فيما لم يمر أسبوع على تهديدات رئيس استخبارات الحرس الثوري، حتى وصلت أخبار اعتقال كلّ من المدير التنفيذي المعزول لبنك “ملت” ومساعده للشؤون المالية من قبل استخبارات الحرس الثوري، في الـ 12 من يوليو الماضي، أعلن حسين طائب رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري، أنّ ملف الفساد الاقتصادي الكبير في الدولة موضوع على جدول أعمال استخبارات الحرس.
وتحدث طائب، الذي انتشرت حوله بعض الشائعات، ووجهت إليه بعض التُّهم، كمدعٍ عام قائلاً: “يجب على المسؤولين التنفيذيين في الدولة، ومنهم المؤسسة القضائية، أن يتعاملوا مع الخارجين عن القانون بدون تساهل، وأن يطرحوا نتائج التحقيقات للشعب، لأنه لا مجاملة في إحقاق حقوق الشعب”.
النقطة، التي تبدو هامشية، لكنها الأكثر أهمية في تصريحات رئيس جهاز استخبارات الحرس المتطرّف هي أنه وصف “المعرفة” بأنها “حق طبيعي للشعب”، وأنه أبدى اهتمامه إزاء قضية “اطلاع الشعب”، وهو يتحدث بهذا الحديث في حين أنّ جهاز استخباراته يعتبر منذ سنوات طويلة أحد أذرع القمع في النظام الإيراني، بدءاً من الإيقاف بالجملة للصحف في عام 2000، وكذلك الاعتقالات بالجملة للقوى القومية المذهبية في شتاء العام نفسه وربيع عام 2001، بالإضافة إلى قمع الطلاب، وإحضار وترهيب واعتقال الصحفيين المستقلين المنتقدين، والأسوأ من ذلك كلّه التدخّل المباشر والمشاركة الفاعلة والشاملة في انقلاب انتخابات عام 2009، والقمع الدموي للاعتراضات المدنية لملايين المواطنين الذين اعترضوا على التزوير ذي المغزى والمؤثّر للانتخابات، حيث إنّ تاريخ استخبارات الحرس مليء بالصفحات السوداء من هذا النوع.
لكن يبدو أن طائب ورفاقه لم يكتفوا بذلك، إذ أبدى جهاز استخبارات الحرس اهتمامه بالفساد “الاقتصادي الكبير” في الدولة، وذلك في ظل ذروة التحقيق حول قضية سجلات الرواتب الفلكية، وبدأت خطواتها العملية باعتقال اثنين من كبار مدراء بنك “ملت”.
إنّ طائب واستخبارات الحرس يدّعون ملاحقة الفساد الاقتصادي الكبير في الدولة، ويتحدّثون عن حق الشعب بالمعرفة، في حين لا يوجد حتى الآن أي تقرير موثق وشامل ودقيق حول أبعاد تدخل الحرس الثوري في اقتصاد البلاد، والمعطيات المتناثرة هنا وهناك في هذا المجال (تدخل الحرس في الاقتصاد) كلّها محيّرة وتستوجب طرح أسئلة كثيرة.
على سبيل المثال، بخصوص أبعاد النشاطات الاقتصادية لمقر خاتم الأنبياء، أعلن القائد السابق للحرس الثوري، في أبريل من عام 2008 أنّ مقر خاتم الأنبياء تسلم ما يقرب من 1300 مشروع في شتى القطاعات، وفي تلك الأثناء صرّح ممثل الوليّ الفقيه في الحرس الثوري بأنّ هذا المقرّ حتى تلك اللحظة “وضع على جدول أعماله أكثر من 1500 مشروع. واليوم هناك أكثر من 400 مشروع قيد التنفيذ”.
كما أعلن قائد مقر خاتم الأنبياء آنذاك أنّ هذه المؤسسة تتولى إنجاز أكثر من 2500 مشروع عمراني في شتى القطاعات ومنها: الماء، بناء السدود، مصافي النفط، محطات الطاقة وتوصيلخطوط الغاز، والبنية التحتية للسكك الحديدية والطرق السريعة، وهي مشاريع تكلّف آلاف المليارات من التومانات، وعندما نضيف المؤسسة التعاونية والأرصفة البحرية التي يمتلكها الحرس الثوري والشركات المتعلقة بهذه المؤسسة العسكرية – الأمنية إلى حالة التوسّع وعمق التدخّل لمقر خاتم الأنبياء في الاقتصاد، ستصبح القصة عندها أكثر تعقيداً.
وتعدّ المؤسسة التعاونية إحدى المؤسسات الكبرى التابعة للحرس الثوري، والتي تنشط في مجال البورصة والمصارف، وهي المساهم الأكبر في قائمة طويلة وجديرة بالاهتمام من الشركات والبنوك المهمة.
وكما أنّ قصة أرصفة الحرس الثورية لا تخفى على أحد، لكنّ أبعادها ما زالت غير معروفة، وصرّح مهدي كروبي، عندما كان يترأس البرلمان في دورته السادسة، بأن الحرس الثوري أنشأ 60 رصيفاً بحرياً غير قانوني في جنوب البلاد، كما أخبر محمد باقر قاليباف، عندما كان يتولى رئاسة هيئة مكافحة تهريب السلع والعملة الصعبة، بأن هناك 37 رصيفاً بحرياً غير قانوني تنشُطُ في البلاد، كما أعلنت حكومة أحمدي نجاد في عام 2006 أنّ هناك 24 رصيفاً بحرياً غير قانوني في البلاد، وبعد ذلك، أي في أواخر عمر حكومة أحمدي نجاد، صرّح نائب رئيس هيئة مكافحة تهريب السلع والعملة الصعبة، بأن عدد الأرصفة التي لا تخضع لرقابة المؤسسات الحكومية بلغ 167 رصيفاً.
ورغم أنه ليست لهذه القائمة نهاية، بيد أن عدد الشركات والأفراد الذين حاولوا خلال الأعوام الأخيرة التحايل على العقوبات الاقتصادية، أو حاولوا استغلالها من أجل مضاعفة قدرتهم وثرواتهم، ليس بقليل، وهم الذين تاجروا في موضوع المشروع النووي والصاروخي، وملأوا جيوبهم، مستغلين مكانهم كسماسرة ووسطاء، وهم الذين سيطروا على سوق العملة الصعبة لسنوات طويلة، وأضافوا إلى أرصدتهم من العملة الصعبة وأرصدة أقاربهم أصفاراً جديدة، وهناك الكثير من أمثال هؤلاء ممن استفادوا من غطاء “المحافظة على أمن النظام” من أجل زيادة أملاكهم بأي وسيلة كانت.
وفي ظل انعدام جهاز قضائي مستقل ومنصف وشجاع، لا يبدو أنّ الشعب يؤمن بأن أياً من أفراد الحرس أو أفراد استخباراته أو أقاربهم سيُعتقل يوماً ما، ويتم الإعلان عن مقدار استغلاله لمنصبه وتمتّعه باقتصاد إيران التربّحي المريض.
إنّ حديث رئيس استخبارات الحرس الثوري عن التعامل مع الفساد الاقتصادي، وكذلك حق الشعب بالاطلاع، ينطبق عليه المثل الذي يقول “شرّ البلية ما يضحك”، شرٌّ يدعمه رأس النظام، إنّ خامنئي هو من عيّن طائب رئيساً لاستخبارات الحرس، واتّخذ من تقاريره هو ورفاقه مرجعاً معتمداً لخطاباته وتحليلاته وإجراءاته.
قبل عشرين شهر، أكّد حسن روحاني، في السنة الثانية من ولايته، خلال خطاب مهم للغاية أنّه: “إن جمعنا الاستخبارات، البندقية، المال، الصحف، والإعلام وغيرها من مظاهر القدرة في مؤسسة واحدة، ورأسنا عليها أبو ذر الغفاري أو سلمان الفارسي فإنها ستفسد”.
اليوم، في حين يمضي روحاني آخر سنة من سنوات ولايته ورئاسته للسلطة التنفيذية، وبينما يرزح تحت الضغط المداوم والمتزايد لهجمات ودعاية أصحاب القدرة حول قضية الرواتب الفلكية، ربما يكون أكثر الإجراءات تأثيراً للتخفيف من حدة هذه الضغوط، هو الحديث بشفافية عن دور الحرس الثوري في الاقتصاد التربّحي.
إن امتلك روحاني الجرأة والشجاعة، عندها لن يصبح هجومه هذا أفضل وسيلة للدفاع فحسب، بل وللمرة الثانية، سيتضح لفئة كبيرة من الشعب الإيراني أنّ دعاة الاستقلالية، والقمعيين، والانقلابيين من أمثال طائب، إلى أي مدى يعتقدون أن “المعرفة هي حق الشعب”.
نقلا عن موقع زيتون
محتوى المقال لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر المركز