جولة ظريف الأخيرة في أمريكا اللاتينية ونفوذ إيران فيها

https://rasanah-iiis.org/?p=23089

أنهى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مؤخرًا جولته في أمريكا اللاتينية التي تهدف إلى توسيع نطاق فُرص بلاده في المنطقة، وقد بدأ جولته بزيارة فنزويلا (أحد أهم شركاء إيران في المنطقة)، ثم زار ظريف كُوبا وبوليفيا، حيث حضر مراسم تنصيب الرئيس البوليفي المنتخب لويس آرسي.

وجاءت هذه الجولة في ظلِّ العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران والعقوبات الأمريكية الصارمة على النفط الفنزويلي والمنتجات الكوبية؛ ولإيران محاولات سابقة في توسيع نفوذها بمنطقة أمريكا اللاتينية -التي تُعد نقطة ضعف الولايات المتحدة- مع البلدان التي تُشاطرها عداء أمريكا، وتعكس زيارة ظريف إلى أمريكا اللاتينية التزامَ إيران بتوسيع تحالفاتها الثُنائية، وتحدِّي مصالح واشنطن في المنطقة.  

ويعود تعاون إيران مع فنزويلا إلى فترة الستينات، إذ كان كلا البلدين من الأعضاء المؤسسين لمنظمة البلدان المصدِّرة للنفط (أوبك)، وبعد فوز هوغو تشافيز في انتخابات عام 1998م تنامى التعاون الإيراني مع فنزويلا، فيما أسهمت الصداقة بين تشافيز والرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في توثيق علاقة البلدين؛ وبدأ ظريف جولته الأخيرة في أمريكا اللاتينية بفنزويلا حيث التقى بالرئيس نيكولاس مادورو، ونائب الرئيس ديسي رودريغيز، ووزير الخارجية خورخي أريازا، وناقشوا عددًا من القضايا من بينها تعزيز العلاقات الثُنائية بين البلدين، وأكّد ظريف استمرارَ التعاون العسكري والاقتصادي بين البلدين؛ وكان مادورو قد لجأ في وقتٍ سابق من هذا العام إلى إيران لإعادة تشغيل مصافي النفط المتداعية حتى لا ينفذَ الوقود في البلاد. وأشارت تقاريرٌ إلى أنَّ إيران سلّمت موادَ تستخدم في تكرير النفط إلى فنزويلا وأرسلت إليها ناقلات نفط في ظلِّ نقص الوقود في البلاد، وقد كانت العقوبات الأمريكية عائقًا أمام استيراد الحكومة الفنزويلية للنفط أو مواد لتطوير قطاع النفط المتداعي؛ وردًا على مساعدة إيران لبلاده أرسل مادورو سبائك ذهب إلى إيران، وقد أفادت تقارير بأن قيمة الذهب المنقول إلى إيران تبلغ نحو 500 مليون دولار. إلا أنّ عددًا من العوامل التي حدّت من التعاون بين طهران وكاراكاس أحدها القيود المالية والمشاكل الداخلية، وعلى الرغم من هذه القيود فتحت طهران مؤخرًا محلًا تجاريًا يحتوي على معدات للتعامل مع فيروس كورونا في كاراكاس، مما أثار الغضب داخل إيران، وأشار في نفس الوقت إلى محاولات إيران استكشاف أوجهِ تعاونٍ جديدة مع الحكومة الفنزويلية، إذ افتتحت شركةٌ تابعةٌ لوزارة الدفاع الإيرانية المحلَّ التجاري وزوّدته بالمنتجات الإيرانية.

ولاحقًا، زار ظريف هافانا حيث التقى مسؤولين كوبيين رفيعي المستوى، وعقد مؤتمرًا مرئيًا مع رئيس كوبا ميغيل دياز كانيل، الذي أكّد  رفض هافانا لعقوبات واشنطن على طهران؛ ويخطط كلٌّ من البلدين لتطوير التعاون الثنائي بينهما، ولا سيما في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا النانو، وأعربا عن استعدادِهما للتعاون في تطوير لقاحٍ لفيروس «كوفيد-19»؛ وفي العام الماضي، وُقّعت مذكرة تفاهم بين معهد «فينلي للقاحات» الكوبي ومعهد «باستور» الإيراني، إضافةً إلى اتفاقاتٍ لتوسيع نطاق التعاون في مختلف القطاعات الاقتصادية والصّحية، وعلى الرغم من الاختلافات الأيديولوجية بين البلدين إلا أنّ العلاقات بين إيران وكوبا تطوّرت بسبب عدائهما المشترك للولايات المتحدة.

واختتمَ ظريف جولته في أمريكا اللاتينية بزيارة بوليفيا، حيث حضرَ حفلَ تنصيب الرئيس البوليفي لويس آرسي، وأكّد عزمَ بلاده تعزيزَ العلاقات الثنائية بين البلدين؛ ويهدُف آرسي إلى إصلاح العلاقات مع إيران بعدما اعتراها بعض التوترات خلال فترة الحكم المؤقت للرئيسة السابقة جانين آنييز، وكانت إيران حليفًا مهمًا للرئيس البوليفي السابق إيفو مورالس الذي استقال إثر الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عقب إعادة انتخابه في العام الماضي، وقد موّلت إيران مدرسةً عسكريةً مناهضة للإمبريالية في بوليفيا أغلقتها الحكومة المؤقتة؛ وكانت بوليفيا وإيران قد خطّطتا مسبقًا للتعاون في مجال استكشاف الليثيوم، غير أنّ مورالس اختار لاحقًا ائتلاف شركاتٍ صينية لمشروع الليثيوم الذي تبلُغ قيمته 2.3 مليار  دولار. 

وقد مكّن المناخ السياسي اليساري في عديدٍ من بلدان أمريكا اللاتينية إيرانَ من تحسين علاقاتها والعمل معها بشكلٍ وثيق، وتراجع تعاون إيران في عديدٍ من المشاريع الاقتصادية في المنطقة؛ بسبب اقتصادها المنهار  ودعمها  لوكلائها  في الشرق الأوسط الذي استنزفَ الكثير من أموالها، ممّا أثّر باستمرار على الاستثمارات الإيرانية في أمريكا اللاتينية، إذ ما تزال صادرات إيران إلى المنطقة ضئيلةً بالمقارنة مع استثماراتها وعلاقاتها الاقتصادية مع شركائها في آسيا، كما تواجهُ إيران انتقادات إزاء أنشطة حزب الله اللبناني في أمريكا اللاتينية، لا سيما في الأرجنتين وباراغواي والبرازيل.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير