أوروبا وأبعاد المطالبة بتعديل الاتفاق النووي مع إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=23105

بدأت الترويكا الأوروبية فتح نقاشٍ مكثَّف حولَ الملف الإيراني، حيثُ اعتبرت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، في السابع من ديسمبر 2020م أنَّ خطةَ التصعيد النووي التي تبنَّاها البرلمانُ الإيراني مقلقةٌ للغاية، وقد سبق هذا الإعلان تصريحٌ لافت يحمل دلالاتٍ مهمَّة، أشار وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الأسبوعية في الخامس من ديسمبر 2020م، إلى موقف ألماني مشترك مع كُلٍّ من بريطانيا وفرنسا من ملفّ إيران، مفاده أنَّ «العودة إلى الاتفاق (النووي مع إيران) الحالي لن تكفي»، و«ينبغي وجود نوع من اتفاق نووي مع إضافات»، معتبرًا ذلك مصلحة أوروبية. وأشار إلى أنَّ هذه الإضافات تشمل برنامج الصواريخ الباليستية، ودور إيران الإقليمي. يكتسب هذا التصريح أهميِّته من أنَّه وثيق الصلة بالمقاربة المُحتمَلة للتعاطي الدولي والإقليمي مع ملفّ إيران، فبالتزامن مع هذا الموقف الأوروبي مُمثَّلًا في الدول الثلاث الشريكة في الاتفاق النووي، فقد صرَّح الرئيس الأمريكي المُنتخَب جو بايدن في حوار مع توماس فريدمان نُشِر في صحيفة «نيويورك تايمز» مطلع ديسمبر 2020م، باستعداده لإلغاء العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي، لكن بشروط، أهمَّها عودة إيران إلى التزاماتها النووية، فضلًا عن معالجة قضية الصواريخ والسلوك الإقليمي، كما أوضح سابقًا. في المقابل فإنَّ إيران، لا سيما فريق الرئيس حسن روحاني، تأمل في عودة غير مشروطة للاتفاق النووي ووضع نهاية للعقوبات. وفي هذا الشأن قال روحاني إنَّ العام المقبل سيشهد نهاية سياسة الضغوط القصوى الأمريكية ضدّ بلاده، وهو ما يوضِّح أنَّ في المواقف فجوة كبيرة، في حين أنَّ القوى الإقليمية تترقَّب الصيغة الغربية الجديدة للتعامُل مع إيران، وهل ستكون نمطًا مُكرَّرًا من سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما التي أدخلت المنطقة في نفق مظلم، أم أنَّ مياهًا كثيرة قد تدفَّقت في مجريات السياسة في المنطقة والعالم، بما قد يدفع باتّجاه سياسة جديدة صوب إيران.

أوّلًا: حراك ودوافع أوروبية

يُعدُّ ملفُّ إيران على درجةٍ كبيرة من الأهمية بالنسبة للدول الأوروبية، ولا سيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لأنه وثيقُ الصلة بأمن دول أوروبا بصورةٍ مباشرة، وهو ما يُفسّر هذا الزخم الذي يشهدُه ملفّ إيران من جانب الترويكا، لا سيما المخاوف الأوروبية من سياسات إيران النووية خلال المرحلة الانتقالية الراهنة، وتجدُر الإشارة هنا إلى تصريحٍ للرئاسة الفرنسية في 19 نوفمبر 2020م أعلنت فيه عن أنَّ برنامج إيران النووي وصلَ إلى عتبةٍ تُعدّ خطيرة، مشدِّدة على ضرورة توسيع المفاوضات مع إيران، لتشملَ دورها الإقليمي وصواريخها البالستية، ثم عُقد اجتماعٌ في برلين في 23 من الشهر نفسه بعد هذا التصريح شارك فيه وزراء خارجية الترويكا، وتركَّزت مباحثاتهم على الاتفاق النووي الإيراني والانتهاكات المستمرَّة لبنودِه، وتناول الاجتماع برنامجَ إيران الصاروخي والدورَ الإقليمي الأوسع لإيران.

هذا الحِراك يدُلّ على أنَّ هناك حراكًا أوروبيًا وتنسيقًا بشأن بلورة تصوّرٍ للتّعامل مع ملفّ إيران على ضوء المتغيرات المحيطة بالأزمة، لا سيما انتهاكات إيران لبنود الاتفاق ورؤية بايدن في التعامل مع هذا الملفّ، بخلاف المواقف السابقة.

 إلى حدٍّ بعيد، كان بقاء الترويكا ضمن الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأمريكي منه في مايو 2018م له صلة بالعلاقة الأوروبية المتوتِّرة مع الرئيس دونالد ترامب شخصيًّا، وذلك على الرغم من اتفاق عبر الأطلسي حول ما تمثِّله إيران من خطر، لا سيما ملفّ الصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي المتنامي لطهران. لهذا رُبّما لم توفِ الدول الأوروبية على أرض الواقع بوعودها لإيران أو تقدِّم أيّ حوافز من أجل بقاء الاتفاق أو فاعليته، فعلى الرغم من أنَّ الأوروبيين لم يعودوا إلى فرض العقوبات، فإنهم التزموا حزمة العقوبات الأمريكية، وانخفضت تعامُلاتهم مع إيران إلى أدنى مستوى لها.

لكن مع هذا الموقف المستجدّ، من الواضح أنَّ الأطراف الأوروبية أعادت تشكيل موقفها، آخذةً في الاعتبار جملة من التطوُّرات المهمَّة منذ توقيع الاتفاق النووي، هي: نهاية حقبة ترامب، وقدوم رئيس جديد راغب في ترميم العلاقة مع الأوروبيين وتنسيق العلاقات لاستعادة التأثير الغربي على المستوى الدولي.

هذا فضلًا عن قطع الطريق على من يروِّجون لتأسيس العلاقة مع إيران وفق مبدأ «العودة مقابل العودة»، أي العودة إلى التزام إيران القيود النووية، مقابل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، لا سيما في ظلّ وجود فرصة ممثَّلة في الأوضاع الصعبة التي تعيشها إيران بعد العقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس ترامب، وتمكَّنت إدارته من فرضها بشأن التزام العقوبات على إيران، لا سيما العقوبات النفطية والمالية، التي أدَّت إلى انهيار الوضع الاقتصادي وتراجُع شعبية النظام.

ونظرت الأطراف الأوروبية كذلك إلى حقيقة وجود خلل في الاتفاق النووي نفسه، بما يجعل البرنامج النووي لإيران مع الوقت مصدر تهديد وخلل في منظومة العمل الدولي المرتبطة بالحدّ من انتشار الأسلحة النووية، فضلًا عن فشل الرهان على تحقيق انفتاح مع إيران، بما قد يغيِّر سلوكها وطبيعة عدائها الآيديولوجي مع الغرب، وهو ما لم يحدُث، بل استغلَّت إيران الاتفاق لتعزيز النظام وأسُسُه الأيديولوجية المعادية للغرب، إلى جانب سياسة التوسُّع الإقليمي التي تبنَّتها إيران بعد توقيع الاتفاق، وإخلالها بالأمن والاستقرار في المنطقة، وما ترتَّب على هذه التدخُّلات من تهديدات أمنية لأوروبا، كحركة الهجرة غير الشرعية وتنامي الإرهاب، ناهيك بتعزيز منظومة الصواريخ الباليستية، لا سيما طويلة المدى منها، التي يمكن أن تطال العُمق الأوروبي، ولا تفوِّت كذلك تهديد أمن الملاحة وحركة التجارة عبر المضايق والممرَّات البحرية المهمَّة في المنطقة.

بجانب كُلّ هذه العوامل، نظرت الأطراف الأوروبية إلى أنَّ العودة المجَّانية إلى الاتفاق النووي، قد تُفضي إلى مزيد من الفوضى الإقليمية، وإذكاء المقاومة الإقليمية لسياسة التفاهُم مع إيران دون أخذ مصالح دول الإقليم بالاعتبار. كما ينظُر الأوروبيون إلى احتمال تزايُد التنافُس بين القُوى الإقليمية، وتفاقُم الصراعات الداخلية، والحروب بالوكالة والحروب غير المتماثلة، بعين الاعتبار، في حال تجاهُل مصالح دول المنطقة، هذا بجانب دور أكبر لقُوى دولية منافسة كالصين وروسيا، التي تستعدّ لتوسيع نفوذها في المنطقة، وذلك على حساب القُوى الغربية.

ثانيًا: رسائل أوروبية لأطراف الأزمة

حمل تصريح وزير الخارجية الألماني رسائل إلى الأطراف المعنيَّة بالأزمة، فبدايةً هي محاولة لبناء جسر مع الرئيس المُنتخَب بايدن بشأن إيران، ورسالة مفادها أنَّ الأوروبيين يتماشون مع موقفه من إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي، لكن بشروط ووفق معالجة متكاملة. وهذا يُعَدّ توجيهًا باستغلال إرث ترامب والبدء مبكِّرًا في وضع معالجة للملفّ النووي مع إيران، مع إضافة ملفَّي الصواريخ الباليستية والسلوك الإقليمي، وذلك لاستغلال فترة وجود روحاني وفريقه في السُّلطة، وإشارة إلى أنَّ أوروبا تقف إلى جانب بايدن ولديها الاستعداد للتعاون والتنسيق المشترك من أجل وضع معالجة شاملة للمخاوف التي تمثِّلها إيران، بل يمكن أن تتّجه نحو إعادة التعاون بشأن تشديد الضغوط على إيران، لإلزامها تفاهُمات جديدة تشمل المخاوف المذكورة أعلاه.

كما أنَّ الموقف الأوروبي يحمل رسالةً إلى إيران مفادُها أنَّ الأطرافَ الأوروبية لن تسمح لطهران بالتَّمادي في خرقِ التزاماتها النووية مع المجتمع الدولي، ولا سيما الإجراءات الأخيرة التي أعلنَ عنها البرلمان الإيراني ووافقَ عليها مجلس صيانة الدستور، وأنَّ الصمت الذي التزمت به الأطراف الأوروبية على تجاوزات إيران النووية في فترةِ الرئيس ترامب لن يتكرّر، ولن يتمّ التساهُل معها في المرحلةِ المقبلة، كما أنَّ التصعيد النووي لن يصبح أداةَ ضغطٍ على الأوروبيين للتَّساهل بشأن مُجمل ما تُشكِّله إيران من خطرٍ وتهديد، كما أنَّ هناك رسالةً أُخرى لإيران، وهي أنَّ إعادة الفاعلية إلى الاتفاق النووي لن تكون هديَّة مجّانية للنظام الإيراني، دون معالجة مخاوف الأوروبيين ودول المنطقة، تحديدًا ملفّ الصواريخ والتدخُّلات الإقليمية، وأنَّ الأوروبيين قد ينضمُّون إلى أيّ إجراءات أمريكية قد تتّخذها ضدّ إيران، بما فيها إمكانية استعادة العقوبات الدولية، بما فيها استخدام آلية «سناب باك»، التي سبق أن رفضوا استخدامها.

والرسالة الأخيرة هي طمأنة دول المنطقة بأنَّه لا عودة تلقائية إلى الاتفاق النووي بما يضُرّ بأمن المنطقة والإقليم، وصولًا إلى تهديد أمن الدول الأوروبية، خصوصًا مع وجود معارضة إقليمية قوية للدخول في تفاهُمات جزئية مع إيران، بل ترغب دول الخليج أن تكون ضمن أيّ تفاهُمات ومفاوضات مقبلة لضمان أمن واستقرار المنطقة، وعدم تكرار ما حدث بعد توقيع الاتفاق في 2015م، والرسالة بطبيعتها تفتحُ أُفقًا أمام الأطراف الإقليمية كي تضعَ على الطاولة مخاوفها ومطالبها من أجل تحقيق استدامةٍ لأيِّ تسويةٍ مرتقبة، وعدم وجود مقاومةٍ إقليميةٍ لها.

ثالثًا: التأثير في موقف إيران

بالنسبة إلى إيران، لا شكَّ أنَّ الموقف الأوروبي الجديد بشأن تعديل الاتفاق تحديدًا يمثّل انقلابًا على الموقف السابق المُعلَن في فترة ترامب، بل تخلِّيًا عن أحد الثوابت الأوروبية بشأن هذا الملفّ، إذ كانت تنظر أوروبا إلى الاتفاق النووي باعتباره ركيزة أساسية تمثِّل من الناحية الأمنية نموذجًا فعّالًا لمعالجة قضية الانتشار النووي على المستوى الدولي، وتمنع إيران من تجاوُز العتبة النووية، مع ما يمثِّله ذلك التجاوُز من تهديد للأمن والاستقرار إقليميًّا ودوليًّا.

كما تنظُر إيران إلى ذلك باعتباره عودة إلى التنسيق الأمريكي-الأوروبي بشأن إيران، ومن ثمَّ ستتزايد حالة انعدام الثقة مع الأوروبيين، وبالأساس هناك، تاريخيًّا، حالة من عدم الثقة بين الجانبين تعزِّزها تجارب سابقة منذ بدء المفاوضات النووية في عام 2003م، ومؤخَّرًا لطالما كالت إيران، لا سيما المرشد وتيّاره، لأوروبا الاتّهامات واعتبرت الموقف الأوروبي لا يختلف كثيرًا عن موقف الولايات المتحدة من مسألة العقوبات التي فرضها ترامب، بل كان بمثابة تبادُل أدوار، وأنَّ بقاءها في الاتفاق كان نوعًا من الرقابة على البرنامج النووي الإيراني، وإبقاءً لمسار التفاهُم وضبط التفاعُلات وعدم خروجها عن السياق، ومن ثمَّ فإنَّ تصريح وزير الخارجية الألماني بالنسبة إلى إيران ليس إلّا تعبيرًا عن الموقف الحقيقي للدول الأوروبية ولنياتهم تجاه الاتفاق النووي. كذلك فإنَّ ما طرحه وزير الخارجية الألماني من ضرورة وجود إضافات إلى الاتفاق النووي ليس جديدًا، فهذا المسألة كانت مطروحة بقوّة خلال مفاوضات فيينا التي انتهت بالاتفاق النووي في 2015م، ورفضت إيران رفضًا قاطعًا تضمينها في الاتفاق النووي، وما تزال، إذ تعاملت مع الاتفاق كاتفاق فنِّي يعالج المسألة النووية وحسب، كما أنَّها اعتبرت قضية الصواريخ الباليستية والسلوك الإقليمي من مسائل السيادة، ولا تزال، وأنَّها ليست قابلة للنقاش، كما أنَّ النظام ينظر إلى إدراج هذه القضايا في أيّ مفاوضات على أنّه استهداف لأمن النظام وبقائه. 

بطبيعة الحال، استعدَّت إيران خلال الفترة الماضية لخيار المفاوضات ووجود مطالب أمريكية أو أوروبية على هذا النحو، وذلك عبر مُراكمة أوراق مهمَّة، إذ خفَّضت التزاماتها النووية وبالتالي زاد مخزونها من اليورانيوم المُخصَّب، بما يتجاوز 12 ضعفًا للمسموح به في الاتفاق النووي حسب الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية، وزاد كذلك مخزون المياه الثقيلة، وأعادت تشغيل عديد من أجهزة الطرد المركزي، وركَّبت أجهزة أُخرى جديدة أكثر تطوُّرًا، وعرقلت أنشطة الوكالة الدولية.

ولامتلاك مزيدٍ من أوراق الضغط، بدأت تتلاعب بورقة الغموض النووي، وقد أكَّدت الوكالة هذه الشكوك، بوجود مواقع غير مُعلَنٍ عنها لها صلةٌ بالبرنامج النووي، وتلوِّح إيران بالاتّجاه نحو تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وتشغيل مزيدٍ من أجهزة الطرد المركزي في محطة نظنز، بحسب خُطةٍ متكاملةٍ للتّصعيد تبنَّاها البرلمانُ الإيراني، وذلك للحدّ من الضغوط الأمريكية والأوروبية، وتقليل فرص إدخال تعديلات على الاتفاق النووي وبنوده، فضلًا عن عدم ربط العودة إلى الاتفاق بملفّات أُخرى، كالبرنامج الصاروخي أو الدور الإقليمي.

رابعًا: التداعيات المُحتمَلة

مع قدوم بايدن، يبدو أنَّ جميع الأطراف المعنية متّفِقة على الدبلوماسية كمسار لمعالجة الخلافات، وما دام الأمر على هذا النحو، فإنَّ مفاوضات مُحتمَلة قادمة في الطريق. وبطبيعة الحال، قبل أيّ مفاوضات يحاول كُلّ طرف أن يعزِّز أوراقه وقوّته على الطاولة، ويرفع كُلّ طرف سقف مطالبه، بناءً على قوّة تلك الأوراق ومدى تأثيرها، وقد يُعَدّ الموقف الأوروبي المستجِدّ ضمن هذا الإطار.

لكن على أيّ حال، سوف تكون للموقف الأوروبي تداعياته المختلفة، فبدايةً سيكون لها تأثير في وجود تنسيق أمريكي-أوروبي بشأن الضغط على إيران، من أجل الوصول إلى تفاهُمات شاملة، تعبِّر عن القلق المشترك لكُلّ من الأوروبيين والأمريكيين، وكذلك القُوى الإقليمية، وقد ينتُج عن هذا التنسيق إمّا طرح بدائل وإما ممارسة ضغوط مشتركة أوسع نطاقًا على إيران.

كذلك يمنح هذا التغيُّر دول المنطقة والإقليم فرصة لتكثيف ضغوطها، من أجل أن يشمل أيّ حوار مع إيران معالجة حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تسبِّبها، فضلًا عن الحدّ من مخاطر برنامجها الصاروخي، الذي بات أداة للاعتداء على سيادة الدول، ولضرب المصالح الحيوية، وإثارة النزاعات والحروب، وكذلك أن تكون حاضرة ضمن أيّ تفاهُمات، في إطار تسوية شاملة لا معالجات جزئية لن يُكتَب لها الدوام، كما حدث مع اتفاق 2015م.

أما إيران، فإنَّ هذه الضغوط سوف تعزِّز شكوكها في الجانب الأوروبي، وقد تتّجه نحو مزيد من التشدُّد ومحاولة تعزيز أوراقها، وقد بدا بعض مظاهر التشدُّد واستباق الضغوط التي يمكن أن تلجأ إليها إيران، إذ صوَّت البرلمان الإيراني لصالح خطَّة تفرض قيودًا على عمليات التفتيش داخل المنشآت النووية، كما أعطى مُهلةً شهرًا لرفع الحظر المصرفي والنفطي بالكامل عن بلاده، وألزم البرلمان الحكومة الإيرانية وقف التطبيق الطوعي للبروتوكول الإضافي في حال عدم تنفيذ أطراف الاتفاق النووي رفع الحظر المصرفي والنفطي، كما وافق على قانون يُلزِم الحكومة رفع التخصيب حتّى 20% خلال شهرين، أيّ بالتزامُن مع تولِّي بايدن السُّلطة في 20 يناير 2021، وذلك لإعطاء فُرصة لاستكشاف نيّته قبل الشروع في التصعيد، وقد وافق مجلس صيانة الدستور على هذه الخطَّة.

 لكن لا شكَّ أنَّ ترامب قد ترك إرثًا مهمًّا ومفيدًا لبايدن وأوروبا تجاه التعامُل مع إيران، ويمكن البناء عليه بدلًا عن هدمه، فعلى إيران ضغوط وعقوبات غير مسبوقة، ومعاناة غير مسبوقة يعيشها النظام الإيراني، وإذا انضمَّت أوروبا إلى الموقف الأمريكي فإنَّها يمكن أن تضع النظام الإيراني في مأزق وجودي، وتجعله بين خيارَي التفاوُض والتعرُّض للانهيار.

في النهاية يمكن القول إنَّ الموقف الأوروبي يضيف مزيدًا من التعقيد أمام مساعي إيران لعودة غير مشروطة إلى الاتفاق النووي، وسيكون ذلك بمثابة إحباط كبير لروحاني وفريقه، الذي كان يأمل في تغيير مهمّ في الموقف الأمريكي وعودة مُحتمَلة للاتفاق النووي دون شروط.

وفي المقابل، سيقوِّى هذا الموقف شوكةَ التيّارِ المحافظ والمتشدِّدين، وسيكون لذلك تأثيرُه في الانتخابات الرئاسية إذا بقيت الأمور معلَّقة؛ وكما حدث وهيمن المتشدِّدون على البرلمان في انتخابات فبراير 2020م، فسوف يوجَّه نحوَ هيمنةٍ متشدِّدة على الرئاسة والحكومة الإيرانية المقبلة في انتخابات الرئاسة في يونيو 2021م، وهو أمرٌ لا تُريده الولاياتُ المتحدة الأمريكية وأوروبا، لما قد يكون له من تأثيرٍ في تعثُّر مسار المفاوضات، مع تنامي المخاوف من تخطِّي إيران العتبةَ النووية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير