كيف ستتعامل إيران مع الرئيس الأمريكي الجديد؟

https://rasanah-iiis.org/?p=22905

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

اعتمدت إيران خلال الأشهر الماضية، سياسة الانتظار والترقُّب لما ستؤولُ إليه الانتخابات الأمريكية، فإمّا دورة جديدة للرئيس دونالد ترامب وهذا ما لا تريد طهران أنْ تفكرَ فيه أساسًا أو فوز جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي تطورت خلال حُكمه العلاقات الإيرانية-الأمريكية دون الوصول إلى مرحلة التطبيع، وكان مردود ذلك على إيران إيجابيًّا بشكلٍ كبير.

اتّضحت الآن الرؤية بشكلٍ كبير وتمّ الإعلان بشكلٍ غير رسمي عن فوز المرشح الديمقراطي بايدن، وإن كان الرئيس ترامب يُشكِّك في نتيجة الانتخابات ويزعمُ حصول تزوير وتجاوزات في تعداد الأصوات ودخول بطاقاتٍ انتخابيّة بعد انقضاء الفترة المسموح بها للتصويت. وسيتمُّ حسم ذلك بشكلٍ قاطع خلال الأسابيع القادمة.

أجمعت التصريحات الرسميّة القادمة من إيران على خطابٍ واحد يسيرُ على نهج المرشد الأعلى علي خامنئي، من خلال التركيز على أنّ إيران غير مُهتمّة بنتائج الانتخابات الأمريكية وأنها شأنٌ أمريكي داخليٌّ، وإيران تنظر إلى السلوك الأمريكي أكثر من الأشخاص الذين في دائرة صُنع القرار بواشنطن، مع التأكيد على أنه لا فرقَ مِن وجهة نظرهم بين ترامب وبايدن، رغم احتفال بعض المسؤولين الإيرانيين علنًا بخسارة ترامب وفوز بايدن واعتبار ذلك انتصارًا لإيران وهزيمةً لأعدائها مثل سفير إيران في لندن حميد بعيدي نجاد وغيره.

في المقابل، خصّصت الصّحافة الإيرانية مساحةً كبيرة جدًّا على صفحاتها الأولى خلال أيام الانتخابات إلى وقتِ إعلان الإعلام الأمريكي فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، وهذا يناقضُ بشكلٍ كامل التصريحات الرسميّة التي حاولت إظهار عدم الاكتراث بالانتخابات ونتائجها. ويؤكّد هذا الاهتمام في الصّحافة الإيرانية على أنّ إيران رغم الإنكار في التصريحات، كانت تَعُدُ الأيام لانقضاء فترة ترامب ووصول الحزب الديمقراطي مُجدّدًا إلى السلطة وبخاصة أنّ المرشح للحزب هو نائب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، ويعرفُ تفاصيل كثيرة حول المفاوضات الإيرانية-الأمريكية منذ 2013م إلى نهاية فترة أوباما الرئاسيّة، علاوةً على أنّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كان قد تحدّث في إحدى مقابلاته التليفزيونية عن أنه تربطهُ علاقة صداقةٍ قديمة ومتينة مع جو بايدن، علاوةً على ذلك منذ بدأت تظهر النتائج الأوليّة للانتخابات الأمريكية انخفض سعر الذهب واستعادت العملة جزءًا من قيمتها أمام العملات الأجنبية وهذه مؤشِّراتٌ تؤكّد تأثّر إيران بنتائج الانتخابات الأمريكية ربما أكثر من غيرها من الدول.

المتحدث السابق باسم الخارجية الإيرانية وسفير إيران حاليًّا لدى جمهورية أذربيجان عباس موسوي كتب تغريدةً على صفحته الشخصية بموقع «تويتر» بعد الإعلان عن فوز بايدن قائلًا: مثلما لم ترَ إيران أيّ فرقٍ بين كارتر وريغان، وكلينتون وبوش، وأوباما وترامب، فإنّ الإعلان لا يُمثِّل حاليًّا أيّ فرقٍ بالنسبة لإيران أيضًا. ومِن المرجح أن يكون «جو-بايدن» نسخةً طبق الأصل من أسلافه، ولكن يتعيّنُ على إيران أن تصنع «جو-إيران» وأن تصلَ به إلى قمم الفخر، بإكسير من أجواء الإيمان والهمة والغيرة.

لكن موسوي اضطّر لاحقًا إلى حذف التغريدة بسبب الانتقادات التي تعرّض لها التي لم تخلُ من السخرية والتهكُّم واستنكار أن تخرجَ مثل هذه التغريدة من شخصيةٍ دبلوماسيّة.

رغم تباين التوقعات حول كيفية تعامُل إيران مع الرئيس المُنتخب في البيت الأبيض، فمِمَّا لاشكّ فيه أنّ هناك اختلافًا في وجهات النظر والتوجّهات في الداخل الإيراني حِيال الآليّة المُثلى للتعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد، فبينما ترى حكومة الرئيس حسن روحاني ضرورة فتح قنوات تواصلٍ مُبكرة جدًّا مع بايدن وبالتالي تحقيق بعض المكاسب الداخليّة لما يُسمى بالتيار المعتدل/ الإصلاحي في إيران قبل نهاية فترة رئاسة روحاني، يرى التيار الأصولي ضرورة الانتظار حتى يتّضِح موقف بايدن من إيران قبل الاندفاع نحوه حتى وإن كان ذلك مؤلمًا على أمل الحصول في المقابل على مردودٍ أكبر وأفضل. كذلك يسعى التيار الأصولي إلى إضعاف الطرف المقابل في الداخل الإيراني؛ بهدف السيطرة بشكلٍ كامل على مؤسّسات الدولة.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ كل ذلك مرتبطٌ بالسياسة الداخليّة الإيرانية فقط، لأنّ مِلف السياسة الخارجية والأمن القومي مرتبطان بشكلٍ أساسي بالمرشد الأعلى علي خامنئي وهو صاحب الكلمة الفصل في مثل هذه الملفات. وأعتقد أنّ موقفه أقرب إلى موقف التيار الأصولي منه إلى حكومة روحاني والتيار الداعم لها.

من جانبٍ آخر، من غير المستبعد أن يحاول النظام الإيراني اختبار الخطوط الحمراء للرئيس الجديد وبخاصةً فيما يتعلقُ بسلوك طهران الإقليمي ودعمها للميليشيات والجماعات الإرهابيّة والطائفيّة في العراق ولبنان واليمن، والاختباء خلفها، وانتظار رد الفعل الأمريكي تُجاه ذلك.

في الجانب الاقتصادي، ستُحاول إيران خلال الفترة القادمة وقبل اِتّخاذ الإدارة الأمريكية أيّ قرار بشأن العقوبات الأمريكية الأحادية على طهران، ستُحاول الالتفاف على تلك العقوبات سواءً فيما يتعلق ببيع النِّفط أو المشتقات البتروكيميائية وكذلك العقوبات المفروضة على النظام المالي والبنكي الإيراني. ستُحاول طهران معرفة مدى جديّة الإدارة الجديدة في تطبيق العقوبات قبل الوصول إلى أيّ مرحلةِ مفاوضاتٍ بين واشنطن وطهران.

علاوةً على ذلك، سوف تستمرُ طهران في علاقاتها مع الدول الأوروبية الداعمة لخطة العمل المشتركة (برجام)، لإقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بالعودة الفوريّة للاتفاق النووي ورفع العقوبات الأمريكية الأحادية، وقد ترفعُ طهران سقف المطالب من خلال السّعي إلى الحصول على تعويضاتٍ من واشنطن؛ بسبب الأضرار التي تعرّضت لها جرّاء الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي، مع علم طهران المُسبق باستحالة الحصول على أيّ تعويضات لكن مثل هذه المطالب سوف تساعدها في الجانب التفاوضيّ وأيضًا لحفظ ماء الوجه داخليًّا.

كذلك من المتوقع أن ينشط اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية الموسوم بـ «ناياك» خلال الأشهر القليلة القادمة، وسيُحاول التركيز على التغلغل إلى الدوائر القريبة من الرئيس الجديد، ومساعديه، واستعادة جزءٍ من نفوذهم خلال فترة أوباما الذي فقدوه بشكلٍ شبه كامل مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض.

الخُلاصة، إنّ طهران على قناعةٍ كاملة بأنّ تَبِعات السياسة الترامبية في منطقة الشرق الأوسط لن تتلاشى بشكلٍ سريع كما أنّ تغيُّر المشهد السياسي في المنطقة ولا سيَّما تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل لا يسيرُ في مصلحة المشروع الإيراني في المنطقة، كما أنّ وعي شعوب المنطقة العربية وبخاصة المجتمعات الشيعيّة في العراق ولبنان وموقفها السلبيّ من سياسات طهران في تلك الدول يجعل طهران تفكرُ في الاحتفاظ بجزءٍ من مكاسبها السابقة إلى أنْ تستعيدَ أنفاسها وتُرمِّم صورتها داخليًّا وخارجيًّا. مع كل ذلك لن تتوقف طهران عن المحاولات وطرْقِ عِدّة أبواب لتحقيق بعض أهدافها أو على الأقل رفع الضغوطات الاقتصاديّة والسياسيّة التي تعاني منها حاليًّا.  لكن إذا ما أرادت طهران أن تصل إلى سلامٍ وعلاقاتٍ حسنة مع محيطها العربي؛ فعليها التخلي عن السردية القديمة المتكررة والمُملة التي تربط مواقف دول المنطقة بمواقف أمريكا وغيرها.

إنّ إشكاليّة إيران نابعةٌ من سلوكها العدائي تُجاه جيرانها ودعمها للميليشيات والطائفيّة والإرهاب، والاختباء خلف تصريحاتٍ مخادعة مناقضة للواقع بكل تفاصيله، وإذا ما استمرت إيران على هذا النّهج الذي تفهمهُ دول المنطقة بشكلٍ جيّد وحفظته بسبب كثرة تكراره، فإنّ الإشكاليّة ستظل مستمرة بغض النظر عمّن يحكُم البيض الأبيض.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية