حلول فعّالة من حيث التكلفة لحماية ووقاية أراضيها من هجمات العدوّ المحتملة. وهذه الإستراتيجية التقليدية تعود إلى الإمبراطورية الرومانية منذ عام 30 قبل الميلاد، واستمرّت إلى القرن الثالث الميلادي، وهي تهدف إلى تحييد التهديدات الخارجية قبل أن تخترق الحدود، كتحرُّكٍ وقائيّ يناسب الحالة الإيرانية لامتداد الدولة وتوزُّع مراكزها المهمّة، إذ لا يمكنها حمايتها كلها في وقتٍ واحد. وبقدر ما تشكّل الجماعات المسلحة تحديًا قويًّا للخصوم من الداخل، يمكن لقوة صاروخية متقدمة ومتنوعة وكبيرة الحجم أن تُبقي أعداء إيران بعيدين عن أراضيها.

وتبرز نقطة مهمّة هنا، وهي أنّ هذه القوة الصاروخية الإيرانية موجودة منذ الثمانينيات، فما الذي استجدَّ في الوقت الحالي؟ يمكن تفسير ذلك بأنّ الاستثمار الهائل في القوة الصاروخية الإيرانية يأتي كأولوية في ميزانيات القدرات العسكرية، مما أسهم في توسعها من صاروخٍ موجَّهٍ قصير المدى إلى برنامجٍ فضائيٍّ طموح.

إنّ أيّ عقيدة عسكرية تحدد «المبادئ الأساسية التي توجّه أعمال القوات العسكرية لتحقيق أهدافها([2])، كما تحدّد المبادئ العامّة للعقيدة القتالية في جانبيها العملياتي والتعبوي (التكتيكي) بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية. و«يتأثر تعريف العقيدة العسكرية بالعوامل الأمنية التي تواجه الدولة إلى جانب التوجهات والتطورات التكنولوجية الحالية والمستجدّة، وعناصر السياسات الداخلية في أفرع وتخصصات القوات المسلحة، مثل المنافسة والصراعات المحتملة بين صُنّاع السياسة من العسكريين والمدنيين حول أولويات الأمن القومي والميزانية المالية التي قد تضطرّ القوات المسلحة إلى تخفيض حجم أهدافها العسكرية»([3])، كما أنّها تتولى تحديد العدوّ أو التهديد المحتمل وصياغة إستراتيجية عسكرية قابلة للتطبيق وخطط التنفيذ والأسلحة المطلوبة والمدربين المطلوبين للقوّات أو القوى العاملة المعنيّة. أمّا مصطلح «الدفاع الأمامي» فهو فضفاض بعض الشيء لأن كلمة «دفاع» -مقارنةً بكلمة «هجوم»- تحمل معنى إلحاق الضرر بأصول العدو العسكرية والحيوية على أراضيه بطريقة وقائية([4]). وتنصّ العقائد الدفاعية على «حرمان الخصم من الهدف الذي يسعى إليه من خلال عدم تمكين العدو من القيام بأي أعمال عدائية وحصرها كليًّا في القتال بدفاع كل دولة عن أراضيها»([5])، ومن ثَمّ فإنّ مفهوم عقيدة «الدفاع الأمامي» الإيرانية هي دمج بين العقائد الهجومية والدفاعية، مبنية على مفهوم الردع التقليدي.

يمكن أيضًا تسمية عقيدة «الدفاع الأمامي» لإيران بالعقيدة الهجينة، فهي تمزج جميع أدوات القوة والإكراه بأسلوب  التفاعل بين الأنماط النظامية وغير النظامية للقتال الحربي، مع إبقاء أراضيها بعيدة عن الصراع نفسه([6]). وتدفع حالة الضعف المعترف بها إيران إلى إنشاء منطقة رمادية للقيام بعملياتها العسكرية وبسط نفوذها دون الدخول في حرب، لكن اعتمادها على القوة الصاروخية قد يجعلها تواجه أعلى درجات التصعيد وترزح تحت طائلة عقوباتٍ شديدةٍ، فقد نجحت في إدارة التهديدات باستخدام الصواريخ من خلال وكلائها في لبنان والعراق واليمن، ولكن أصبح من الصعب عليها الاستمرار في سياسة الإنكار.

قبل اندلاع ما أُطلق عليه أحداث «الربيع العربي»، اتخذت إيران عقيدة «الدفاع الفسيفسائي» التي أرستها منذ عام 2005م([7])، وهي قائمة -شأن العقيدة العسكرية التقليدية- على تكتيكٍ غير منتظم، يعتمد في الأساس على نهج الكرِّ والفرِّ واستنزاف الخصم. كانت الإستراتيجية الإيرانية آنذاك دفاعية تمامًا، تعتمد فيها على قدرات الدفاع البحري والجوي لتعطيل سيطرة خصومها على الممرات البحرية والمجال الجوي. ومع ذلك، كانت تتبع أيضًا نهج الحرب غير المتكافئة، وذلك بنشر أعداد كبيرة من ميليشياتها لشنّ حرب استنزاف ضد أعدائها([8]).

 برز سعيُّ إيران لتشكيلِ عقيدةٍ عسكريةٍ مُتسقةٍ وعمليّةٍ، خلال حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين أرسى المرشد الإيراني أسس المقاومة كقاعدةٍ تؤطِّر معالمَ إستراتيجيتها العسكرية الكُبرى. وبعد ذلك، نجد أنَّ معالم المبادئ الأساسية للإستراتيجية الإيرانية قد بدأت في الظهور بصورةٍ ممنهجةٍ منذ عام 1992م، مع الأخذ في الاعتبار الفجوة التكنولوجية والموارد البشرية العسكرية ونوعيتها والجغرافيا العسكرية. وعلى الرغم من أنَّ للحماسةِ الثوريّة والقوميّة المتطرِّفة دورًا ساهمَ في تحريكِ هذا الفكر الآخذ في التطور؛ إلَّا أنَّ النهجَ العام بقي على قدرٍ من البراجماتية. وفي عام 1992م أيضًا، تمَّ تدوين اللوائح التنظيمية للقواتِ المسلحة الإيرانية مع بقاءِ فكرتها نواةً أساسيةً في العقيدة العسكرية الإيرانية([9]). وبالإضافة إلى ذلك نجد أنَّ إيران اتبعت سياسةً دفاعيةً تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على مبدأ حمايةِ الثورة، وهذا ما جعلها مهدِّدةً للدولِ التي لا تتفق معها في رؤيا الخميني للإسلام أو معتقداتِ نظامه. والجدير بالذكرِ هنا هو أنَّ  أساسَ هذه العقيدة العسكرية هو الولاءُ للوليّ الفقيه.

 أما التحوُّل اللافتُ في تفكيرِ إيران الإستراتيجي فقد حدثَ في منتصفِ تسعينياتِ القرن الماضي، متجهًا نحو مفاهيم الردع وموازين القوى بصورةٍ ملحوظةٍ. وفي غضون ذلك بدأت القوةُ الصاروخية الإيرانية في التطور، وبرز معها استخدام المفرداتِ النووية في الخطابِ الإيراني. وأصبح هذا النوع من الخطاب سمةً لتصريحاتِ المسؤولين الإيرانيين، فقد قال وزير الدفاع السابق علي شمخاني في لقاءٍ معه: «إنَّ سياسة إيران الدفاعية وعقيدتها العسكرية، وما تشمله من تدريباتٍ وتعليمٍ عسكري والهيكلة التنظيمية والصناعة الدفاعية تعتمدُ على سياسةِ الإنفراج»([10]).

وفي أعقابِ أحداث الـــ11 من سبتمبر وما صاحبها من وجودٍ للقواتِ الأمريكية وحلفائها في أفغانستان، ثم حربِ التحالف بقيادةِ الولايات المتحدة على العراق؛ رأت إيران في هذه الفوضى عددًا من الفُرص عليها اقتناصها. وأصبح اعتماد إيران على الوكلاءِ بعدما نجحت في تجربتها في لبنان، محورًا أساسيًا في العقيدةِ العسكرية الإيرانية، وبرزت بجلاءٍ في عقيدةِ «الدفاع الفسيفسائي» التي ظهرت في عام 2005م.

تبدو نظرية جاك شنايدر، القائلة بأنّ إضعاف السيطرة المدنية تؤدي إلى «النزعة الهجومية»، قابلة للتطبيق، بالنظر إلى التدخل الواسع للحرس الثوري الإيراني في شؤون الدولة التنفيذية والسياسية([11])، ومن ثَمّ تُسلِّط عقيدة «الدفاع الأمامي» الضوء أيضًا على الحالة السياسية الإيرانية الداخلية واختلال التوازن في العلاقات المدنية العسكرية. ويشير اختبار أنظمة الصواريخ الذي تُجريه إيران عدة مرات سنويًّا، بجانب العروض والمناورات العسكرية، إلى تحديد مَن يهيمن على عملية صُنع القرار في الدولة. أمّا بالنسبة إلى الخصوم فإنّ هذه المناورات والاختبارات تشير إلى أنّ الإرادة السياسية في إيران لا تسعى فقط إلى استخدام القوة العسكرية وإطلاق الصواريخ فحسب، بل إنّها تقوّض أيضًا احتمالات التوافق بين  السلطة السياسية المدنية. وعلى الرغم من التحدي الواضح الذي واجهه وزير الخارجية محمد جواد ظريف خلال المحادثات التي أفضت إلى توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في 2015م، فإنّ الجيش الإيراني ظلّ يستعرض قوّته بشكل متزايد من خلال التجارِب الصاروخية وإطلاق أقمار صناعية قبل وبعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة في 08 مايو 2018م([12]).

وعلى الرغم من أنّ نهج «الردع التقليدي» لا يزال حجَر الأساس في صميم القوة الصاروخية الإيرانية، فإننا نجد أنّ جميع الصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز» الإيرانية قادرة على حمل رؤوس حربية نووية. وكانت التصريحات الصادرة من المرشد الإيراني علي خامنئي تمثّل تهديدًا واضحًا صرَّح به وزير الدفاع الإيراني آنذاك علي شمخاني في اختبار لصاروخ «شهاب-3» الباليستي في عام 1998م بقوله: «لقد أعددنا أنفسنا لامتصاص الضربة الأُولى بحيث لا تُلحِق بنا سوى أقل قدرٍ من الضرر. وقد أعددنا الضربة الثانية التي يمكن أن ننتقم فيها بشكلٍ حاسمٍ من الضربة الأُولى، بينما نمنع الضربة الثالثة الموجّهة ضدنا»([13]).

وبعد مُضيّ أربعة قرونٍ أصبحت العقيدة العسكرية الإيرانية أكثر تطورًا وتنظيمًا؛ إلَّا أنَّ مبادئها الأساسية بقيت أعمدةً راسخةً، ألا وهي: الولاءُ للولي الفقيه، وحمايةُ الثورةِ في الداخل وتصديرها إلى الخارج. وتُعدُّ أهم أداةٍ في هذه العقيدة هي الاعتماد على المجموعاتِ الشيعيةِ المتطرفة التي يرجعُ تسليحها إلى حاجةِ إيران الإستراتيجية، وما تواجهه من تحديَّاتٍ على أرض الواقع. وعلى نفسِ المنوال سعت إيران في بدايةِ الأمر إلى امتلاكِ تكنولوجيا الصواريخ بالهندسةِ العكسيةِ والمرتجلة لحمايةِ سيادةِ أراضيها إلَّا أنَّها لاحقًا –على سبيل المثال – قامت بتهريبها إلى حزبِ الله، وهذا قبل وقتٍ طويلٍ من ترجمةِ عقيدة «الدفاع الفسيفسائي» على أرضِ الواقع في عام 2005م.  نلاحظُ أنَّ تطوُّر العقيدةِ العسكرية الإيرانية كان تطورًا في التعابير والصياغة أكثر منه تطورًا جذريًا في التكتيكاتِ العسكريةِ وأدواتِ الإستراتيجية العسكرية الكبرى،  خصوصًا أنَّ أهداف الثورةِ في العقيدةِ بقيت ثابتةً كما هي منذ عام 1979م.

ثانيًا: صواريخ في الذاكرة الإستراتيجية الإيرانية

لم يكن لدى أيٍّ من الدول التي تحوز أسلحة نووية اليوم تشكيلة من الصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز» المتنوعة التي تمتلكها إيران، قبل أن تتمكن هذه الدول من رفع قدرة حمولة الصواريخ، أي جعلها قادرةً على حمل عدة قنابل أو رؤوسٍ حربية نووية متعددة. وتتميز إيران من بين الدول بامتلاكها مجموعةً واسعةً من الصواريخ التي يجري تطويرها باستمرار لتكون جاهزةً لاستيعاب حمولات مستقبلية. وقد أدركت صعوبة شراء طائرة جديدة بالإضافة إلى عملية صيانتها عند خوضها أيٍّ من عملياتها المضنية، إذ يستغرق الحفاظ على الطائرات المقاتلة أمريكية الصنع، خصوصًا طائرات «إف-14» و«تومكات» وطائرات الإمداد والمروحيات، وقتًا طويلًا، مما يستلزم التضحية بنصفها للحصول على قطع غيار. ولا يعني هذا بأيّ حال من الأحوال أنّ إيران لن تحصل على طائرات مقاتلة حديثة متى ما سنحت لها الفرصة، لكنها تدرك أنّ هذا الترتيب المؤقت أكثر فائدةً من حيث التكلفة وأكثر فاعلية من الناحية الإستراتيجية والتكتيكية في عقيدة «الدفاع الأمامي»، إذ إنّ الصواريخ تمنحها ميزة إستراتيجية لا تستطيع توفيرها الطائرات المقاتلة. ولكن ذلك لا يهمل قيمة الطائرات المُسيّرة لصالح إيران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. ولم تكن إيران لتتمكن من إظهار قوّتها وتنفيذ الردع على بُعد آلاف الكيلومترات دون صواريخها وطائراتها المسيّرة العديدة، خصوصًا في ظلِّ العقوبات المفروضة عليها.

توفر الصواريخ لإيران خياراتٍ متنوعة لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها في الإقليم، وذلك باعتمادها على السوق السوداء وعدد من الدول المنبوذة للحصول على متطلباتها العسكرية الحيوية. وإن كان الحصول عليها بهذه الطريقة بطيئًا ومكلفًا مقارنةً بالحصول عليها عبر القنوات المعتادة، فإنّه يمنحها حرّية استخدامها وتعديلها كيفما تشاء، وهو ما لا يمكنها فعله مع الأسلحة غربية المنشأ.

ضاعف قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، وما تلاه من فرض عقوبات واسعة النطاق، من انعدام الثقة وارتفاع حدة المواجهة بين البلدين. وذلك ما أعطى الحرس الثوري الإيراني جملة تبريرات يسوقها أمام الشعب لمواصلة العمل وفقًا لإستراتيجية «الدفاع الأمامي»، وفي أثناء ذلك يعمل على تطوير أسلحته ببعض المكونات التي يحصل عليها من السوق السوداء أو الصفقات السرّية التي تنتهك عقوبات مجلس الأمن الدولي([14]).

ولولا العقوبات المفروضة عليها لتمكنت إيران بوصفها دولة غنية بالغاز الطبيعي وذات موقع إستراتيجي، وأرضية أيديولوجية صُلبة يقوم عليها نظام الحكم، من الحصول على كل ما هو متاح من الأسلحة تقريبًا. فهي عكس دولٍ أخرى تمتلك معدّات عسكرية متنوعة، خصوصًا في مجال القوات الجوية والبحرية، مثل الهند ومصر، وعلى الرغم من ذلك لم تستغلّ هاتان الدولتان نظام التسليح ومواجهة مشكلات صيانتها محليًّا، بل فضّلتا الإنفاق الباهظ على استيراد الأسلحة، بينما تعمل طهران على تطوير قدراتها المحلية في مجالات الصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز» والطائرات دون طيار، وذلك في ظلّ القيود المفروضة على استيراد طهران للأسلحة بسبب العقوبات التي جعلتها معزولةً عن التكنولوجيا، كما قيدتها بسقفٍ محددٍ من الميزانية العسكرية، وبالتالي ليس عليها الاستفادة المثلى من المنصات أو الأنظمة الموجودة في ترسانة الأسلحة فحسب، بل أيضًا التركيز على الإنتاج المحلي. ومن ثَمّ كان اقتناء إيران صواريخ صينية وكورية شمالية وروسية الأصل وتعديل قدرتها على حمل الوقود أو نوعه وحمولته، وما إلى ذلك، خطوةً متقدمة تمكنها من ضرب أهداف معينة في المنطقة. ومن ناحيةٍ أخرى أدى الاختبار الشامل لهذه الصواريخ إلى تطوير ترسانة ذات نطاقات متنوعة وقدرات حمولة وتغيرات طفيفة في التصميم، تمكِّن إيران من التغلّب على أنظمة الدفاع الجوي لأعدائها وتعويض دقة التوجيه المنخفضة، إذ تتميز الصواريخ الباليستية الإيرانية قصيرة المدى بدقة الاستهداف، وهي لا تتوفر للصواريخ متوسطة المدى.

وتُعَدّ الصواريخ سلاحًا مثاليًّا مفضلًا بالنسبة إلى إيران، لأنّها تناسب أبعادها الأربعة المتمثلة في القوات البرية والجوية والبحرية والقوات الهجين (الميليشيات)، كما تشكِّل الصواريخ منصة الردع الأكثر أهمية لإيران حاليًّا، على الرغم من تقليديتها، إلى حين تطوير برنامجها النووي. إلى جانب ذلك، تكمِّل الخبرة في تطوير الصواريخ الهجومية قدرة إيران على إنشاء أنظمة دفاع جوي خاصّة بها، وأصبحت إيران أكثر اعتمادًا على «الردع التقليدي»، لا سيّما في منطقة الخليج العربي بعد تهديدات المرشد الأعلى المتكررة وإطلاق طهران صواريخ على قواعد عراقية تضمّ القوات الأمريكية، وبعد مقتل القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني والوجود الواسع للميليشيات بقيادة الحرس الثوري الإيراني.

ثالثًا: بدايات متواضعة لبرنامج إيران الصاروخي

منذ بداية الحرب الباردة، انضمت إيران إلى الكتلة الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة، كما انضمت إلى حلف بغداد مع الدول المجاورة لها حدوديًّا، وتشمل العراق وتركيا وباكستان. وعلى إثر ذلك واصلت واشنطن مضاعفة جهودها لتعزيز الروابط مع إيران من خلال تصدير أحدث الأسلحة إليها وإقامة التدريبات المشتركة معها. واستمرّ ذلك باستثناء فترة وجيزة من الخلاف عندما فاز محمد مصدق بعد انتخابه رئيسًا للوزراء عام 1951م، وبعدها بأيام قليلة أصدر مصدق مرسومًا بتأميم النفط والغاز، وهو ما أثار غضب بريطانيا والولايات المتحدة. وعندما أقرَّ البرلمان مشروع قانونٍ تقدَّم به مصدق للحدِّ من سلطات الشاه، أطاح الجيش بمصدق في أغسطس 1953م، وعاد الشاه محمد رضا بلهوي إلى الحكم([15]).

وفي عام 1973م لم تنضمّ إيران إلى حظر تصدير النفط الذي تزعمته السعودية وعُرف وقتها بـ«أزمة النفط». وعلى إثرها كسبت إيران ثقة الولايات المتحدة والعواصم الغربية الأخرى، كما حصدت من أزمة النفط أرباحًا مالية شجّعتها على بدء برامج صاروخية ونووية مدنية، سعيًا لأن تُصبح قوة إقليمية([16]). بعدها بدأت «منظمة الصناعات الدفاعية» التابعة لوزارة الحرب الإيرانية في عام 1974م بالإنتاج المحلّي للمعدّات العسكرية باستخدام «نظام آراش»، وهو صاروخ قصير المدى غير موجّه، وهو نسخة من الصاروخ الروسي «بي إم-11» المضادّ للدروع([17]). وكانت إيران تسعى للحصول على مساعدة إسرائيل لتعديل صواريخ «أرض-أرض» المتقدمة في أبريل 1977م في إطار المشروع (الإسرائيلي-الإيراني) المشترك، «مشروع الوردة». كما كانت أعمال التطوير جارية في سيرجان وسط إيران، لصاروخ بحمولة 750 كغم ومدى 482 كلم، لكن لم يُجهَّز في عهد الشاه([18])، وقد دقت ثورة 1979م مسمارًا في نعش مشروع تطوير الصواريخ الإيرانية مثل عديد من المشاريع الأخرى التي تتطلب المساعدة من الغرب.

ومنذ قيام الثورة الإيرانية وإلى الآن، عصفت بطهران تغييراتٍ جذرية، إذ كشفت إيران الستار عن صاروخ «رعد-500» الباليستي قصير المدى في 09 فبراير2020م. وقبل ذلك بشهر، أطلقت إيران 16 صاروخًا من صواريخ «فتح» و«قيام» على قاعدتين تستضيفان القوات الأمريكية في العراق([19])، أصابت منها ستة صواريخ أهدافها بدقة، بينما فشلت أربعة.

تعدُّد أنواع الصواريخ الإيرانية من نفس المدى والحمولة ونوع الوقود جعل المحللين العسكريين يغرقون في حيرة، فإيران تُجري تعديلات طفيفة أو تغييرات في الحمولة ثم تعطي القذيفة اسمًا جديدًا. وبهذا أصبحت إيران تكشف عن إطلاق أسماء جديدة لصواريخ قديمة عُدِّلت وطُوِّرت بعض خصائصها. فعندما كشفت إيران عن ثلاثة صواريخ «جو-جو» في أغسطس 2019م هي «ياسين» و«بالابان» و«قيام»([20])، كانت قد صنّعتها اعتمادًا على قدرات التطوير والتغييرات في الصواريخ الموجودة لديها باستخدام الحسّاسات التي حصلت عليها مؤخرًا، أو إجراء تعديلاتٍ في التصميم في منشأة إيران للصناعات الإلكترونية. وبالمثل، أُعيد تصميم صاروخ «كروز» الذي أطلقته الغواصة الإيرانية من أنبوب الطوربيد في أثناء مناورة «ولاية 97» في فبراير 2019م، من نسخة روسية مطورة.

وبينما تحتفظ إيران بصاروخ «ذو الفقار» الباليستي في مخزونها، سمَّت نسخة معدلة باسم «دزفول» بمدى 1000 كلم، واختبرت طهران خلال هذه المناورة صاروخ كروز «هويزه» القادر على ضرب هدفٍ على بُعد نحو 1200 كلم. واستعرضت إيران بفخرٍ في الذكرى الأربعين للثورة نسخةً أرخص من الصاروخ السوفييتي «كي إتش-55» القادر على حمل رؤوس نووية. كما كشفت عن صاروخ «خرمشهر-2» الباليستي الذي يبلغ مداه 2000 كلم. ويُعتقد أنّ إيران كانت تنتج صواريخ «سجيل» و«غدير» و«خرمشهر» بأعدادٍ كبيرة منذ مارس 2017م.

وشملت الصواريخ البارزة الأخرى التي اختُبرت صاروخ «شهاب-3» الباليستي متوسط ​​المدى، وصاروخ «قيام» الباليستي قصير المدى، وصاروخ «ذو الفقار» الباليستي قصير المدى. وعلى الرغم من أنّ صاروخ كروز «سومر» حلَّق لمدى 600 كلم خلال اختبار أُجري في فبراير 2017م، لكن يُقال إنّه قادر على حمل أسلحة نووية إلى مدى يتراوح بين 2000 إلى 3000 كلم اعتمادًا على وزن الحمولة. وقبلها أطلقت إيران صاروخ «سيمرغ» الحامل للأقمار الصناعية في أبريل 2016م، المعتمد على نسخة صاروخ «أونها» الكوري الشمالي. ولم تعتمد إيران في إطلاق هذا الصاروخ على الوقود الصُّلب، بل اعتمدت على الوقود السائل في كل مراحل الإطلاق. وقد زعمت وكالة الفضاء الإيرانية أنّ الصاروخ قادر على إطلاق حمولة 100 كغم في مدار يبلغ ارتفاعه 500 كلم.

ومع استمرار هجمات الجيش العراقي على المدن الإيرانية خلال الحرب العراقية – الإيرانية، ترأس علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس البرلمان الإيراني الراحل، في عام 1985م وفدًا لزيارة ليبيا وسوريا وكوريا الشمالية والصين للحصول على صواريخ([21]). ونتيجةً لهذه الجولة من الزيارات زوَّدت ليبيا طهران بصواريخ «سكود-بي إس» في العام نفسه، وبعد ذلك بعامين اشترت إيران من الصين صواريخ كروز «سيلكورم» المضادة للسفن. وحصل مشروع طهران لتطوير هندسة عكسية لصاروخ روسيّ الأصل على مزيد من الدعم بتزويد كوريا الشمالية لإيران بـ100 صاروخ «سكود-بي». وبحسب ما ورد فإنّ تلك كانت صفقة مقايضة بأن تموّل طهران برنامج بيونغ يانغ الصاروخي بعيد المدى في مقابل حصولها على التكنولوجيا الصاروخية. وكذلك وافقت بكين على مشاركة التكنولوجيا لتطوير صواريخ إيران الباليستية متوسطة المدى في عام 1988م، وأعقبها اتفاق لمدة 10 سنوات للتعاون العلمي والتكنولوجي في مجال المعدّات العسكرية.

عرضت طهران أول صاروخ قصير المدى يعمل بالوقود السائل محليًّا، «مشكاة-160»، في عام 1988م بمدى 300 كلم، وهو مشتقّ من الصاروخ الباليستي الصيني «دي إف-11 إيه» القادر على حمل أسلحة نووية. وفي وقتٍ لاحق، يُعتقد أنّ إيران طوّرت صاروخًا مشابهًا مع مدى أبعد أو اشترته من الشركة المصنِّعة الأصلية.

وتمكّنت إيران من تجميع عشرات من أنظمة توجيه الصواريخ والأدوات والمحركات المحوسبة التي حصلت عليها من الصين لبناء نسختها من صاروخ كروز «سي-802» أرض-أرض بحلول عام 1996م، ثم نقلت صحيفة «واشنطن تايمز» عن تقريرٍ لوكالة المخابرات المركزية أنّ الصين زودت إيران بتكنولوجيا الصواريخ، التي شملت الجيروسكوبات ومقاييس التسارع، فضلًا عن معدّات الاختبار ومكوناتٍ لنظام رادار متقدم. وقد مضت إيران قُدمًا في تطويرها للصواريخ الصينية، إذ أطلق الحرس الثوري الإيراني صاروخًا من زورق دورية صينيّ الصنع، كما حصلت إيران على تكنولوجيا صاروخ «كروز» في العام التالي، إذ أطلقت صواريخ «سي-801 كي» صينية الصنع من مقاتلاتها. وفي ما يتعلَّق بإنتاج الصواريخ المحلية، واجهت إيران التحدي المتمثل في توفر الصُّلْب عالي الجودة ومعادن أخرى، وتمكنت من توفير ثلاثة أنواع منه من شركة روسية في سبتمبر 1997م([22]).

وشارفت إيران على إكمال تطوير صاروخ «شهاب-3» متوسط ​​المدى في عام 1998م. ويستخدم الصاروخ الباليستي -ذو القدرة النووية- الوقود السائل، كما يبلغ طوله نحو 16 مترًا، وبحمولة 1000 كغم تصل إلى مدى 1300 كلم. وقد شكَّل الاستثمار في برنامج الصواريخ الكورية الشمالية متوسطة المدى أساس ترسانة إيران الصاروخية الموسعة، إذ بدأ بصاروخ «نودونغ»، وبالتزامن مع اختبار «شهاب-3» فرضت واشنطن عقوبات على سبعة كيانات روسية لأنشطة انتشار الصواريخ([23]). وكانت إحدى الشركات المُدرجة في القائمة السوداء «إينور» التي تزود إيران بمعادن خاصة لأغلفة الصواريخ الإيرانية وسبائك الألمنيوم لحماية مكونات توجيه الصواريخ. بالإضافة إلى ذلك، وردَ أنّ الشركة الروسية للأسلحة «روس أوبورون إكسبورت» ساعدت في بناء نفقٍ هوائيٍّ لاختبار وتصميم مكونات الصواريخ، كما أسهمت شركة «SHIG» الروسية (وهي شركة حكومية متخصصة في استيراد وتصدير الأسلحة والمعدّات العسكرية) إسهامًا فعالًا في تطوير تكنولوجيا وقود الصواريخ الصُّلب وتصميم أنظمة التوجيه والدفع. وبما أنّه يُستبعَد أن تكون هذه الإسهامات التقنية المتطورة للغاية جرَت من الشركات الروسية دون معرفة الكرملين، فقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية مزيدًا من العقوبات على كُبرى شركات التكنولوجيا الروسية بعدما استعرضت إيران صاروخ «شهاب-3» وثلاثة صواريخ «أرض-أرض» تعمل بالوقود الصُّلْب، وهي «زلزال-2» و«نازعات» و«شاهين». وقد بدأت الولايات المتحدة برصد تطورات إيران الصاروخية عبر صور الأقمار الصناعية في أوائل عام 1999م، عندما أطلقت صاروخ «شهاب-4» الحامل للأقمار الصناعية -اعتمادًا على الصاروخ «إس إس-4» السوفييتي- بمدى 2000 كلم([24]).

منظومة-إيران-الصاروخية-أنواع-الصواريخ-الباليستية-وصواريخ-كروز
المصدر: مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية « »CSIS(أبريل 2020م)
ترجمة: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة» (سبتمبر 2020م)

عقدت إيران أول صفقة لبيع صواريخها المُصنّعة بواسطة الهندسة العكسية أو المجمَّعة محليًّا إلى الكونغو (زائير) كجزء من عملياتها في عقيدة الدفاع الأمامي([25])، ولم يُعلَن عن مشترٍ آخر، غير أنّها هُرِّبت إلى «حزب الله» في لبنان و«الحوثيين» في اليمن، و«حماس» في قطاع غزة، كجزء من عقيدتها في الحروب بالوكالة.

أمّا عمليات الشراء الإيرانية فلم تقتصر على محركات صواريخ «نودونغ» لـ«شهاب-3» فحسب، بل اشترت إيران أيضًا قاعدة إطلاق متحركة (TEL) لتقليل الإطار الزمني قبل الإطلاق وتعزيز قدرة التخفي قبل المهمّة وبعدها. ومن المؤكد أن خطة إيران للاعتماد على الذات قد وُضعت بشكل جيّد لأنها لم تقلل أو تتجاهل الحاجة إلى معادن عالية الجودة ومواد حيوية لسلامة الصواريخ، كما استنفدت المعرفة الفنية المحلية والمساعدة الدولية غير المشروعة لتحسين أداء صواريخ «نودونغ» في النصف الأول من عام 2000م، وهو العام الذي استثمرت فيه استثمارات هائلة لشراء وإنتاج العناصر الحيوية لإنتاج وقود الصواريخ الصُّلْب مثل راتينغ متعدد البوتادين (HTPB)، ومسحوق الألمنيوم، وكلوريد البوتاسيوم. وعندما عرضت إيران صواريخ «زلزال» و«نازعات» و«شهاب-2» و«شهاب-3» خلال عرض عسكريّ في أواخر عام 2004م، لفت الانتباه نوعان من «شهاب-3»، يتميزان برأس حربيٍّ ثلاثيّ المخروط بمدى محسَّن يبلغ 1500 كلم و2000 كلم، بجانب تحسينات في هامش «الخطأ الدائري المحتمل» الذي يُعرف اختصارًا بـ«CEP».

ويُعَدّ صاروخ «فتح-110» من الإنجازات الصاروخية الإيرانية المهمّة، وهو صاروخ باليستي قصير المدى يعمل بالوقود الصُّلْب لمدى يبلغ 200 كلم، صغير الحجم وعالي السرعة، وصُمم لاستخدامه كسلاح تكتيكيّ في الخطوط الأمامية. وبالطبع لم يكُن بمقدور إيران تطوير هذا الصاروخ بمفردها، إذ أسهمت شركتان في جمهورية مولدوفا هُما «كوانتا إس إيه» و«كمبيوتر آند كميونوكاتي إس آر إل» في هذا الصاروخ، وواجهتا عقوبات أمريكية على إثر هذا التعاون([26]).

وبحسب ما وردَ، فقد زوّدت كوريا الشمالية إيران في عام 2005م بـ18 مجموعة تجميع من نوع «بي إم-25» أو «موسودان»، وهي نسخة معدّلة من النسخة الروسية «إس إس-إن-6»، وهو صاروخ أحاديّ المرحلة يعمل بالوقود السائل بمدى يتراوح بين 2400 و3000 كلم.

وبعد أن أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1737 في ديسمبر 2006م، القاضي بمنع نقل المواد والتعاون التقني والمالي إلى برنامج إيران النووي والصواريخ الباليستية([27])، نشطت إيران في مجال الأبحاث لتحسين آفاق الإنتاج المحلّي لمحركات الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل. ولم يتحقّق النجاح بسرعة بسبب نقص المعرفة والخبرة. وبينما كان يُنظر إلى روسيا وأوكرانيا على أنهما مزوّدتان محتملتان لمحطات الطاقة في القطاعَين العامّ والخاصّ في إيران، فقد التزمتا بقوانين «نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ»، وهي ألّا تصدر صواريخ يتجاوز مداها 30 كلم، أو ذات حمولة  تتجاوز 500 كغم، وهذا ما حوّل أنظار إيران إلى السوق السوداء في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى لتستمرّ إيران في نشاطها باستخدام الهندسة العكسية.

الصاروخالنوعالمدىالحالة
يا عليصاروخ للهجوم البري (كروز)700 كلمقيد التشغيل
سفيرصاروخ/مركبة فضائية لإطلاق الأقمار الصناعية (SLV)350  كلم (ارتفاع)قيد التشغيل
خرمشهرصاروخ باليستي متوسط المدى (MRBM) 2000 كلمقيد التطوير
قيام- 1صاروخ باليستي قصير المدى (SRBM) 700-800 كلمقيد التشغيل
شهاب -1صاروخ باليستي قصير المدى (SRBM)285-330 كلمقيد الشتغيل
 سيمرغصاروخ/مركبة فضائية لإطلاق الأقمار الصناعية (SLV)500 كلم (ارتفاع)قيد التطوير
كوكسان-إم 1978مدفعية40-60  كلمقيد التشغيل
ذو الفقارصاروخ باليستي قصير المدى (SRBM)700 كلمقيد التشغيل
عماد (نسخة مطورة من شهاب -3)صاروخ باليستي متوسط المدى (MRBM)1700 كلمقيد التطوير
سجيلصاروخ باليستي متوسط المدى (MRBM)2000 كلمقيد الشتغيل
شهاب -2 (نسخة مطورة من صواريخ سكود سي)صاروخ باليستي قصير المدى (SRBM)500 كلمقيد التشغيل
شهاب -3صاروخ باليستي متوسط المدى (MRBM)1300  كلمقيد التشغيل
غدير-1 (نسخة مطورة من شهاب- 3)صاروخ باليستي متوسط المدى (MRBM)1900 كلمقيد التطوير
فاتح-110صاروخ باليستي قصير المدى (SRBM)200-300 كلمقيد التشغيل
تندر- 69صاروخ باليستي قصير المدى (SRBM)150 كلمقيد التشغيل
سومرصاروخ «كروز»2000-3000 كلمقيد التشغيل (مُفترض)
رائدصاروخ «كروز» مضاد للسفن150 كلمقيد التشغيل
فاتح-313صاروخ باليستي قصير المدى (SRBM)500 كلمقيد التشغيل
©المركز الدولي للدرسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)

كانت إيران تركِّز على الصواريخ التي تعمل بالوقود الصُّلْب من أجل تقليل وقت التحضير، وربما توسيع مداها في عام 2008م. وكان إجراء إيران اختبارات على صاروخ «سجّيل» متوسط ​​المدى الذي يعمل بالوقود الصُّلْب، و«شهاب-3» الباليستي متوسط المدى الذي يعمل بالوقود السائل وذي الحمولة العالية، بمثابة تحوّلٍ إستراتيجيٍّ في برنامج الصواريخ الإيراني، مما زاد من سعي إيران للحصول على مواد كيميائية حيوية لإعداد الوقود الصُّلْب.

وصلت جهود إنتاج مسحوق الألمنيوم في إيران المستخدم في الوقود الصلب إلى علامة فارقة في عام 2011م مع إنشاء مصنع صغير في مدينة جاجرام شمال شرقي البلاد، حيث يقع أكبر مخزون من البوكسيت (الخام الطبيعي الذي يُصنع منه معظم معدن الألمنيوم) في البلاد([28])، وهي مادة ذات استخدام مزدوج تُستهلك في الدهانات والإلكترونيات والألواح الشمسية وما إلى ذلك، كما يُعَدّ مسحوق الألمنيوم مكونًا رئيسيًّا في الوقود الصُّلْب المستخدم في إطلاق الصواريخ. وقد بدأ مصنع إيران إنتاج المادة السوداء الحيوية في عام 2015م، وكانت بدايةً واعدةً لها لتحقيق سيطرة أكبر على سلسلة التوريد والجودة، وتقليل وقت الإطلاق وتوسيع نطاق قوّتها الصاروخية بشكل كبير. وتشير الوثائق المتعلقة بسعي إيران للحصول على وقود صُلْب، بجانب المساعدة الصينية، إلى أسماء الشركات اليابانية والألمانية أيضًا. وقد أُلقي القبض على أجانب وإيرانيين يعملون لصالح الحرس الثوري الإيراني في أثناء محاولتهم شحن مواد وتكنولوجيا حيوية لبرنامج الصواريخ الإيراني، تشمل منتجات الوقود الصُّلْب([29]).

رابعًا: القلق المصاحب لتصميم وتأمين الصواريخ والرؤوس الحربية النووية

سرَّبت إحدى الوكالات الاستخباراتية للصحافة في عام 2005م أنّ طهران أقامت منصات صُلْبة لإبقاء الصواريخ في حالة استعداد للإطلاق([30]). لم تعترف إيران بذلك، إلّا أنّه في أكتوبر 2015م نشر الحرس الثوري الإيراني مقطع فيديو لمنشأة إطلاق صواريخ تحت الأرض، وزعمت وسائل الإعلام الإيرانية أنّ القاعدة العسكرية كانت على بُعد نصف كيلومتر تحت الأرض، وهي «واحدة من مئات موجودة في جميع أنحاء البلاد»([31]). ثم ذكر قائد في الحرس الثوري الإيراني في مايو 2017م أنّ طهران بنت ثلاث منشآت لإنتاج الصواريخ تحت الأرض، كما صرَّح «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية»، وهو مجموعة معارضة إيرانية مقرُّها أوروبا في يونيو 2017م، بأنّ المنصات ومنشآت تخزين الصواريخ وإطلاقها، تحت الأرض، قد بُنِيَت بالتعاون مع كوريا الشمالية، وأفاد المجلس بتحديد 42 موقعًا للصواريخ ضمن عشرات المواقع التي لم يُكشَف عنها من قبل([32]).

ومع زعم إيران بأنّها تحتفظ بهذه الصواريخ للاستخدام التقليدي، فإنّ هذه الاكتشافات مع جهود موازية للحصول على قطع غيار غربية من أجل دقة الهدف أو زيادة المدى  ومحاولاتها الوصول إلى تصميم له القدرة على حمل رأس نووي، توضِّح أنّ اعتمادها النهائي على الصواريخ هو بغرض الاستخدام النووي.

وعندما رفعت الوكالة الدولية للطاقة الذرّية شكوى في فبراير 2010م بأنّ طهران ربما عملت على تصميم رأس حربيّ للصواريخ الباليستية النووية، أوضحت هيئة المراقبة التابعة للأمم المتحدة بأنّ المحاولة كانت على الأرجح تهدف إلى هندسة هياكل الصواريخ ودراسات «التصميم والنمذجة الحاسوبية» التي تركز على إنتاج تصميمٍ جديد للرأس الحربي الصاروخي([33])، كما أشارت الوكالة، في نوفمبر من العام التالي (2011م)، إلى أنّه وفقًا للمشروع رقم 111 يُعتقد أنّ إيران عملت على نشر حمولةٍ جديدة على صاروخها الأساسي «شهاب-3» تضمنت حزمتها مكونات شديدة الانفجار خاصة بجهاز تفجير داخليّ([34]).

خامسًا: الترسانة الصاروخية الإيرانية والردع التقليدي

في كلِّ الأحوال إذا افترضنا أنّ إيران لا تسعى إلى تطوير برنامجها النووي، فإنّ قوّتها الصاروخية تظهر كأسلحةٍ للمواجهة والقتال الحربي. وهنا يبرز سؤال حول فاعلية الردع الإيرانية في مواجهة التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وخصوم إيران في الخليج العربي. أمّا الولايات المتحدة وإسرائيل فتمتلكان أسلحةً نووية، وقد أشارتا إلى استخدامها في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وفي نشر واشنطن لأسلحتها النووية في قواعدها العسكرية في الخليج العربي وحاملات الطائرات التي تبحر في مضيق هرمز وبحر العرب.

ومع مرور الوقت تمكّنت إيران من ترسيخ روايتها القائلة بأنّها تستخدم الصواريخ للدفاع عن سيادتها، وإشارتها كذلك إلى بنائها صوامع الصواريخ وإطلاقها لصواريخ مخفية تحت الأرض، ما يمكنها من مقاومة ضربة العدوّ الأُولى. لكن يظهر ضعف إيران جليًّا في الحرب المتعددة مثل القوة الجوية وقدرتها في عمليات القتال الحربي، ويُثار سؤال حول شنّ إيران لهجمات ضد الدول عبر وكلائها في المنطقة، ومحاولة سيطرتها على مضيق هرمز بتحركات عدد من الزوارق السريعة وأسراب الطائرات من دون طيار وبصواريخ باليستية قصيرة المدى -أكثر دقة نسبيًّا- وصواريخ «كروز»، وهو: هل سيكون بمقدور إيران القيام بعمليات الضبط والتحكم منذ أول ضربة تتلقاها؟ لا إجابة واضحة، ولكن ما يلفت الاهتمام هو تجاهل إيران لهذه النقطة في مناوراتها العديدة التي تجريها دوريًّا في مياه الخليج العربي ومضيق هرمز، إذ إنّ إيران لا تبقي قوّاتها منتشرة في ساحة النزاع المزعومة فحسب، بل يعكف قادتها الدينيون على إبقاء الرُّوح القومية الدينية مشتعلة للردِّ على هجوم الأعداء المحتمل.

قد تساعد القوة الصاروخية إيران على الصمود لوقتٍ أطوَل في الصراعات التقليدية، ولكن الرأي الداخلي الإيراني قد ينقلب على النظام في حال تزايُد كثافة الهجمات على الأراضي الإيرانية وارتفاع الخسائر. ولتجنب هذا السيناريو ستعمد إيران إلى إثارة أزمات سياسية داخلية لخصومها، وذلك بإلحاق أضرار بشبكات تزويد الوقود والكهرباء والماء. وردًّا على هذا السيناريو يجب على دول الخليج العربي نشر صواريخ دفاعية متفوِّقة لحماية مجالها الجوي من الهجمات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة، ومن المحتمل أنّ دول الخليج العربي الآن تعكف على تطوير غطاء الدفاعات الصاروخية، خصوصًا في أعقاب الهجوم على معامل «أرامكو».

قد تتعثر إيران في نهجها المتبع في الحروب التقليدية -لا سيّما باستخدام القوة الصاروخية تحديدًا- إذا ما أخطأت في تقدير قرارات الخصم وقوّته العسكرية. في حالة نشوب هجماتٍ عدائية سيسعى خصوم إيران إلى تدمير قدرة الدولة الإيرانية وبخاصةٍ منظومة القيادة والتحكم العسكرية، بينما ستهدف إيران إلى الدفاع عن الدولة ولن يكون إلحاق أضرار جسيمة بخصومها مهمّة سهلة نظرًا إلى ما تمتلكه إيران من قدراتٍ دفاعية وصاروخية ومستوى الرضا الشعبي. أمّا تهديد إيران علانيةً بإغلاق مضيق هرمز وصواريخها المضادة للسفن فهو يمنحها بعض الميزات الإستراتيجية، إلّا أنّها لا تستطيع من خلالها تحقيق ما تطمح إليه من أهداف سياسية. وتواجه إيران قصورًا آخر كبيرًا في مجال الحرب الإلكترونية، وإذا أخذنا هنا مثالًا للمقارنة بين تهديد إيران لإغلاق المضيق بـما حدث في «أزمة الصواريخ الكوبية»، التي تُعرف أيضًا بـ«أزمة الكاريبي»، فمن المتوقع أن تُصعِّد إيران من الشعور بالخطر بين دول المنطقة بإثارتها لأعمالٍ عدائية على الأرض ولكن بشكلٍ مدروس تضمن به خط الرجعة، إلّا أنّها لن تحقق مكاسب دبلوماسية، بل من المرجح أنّ مآلات أعمالها العدائية ستعود بالضرر على حلفائها مثل الصين وروسيا. ولن تقبل دول الخليج أن تغدو مياه الخليج العربي ضحيةً لسياسة حافّة الهاوية التي تنتهجها إيران، وستسعى لهزيمتها مهما كلّف الأمر.

ومن منظور الإستراتيجية الإيرانية فإنّ الحرب غير المتماثلة أفضل لها من نشوب صراعٍ شامل، لأنّ قوّتها الصاروخية المتنامية تُضاعِف من مقدار الأخطار الإستراتيجية لأعدائها، وبذلك تتفادى إيران حربًا شاملة لن تنتصر فيها رغم ما تملكه من ميليشياتٍ منتشرةٍ في المنطقة وقدراتها على شنّ هجماتٍ صاروخية. لذلك حالما يُرفع حظر بيع الأسلحة عن إيران ستتصدَّر الصواريخ والمنظومات الدفاعية قائمة مشترياتها بالإضافة إلى المقاتلات النفّاثة والغواصات التي ستصل إلى طهران في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات.

سادسًا: السعي للحصول على قدرات الدفاع الجوي

كشفت إيران عن نظام الدفاع الجوي «باور-373» في أغسطس 2019م، الذي اختُبرت النسخة الأُولى منه في عام 2011م، وذكرت أنّه متفوِّق على نظام «إس-300» الروسي ومماثل لنظام «إس-400» في بعض الجوانب. ويتكون نظام «باور-373» من أربع قاذفات داخل حاويات مستطيلة، كل منها يحمل صاروخ «صياد-4» بعدد 24 صاروخًا في البطارية الواحدة. وتقول إيران إنّ هذا الصاروخ بإمكانه إصابة أهداف جوية تشمل صواريخ باليستية بمدى 300 كلم وارتفاع 27 كلم([35])، وهو مصمّم لاعتراض وتدمير أي نوع من الأهداف الجوية وكذلك الصواريخ الباليستية. وبما أنّ صاروخ «صياد-4» يشبه إلى حدٍّ ما الصاروخ الروسي «48N-6E» الذي حصلت عليه طهران في عام 2016م، فإنّ هذا الصاروخ القابل للمناورة يُعَدّ قادرًا كذلك على إصابة الهدف بدقة في بيئة التشويش، ومجهزًا برادار نظام توجيه شبه نشط. كما يتميز نظام «باور-373» بمداه البالغ 300 كلم اكتشاف نحو 300 هدف في وقت واحد وتعقب 60 هدفًا والاشتباك مع ستة منها على ارتفاع 26 كلم([36]).

ومنذ إسقاطها الطائرة الأمريكية المسيّرة «آر كيو-170» في 05 ديسمبر 2011م، كانت إيران تطمح إلى تحقيق مزيد من هذه العمليات بإسقاط أهداف الاستطلاع الأجنبية العديدة التي تُحلِّق فوق مجالها الجوي. وتسببت حادثة إسقاط وتحطم الطائرة المسيّرة التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في إرباك العالم، ولكن إيران اتخذتها وسيلة لرفع معنويات الجيش الإيراني([37])، ولمواصلة سعيها لتعزيز وتوسيع قدراتها الدفاعية الجوية، إذ تركزت جهودها على تعزيز قدرات الكشف والاشتباك وتدمير أنظمة الرادار والصواريخ المستوردة والمحلية. وقال محللون إيرانيون إنّه مع إضافة رادار «في إتش إف VHF» يمكن لبطارية «باور-373» أن تغطي المجال الجوي لدول مجاورة مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق وقطر وفقًا لقدرة الإنذار المبكّر كميزة أساسية للضربة الوقائية. كما أضافوا أنّ أربع بطاريات من طراز «باور-373» يمكن أن تجعل المجال الجوي لطهران منيعًا([38]). لكن يبدو أنّ إظهار قدرة «باور-373» الإيرانية مُبالَغ فيها في أثناء تشغيلها خلال عمليات الإنتاج المبكرة، إذ إنّ إيران لم تُشغلها بطاقتها الكاملة حتى الآن، بالإضافة إلى أنّ نظام الدفاع الجوي الروسي «إس-300» يظلّ أنجع في مجال المعدّات الحساسة.

وقد كشفت طهران أيضًا في عام 2019م عن نظام صواريخ الدفاع الجوي «خرداد-15» المصمم محليًّا. وزعم وزير الدفاع العميد أمير حاتمي أنّ صواريخ «صياد-3» يمكنها إسقاط طائرات مقاتلة ومركبات قتالية جوية مسيّرة على مسافة 120 كلم، وهي نسخة أقصر مدى من «صياد-4»([39]). ووفقًا لقدرة «خرداد-15» المزعومة فإنّه يمكنها تعقب «التقنيات المتخفية» من مسافة 85 كلم والاشتباك على بُعد 45 كلم. كما يزعم أن الإطار الزمني لنشر النظام هو خمس دقائق ليكون قادرًا على الاشتباك مع ستة أهداف في وقت واحد، ويُعَدّ نظام الصواريخ «أرض-جو» تطورًا إضافيًّا في منظومة إيران الصاروخية «تالاش».

شكَّك عدد من الخبراء في تصريح وزير الدفاع أمير حاتمي في حفل الإطلاق بقوله: «إنّ إيران ستعزز من قدراتها العسكرية لحماية أمنها القومي ومصالحها، ولا تحتاج إلى إذنٍ من أحد»([40])، وذلك بأنّ ما تسمّيه إيران مقذوفات «صياد-3» تشبه صواريخ «هوك» التي صدَّرتها الولايات المتحدة إلى إيران في عهد الشاه، إذ سلّمت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس رونالد ريغان مزيدًا من هذه الصواريخ في ما عرُف آنذاك بفضيحة إيران كونترا (إيران جيت)([41]). كما دفعت بعض التعديلات في نظام الإطلاق الجيش الإيراني إلى توطين نظام الأسلحة، ولم يكن صاروخ «صياد-3» هو وحده الذي حصل على هذا التغيير والتعديل.

ووفقًا لذلك يضع سيناريو تصوُّر التهديد على أرض الواقع إيران في الطرف المتلقّي له، إذ إنّ قوّتها الجوّية متهالكة وقد عفا عليها الزمن. ومن الناحية التكنولوجية، تعتبر أنظمتها أقلّ شأنًا أيضًا، فبالنسبة إلى سلسلة «صياد» والصواريخ المضادة للسفن وأنظمة الرادار، فإنّ طهران مدينة بكثير لبكين التي نقلت إليها التكنولوجيا خلال التسعينيات، ودرّبت القوى العاملة الإيرانية على الهندسة العكسية وإنتاج المعدّات العسكرية. وبدأت إيران بالاكتفاء الذاتي من صواريخ «أرض-جو» منذ استنساخها لصواريخ «إتش كيو-2» الصينية، وهي أيضًا نسخة من صواريخ «إس-75 دفينا» السوفييتية([42]).

ويُتوقَّع أن تقبع إيران طويلًا في ميدان استنساخ الأسلحة ما دام حظر استيرادها قائمًا، ولن يتغيّر الوضع إلّا إذا فشلت الولايات المتحدة في تمديد حظر الأسلحة المُحدَّد في أكتوبر 2020م. فبموجب عقوبات مجلس الأمن الدولي والاتفاق النووي، تُمنع الدول المصدِّرة للأسلحة من بيع الترسانة العسكرية الحديثة التي تشمل الطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي إلى إيران. وما يُسبِّب القلق لإيران أنّه غير بعيدٍ منها، ونظرًا إلى أنّ خصومها في الخليج مجهزون بأحدث الطائرات المقاتلة والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي، فلن تكون الطائرات المسيّرة للجيش الإيراني سلاحًا فعّالًا في حالة نشوب صراع شامل، مقارنة بفاعليتها في الاشتباكات منخفضة الحدّة. ولن تستطيع إيران توظيف سياستها المعتادة في الإنكار، لأنّ الأعمال العدائية ستُنسب إلى العدوّ المحارب، وبالتالي فإنّ أفضل رهان لإيران هو اتخاذ موقف دفاعيّ مع الاعتماد بشكلٍ كبير على ترسانتها الصاروخية وقوارب الكاميكازي الانتحارية. ومع ذلك، تحتاج منصات الصواريخ الخاصة بها أيضًا إلى الحماية من هجوم العدوّ المتوقع، ولن يكون بوسعها المبالغة في أهمية نظام الدفاع الجوي الخاص بها.

تزعم طهران أيضًا أنها طوّرت نظام رادار «آراش-2» القادر على تحديد مواقع الأجسام الصغيرة الطائرة. وعلى حدّ تعبير قائد الدفاع الجوي في «مقرِّ خاتم الأنبياء» العميد فرزاد إسماعيلي، فإنّ «أحد هذه الأنظمة هو رادار فضائيّ بعيد المدى بترددات مشتركة وقدرة على اكتشاف الأجسام الصغيرة الطائرة وصواريخ كروز»([43]). وقد صرّح القادة الإيرانيون علنًا بأوجه القصور التي كانت سائدة في أنظمة الدفاع الجوي في إيران، ومنهم العميد علي رضا صباحي فرد، الذي ذكر أنّ الدفاع الجوي الإيراني غطى عددًا قليلًا من القواعد والمدن الجوية قبل الثورة. ونتيجةً للانتباه إلى آثار الحرب الإيرانيةالعراقية التي أسفرت عن هجماتٍ شاملة على جميع المراكز الحساسة والحيوية في البلاد([44])، يوفّر الجيش وأنظمة الدفاع الجوي الآن غطاءً لأكثر من 3600 موقع تشمل المدن والمنشآت الحساسة.

وفي معرض تباهيها بنظام دفاعٍ جويٍّ متكاملٍ مع قدرةٍ ليليةٍ ونهاريةٍ توفّرها أنظمة الرادار المحلّية ونظام برج المراقبة، استعرضت إيران نظام «راصد-32» الذي يُعَدّ نظامًا دفاعيًّا جويًّا تكتيكيًّا مطورًا محليًّا وقادرًا على مراقبة المجال الجوي بمدى يصل إلى 15 كلم([45]). وهناك أيضًا نظام صواريخ «يا زهراء» المطوَّر محليًّا، وهو نظام متنقّل مثل «خرداد-15» الذي يغذي أيضًا شبكة الدفاع الجوي المتكاملة. وفي الواقع، إنّ التكنولوجيا المحلّية المستخدمة في هذا النظام بالكاد تُذكَر، فهو نسخة مرخصة من نظام «إتش-7» الصيني المُشتقّ بدوره من نظام الدفاع الجوي الصاروخي الفرنسي قصير المدى «كروتال»([46]).

تعزز منظومتا الرادار «معين-40» و«ناصر-40» من قدرة إيران على اكتشاف الأجسام المعادية، إذ تزعم طهران أنّ منظومة الرادار السلبي «ناصر-40» قادرة على اكتشاف الأهداف في البيئات الحضرية، وعلى تحديد مواقع الأجسام الصغيرة الطائرة وصواريخ «كروز» في المراكز الحضرية. أمّا منظومة «معين-40» فتمتلك مدى كشفٍ يبلغ 400 كلم، مخصصًا للاستخدامات المدنية والعسكرية.

وبالنسبة إلى قوّات خفر السواحل، أعلنت إيران في يوليو 2017م أنّها طورت ونشرت رادار «آفاق»([47]) الذي قال عنه وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي: «رادار مراقبة الساحل (آفاق) قادر على رصد السفن في مدى 200 كلم، ويمكنه أيضًا تتبُّع الأهداف الجوية ومطاردتها». كما تباهى حاتمي بنظام الرادار المتنقل لكونه مزودًا بقدرات حربية مضادة للإلكترونيات مع قدرته على تتبُّع وتعقُّب 100 سفينة في وقت واحد([48]).

ومن المنظومات الجوية المُعدّة والمُطوّرة محليًّا منظومة «نذير» الرادارية، وهي «منظومة معدّة لرصد الأهداف المُتخفية عن الرادار وللحرب الإلكترونية»، وبحسب وكالة أنباء «فارس» قال العميد إسماعيلي في تصريح له: «إنّ هذا الرادار مخصص لرصد الأجسام الطائرة الصغيرة وطائرات (MQ1) و(RQ4) و(U2)، ويمكنه بسهولة تعقب الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المُتخفية عن الرادارات»([49]). وسبق أن صرح ضبّاط إيرانيون في عام 2014م بأنّ منظومة «نذير» أكثر تطورًا من المنظومة الروسية «S300»، وأنّ المنظومة الإيرانية «باور-373» تتفوّق عليها أيضًا. وقد صرح اللواء حسين سلامي بأنّ الحرس الثوري الإيراني كشف في معرضه الأخير عن منظومة جوية أكثر تطورًا من المنظومة الروسية التي رفض الروس تزويدهم بها لأهدافٍ إستراتيجية([50]).

ظلّت إيران بانتظار الحصول على المنظومة الروسية «إس-300» التي اتُّفِق عليها في عام 2005م، ولكن ألغتها روسيا بعد فرض العقوبات الأممية على إيران في عام 2010م. وبعد إبرام إيران لخطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015م تمكّنت من إحياء الاتفاق من جديد مع روسيا التي أرسلت المنظومة في يوليو 2016م. وكان بإمكان إيران التفاوض مع روسيا للحصول على نسخة مطورة من نظام «S300 PMU2» التي لا تزال تفاصيله محمية، ولكن بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على طهران لم تعُد روسيا راغبة في تزويد إيران بمزيد من القدرات الحربية. ومع ذلك فإنّ نظام «إس-300» عزّز من القدرات العسكرية الإيرانية، لا سيَّما منذ إعـلان إدماجـه مـع منصّات الدفـاع الجـوي الأخرى، فنسخة «S300 PMU2» التي حصلت عليها طهران لديها القدرة على اعتراض الأهداف في نطاق 200 كلم ورصد الأهداف راداريًّا في نطاق 300 كلم([51]).

بوسع التقنية الحربية الروسية تمكين طهران من ردع الطائرات والصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز» والطائرات دون طيار التي تخترق مجالها الجوي، كما تمكّنها أيضًا من تغطية المجال الجوي للمناطق المجاورة لها مثل العراق والكويت والإمارات والمملكة العربية السعودية، خصوصًا إذا ما وضعت المنظومة على الحدود الساحلية الإيرانية، في مدينة بوشهر الساحلية التي أنشأت فيها مفاعلًا نوويًّا. أمّا إذا وضعتها في مضيق هرمز فسيحصل جيشها على رؤية أوضح لحركة الطائرات في السعودية وعُمان. وتتراوح مدّة التحليق المُقدَّرة للصواريخ الإيرانية من ثلاث إلى أربع دقائق اعتمادًا على موقع الهدف، إلّا أنّ نظراءَها في الدول العربية يملكون أنظمة دفاع جويّ متعددة الطبقات أثبتت كفاءتها في اعتراض الصواريخ والطائرات دون طيار الحوثية.

غيَّرَ نشر منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس-300» في المنطقة، من منظورِ وحساباتِ  التهديد لدى الدول العربية وأمريكا. وعلى النقيض من هذه الدول؛ فإنَّ نشر منظومةِ الدفاع الروسية في إيران  سيظلُّ محدودًا نظرًا لاتساع  رقعتها الجغرافية وتبعثر منشآتها العسكرية. وبما أنّها لم تحصل على الصاروخ الروسي متوسط المدى «Buk-M2» الذي أسقط الطائرة الماليزية «إم إتش17 MH17»، فتُعَدّ كأن لم تمتلك بعدُ القوة التي تتمتع بها منظومة «إس-300» و«إس-400»، ولذلك قد تعمد إلى التعويض عن ذلك بصواريخ مصنعة محليًا. ولكن يبقى التحدي في أنّ النسخة القديمة من المنظومة الروسية التي حصلت عليها إيران لن تستطيع التصدي لمستويات التهديد التي تفرضها الطرازات الجديدة من الطائرات النفاثة والصواريخ، كما أنّها لن تستطيع أيضًا تطوير درع دفاع جويٍّ مُتعدِّدة الطبقات.

وفي العقد الماضي أولت طهران الهندسة العكسية وتعزيز قوة الطائرات المسيّرة ومخازن الصواريخ والمنظومات الرادارية اهتمامًا كبيرًا. وحينما بلغت التوترات في الخليج ذروتها، لم تستطع إيران استخدام كل قدراتها التي تعتمد عليها اعتمادًا كبيرًا في الحروب غير التقليدية لردع أعدائها، إذ لم تختبر فاعلية نظام دفاعها الجوي بعد، على النقيض مما حقَّقه نظام الدفاع الجوي السعودي. وستبقى بطارياتها الأربع لنظام «إس-300» الروسي مكدسة بانتظار هجوم محتمل. وهنا نستثني ما تمتلكه من مقاتلاتٍ اعتراضيه -قديمة إلّا أنّها فعّالة- من طراز «إف-14 توم كات» والمقاتلات الروسية من طراز «ميكويان ميج-29» و«مقاتلات إف-15» و«إف-16» والمقاتلات الفرنسية متعددة المهامّ من طراز «رافل» (هذا إذا ما أخرجنا المقاتلات الأمريكية «إف-35» من المعادلة).

وعلى افتراض أنّ الولايات المتحدة لن تدخل في الصراع في منطقة الخليج، فإنّ إيران ستبقى في وضع الحرب التقليدية في حالة دفاع. أمّا دول الخليج فمِن المرجَّح أن تستثمر الصراع لتثبيط القدرات الهجومية الإيرانية وأنظمتها من الإنذار المُبكّر وقوّاتها الجوية. وقد تتمكن طهران من إلحاق بعض الخسائر بالقوات الجوية لأعدائها عند الدخول في أي صراع، وهذا كله يعتمد في النهاية على مدى فاعلية تدريب أفراد الجيش وإدماج القوات الجوية على أرض الواقع.

المصدر: بلانت
ترجمة: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة» (سبتمبر 2020م)

سابعًا: منظومة سلاح لمنطقة يُمنَع دخولها/ لمنطقةٍ محظورةٍ (A2/AD)

تُركِّز الإستراتيجية العسكرية الإيرانية على مكوناتٍ جيوسياسية، ومن ضمنها إعاقة الوصول إلى مضيق هرمز الذي يُعَدّ مضيقًا إستراتيجيًّا بالغ الأهمّية لإيران وجيرانها وخصومها على السواء. وبما أنّ سواحل إيران البحرية تمتدّ طويلًا حتى شمال بحر العرب، فإنّ هذا من شأنه أن يعزِّز من قوّتها، فهي تستطيع التهديد بإغلاق المضيق في حالة نشوب حرب، إلّا أنّ البنية التحتية الإيرانية على سواحلها المحاذية لبحر العرب، ولا سيّما تلك المخصّصة لعمليات الرسوّ، لا تستطيع استيعاب الشاحنات والحاويات الكبيرة، وعليه فقدرة إيران على منعِ حركة الملاحة في المضيق تبقى جزءًا أساسيًّا في إستراتيجيتها تستطيع استثماره في التهديدِ وبثِّ عدم الاستقرار، لكن فاتورة هذه الخطوة ستكون مرتفعة جدًا على إيران، وبالتالي يعتبر ذلك ورقة ردع لن تقدم على استخدامها.

وهذه الشبكة المعقدة من الترسانة العسكرية، التي ترعاها الطموحات الإيرانية، يتراوح مداها للأسلحة المخصصة لـ«مناطق يُمنع دخولها أو مناطق محظورة» والصواريخ المضادة للسفن، ما بين 280 كلم و700 كلم كحدٍّ أقصى. وتستطيع إيران أن تطلق صواريخها أرضًا أو جوًّا، إلّا أنّ الصواريخ المضادّة للسفن التي تُطلِقها من الأرض ذات مدى أقصر ودقّة أعلى. وعادةً ما تتباهي إيران بقوّة أسلحتها المخصّصة للمناطق المحظورة باستهداف نماذج «تشبيهيه» لحاملاتٍ وسفنٍ أمريكية، ومع ذلك فإنّ أمام إيران الكثير للوصول إلى أهدافها. وقد برزت قدرة إيران في منظومة أسلحتها لحظر الوصول عندما نجح نظامها «خرداد-3» للدفاع الجوي في إسقاط الطائرة الأمريكية دون طيار «غلوبال هوك» في منتصف عام 2019م([52]).

وبرزت أيضًا قدرة إيران المتنامية في تطوير منظومات الأسلحة، ولا سيّما الصواريخ منها، في تصنيعها للصواريخ المضادة للسفن «غدير»، إلّا أنّ للواقع روايةً أخرى، إذ طوّرت إيران اعتمادًا على طراز الصواريخ الصينية «سيلك وورم» التي اشترتها في الثمانينيات من القرن الماضي بإجراء تعديلاتٍ على أنظمتها الثانوية وشكلها الخارجي. الجدير بالذكر هنا أنّ هذه الصواريخ الصينية هي إصدار معدَّل أقلّ كفاءةً من الصواريخ السوفييتية المضادة للسفن «تيرمت». ويبقى التعاون الصيني جزءًا محوريًّا في القدرات الصاروخية الإيرانية، فقد اشترت طهران من بكين صواريخ «أرض-جو» من طراز «إتش-كيو2و بي-2» وهي نسخ من الصواريخ السوفييتية «إس-75».

وبالإضافة إلى ما ذُكر عن تطوير إيران الصواريخ اعتمادًا على طراز الصواريخ الصينية «سيلك وورم»، فإنّها طوّرت الصاروخ الباليستي المضادّ للسفن «خليج فارس»، وهو نسخة من «فاتح-110»، وهو أيضًا نسخة مطورة من الصاروخ الصيني قصير المدى «سي إس إس-8» الذي حصلت إيران على 200 صاروخ منه في عام 1989م. ويُعَدّ صاروخ «خليج فارس» أقوى صاروخ باليسيتي مضاد للسفن تمتلكه إيران، إذ يتميز بدقةٍ عالية في إصابة الأهداف، وهو مزوَّد برأسٍ حربيٍّ بوزن 650 كغم([53]). وقد جرى اختبار الصاروخ لأول مرة في عام 2011م، حينها أثبت جدارة عالية في القدرة العسكرية الإيرانية مع دقةٍ استثنائية، وليس هذا فحسب، بل إنّ صاروخ «خليج فارس» طويل المدى يعمل بالوقود الصُّلْب ويملك نظامَ توجيهٍ ذاتيٍّ([54]).

ثامنًا: برنامج الفضاء المُبهَم

عندما أطلقت إيران القمر الصناعي العسكري «نور-1» في 22 أبريل 2020م، لم يكن ذلك محاولة لتحسين صورة النظام أمام الشعب الإيراني، كما لم يكن لاستخدامات الفضاء السلمية، فهو نسخة مطورة من الصاروخ الباليسيتي «شهاب-3» الذي يحلّق إلى مدى يصل إلى 2,500 كلم. وانطلاقًا من سياستها الموسومة بالإنكار، وكما هي الحال مع برنامجها النووي، لا تهدف إيران بتنمية طموحاتها في مجال الفضاء إلى خدمة أغراضٍ سلمية، بل إلى إدراكها أنّ نجاحها في إطلاق قمرٍ صناعيٍّ جاء في وقتٍ كانت فيه بحاجة ماسّة إلى إظهار قوّتها الدفاعية وإنجازاتها التكنولوجية. فالبرنامج الفضائي الإيراني في الأساس لا يختلف عن برنامجها النووي ذي البُعد العسكري الذي تنكره إيران، إذ يهدف إلى استخدام مجال الاتصالات والمراقبة والاستطلاع، لخدمة الأغراض العسكرية. وهو ليس أول قمر صناعيّ تُطلِقه إيران في الفضاء، إذ سبق وأطلقت أربعة أقمار صناعية، إلّا أنّ «نـور-1» وصل إلى أبعد مدار منها بارتفاع 425 كلم عن سطح الأرض. وبما أنّ الأقمار الصناعية السابقة لم تستمرّ طويلًا في الفضاء، فمن المحتمل أنّ الحرس الثوري صبَّ جُلّ جُهوده لإطالة العمر التشغيلي للقمر على حساب قدراته، وهذا بالضرورة يعني أن يكون أخفَّ وزنًا ومزوّدًا بكاميرات ومستشعرات أقلّ دقة. وتشغيل إيران أقمارها الصناعية يبقى معرضًا للهجمات السيبرانية، وعلى الرغم من إمكانياته المحدودة يبقى الهدف من تزويد القمر الصناعي بكاميرات هو المراقبة العسكرية.

يدور القمر الصناعي «نـور-1» بحُرّية كل يوم عدة مرات حول الأرض بمدارٍ متزامنٍ مع الشمس بزاوية ميلان تُقدَّر بـ59.8 درجة فوق خط الاستواء على ارتفاع 425-435 كلم مع مسارٍ أرضيٍّ يتكرَّر كل أربعة أيام([55])، ويقطع هذا القمر دورة كاملة حول الأرض كل 90 دقيقة([56]).

يطمح الحرس الثوري الإيراني في تصنيع وإطلاق قمر تجسُّس صناعي عالي الدقة في المستقبل، متجاهلًا المخاوف المتصاعدة حول الاستخدام المزدوج لهذه الأقمار (استخدامات عسكرية وغير عسكرية). وكان إطلاق صاروخ «نـور-1» استثنائيًّا للغاية، إذ لم ينطلق من منصة الإطلاق الثابتة في «قاعدة الإمام الخميني الفضائية»، بل من منصّة إطلاق متحرِّكة في القاعدة الإيرانية لاختبار الصواريخ في شاهرود([57]). ورُصِدَت عمليات إطلاق الأقمار الأربعة السابقة لأنّ مراحل الإعداد لها وإطلاقها جرت في «قاعدة الخميني الفضائية»، أمّا القمر «نور-1» فلم تُلتقط له أيّ صور من الأقمار الصناعية ولم تكن هناك محاولة هجومٍ لإحباط ما اشتُبه في أنّها تجرِبة لإطلاق صاروخ باليسيتي عابر للقارّات تحت مظلّة قمر صناعيّ، فقد سبق أن أجرت «وكالة إيران الفضائية» 13 محاولة لإطلاقه. وفي المرة الأخيرة تولَّى الحرس الثوري الإيراني المهمّة بنفسه، إذ صمم صواريخ من ثلاث مراحل لحمل الأقمار الصناعية بصواريخ تعمل بالوقود الصُّلْب والسائل. ويُعَدّ القمر «نـور-1» أخفّ وزنًا من الأقمار الصناعية السابقة التي أطلقتها إيران، إذ يزن نحو 50 كغم. ولكن يبقى السؤال عن مدى قدرة القمر على تجنُّب إشارات التشويش ومدى ديمومة بطاريته.

بقيَت إشارات القياس التي يبثها القمر الصناعي عن بُعد قويةً خلال أكثر من ثلاثة أسابيع على درجة 401.5 ميغاهيرتز، وهي عبارة عن مجموعة من بيانات الفضاء المرصودة يرسلها القمر دوريًّا كل عشر ثوانٍ على شكل مجموعة واحدة([58])، إلّا أنّ «هواة اللاسلكي» التي تستقبل تدفق البيانات في المحطات الأرضية كانت تتلقى إشارات ضعيفة أحيانًا، وفي أحيانٍ أخرى حدث انقطاع كامل للإشارة مع القمر([59]).

وبعد أن أصبح البرنامج الفضائي الإيراني السرّي معلَنًا الآن، تعمل إيران على إرسال أقمار صناعية أكثر كفاءة عبر مركبات/صواريخ لإطلاق الأقمار الصناعية (المعروفة اختصارًا بـSLV) التي تعمل بالوقود الصُّلْب، غير أنّه ليس من المتوقع أن تطلق مزيدًا من الأقمار الصناعية هذا العام([60]). ففي عام 2011م أُزيل الستار عن البرنامج الفضائي الموازي الذي يُديره الحرس الثوري الإيراني، وعند محاولة الإطلاق الأُولى للصاروخ في 12 نوفمبر انفجر الصاروخ في مركز الشهيد مدرس لأبحاث الصواريخ التي تعمل بالوقود الصُّلْب، وراح ضحية الانفجار 39 شخصًا، من بينهم عرّاب البرنامج اللواء حسن طهراني مقدم([61]). وحتى تاريخ الإعلان عن صاروخ «قاصد» الذي يعمل في مرحلته الثانية بمحرك للصواريخ التي تعمل بالوقود الصُّلْب، كان يُعتقد أنَّ البرنامج الفضائي العسكري انتهى عام2011م([62]). ومنذ ذلك التاريخ لم تجُرَ أيّ تجارِب أخرى لإطلاق صواريخ تعمل بالوقود الصُّلْب.

ومن الإنجازات التكنولوجية الأخرى التي حققتها إيران مستفيدةً من السوق السوداء في روسيا والصين وكوريا الشمالية في التحسينات على صناعة إطلاق الصواريخ([63])، إلى جانب مرحلة الوقود الصُّلْب، هي «الرأس الدوار» لإطلاق الصواريخ الذي يتحكم بتحليق الصاروخ ويتميز بغطاءٍ مصنوع من الألياف الكربونية يَزيد من مدى الصاروخ([64]). ويُعَدّ صاروخ «قاصد» (الحامل للأقمار الصناعية) هو النسخة المطورة من الصاروخ الباليسيتي «شهاب-3» الذي اعتمد في تصميمه على الصاروخ الكوري الشمالي «نودونغ»، حتى إنّ إيران حصلت على «وحدة النقل والتجهيز» من كوريا الشمالية في عام 1995م وأجرت عليها تعديلات، ومِن ثَمّ صنّعت نسخًا بتجميع محليّ باستخدام الهندسة العكسية في بعض الأجزاء([65]). والجدير بالذكر هنا أنّ النسخة الأولية لصاروخ «نودونغ» و«وحدة النقل والتجهيز» تعود إلى زمن الاتحاد السوفييتي.

بدأت بوادر اهتمام إيران بتكنولوجيا الفضاء في عام 1958م عندما حضرت طهران اجتماع الأعضاء المؤسِّسين لـ«لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراضِ السلمية»، وفي عام 1985م ترأس المتحدث باسم البرلمان الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني وفدًا رفيع المستوى، وزار ليبيا وسوريا وكوريا الشمالية والصين للحصول على مجموعاتٍ من الصواريخ([66]). وفي عام 2014م أُنشئت «الوكالة الإيرانية للفضاء» تحت «المجلس الأعلى للفضاء» برئاسة رئيس الجمهورية وأُصدر قرار تكليف للجنة استكشاف الفضاء الخارجي وصناعة وإطلاق الأقمار الصناعية ونشرها، بالإضافة إلى بناء شركات تعاون إقليمية ودولية([67]). وفي 27 أكتوبر 2005م أطلقت إيران أول قمر صناعي «سينا-1» على متن مكوكٍ فضائي روسي يُدعى «كوزموس3م» من محطة في شمال روسيا([68]).

ويضمن إطلاق إيران لقمر صناعي اتصالًا مستمرًّا مع الفضاء الخارجي والعمليات التي تجري في المدار، والإحاطة بالحالة الفضائية ورصد الأرض. ويتمتَّع الحرس الثوري بميزاتِ التحكم والضبط والاتصال مع القمر الصناعي الذي قد يتحول مستقبلًا إلى قاعدة فضائية للدفاع عن الأراضي الإيرانية. وفي مرحلةٍ ما، قد تسعى إيران إلى تسليحِ قمرها الصناعي بغية الهجوم على الأقمار الصناعية التابعة لخصومها. ولدى الحرس الثوري رغبة جامحة في الحصول على هذا النوع من الأسلحة، ففي عام 1974م ثبَّت الروس مدفع «23-mm» المضاد للطائرات على محطة «ساليوت 3» ونجحوا في استهداف طائرة([69]). وتطمح إيران في إسقاط الأقمار الصناعية التابعة لخصومها بصواريخ مضادة للأقمار الصناعية. والجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والهند أجروا اختباراتٍ للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية([70]).

وللأقمار الصناعية الإيرانية أهمية كبيرة لأنظمة توجيه الصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز» وقدرتها على الردع. ورغم أهميتها في برنامج الصواريخ الباليستية، فإنّها تثير جدلًا واسعًا حول دورها في عسكرة الفضاء وبالتالي رسم سياساتٍ دفاعيةٍ جديدة موائمة لها. وبما أنّ إيران دولة تعاني من آثار التغيُّر المناخي وشُحّ المياه فإنّ الأقمار الصناعية تتيح لها المقدرة على الرصد المبكّر للفيضانات وموجات التصحُّر، بالإضافة إلى جمع البيانات اللازمة لتفعيل الزراعة الصديقة للبيئة وتخطيط المدن([71]). ويبقى الخيار بيد الحرس الثوري لمشاركة هذه البيانات مع الحكومة المدنية أو لا.

يسير تطوير برنامج إيران للأقمار الصناعية بخطىً بطيئة وهادئة مقارنةً بالتطورات التي تجري في برنامجها للصواريخ الباليستية، إذ يهدف في النهاية إلى تصنيع صواريخ عابرة للقارّات. ويوفر البرنامج الفضائي المعرفة الضرورية لتوسيع مدى الصواريخ وزيادة حمولتها مع دقةٍ أعلى. ولا يُتوقّع أن تصل إيران إلى الصواريخ العابرة للقارّات بالاعتماد كليًّا على تطوير صواريخ الإطلاق للأقمار الصناعية، إلّا أنّها تقدِّم رؤية عن مدى التعقيدات في سرعة قذف الصواريخ وعلم الفلزات (أي المعادن التي يُصنَع منها الصاروخ). وإذا ما حصلت إيران على ما يلزمها من معداتٍ من السوق السوداء فإنّ عودتها لإطلاق صواريخ الأقمار الصناعية التي تعمل بالوقود الصُّلْب ستكون قريبة.

كما يوفر البرنامج الفضائي الإيراني خدمة الاتصال الفضائي المعروفة بـ«ساتكوم SatCom»، وهي شرط أساسيّ للقيام بحروب الطائرات دون طيار وشبكات الاستطلاع، لا سيّما أنّ لإيران خبراتٍ متراكمةً في هذا المجال. وبعد انتهاكاتها المتوالية للاتفاق النووي، واصلت إيران تحدّيها بإطلاق قمرٍ صناعيّ عسكريّ إلى الفضاء عبر صاروخ باليستي، وهذا يُعَدّ انتهاكًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي ينصّ على: «المطلوب من إيران ألّا تقوم بأيّ نشاط يتصل بالقذائف التسيارية (الباليستية) المُعَدّة لتكون قادرة على إيصال الأسلحة النووية، بما في ذلك عمليات الإطلاق باستخدام تكنولوجيا من هذا القبيل للقذائف التسيارية»([72]). وهذا الانتهاك دحض ادعاءات إيران بالتزامها القانون الدولي.

وفي تطورٍ إستراتيجيّ، أثبتت طهران أنّها قادرة على ضرب الأراضي الأمريكية بصواريخها الباليستية، فحذَّرها البيت الأبيض من أيّ إجراءات ترمي من خلالها إلى تغيُّر الوضع القائم. ومن الـ12 شرطًا التي وضعتها الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن طهران، تطالب واشنطن إيران في الشرط الرابع تحديدًا بإنهاء برنامجها للصواريخ الباليستية ووقف إطلاق وتطوير أنظمة صاروخية بقدرات نووية([73]).

ومن المتوقع أن تبقى إيران متشبّثة بتصريحاتها بأنّ برنامجها الفضائي مخصَّص لأغراض سلمية، وأنّ ما تطوره من تكنولوجيا صواريخ إطلاق المركبات الفضائية لا تهدف من خلاله إلى تصنيع صواريخ باليستية متوسطة وطويلة المدى. ولكنها في الحقيقة غيّرت قواعد اللعبة، فالحسابات الإستراتيجية في الغرب تغيّرت كليًّا، خصوصًا أنّ قدرة إيران الهجومية ستثير ردود أفعال متعددة دبلوماسيًّا وقانونيًّا وإستراتيجيًّا. ولا تتفق روسيا والصين مع رؤية الولايات المتحدة الأمريكية حول إطلاق إيران للقمر الصناعي، ولكن من المحتمل أن تتفق الدول الأوروبية الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وبقية أطراف الاتفاق النووي مع الموقف الأمريكي([74]).

انتقدت الدول الأوروبية الثلاث إطلاق إيران الأخير للقمر الصناعي، إذ قال متحدِّث باسم الخارجية البريطانية: «التقارير عن إطلاق إيران قمرًا صناعيًّا باستخدام تكنولوجيا الصواريخ الباليستية مقلقة للغاية ولا تتفق مع قرار مجلس الأمن رقم 2231»، مضيفًا: «تطالب الأمم المتحدة إيران بالامتناع عن أي نشاط يتصل بالصواريخ الباليستية المصممة بحيث تكون قادرة على حمل أسلحة نووية، ويجب أن تلتزم إيران ذلك»([75]).

كما أدانت فرنسا بشدةٍ إطلاق إيران للقمر الصناعي، الذي عدّته انتهاكًا لقرار الأمم المتحدة رقم 2231([76])، إذ أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانًا جاء فيه: «… ونظرًا إلى التقارب الكبير بين التكنولوجيا المستخدمة لإطلاق الأجسام الفضائية ولإطلاق الصواريخ التسيارية (الباليستية)، فإنّ إطلاق هذا القمر الاصطناعي يسهم مباشرةً في تطوّر برنامج إيران التسياري المقلق للغاية أساسًا. ويُظهِر دور القوات الجوية الفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني في هذه العملية مدى الترابط الوثيق بين هذين البرنامجين، علمًا بأنّ الحرس الثوري الإيراني هو كيان خاضع لجزاءات الاتحاد الأوروبي»([77]). وكذلك حذَّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية كريستوفر برغر بتصريحه من أنّ «للبرنامج الصاروخي الإيراني أثرًا مزعزعًا للاستقرار في المنطقة، وهو غير مقبول من حيث اهتماماتنا الأمنية الأوروبية»([78]).

وتدقّ القدرات التي طوّرها وعرضها الحرس الثوري الإيراني جرس الإنذار، ليس للولايات المتحدة فحسب، بل أيضًا للتكتل الإستراتيجي الإقليمي (حلف الناتو). ونظرًا إلى الاختلافات بين واشنطن والاتحاد الأوروبي، أصبح موقف حلف الناتو متسقًا مع الموقف الأمريكي، ليس لدعم واشنطن في مخاوفها الأمنية فحسب، بل للحفاظ على استمراريته كحلفٍ عسكريّ. ومع هذا لم يُصدِر حلف الناتو أيّ تنديدٍ رسميٍّ على لسان المتحدث باسم الحلف أو السكرتير العام.

وبعد هذه الأحداث أصبح تاريخ 18أكتوبر 2020م يومًا أكثر أهميةً للولايات المتحدة الأمريكية، فهو تاريخ انتهاء تمديد حظر السلاح الذي يفرضه مجلس الأمن الدولي على إيران في إطار الاتفاق النووي. وقد تفعِّل الولايات المتحدة «آليـة فـض النـزاع» توازيًا مع موقف الدول الأوروبية الثلاث من تجاوز معدلات تخصيب اليورانيوم، وردًّا على برنامج إيران الفضائي. وإذا وصل الملف إلى مجلس الأمن الدولي فلن تتمكن روسيا والصين من استخدام حق النقض (الفيتو) وسيُفعَّل بند «العودة إلى الوضع السابق»، أي إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران تلقائيًّا بعد مرور ثلاثين يومًا من تاريخ تقديم الشكوى([79]). ونصُّ قرار مجلس الأمن يدعو إيران بوضوح إلى «ألّا تقوم بأيّ نشاط يتصل بالقذائف التسيارية (الباليستية) المُعَدّة لتكون قادرة على إيصال الأسلحة النووية».

وتبقى قانونية برنامج إيران الفضائي موضع جدل بين أوساط قادة الدول الأجنبية حول ما إذا كان إطلاقها لقمرٍ صناعيّ ينتهك خطة العمل الشاملة وقانون مجلس الأمن الدولي رقم 2231 وأحكام «معاهدة الفضاء الخارجي» للأغراض السلمية أم لا([80]).

قد يمكِّن إطلاق القمر الصناعي إيران من إيصال سلاحها النووي للهدف المراد، فهي تحتاج إلى تخطي تحديات تكنولوجية عديدة حتى تتمكن من استخدام الأسلحة النووية في ضرب أهداف دقيقة، خصوصًا أنّ إخفاقاتها كشفت أنّ إطلاق القمر الصناعي كان مُعَدًّا من برنامجٍ عسكريّ موازٍ لبرنامجها الفضائي.

أمّا انتهاكات إيران غير النووية لقرار مجلس الأمن رقم 2231 فتزيد المسألة تعقيدًا، إذ أثارت التجرِبة التي قامت بها إيران في 27 يوليو 2017م لصاروخ «سيمرغ» اعتراضاتٍ من أطراف الاتفاق النووي -باستثناء روسيا والصين- في مجلس الأمن الدولي، إذ وصفوها بأنّها «خطوة تهديدية واستفزازية» وأنّ إيران لا تتمتع بالوفاء الكامل لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي. هنا كان الاعتراض على الهدف من وراء إطلاقها للصاروخ.

وإلى جانب الجدل الدائر حول عضوية الولايات المتحدة في الاتفاق النووي، هناك آراء مختلفة حول ما إذا كان يجب على الغرب منع إيران من إجراء جميع التجارِب وأشكال التطوير المتعلقة بـ«نظام تحكم تكنولوجيا القذائف» للفئة-1 من الصواريخ([81]). وتعترض إيران على موقف الدول الغربية من أنّ برنامجها للصواريخ الباليستية وبرنامجها الفضائي ينتهك قرار مجلس الأمن رقم 2231 على الرغم من أنّ نص القرار يدعو بوضوحٍ إيران إلى «ألّا تقوم بأي نشاط يتصل بالقذائف التسيارية (الباليستية) المُعَدّة لتكون قادرة على إيصال الأسلحة النووية»([82]).

تاسعًا: الأسواق السوداء العابرة للحدود

في 30 يوليو 2020م أضافت الولايات المتحدة الأمريكية على لائحتها السوداء أربع شركات إيرانية في قطاع الصُّلْب والألمنيوم والحديد لعلاقتها ببرنامج إيران الصاروخي([83])، بما في ذلك فرع في ألمانيا وثلاثة أفرعٍ في الإمارات العربيّة المتّحدة. وفي العقود الأربعة الماضية أولت إيران صناعة الصُّلْب وغيرها من صناعات المعادن المهمّة كالألمونيوم والحديد اهتمامًا خاصًّا. وتهدف العقوبات الأحادية الأمريكية والعقوبات التي فرضتها بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى تحذير التجّار من العمل مع كياناتٍ تتطلب تخليص البضائع المُصدَّرة. وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيين لم يبتّوا بوضوحٍ في مسألة بودرة الألمنيوم، فإنّهم يرون أنّ حصول إيران عليها سيعزِّز من قدرات صواريخها الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، وهذا يتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2231. وحتى قبل الاتفاق النووي، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1929 في عام 2010م الذي قيَّد إنتاج إيران للصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية ومنع الدول الأخرى من تزويد إيران بالتكنولوجيا المتعلقة بهذه الصواريخ. واتهمت الولايات المتحدة الأمريكية رجل الأعمال الصيني لي فانغوي في 2009م بالتورط في بيع أجزاء صواريخ لإيران، وأضافته وشركته إلى قائمتها السوداء([84]).

وفي سبتمبر عام 2010م ضبطت سنغافورة شحنة تحوي 18 طنًّا من بودرة الألمنيوم في طريقها إلى إيران، وكانت ستسهم في إنتاج 100 طن من الصواريخ مثل «فاتح» و«زلزال» و«سجيل»([85]). ولاحقًا في مارس 2012م أدانت محكمة كولومبيا مواطنًا أستراليًّا يبلغ من العمر خمسين عامًا وشركته «ICM» لتصديره غير المشروع لسلسلة الجيروسكوبات «VG-34» العمودية المصغرة التي تتحكم بدوران الصواريخ وطوربيدات إلى إيران([86]).

وفي عامَي 2012م-2013م حاولت شركة إيرانية في ألمانيا تزويد مجموعة «الشهيد باقري الصناعية» (SBIG) بقِطَعٍ لإنتاج الصواريخ الباليستية التي تعمل بالوقود الصُّلْب، وقد وصلت الشحنة إلى إيران عبر الإمارات([87]). وفي أكتوبر 2013م أدانت وزارة العدل الأمريكية رضا أولانجيان بتهمة محاولة الحصول على صواريخ «أرض-جو» وإرسالها إلى إيران([88]).

وفي فبراير 2014م ألقت ألمانيا القبض على مواطن ألمانيّ من أصولٍ إيرانية لتزويده الحرس الثوري الإيراني بمضخّات للاستخدام المزدوج للبرنامج الصاروخي الإيراني، يُقدَّر ثمنها بــ 315,000 دولار. كما قبضت على إيرانيَّين كانا يسعيان إلى الحصول على تكنولوجيا عسكرية أمريكية عبر شركة مقرُّها في ماليزيا لاستخدامها في البرنامج الصاروخي الإيراني([89]). ولا تزال فروع الشبكات في ألمانيا وماليزيا مخفية، إذ ألقت السلطات الألمانية القبض على عصابة تهريب في أكتوبر 2017م بعدما أثبت تقرير مخابراتيّ قيام إيران بـ32 محاولة في عام 2016م عبر هذه الشبكات للحصول على تكنولوجيا الصواريخ من ولاية شمال الراين فستفالن في ألمانيا.

وتُعَدّ أوكرانيا مصدرًا مُغريًا أيضًا لمهرّبي التكنولوجيا العسكرية لإيران، ففي عام 2018م ألقت السلطات في كييف القبض على إيرانيَّين (أحدهما كان يعمل ملحقًا عسكريًّا في السفارة الإيرانية)، كانا يسعيان إلى شراء مكونات الصاروخ الأوكراني المضادّ للسفن «كي إتش-31». وفي فبراير 2020م قامت الولايات المتحدة الأمريكية بأوسع حملة عقوباتٍ استهدفت 13 كيانًا في العراق وتركيا وروسيا والصين، بموجب «قانون حظر الانتشار النووي» الخاصّ بإيران وكوريا الشمالية وسوريا. ويعكس إصرار إيران المتنامي للحصول على تكنولوجيا الصواريخ، بدءًا من المحركات ووصولًا إلى القطع المخصصة لرفع دقة الصواريخ واستخدام الوقود الصُّلْب، ثلاثة طموحات تسعى إيران إلى تحقيقها، (1): القدرة على ضرب أهدافٍ في أراضي الولايات المتحدة. (2): التجميع السريع والإرسال الدقيق لصواريخ باليستية قادرة على حملِ أسلحةٍ نووية.
(3): التوسُّع أكثر في الفضاء الخارجي.

عاشرًا: هل يمكن التصدّي لانتشار الصواريخ؟

على الرغم مما تمثِّله الصواريخ من قوةٍ إستراتيجيةٍ من منظورِ المنطق العسكري، نظرًا لأهميتها من حيث تنوّعها وقوّة فتكها ودقّتها وتسييرها من دون طيّار؛ إلَّا أنَّها منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي اعتُبرت سلاح الدول الضعيفة في جبهات الدفاع، إذ تسعى إليه لتوازن به موجة  التصنيع العسكري للدول المتقدمة وهو ما ينطبق على الحالة الإيرانية.

يشوب أدوات الحدّ من التسلح وانتشار الصواريخ ضعفٌ وقصور، فالطبيعة المتغيّرة للنظام السياسي العالمي وموازين القوى فاقَم من الاختلافات بين الدول وزاد من الميل إلى تحقيق مصالح كل دولة على حدة. ويحتاج «نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ» (MTCR) إلى إصلاحات لمواكبة التطورات التكنولوجية. وقد أُنشئ «نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ» في عام 1987م للحدِّ من انتشار المركبات دون طيّار وسدّ الفجوة في عصر تطور التكنولوجيا العسكرية وأنظمة الأسلحة الهجومية الفتاكة والمتطورة. ويسعى النظام إلى تقنين وضبط استيراد الأسلحة بين مجموعة مختارة من البلدان، إلّا أنّ ما يعوقه هو أنّ أنظمته تسير في نطاقٍ محدود، فعلى سبيل المثال لا يشمل النظام بين أعضائه الصين، كما لا يستطيع مواكبة التطورات الهائلة في التكنولوجيا، لا سيّما أنّ تكنولوجيا الصواريخ أسهل وأرخص وأفضل وصعبة الاحتواء نظرًا إلى استخدامها المزدوج، بالإضافة إلى أنّ المصالح الجيوسياسية والتجارية للدول تحدّ من قدرتها على فرض مزيد من التنظيمات.

ويضمّ «نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ» 35 عضوًا معظمهم من الدول الغربية، وينصُّ النظام في مُلحقِه الخاصّ بالتكنولوجيا على أنّه يتوجّب على كل دولة عضو في النظام إنشاء سياساتٍ وطنية للرقابة على صادرات الصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز» والطائرات من دون طيار وصواريخ إطلاق الأقمار الصناعية([90]). وحسب «الفئة-1» في النظام، تقتصر صادرات الصواريخ والقذائف على الصواريخ بمدى 300 كلم ووزن 500 كغم، كما تُعنى «الفئة-1» بتقنين الأنظمة الفرعية الصاروخية ومرافق الإنتاج. أمّا «الفئة-2» من النظام فتتحكّم بتكنولوجيا الاستخدام المزدوج والمواد الكيماوية المتخصِّصة والوقود الدفعي والمكونات الفرعية للصواريخ والقذائف.

وقد أفضى نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ -وهو اتفاق متعدِّد الأطراف غير مُلزِم- إلى إبرام «اتفاقية الحدّ من انتشار الصواريخ الباليستية» (HCOC) التي تسعى إلى أن يفرض أعضاؤها مزيدًا من القيود على الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة الدمار الشامل وتخفيض حجم الترسانات الصاروخية الحاليّة([91]). وتتبادل 134 دولةً معلوماتٍ حول صواريخها الباليستية وبرامج مركبات إطلاق الأقمار الصناعية، كما تقدِّم نصائح حول تجارِب إطلاق الصواريخ والأقمار الصناعية. ولدى «اتفاقية الحدّ من انتشار الصواريخ الباليستية» عدد كبير من الأعضاء مقارنةً بـ«نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ»، ولكنها تفتقر إلى المبادئ المعيارية لقيادة سياسة حظر انتشار الأسلحة.

  تعوقُ عدة تحدياتٍ عمل «فريق خبراء الأمم المتحدة» الذي يحقِّق في امتلاكِ إيران صواريخَ باليستية وطائراتٍ مُسيَّرة؛ على الرغم من الحظرِ المفروض على الأسلحة منذ عام 2015م. وتتمثَّل هذه التحديات في أنَّ التطبيق العالمي لسياسةِ الصواريخ واتخاذ القرار لا يجري باتفاقٍ جماعيّ. واليوم يخوض العالم أكثر الأوقات صعوبة في جهوده للحدِّ من التسلح، لا سيّما بعد انسحاب الولايات المتحدة من أهمّ معاهدتين لتقنين التسلح، «معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى» و«اتفاقية السماوات المفتوحة»، بعد إرساء «تدابير بناء الثقة» (CBM) لفترة الحرب الباردة. ويكمُن الحلّ في انضمام الصين إلى كل المعاهدات الدولية، فمن المفارقات أنّ واشنطن هي من دفعت لرفض انضمام الصين إلى «نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ» (MTCR)، والصين هي أيضًا حليف رئيسيّ لإيران وشريك مستقبليّ في مجالات متعددة، فالعلاقة الدبلوماسية بين الصين وإيران تؤثر في الحدّ من التسلح على المستوى العالمي وفي ميزان القوى في السنوات القادمة. وستبقى دول الشرق الأوسط من يدفع الثمن، إما بتكديسها العتاد العسكري والأنظمة الدفاعية الصاروخية من الغرب، بينما تواجه نزاعاتٍ منخفضة نوعًا ما على أيدي ميليشيات الحرس الثوري، وإما بالانخراط في اشتباكٍ مُسلّح.

ولا شكَّ أنّ قوة إيران الصاروخية لن تمكِّنها من الانتصار في حربٍ على خصومها في الخليج وحلفائهم من الغرب، ولكنّها بالتأكيد ستسعى إلى  ردعهم عن إشعال هذه الحرب من خلال رفع تكلفتها ماديًّا وبشريًّا.

خريطة تبيّن النطاق الجغرافي الذي تهدِّده الصواريخ الباليستية  الإيرانية متوسطة وبعيدة المدى

المصدر: جريدة الرأيhttps://bit.ly/2F3f2TR.


[1] Amr Yossef, “Upgrading Iran’s Military Doctrine: An Offensive ‘Forward Defense,’” Middle East Institute, December 10, 2019, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2YAXNjK.

[2] North Atlantic Treaty Organization (NATO), “AAP-06 NATO Glossary of Terms and
Definitions, Edition 2018,” n.d. accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3jbah9q.

[3] بيرت تشابمان، 2015م، العقيدة العسكرية.. دليل مرجعيّ، ترجمة: طلعت الشايب، ط1، مصر، القاهرة: المركز القومي للترجمة، ص (11).

[4] Barry R. Posen, Sources of Military Doctrine: France, Britain, and Germany Between
the World Wars (Ithaca and London: Cornell University Press, 1984), 14.

[5] Ibid

[6] ÉlieTenenbaum, “Hybrid Warfare in the Strategic Spectrum: An Historical Assessment,”
in Guillaume Lasconjarias and Jeffrey A. Larsen, NATO’s Response to Hybrid Threats
(Rome: NATO Defense College, Forum Paper No. 24, 2015), 101-102.

[7] Major D.W. Smith, “Iran: An Examination of the ‘Mosaic Defense’ in a Conflict With the West,” (Master’s thesis, Canadian Forces College, 2013), https://bit.ly/32m7hAs.

[8]  Michael Connell, “Iran’s Military Doctrine,” cited in Robin Wright, The Iran Primer. Power, Politics, and U.S. Policy (U.S. Institute of Peace, 2010), 71-73.

[9] «Iran: Complete Regulations of the Islamic Republic of Iran Armed Forces,» Near East and South Asia Supplement, FBIS-NES-94-208-S, US Foreign Broadcast Information Service, October 27, 1994

[10] «Studio Interview with Rear Adm. Ali Shamkhani,» Vision of Islamic Republic of Iran (IRI) Network 2, December 28, 2000; «Tehran TV Interviews Defense Minister on Defense Policy,» Vision of the IRINetwork2, August 24, 2000; and «Studio Interview with Adm. Ali Shamkhani,» Vision of the IRI Network 2, February 7, 2000. Quoted from Steven R. Ward. «The Continuing Evolution of Iran›s Military Doctrine.» Middle East Journal 59, no. 4 (2005): 559-76. Accessed September 9, 2020. http://www.jstor.org/stable/4330184.

[11] Jeffrey W. Taliaferro, “Security Seeking under Anarchy: Defensive Realism Revisited,” International Security 25, no. 3 (2000): 128-61, https://bit.ly/3gqOhFP.

[12] Aresu Eqbali, Margherita Stancati, “Iran Shows Off New Ballistic Missile in Defiance of U.S. President Donald Trump’s Criticism,’” The Wall Street Journal, September 22, 2017, https://on.wsj.com/3hHsNpy.

[13] “Defense Minister Comments on Production of Shahab-3 Missile,” Vision of the Islamic Republic of Iran Network 2, Tehran, July 30, 1998, translated in BBC Monitoring Summary of World Broadcasts, August 3, 1998, quoted from Michael Eisenstadt, ‘Testing the Limits: Iran’s Ballistic Missile Program, Sanctions, and the IRGC,’ The Washington Institute for Near East Policy, Marhc 29, 2017, https://bit.ly/3j8spB0.

[14] Joby Warrick, “How a ‘Quantum Change’ in Missiles Has Made Iran a Far More Dangerous Foe,” The Washington Post, January 8, 2020, https://wapo.st/31sJxLB.

[15] صحيفة إيلاف، 26 يونيو 2019م، علاقة إيران بالولايات المتحدة: من الإطاحة بحكومة مصدق إلى الإطاحة بالاتفاق النووي، تاريخ الاطلاع: 17 أغسطس 2020م، عبر الرابط: https://bit.ly/2Y4djEs

[16] Joan Oleck, “The Oil Kings: How Nixon Courted the Shah,” The National, September 16, 2011, https://bit.ly/3hwougP.

[17] Duncan Lennox, “Iran’s Ballistic Missile Projects: Uncovering the Evidence.” Jane’s Intelligence Review 10, no. 6 (June 1998).

[18] Elaine Sciolino, “Documents Detail Israeli Missile Deal With the Shah,” The New York Times, April 1, 1986, accessed August 26, 2020, https://nyti.ms/32p42Za.

[19] Tom O’ Connor “U.S. Sending Missile Defense to Iraq After Attack from Iran, Which Already Has A New Weapon,” Newsweek, March 3, 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3aWwpSa.

[20] Iran Missile Milestones: 1985-2020,” Iran Watch, March 24, 2020, https://bit.ly/3b5Eu7i.

[21] Erik A Olson, “Iran’s Path Dependent Military Doctrine,” Strategic Studies Quarterly 10, no. 2 (Summer 2016), https://bit.ly/2EvAtwR.

[22] “Shahid Hemat Industrial Group (SHIG),” Iran Watch, April 20, 2018, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/32rDRRl.

[23] Department Of The Treasury, “Money And Finance: Treasury,” Subtitle B – Regulations Relating. Chapter V, Office Of Foreign Assets Control,. Part 539 – Weapons Of Mass Destruction Trade Control Regulations, https://bit.ly/2EzgcWY.

[24] Michael Eisenstadt, “Russian Arms and Technology Transfers to Iran: Policy Challenges for the United States,” Arms Control Association, March 2001, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3hwEfEG.

[25] Armin Rosen, “How Did Iranian Bullets Wind Up in Africa?” The Atlantic, January 21, 2013, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2QpIXIv.

[26] “Alphabetical List of Suppliers,” Iran Watch, n.d., accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3gsDJ9f.

[27] “Resolution 1737 (2006),” Iran Watch, n.d., accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3jjyuKK.

[28] Bozorgmehr Sharafedin, Pratima Desai, “Inside Iran’s Secret Project to Produce Aluminium Powder for Missiles,” Reuters, June 24, 2020, accessed August 26, 2020, https://reut.rs/3lnBVBY.

[29] ibid.

[30] Whitney Raas and Austin Long, “Osirak Redux? Assessing Israeli Capabilities to Destroy Iranian Nuclear Facilities,” International Security 31, no. 4 (Spring 2007), https://bit.ly/3hAF2V2.

[31] “Iran: Tehran Prepared ‹Hundreds of Missiles,’ Warns US to Leave the Region,
 Ruptly, January 9, 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/31tZ7GO.

[32] Lee Steed, “Iran Has Secret Underground ‘Missile Cities’ Hiding Rockets Ready to Strike Under Five Layers of Concrete,” The Sun, January 11, 2020, accessed August 26, 2020 https://bit.ly/34yME6T.

[33] “UN Nuke Agency Worried Iran may be Working on Arms,” Gulf News, February 2010, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2QtlyFQ.

[34] Implementation of the NPT Safeguards Agreement and Relevant Provisions of Security Council Resolutions in the Islamic Republic of Iran,” IAEA, November 8, 2011, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2YDAy8N.

[35] Farzin Nadimi, “Iran Develops Air Defense Capability for Possible Regional Role,” The Washington Institute, August 27, 2019, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/31s0NAP.

[36] “Bavar-373 Missile System More Powerful Than S-300,” Tehran Times, August 23, 2019, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3hvtd2h.

[37] David Blair and Alex Spillius, “Iran Shows off Captured US Drone,” The Telegragh, December 8, 2011, accessed August 26, 2020 https://bit.ly/2FQ0hUL.

Amir, “Iran›s Bavar-373: A Profile,” Iran GeoMil, August 24, 2019, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3gsGuY9.

[39] Iran Unveils New Indigenous Air Defense System,” PressTV, June 9, 2019, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2YCBE4C.

[40] “Iran Unveils New Air Defense Missile System,” Tasnim News Agency, June 9, 2019, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3jeLvp6.

[41] Taimur Khan, “Iran Air Defense Improved but not Game-changing, Analysts Say,” The National, August 30, 2017, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/34GYVGa.

[42] James Brandon Gentry, “China’s Role in Iran’s Anti-Access / Area Denial Weapons Capability Development,” MEI, April 16, 2013, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2EBnjOC.

[43] “Iran Enjoying Remarkable Air Defense Power,” Fars News Agency, October 25, 2014, https://bit.ly/2Qqmef9.

[44] “Iran’s Integrated Air Defense Systems Impenetrable,” Fars News Agency, August 18, 2014, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3lmqV80.

[45] ibid.

[46] “YA Zahra3: Iran; From Weapons to Concepts,” The Iran Project, January 27, 2013, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/32lbPH6.

[47] “Iran Unveils New Sophisticated Radar System,” ISNA, October 30, 2017, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2YDCEpb.

[48] ibid.

[49] Commander: Enemy’s Spy Drones not Dare to Enter Iran’s Airspace,” Fars News Agency, September 2, 2016, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/31vhwTW.

[50] Ariel ben Solomon, “Iranian Commander Says Readying Launch for Air Defense System More Advanced Than Russian S-300,” The Jerusalem Post, June 1, 2014, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2G0zMfx.

[51] Sean O’Connor, “Iran Establishes New S-300 Site,” Jane›s 360, Sept 21, 2018, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3ll9Prm.

[52] Matthew Greenwood, “Iran›s Home-Grown Missile System Downs U.S. Military›s Most Advanced Drone,” Engineering.com, June 27, 2019, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/32r0yW3.

[53] “Joseph Trevithick, “Iran Fires Missiles at Its Fake Carrier, Says Its Satellite Has Been Watching From Above (Updated),” The Drive, July 28, 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/32ne4Ka.

[54] Zachary Keck, “Meet Iran’s ‘Carrier Killer’: The Khalij Fars,” The Diplomat, May 11, 2013, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/34zj40Z.

[55] Marco Langbroek, “Imaging the New Iranian Satellite NOUR 1 (2020-024A),” SatTrackCam Leiden, May 6, 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3ljgCBG.

[56] “Iran Receives Signals From Noor Satellite: Commander,” Xinhua, April 24, 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2WNy3yX.

[57] Max Fisher, “Deep in the Desert, Iran Quietly Advances Missile Technology,” The New York Times, May 23, 2020, https://nyti.ms/2YQxlDC.

[58] Langbroek, ““Imaging the New Iranian Satellite NOUR 1.”

[59] Scott Chapman, Twitter post, May 6, 2020, 3.06 pm., accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3aXpQPj.

[60] Tasnim News Agency, Twitter post, April 23, 2020, 10.30 am., accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3fC5tZL.

[61] Fabian Hinz, “Pasdaran, Solid-Fuel and Aviator Sunglasses,” Arms Control Wonk, July 19, 2019, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2zubwyY.

[62] Fabian Hinz, “Iran’s Solid-propellant SLV Program Is Alive and Kicking,” Arms Control Wonk, February 14, 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2yKhFap.

[63] Samuel M. Hickey, “Iran’s Military Satellite Launch: What Just Happened?, Center for Arms Control and Non-Proliferation, May 4, 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2WlUY5x.

[64] Shahryar Psandideh, «Web Results Under the Radar, Iran›s Cruise Missile Capabilities Advance,” War on the Rocks, September 25, 2019, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3gxon3t.

[65] Chronology of North Korea’s Missile Trade and Developments: 1994-1995,” James Martin Center for Nonproliferation Studies, Middlebury Institute of International Studies, 2018, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/35PSkYK.

[66] Valerie Lincy and Gary Milhollin, «Iran’s Nuclear Timetable: The Weapon Potential,” Wisconsin Project on Nuclear Arms Control, April 28, 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2LgWTSp.

[67] “Space-based Business Market Development High on Agenda: ISA,” The Tehran Times, July 7, 2019, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3cnNhkK.

[68] Jack Moore, “Iran in Space: Tehran ‹Successfully Launches› Rocket-carrying Satellite,” Newsweek, July 27, 2017, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2QrpMhk.

[69] Michael Peck, “Revealed: The Soviet Union›s Space Cannon,” The National Interest, October 14, 2015, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2yO0moX.

[70] David Axe, “Russia Just Tested a Satellite-Killer,” The National Interest, April 16, 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3fB6qBH.

[71] “Report on the United Nations/Islamic Republic of Iran Workshop on the Use of Space Technology for Dust Storm and Drought Monitoring in the Middle East Region,” Committee on the Peaceful Uses of Outer Space, January 31, 2017, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2WpyWPn.

[72] UNSC, “Security Council Resolution 2231 (2015) [on Joint Comprehensive Plan of Action (JCPOA) on the Islamic Republic of Iran›s Nuclear Programme],” UNHCR, July 20, 2015, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2SQFvIb.

[73] “Here Are the 12 Conditions US Demands From Iran to Review Sanctions,” Al Arabiya, May 21, 2018, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2WOuvwa.

[74] Humeyra Pamuk, Michelle Nichols, Arshad Mohammed, «U.S. Faces Tough U.N. Battle if it Pushes Plan to Extend Iran Arms Embargo,” Reuters, April 28, 2020, accessed August 26, 2020, https://reut.rs/35MTggq.

[75] “UK Says Iran’s Ballistic Missile Launch Is of Significant Concern,” Reuters, April 24, 2020, accessed August 26, 2020, https://reut.rs/2SUHD1H.

[76] “‹Significant Concern›: UK Condemns Iran Ballistic Missile Launch,” Reuters, April 24, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2Wk2JZu.

[77] ibid.

[78] Amir Vahdat and Jon Gambrell, “ Iran Guard reveals secret space program in satellite launch,” Star Tribune, April 22, 2020, accessed August 26, 2020, http://strib.mn/2FZxldb.

[79] Michelle Nichols, “Factbox: A Breach of Iran Nuclear Deal Could Trigger Sanctions Snapback,” Reuters, July 1, 2019, accessed August 26, 2020, https://reut.rs/3fGbuoj.

[80] Treaty on Principles Governing the Activities of States in the Exploration and Use of Outer Space, including the Moon and Other Celestial Bodies,” UNOOSA, December 19, 1966, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2G0GLVR.

[81] “Missile Technology and Control Regime,” NTI, January 8, 2018, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2WolCe1.

[82] “Joint Comprehensive Plan of Action,” European Parliament, July 14, 2015, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2WD9moA.

[83] “Treasury Targets Major Iranian Metals Companies and Foreign Subsidiaries and Sales Agents,” US Department of the Treasury, June 25 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/34wlkpP.

[84] William Maclean, Ben Blanchard, «Chinese Trader Accused of Busting Iran Missile Embargo,” Reuters, March 1, 2013, accessed August 26, 2020, https://reut.rs/31uSFQ0.

[85] UNSC, “Panel of Experts Established Pursuant to Resolution 1929 (2010),” Iran Watch, (May 2010), accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2EDHTxK.

[86] “US Department of Justice: Press Release,” US Department of Commerce, March 1, 2012, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3jaoYcW.

[87] “Shahid Bagheri Industrial Group (SBIG),” Iran Watch, January 26, 2004, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/3hxfKae.

[88] Rebecca Ballhaus, “Iranian-American Charged Over Alleged Missile Deal,” The Wall Street Journal, October 25, 2013, accessed August 26, 2020, https://on.wsj.com/2Ek1pQo.

[89] “Germany Arrests Man on Iran Smuggling Charges,” AP, February 19, 2014, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2EsMq6z.

[90] “Missile Technology Control Regime,» NTI, June 12, 2020, accessed August 26, 2020, https://bit.ly/2WolCe1.

[91] Austrian Foreing Ministry, “The Hague Code of Conduct Against Ballistic Missile Proliferation (HCoC),” HCoC, February 2020, accessed August 26, 2020, http://www.hcoc.at/

نويد أحمد
نويد أحمد
باحث في الشؤون الاستراتيجية