في لقاءٍ أجراه أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي مع طلاب جامعة رسالة النور في طهران أدلى بتصريحٍ يسترعي التوقف عليه حيث قال رضائي: «إنّ الدول الغربية قلقةٌ من العلم والتقنية النووية الإيرانيّة والتي تدخل في الصناعة النوويّة وفي جميع الصناعات الأخرى وتحدثُ نموًا صناعيًّا وإنتاجيًّا مُطردًا. إنّ مخاوف الغرب تتخطى حدود الخوف من إنتاج إيران لقنبلة نوويّة؛ لأنه إذا ما ظهرت إيران الكبرى في شمال الخليج العربي وبحر عمان فإنّ خمس عشرة دولة ستتّصلُ بإيران وإذا تشكّلت إيران العظمى سوف تتدخلُ في السياسة العالميّة. إنّ واجبنا هو استعادة مجد وعظمة ورفعة إيران القديمة من جديد ونحن نستطيع أن نقوم بهذا العمل».
هذه العبارة المُقتبسة من خطابٍ طويل ألقاه رضائي، رآه البعض من قبيل تشجيع الطلاب في الجامعات مِن قِبل قائدٍ سابق للحرس الثوري الإيراني، وتوقّف البعض الآخر عنده واعتبرهُ مُخطّطًا إيرانيًّا جديدًا مُستندًا إلى عددٍ من الأدلة، نرى أنها وجيهةٌ إلى حدﱟ بعيد، فرضائي بحُكم موقعه كأمينٍ عامٍ لمجْمَع تشخيص مصلحة النظام، من أولى مهامّه العمل على وضع الخطط والبرامج الإستراتيجية للدولة. وكما خرجت من قبل نظرية «أم القرى» على لسان العضو والمستشار بمجلس الأمن القومي الإيراني محمد جواد لاريجاني عام 1987م في كتابه المعنون بِـ «مقولات في الإستراتيجية الوطنيّة»، واُعتُمدت كنهجٍ إستراتيجي للسياسة الخارجية الإيرانية لسنوات، ليس من المستبعد أن يكون تصور إيران العظمى هو الإستراتيجية المستقبلية لإيران في ظل عددٍ من المؤشِّرات أبرزها ترقب دخول إيران مرحلةَ الحكم العسكري المباشر وسيادة النزعة البريتورية على التوجهات السياسية الأخرى بحلول الانتخابات الرئاسيّة القادمة في مايو 2021م.
وبعيدًا عن التهوين أو التهويل بتناول أبعاد تصريح رضائي وإمكانية تحقُّقِهِ في ظل الظروف الحالية والمستقبلية التي تمرُ بها إيران وما خاضته من تجاربَ خلال العقود الأربعة الماضية. نُحلل خطاب رضائي ودعوته لإيران العظمى فهو لم يتناول البُعد المذهبي الطائفي أو الحديث عن الدولة المهدويّة كهدفٍ للنظام كما كان في السابق وإنّما أكّد على البُعد القومي واستعادة أمجاد إيران القديمة مُرتكزًا على جانب التقنية النووية وما يمكن أن تحدثهُ من تطور في القدرات الإيرانية. أمّا في تصوره الجغرافي فقد أكّد على اتصال إيران بخمس عشرة دولة مُحتسبًا الدول ذات الحدود البحرية مع إيران وعلى رأسها روسيا، في حين أكّد على مركزية توجّه إيران صوب الخليج العربي وبحر عمان، لتحصل إيران على الهدف النهائي لمشروع إيران العظمى وهو التدخل في السياسات العالميّة. هذه هي حدود تصور إيران العظمى فيما يتعلق بالتقنية النووية والتمركز حول الخليج العربي والتغلغل في دول الجوار البرّي والبحري، والتدخل في السياسات العالميّة.
فهل الظروف والملابسات العالميّة تسيرُ في اتجاه تمكين إيران من إقامة إيران العظمى وَفق هذا التصور، ظاهرًا وحتّى الآن يبدو أنّ إيران سوف تتمكنُ من مواصلة برنامجها النووي في ظل غياب ترامب ومجيء الديمقراطيين للسلطة، كما يبدو أنّ القدرات الاقتصادية الإيرانية سوف تتحسّنُ تحسُنًا ملحوظًا مع رفع العقوبات عنها، لكن مسألة التغلغل في دول الجوار الخمس عشرة كما حدّدها رضائي يبدو أنّ كثيرًا من المعوقات تقفُ في وجهها، فإيران تلقى منافسةً تركية وروسية في دوائر النفوذ المزعوم لإيران، كما أنّ مواجهة المملكة العربية السعودية للمشروع الإيراني تحجّمُ الكثير من المخطّطات الإيرانية.
لكن هل يكفي الاعتماد على التحسُّن الاقتصادي النِّسبي المتوقع لإيران، وتطوير التقنية النوويّة لوصول إيران لمرحلة ظهور إيران العظمى؟ لقد باتت إيران تعني لكثيرٍ من دول المنطقة تجسيدًا لمعنى التدخل في شؤون الغير والتغلغل والاختراق والإضرار بالوحدة الوطنيّة عبر تأجيج النزاعات الطائفية ونشر الميليشيات المُسلحة وما يتبعها من انتشار العنف وتردي الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة.
إيران تتوهّمُ أنها مِن الممكن أن تصبح عظمى عبر ميليشياتها التي تجمعُ بين الإرهاب المُسلّح والتدخل في إدارة العمل السياسيّ في عددٍ من الدول، ومع ترقّب صعود العسكريّين الإيرانيين في المرحلة القادمة إلى ذروة السلطة السياسية في الداخل سيلقي العمل الميليشياوي زخمًا ودعمًا يُمكّن إيران من إحكام قبضتها على الدول المُستهدفة. في هذه الحالة إيران تهدفُ إلى إقامة دولة ميليشياوية إرهابية كبرى تتخطى حدود الدولة القُطرية لتصنعَ ولاءً لإيران قائمٌ على العنف وليس القناعة الأيديولوجية.
من الناحية الفعلية، إيران لم تُحقّق نجاحًا إلّا في الدول التي عانت من الفراغ السياسي أو تلك التي عانت من انتشار الإرهاب الأصولي والذي أدى إلى غياب الدولة القوميّة في بعض البلدان، لكن لا شكّ أنّ هذه مرحلةٌ مؤقتة لا بدّ أن تنتهي ومِن الصعب تكرار نموذج حزب الله اللبناني في دولٍ أخرى ولفترةٍ طويلة من الوقت؛ لأنّ الشعوب تنزعُ إلى إظهار هُويّتها الحقيقية البعيدة عن المشروعات الطائفية المدعومة من الخارج، وتسأمُ من حالة الفوضى التي يزدهرُ فيها العمل الميليشياوي.
خلاصة القول: إنّ إيران العظمى التي دعا إليها رضائي هي تأصيلٌ للأهداف التي سوف يعلنُ عنها مستقبلًا كمُبرّر لتسيُّد الطبقة العسكرية الإيرانية للمشهد السياسي ليحكمَ العسكريون على نحوٍ شوفيني توسّعي يقترنُ بتراجعٍ حادﱟ في الحريات العامة ومستوى معيشة المواطنين نتيجةَ توجيه كافة مُقدرات الدولة لتحقيق الأهداف النوويّة والعسكريّة التوسعيّة للطبقة الحاكمة الجديدة.
المصدر: عرب نيوز
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد