حذَّر الاتحادُ الأوروبي إيرانَ مِن «التبِعات الخطيرة على حظر الانتشار النووي»، عقِب استئنافها لتخصيب اليورانيوم بمنشأة فوردو النووية تحت الأرض، ويضعُ هذا التطوُّر رئيسَ الولايات المتحدة الجديد جو بايدن في موقفٍ صعب، إذ يجبُ عليه العملُ مع شُركاء واشنطن في الاتحاد الأوروبي للعودة للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015م، ومع قرار إيران لرفع معدَّل تخصيب اليورانيوم، يتوقَّعُ شُركاء واشنطن في الاتحاد الأوروبي من إدارة بايدن أن تعود فورًا للاتفاق النووي. إذ يُنظَر إلى قرار طهران لتخصيب اليورانيوم بنسبةٍ تصِل إلى 20%، على أنَّه خروجٌ عن التزاماتها بموجب الاتفاق النووي المُبرم عام 2015م، وضربةٌ قوية لاستئناف المفاوضات النووية.
انتهت صلاحية بعض من البنود الهامَّة للاتفاق النووي العام الماضي، مثل قيود مجلس الأمن على نقل الأسلحة التقليدية، وستنتهي صلاحيةُ البنود الأُخرى، مثل قيود مجلس الأمن على نقل تقنية الصواريخ البالستية لإيران في غضون سنتين؛ ونظرًا لقُرب انتهاء بعض البنود الهامَّة في الاتفاق النووي، فمن المرجَّح أن تُولي الولايات المتحدة اهتمامها لتمديد أو إنهاء بعض الأُطر الزمنية المناطة لبعض البنود. علاوةً على ذلك، أشارت قُوى أوروبية كُبرى إلى أنَّ العودة للاتفاق النووي لعام 2015م، قد لا يكون كافيًا، ومن المحتمل أن نلجأ لاتفاقٍ جديد لمعالجة مخاوفَ أوسع، فيما يتعلَّق بسلوك إيران العدواني في المنطقة، وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في وقتٍ سابق: إنَّ «العودة للاتفاق السابق لن تكون كافيةً على أيّة حال؛ يجب أن يكون هناك نوعٌ من اتفاقٍ نوويٍ مع إضافات»، وبدورها عبَّرت فرنسا والمملكة المتحدة أيضًا عن مخاوف مماثلة، ودعت إيران إلى إيقاف تخصيب اليورانيوم، وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان خلال اجتماع مع نظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد: «إنَّ على إيران أن تعودَ للامتثالِ فورًا بكامل التزاماتها النووية بموجب خطَّة العمل الشاملة المشتركة؛ للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وتجنُّب أزمةِ انتشارٍ خطيرة».
ووفقًا لحساباتٍ عديدة، فإنَّ أيّ صفقةٍ جديدة، قد تُغطِّي مجالاتٍ أوسع لتقييد سلوكِ إيران العدواني في المنطقة، ولن يسهُل على بايدن التعديل على الاتفاق النووي الحالي؛ ليُدرِج فيه برنامج إيران للصواريخ البالستية، وإيقاف تدخُّلها في الصراعات الإقليمية، فبلا شَّك لن توافق طهران على مِثل هذه التعديلات، وفي مقاله الذي نُشِر مؤخَّرًا في مجلَّة «فورين بوليسي»، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف: إنَّ على بايدن اختيار مسارٍ أفضل من خلال رفع جميع العقوبات التي فرضها ترامب والعودة إلى اتفاق 2015م، «دون تعديل شروطه التي جرى التفاوُض عليها بشقّ الأنفُس»، رغم أنَّ التحدِّيات الأمنية التي تواجه واشنطن وشركاءها في الاتحاد الأوروبي في المنطقة أصبحت الآن أكثر اتّساعًا، مقارنةً بعام 2015م، لا سيما بعدما صعَّدت طهران ووسَّعت من عدوانيتها.
ونظرًا للتطوُّرات السياسية والأمنية المتصاعدة في المنطقة، التي فاقمت من اتّساع فجوة الثقة بين واشنطن وطهران، فإنَّ عودة بايدن للاتفاق النووي لعام 2015 معقَّدةٌ الآن، ورغم الدعوات للبدء بجولة مفاوضاتٍ جديدة، تُكمِل إيران سلوكها العدواني؛ فعلى سبيل المثال، استولى الحرس الثوري الإيراني على ناقلة نفطٍ كوريةٍ جنوبية في مياه الخليج العربي، وسط توتُّراتٍ بين طهران وسيؤول حولَ تجميدِ البنوكِ الكورية الجنوبية لمدفوعات النفط المتراكمة استجابةً من الأخيرة لضغوط الولايات المتحدة، وغالبًا ما اعتمدت إيران على مثل هذا السلوك العدواني للضغط على الولايات المتحدة قبل دخولها المفاوضات، فهي تَعي جيِّدًا أنَّ إبرام أيّ اتفاقٍ جديد لا يتضمَّن برنامجها للصواريخ البالستية أو رعايتها للميليشيات، لن تقبلهُ دولُ الخليج العربي وحُلفاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة.
وعلاوةً على ذلك، يُعَدُّ دقُّ الاتحادِ الأوروبي لناقوسِ الخطر بشأن استئناف إيران تخصيبَ اليورانيوم مصدرَ قلقٍ لبايدن، إذ عليه أن يتوصَّل لنقطةِ التقاء مع الاتحاد الأوروبي، حول التعامُل مع إيران، وتعليقًا على التطوُّرات الأخيرة، قال دبلوماسيٌ أوروبي: «إنَّ هدفهم التكتيكي يكمُن في الضغط على إدارة بايدن، لكن لمستوى معيَّن؛ لأنَّك إذا ملأت القارب أكثر ممّا ينبغي سيغرق»؛ وفي نفس السياق، أقرّ ظريف بمصلحةِ إيران في استغلالِ الوضع، واستخدام تكتيكاتٍ للضغط على إدارة بايدن، مغرِّدًا: «استأنفنا التخصيب بنسبة 20%، كما شرَّع لنا برلماننا، وتمّ إخطار الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية على النحو الواجب. تتوافق إجراءاتنا التصحيحية تمامًا مع الفقرة 36 من خطَّة العمل الشاملة المشتركة. بعد سنوات من عدم امتثال العديد من المشاركين الآخرين في خطَّة العمل الشاملة المشتركة، إجراءاتنا قابلةٌ للعكس بالكامل، في حال الامتثال الكامل من الجميع».
وعلَّق مرشَّح بايدن لمنصب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على التطوُّرات الأخيرة، مؤكِّدًا أنَّ على إدارة بايدن العمل فورًا لإيقافِ إيران من أن تُصبح دولةً نووية. وأضاف قائلًا: إنَّ الولايات المتحدة «ستسعى لاتفاقية أطول وأقوى تشمل قضايا أُخرى، لا سيما تلك المتعلِّقة بالصواريخ، وأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار»؛ وللوصول لهذا الهدف، على الولايات المتحدة استشارةُ شركائها في الاتحاد الأوروبي والمنطقة؛ لضمان استمراريةِ أيّ اتفاقٍ نوويٍ جديد مع إيران، خصوصًا في ظلّ تصعيدِ طهران لسلوكِها العدواني، وكما سيتعيَّن على إدارة بايدن أن تخطو بحذرٍ شديد أثناء التفاوُض مع إيران؛ للتصدِّي للمخاوف الأمنية لشُركائها في الاتحاد الأوروبي والمنطقة.