على جو بايدن استشارة حلفاء الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط لتصحيح الوضع في إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=23149

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

يواجه الرئيس الأمريكي المُنتَخب جو بايدن مجموعةً من القضايا الحرجة عند توليه منصبه في غضون الأسابيع القليلة القادمة، ليس فقط على المستوى الداخلي، بل في الشرق الأوسط وحول العالم.

جاء أحدُ التذكيرات بإلحاح وحجم هذه الأزمات في إعلان الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة يوم الجمعة بأنّ النظام الإيراني يخططُ لتركيب مئات أجهزة الطرد المركزي المتطورة؛ لتخصيب اليورانيوم في محطةٍ تحت أرضية في انتهاكٍ صارخٍ للاتفاق النووي التاريخي الذي عُقد في عام 2015م تحت مسمى «خطة العمل الشاملة المشتركة».

في حين أنّ الرئيس المُنتَخب بايدن هو الأكثر اهتمامًا بمعالجة القضايا الداخلية، إلّا أنّ العمل بشأن الأزمات المتعددة المتعلقة بإيران لا يمكن تأجيلهُ حتّى وقتٍ لاحق، ليس فقط بشأن برنامجها النووي، بل فيما يتعلقُ بأنشطتها الإقليميّة المختلفة المزعزعة للاستقرار. إنّ عدم اِتّخاذ إجراءاتٍ عاجلة يهددُ بمزيدٍ من زعزعة استقرار المنطقة المضطربة بالفعل والعالم. تحرصُ المملكة العربية السعودية، التي تُنسّق بشكلٍ وثيق مع نظرائها الخليجيّين للمساعدة، على ضمان الاستقرار والسّلام الغائبيْن منذ فترةٍ طويلة، على العمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة ولعب دورٍ رئيسٍ في منع المزيد من التوترات الإقليميّة.

في حين أنّ الجهود المستمرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية لحل التوترات في منطقة الخليج ستُساعد هذه الدول على تبنّي موقفٍ موحد تُجاه التهديد الحقيقي والمتفاقم الذي تشكلهُ إيران حاليًّا على الشرق الأوسط، فسيكون تأثيرها محدودًا في غياب موقفٍ أمريكي قوي لردع طهران عن ذلك مع الاستمرار في برنامج الأسلحة النوويّة والأنشطة الإقليميّة الضارة الأخرى.

من الواضح أنّ هذه واحدةٌ من مجموعةٍ من اهتمامات السياسة الخارجيّة المُلحّة التي تواجه الرئيس المُنتخَب، والتي تشمل أيضًا علاقة الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي والأزمة المتصاعدة مع الصين والعلاقة بين موسكو وواشنطن ومعاهدة باريس للمناخ التي انسحب منها الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب. بالإضافة إلى هذه القضايا، يحتاج الرئيس الجديد إلى معالجة الشواغل القديمة التي لا تزال بالغة الأهمية، ولا سيّما في الشرق الأوسط. ويمكن تقسيم هذه بشكلٍ عام إلى أربع فئات رئيسة: القضية الفلسطينيّة ومسألة الإرهاب والأزمة اليمنيّة والمعضلة الإيرانيّة. إنّ بايدن على درايةٍ بهذه القضايا بالفعل، حيث تعامل معها خلال فترة توليّهِ منصب نائب الرئيس للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

مع ذلك، تشيرُ الحقائق إلى أنّ القضية الإيرانية هي الأكثر إلحاحًا من بين كل هذه الأمور لأنها الأكثر تشابكًا بشكلٍ لا ينفصمُ مع المشاكل الأخرى التي يعاني منها الشرق الأوسط. تدعمُ إيران ميليشيات الحوثي في اليمن، كما أنها تمتلكُ علاقاتٍ عميقة مع معظم الجماعات الإرهابية السنيّة والشيعيّة التي تُسبّب الفوضى في جميع أنحاء المنطقة. وقد أنشأت وموّلت ودرّبت ميليشياتٍ طائفية تستهدفُ مصالح دول أخرى تشمل الولايات المتحدة سواءً في العراق أو لبنان أو سوريا أو ما وراءها. يُعدُ النظام الإيراني مصنفًا من قِبل الأمم المتحدة على أنه راعٍ للإرهاب وفرضَ مجلس الأمن الدولي عقوباتٍ عليه في هذا السياق. كما أنّ النظام الإيراني منخرطٌ في القضية الفلسطينية، خاصةً من خلال دعمه لمنظماتٍ إرهابية مثل: حماس والجهاد الإسلامي. ومِن خلال هذا الدعم الذي يعززهُ التعنُّت الإسرائيلي المستمر، يساهم النظام الإيراني في منع التوصل إلى حلٍ عادل وشامل للقضية الفلسطينيّة.

يكمُن الواقع في أنّ أحد الأهداف الأساسية للنظام الإيراني في إستراتيجيّته تجاه المنطقة العربية يتمحور حول إحباط أيّ جهدٍ لحل القضية الفلسطينية. كما تهدفُ هذه العرقلة إلى استغلال وتسليح حالة عدم الاستقرار والغضب الشعبي الناتجة كأدواتٍ لتعبئة المنظمات التابعة واللعب على أوتار قلوب الجمهور في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي وكسب بعض التعاطف الشعبي. على الرغم من تراجع نجاح هذا التكتيك بشكلٍ كبير بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011م وتورط إيران في إراقة دماء السوريين الأبرياء من خلال دعمها اللامحدود للنظام السوري، فإنّ جهود إيران مستمرة.

تعمل جماعات الضغط التابعة للنظام الإيراني بالفعل وبشكلٍ ملحوظ على تكثيف جهودها لكسب دعم الرئيس المُنتَخب بايدن مع إصرارٍ قوي على ضرورة عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة دون شروطٍ مسبقة قبل نهاية عهد الرئيس الإيراني حسن روحاني في منتصف عام 2021م. كما أنهم يجادلون بأنّ هذه الخطوة ستكون الأولى قبل معالجة قضايا أخرى مع الحكومة الإيرانيّة المُقبلة. يتجنّبُ المؤيدون للنظام الإيراني أيّ جهدٍ لإثارة موضوع برنامج إيران الصاروخي وسلوك النظام العدائي في المنطقة.

يكمُن المبرر الذي يستخدمهُ النظام الإيراني وداعموه في أنّ هناك ميلًا داخل القيادة الإيرانية لرفض أيّ عودةٍ إلى خطة العمل الشاملة المشتركة؛ مِمّا يهددُ بالانسحاب من الاتفاق والبروتوكول الإضافي للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة تمامًا مع زيادة مستويات تخصيب اليورانيوم وإعادة تأهيل منشأة المياه الثقيلة في أراك.

تهدفُ هذه التبريرات إلى إرباك الموقف الأمريكي من إيران، بالإضافة إلى زيادة الدعم لحكومة روحاني «الإصلاحية» والكتلة السياسيّة التي تدعمها في الصراع السياسي الداخلي بين الإيرانيين «الإصلاحيين» و«المتشددين». وتجدر الإشارة إلى أنّ أيّ عودةٍ أمريكية للاتفاق النووي في ظل حكومةٍ إيرانيّة توشك ولايتها على الانتهاء، هي رهانٌ سيء، الأمر الذي سيتركُ لواشنطن القليل من النفوذ دون أيّ وسيلة تأثيرٍ على النظام الإيراني في الاتفاق النووي أو برنامجها الصاروخي أو السلوك الإقليمي العدائي.

تدركُ دول وشعوب الشرق الأوسط أنّ التعامل مع إيران فيما يتعلق بقضية واحدة فقط وتجاهل الأخريات هو نهجٌ خاطئٌ تمامًا. هذا هو السبب في أنّ الاتفاق النووي الحالي أثبت فشله على أرض الواقع. لقد ازدادت الأعمال العدائية للنظام الإيراني تُجاه دول المنطقة بشكلٍ حاد وفور توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة مع زيادة تمويل طهران للميليشيات التابعة لها خلال الفترة من 2015م إلى 2017م. ويتعارضُ هذا الواقع تمامًا مع الأهداف الرئيسة المُعلنة للاتفاق النووي، الذي ركّز على الحدّ من سلوك إيران العدائي من خلال التوصُل إلى اتفاقٍ بشأن برنامجها النووي.

بناءً على ذلك، من الضروري للغاية معالجة القضايا الثلاثة المتشابكة المذكورة أعلاه في وقتٍ واحد من أجل ضمان دعم بقيَّة دول الشرق الأوسط الأخرى للمفاوضات والاتفاق. يجب استشارة دول المنطقة وإشراكها طوال مسار معالجة هذه القضايا وأن يكون مُمَثّلوها حاضرين في المفاوضات، وهذا سيقطع شوطًا طويلًا لضمان ديمومة الاتفاق وتجنُب الأخطاء التي ارتكبتها إدارة أوباما.

تُعَد مخاوف دول الخليج من سلوك النظام الإيراني خطيرةٌ للغاية، خاصة عندما نأخذ بعين الاعتبار الصواريخ الإيرانية الفتاكة التي تمتلكها الميليشيات المدعومة من طهران، خاصةً في اليمن، بالإضافة إلى هجوم القوات المدعومة من إيران على منشآت أرامكو في «بقيق» و«خريص» في المملكة العربية السعودية في 14 سبتمبر 2019م. وصف المُحللون العسكريون الهجوم المفاجئ على أرامكو بأنه هجوم «بيرل هاربر» في الشرق الأوسط.

قوبلت هذه الاستفزازات الإيرانية المُتكررة بصمت المجتمع الدولي، وخاصةً القوى العالميّة الكبرى. قد يؤدي السماح باستمرار هذه الاستفزازات الشديدة وعدم الرد عليها إلى اندلاع حربٍ مدمرة على مستوى المنطقة، مِمَّا يُشكل تهديدًا للمصالح العالميَّة من خلال تهديد إمدادات الطاقة العالميَّة.

كما أنّ هناك زيادةً كبيرةً في تركيز إيران على إدخال المزيد من الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجّهة في ترسانتها العسكرية. من المُسَلّم به أنّ قضية كل الصواريخ الإيرانية وكل فئة منها، تُعَد أولويةً للعديد من الدول تشملُ تلك الموجودة في أوروبا.

وأبدت هذه الدول مرارًا مخاوفها من استمرار إيران في تطوير ترسانتها الصاروخية، ولا سيّما صواريخها الباليستية القادرة على حمل رؤوسٍ نووية.

وفي هذا الصدد، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجيّة الفرنسية مؤخرًا في تصريحٍ لقناة العربية: إنّ اندلاع حريقٍ شاملٍ في الشرق الأوسط لن يكون في مصلحة أحد، مُضيفةً أنه ينبغي توسيع نطاق «اتفاقية فيينا» لتشمل إنهاء برامج الصواريخ الإيرانية.

المصدر: «ناشونال إنترست»

الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية