إبعاد الهند عن مشروع «فرزاد بي» يزيد المعوِّقات أمام العلاقات مع إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=22750

تضاءلت فُرَص الهند لتطوير حقل غاز «فرزاد بي» الواقع في منطقة التنقيب في المياه الإيرانية كثيرًا، بعد أن أشارت تقارير نُشِرت مؤخَّرًا إلى أنّ طهران عدَلَت عن خطَّتها لإشراك نيودلهي. وذكرت التقارير أنّ إيران قرَّرت استخدام شركات محلِّية لتطوير حقل الغاز، مشيرة إلى فشل نيودلهي في الاستجابة لإنذاراتها المتعددة. وقد توقَّفت عدَّة جولات من المفاوضات بين الهند وإيران في ظلّ العقوبات الأمريكية على طهران، وتعكس التطوُّرات الأخيرة زيادة المعوِّقات أمام العلاقات الهندية – الإيرانية. واُكتشِف حقل الغاز «فرزاد بي» عبر اتحادٍ هندي بقيادة شركة مؤسَّسة النفط والغاز الطبيعي «فيديش ليميتد» في عام 2008. وفي عام 2010 قدَّمت «فيديش ليميتد» خطَّةً معدَّلة لإنتاج 60% من احتياطات الغاز البالغة 21.68 ترليون قدم مكعَّب، غير أنَّ التأخير في بدء المشروع ظلَّ نقطة خلافٍ رئيسة بين الهند وإيران طوال فترة المفاوضات.

ومؤخَّرًا، كشفت وزارة الشؤون الخارجية الهندية عن استبعاد شركة «مؤسَّسة النفط والغاز الطبيعي» من مشروع حقل غاز «فرزاد بي»، الذي كانت العقوبات الأمريكية على إيران السبب الأساس في تعثُّره، إضافةً إلى قضايا عالقة أُخرى، مثل التغييرات التي أجرتها طهران في الشروط والأحكام وتقلُّبات الأسعار وتأخُّر الردود من نيودلهي.  وما تزال الهند رابع أكبر مستوردٍ للغاز الطبيعي المُسال في العالم، وتحاول تنويع وارداتها من الطاقة في السنوات الأخيرة، إذ تستورد الهند ما يقرُب من 45% من الغاز الطبيعي، وتخطِّط لزيادة حصَّة الغاز الطبيعي في سلَّة طاقتها من 6.5% إلى 15 % بحلول عام 2030. ويُعَدّ قُرب الهند الجغرافي من إيران أحد الأسباب الرئيسة وراء الجهود التي تبذلها لتلبية احتياجاتها من الطاقة من إيران، التي ما تزال خيارًا إستراتيجيًا رئيسًا لنيودلهي.

وقد أُعلن القرار المتعلِّق بمشروع «فرزاد بي»، بعد أن أوردت عدَّة وكالات أنباء قبل بضعة أشهر تقاريرَ عن إبعاد إيران للهند من مشروع سكة ​​حديد تشابهار – زاهدان. وذكرت بعض تلك التقارير أنّ الهند اعترضت على إشراك خاتم الأنبياء -شركة هندسية إيرانية يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني- في المشروع، ويخضع الحرس الثوري الإيراني والكيانات المرتبطة به للعقوبات الأمريكية؛ ما أعاق عملية التفاوُض بين طهران ونيودلهي. فيما أكَّدت الحكومة الهندية أنّها لا تزال تساهم في المشروع، على الرغم من أنّ إيران مضت قُدُمًا في بناء خطّ سكة حديد تشابهار – زاهدان بمفردها بحوالي 400 مليون دولار من صندوق التنمية الوطنية لتمويل المشروع.

ويلعب ميناء تشابهار دورًا رئيسًا في علاقة الهند التجارية مع آسيا الوسطى وأوروبا وأفغانستان، ففي عام 2016 وقَّع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأفغاني أشرف غني اتفاقية تشابهار، التي تضمَّنت اتفاقيةً ثلاثية لإنشاء ممرّ نقلٍ دولي بين الهند وإيران وأفغانستان، كما تضمَّنت الاتفاقية إنشاء خطّ سكة حديد تشابهار – زاهدان عبر شركة السكك الحديدية الهندية المحدودة (IRCON)، مقابل 1.6 مليار دولار. ثمَّ أثَّرت إعادة فرض إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعقوبات على إيران في عام 2018 على تعاوُن الهند مع إيران، خاصّةً فيما يتعلَّق بالشراكة في مجال الطاقة بين البلدين، إذ انخفضت واردات النفط الهندية من إيران انخفاضًا كبيرًا، كما أوقفت العقوبات الأمريكية التعامُلات بين الهند وإيران، إذ لا تستطيع نيودلهي إتمامها بالدولار الأمريكي، وتبدو إعادة العمل بخطَّة 2012 القائمة على نظام الدفع بالروبية صعبةً حاليًا، على الرغم من عقد محادثاتٍ لفتح فرع لبنك باسارجاد الإيراني في مومباي.

وعلى الرغم من الإعفاءات التي منحتها الولايات المتحدة لتطوير ميناء تشابهار وخطّ سكة حديد تشابهار – زاهدان، إلّا أنَّ العقوبات الأمريكية صعَّبت المشاركة في تطويره على الشركات متعدِّدة الجنسيات، وعلى الرغم من ذلك فيبدو في السياق الحالي أنَّ نيودلهي وطهران لم تُلغِيا تمامًا احتمالية مشاركة شركة السكك الحديدية الهندية المحدودة (IRCON) في المشروع في فترةٍ لاحقة، وقد تكون بعد الانتخابات الأمريكية.

وقد طرح بعض قادة المعارضة في البرلمان الهندي أسئلةً على الحكومة الهندية بشأن التطوُّرات في ميناء تشابهار، وكرَّرت الحكومة موقفها الرسمي قائلةً إنَّها وقَّعت مذكِّرة تفاهُم بين شركة السكك الحديدية الهندية وشركة تطوير النقل والبنية التحتية الإيرانية (CDTIC)، لإنشاء مشروع سكة ​​حديد تشابهار – زاهدان، وإنّ الجانبين يواصلان العمل في هذا الشأن، ولم ترُدَّ الحكومة الهندية على التطورُّات الأخيرة أو التقارير المتعلِّقة بقيام إيران بإبعاد الهند من مشروع السكك الحديدية.

كما أصبحت اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران لمدَّة 25 عامًا بقيمة 400 مليار دولار تمثِّل تطوُّرًا رئيسيًا في هذا الصدد، وسط التوتُّرات المتزايدة بين الهند والصين، إذ تشعر الهند بالقلق من تنامي النفوذ الصيني في المنطقة، فالتطوُّرات الأخيرة في حقل غاز «فرزاد بي» ومشروع سكة ​​حديد تشابهار – زاهدان، تُشير إلى اعتماد طهران المتزايد على الصين، وقد يقوِّض تغلغُل بكين المتزايد في إيران، المشاريعَ الهندية على المدى الطويل، كما انتقد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد الشراكةَ مع الصين ووصفها بأنّها «صفقة سرِّية مشبوهة». وحتّى الآن لم تذكُر الهند بالتفصيل أيّ خُططٍ ملموسة للتعامُل مع العقوبات الأمريكية على إيران؛ ما يجعل شرِكاتها التي تتعامل مع إيران عُرضةً للعقوبات الأمريكية، وتدفعُ أسبابٌ إستراتيجيةٌ رئيسة نيودلهي إلى المشاركة الفاعلة مع طهران، على الرغم من أنَّ الحكومة الهندية الحالية تواجه تحدِّياتٍ جيوسياسيةٍ مهمَّةٍ أُخرى -مثل قضية كشمير والجبهة الصينية- تشغلُها عن اتّخاذ أيّ خطواتٍ مهمَّة في الوقت الحالي، فيما يتعلَّق بمشاركتها الثُنائية مع إيران.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير