أحلام إيران الفضائية: خطيرة وواضحة

https://rasanah-iiis.org/?p=23851

أطلقت إيران في 04 يناير 2021م، صاروخ «ذو الجناح» إلى الفضاء وهو مركبة هجينة حاملة للأقمار الصناعية تعمل على مرحلتين من الوقود الصلب إلى جانب مرحلة الوقود السائل التكميلي ويُقال إن هذه المركبة قادرةٌ على إطلاق حمولة تزن 220 كجم من قمر صناعي واحد أو أكثر على ارتفاع يبلغ أقصاه 500 كلم، ونظرًا لعدم وجود قمر صناعي جديد على متن هذا الصاروخ، وصفتهُ إيران بأنه اختبار تشغيل فحسب، وبجانب توقيته فإن قرار طهران بإطلاق هذا الصاروخ إلى الفضاء يكشف جوانب تكنولوجية مثيرة للاهتمام مقارنةً بآخر إطلاق ناجح لها لقمر صناعي في 22 أبريل 2020م.
وعلى عكس صاروخ حامل الأقمار الصناعية «قاصد» فإن «ذو الجناح» لم يتم إطلاقُه من منصة إطلاق الصواريخ المُتنقلة التي تُعرف اختصارًا بـــــــ «TEL» ولكن من منصة الإطلاق الثابتة في مقاطعة سمنان الإيرانية مما يُظهر حجم الثقة الذي تتحلّى به طهران واستعراضها للقفزات التكنولوجية من جهة أخرى.
وبالنّظر إلى أن الصاروخ يعمل على مرحلتين من الوقود الصلب، كان وقت التجهيز قصيرًا وحاولت ألّا تلتقط الأقمار الصناعية الأجنبية صورًا جغرافية مكانية، وتجنّبت أيّ هجوم من المجال السيبراني أو المجالات الأخرى.
ويُزعم أن لـ«ذو الجناح» محرّك ذو ثلاث منصات يزن 74 كيلوطن وهو أقل بمقدار 16 كيلوطن من الصاروخ البالستي العابر للقارات «إل جي إم 30 مينتمانLGM-30G Minuteman III/». ويتشابه برنامج إيران الفضائي مع برنامج كوريا الشمالية، إذ وصل التعاون الثُنائي بين الدولتين إلى ذروة جديدة في عام 2020م وفقًا للتقارير الإخبارية نقلًا عن تقرير سرّي للأمم المتحدة، وبحسب هذه التقارير تلقّى مركز أبحاث «شهيد حاج علي موحد» الإيراني الدعم والمساعدة من متخصّصي الصواريخ من كوريا الشمالية لتطوير مركبة إطلاق الأقمار الصناعية بالإضافة إلى تلقّي شحنات معينة، ورغم ذلك لم يتم تحديد درجة ومستوى نقل المعرفة والمعدّات التكنولوجية.
وكما أشارت اللجنة المستقلّة التي أجرت التحقيقات وأعدّت تقريرَ الأمم المتحدة أن إيران نفت ما ورَد في التقرير بقولها إن «المراجعة الأولية للمعلومات التي قدمتها لنا اللجنة تُشير إلى أنه ربما تكون المعلومات المستخدمة بالتحقيقات والتحليلات الخاصة باللجنة معلومات خاطئة وبيانات ملفّقة».
وقبل «قاصد» و «ذو الجناح» أجرت إيران 12 محاولة إطلاق، إذ أرسلت أربعة أقمار صناعية إلى الفضاء، وكان أول إطلاق ناجح لها في 2009م، وقد أجرت تجارب بإطلاق مركبات تعمل بالوقود السائل وهجينة (باستخدام الوقود الصلب والسائل) وأخرى تعمل بالوقود الصلب. يذكر أن الحرس الثوري الإيراني أطلق الصاروخ «سجيل» الذي يعمل بالوقود الصلب وبقُطر كبير في عام 2008م، ومع ذلك فإن مركبات الإطلاق الإيرانية تواجه صعوبات تكنولوجية لصغر قُطرها تتمثّل في عدم قدرتها على حمل محركات أكبر لتشغيل الصواريخ؛ ومن ناحية أهمية الوقود الصلب في هذا الصدد، نرى أن دولًا مثل الصين وأوكرانيا وغيرها قد استخدمت الوقود السائل لإجراء عمليات إطلاق فضائية بمحرّكات أكثر كفاءة؛ إذًا ليس بالضرورة استخدام الوقود الصلب، وكان تطوير إيران للصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب نتيجةً لطلب المرشد الإيراني أن تتمتّع الصواريخ التي تطلقها البلاد بمدى يصل إلى 2000 كلم، وكان نائب قائد القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني رئيس منظمة الجهاد للاكتفاء الذاتي (SSJO) العميد حسن طهراني مقدم مَن أسَّس القوةَ الصاروخية للحرس الثوري وقاد تطويرها، إلا أنه لم يتم الكشف عن هذه التفاصيل إلا بعد وفاته. كما يشير بوضوح ارتباط طهراني مقدم مع الحرس الثوري ومنظمة الجهاد للاكتفاء الذاتي بأن نيته لم تكُن أبدًا استكشافَ الفضاء لأغراض سِلمية. بينما تلقّى برنامج إيران للوقود السائل اهتمامَ العامة، عمل مقدم بصمت على برنامجه الأكثر طموحًا وإستراتيجيتًا؛ وبعد مقتل مقدم مع ثلاثين آخرين عام 2011م بتفجير في منشأة «البيدكنه»، دخل برنامج إيران للصواريخ في سبات لخمس سنواتٍ تقريبًا لأسبابٍ سياسيةٍ وإستراتيجية.
ومنذ مايو 2016م عاودت إيران إحياء تجارب الإطلاق في منشأة «بيدكنه» وأصبح الآن يضم خمس منصات اختبار مختلفة للمحركات، لا سيما أن إيران للحصول إلى المواد الكيميائية والتكنولوجيا المطلوبة للوقود الصلب.

وفي عام 2017م كشفَ قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي وقائد القوة الجوية الفضائية في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاج زاده عن محرّك الصواريخ «سلمان» الذي سيعمل على الوقود الصلب واستخدم الحرس الثوري مركبات ألياف الكربون لتقليل وزن المحرك بجانب تجهيزه بمنفث مرن لتوجيه الدفع، وهو أمرٌ مهمٌ للصواريخ والقذائف التي تعمل بالوقود الصلب. فأداء المنفث المرن أفضل بكثير من أسطح التحكم الإيروديناميكيةِ المراوح النفاثة للمناورة؛ ومع ذلك فلم يستخدم الحرس الثوري محرك «سلمان» الموجّه للدفع لذو الجناح بلّ لجأ للمراوح النفّاثة، وبما أنه كان إطلاقًا تجريبيًا، جرَّبت إيران دمج منظمة الصناعات الفضائية الجوية (AIO) ومنظمة الجهاد للاكتفاء الذاتي (SSJO) مما أعطى طهران مرونةً تكنولوجية وإستراتيجية. واُستُخدم المحرك الذي صنعهُ فريقُ مقدم في المراحل العليا بجانب الوقود الصلب والأنظمة الأخرى التي طوّرتها إيران، ولأغراض سياسية، أيّ محادثاتها مع البيت الأبيض حول الخلاف على برنامجيها النووي والصاروخي لاستعدت إيران لإطلاق مركبة إطلاق أقمار صناعية جديدة محملةً بقمرٍ صناعيٍ أو أكثر في على مدار منخفض.

السؤال المهم هنا عن إمكانية تحويل مركبة إطلاق الأقمار الصناعية «ذو الجناح» و«قاصد» إلى صواريخ بالستية عابرة للقارات، والجواب أنه لا يمكن ذلك لأن التكنولوجيا الظاهرة لنا لا تصل إلى مستوى الصواريخ البالستية العابرة للقارات، ومع ذلك لا يمكن لأحد إنكار أن حيازة أو تطوير الوقود الصلب أو المحركات وأنظمة التحكم توفّر المعرفة الحيوية للصواريخ البالستية العابرة للقارات، والتحدّي الحاسم في تطوير الصواريخ البالستية العابرة للقارات يكمُن في بقائها وقيادتها والسيطرة عليها أثناء وبعد إعادة الدخول، ولم تستعرض إيران بعد أيَّ قُدرة تكنولوجية لتخطّي هذا التحدّي الهندسي الكبير في إعادة دخول صاروخ بالستي عابر للقارات إلى الغلاف الجوي، ولم تدّعي أيُّ وكالة استخبارات أو مصدر وجودَ مِثل هذا الإنجاز التكنولوجي حتى الآن، ومن المحتمل أنّ طهران تمتلك المعرفة الفنية في هذا الصدد ولكنها تنأى عن كشف ما لديها لما له من تداعيات جيو-سياسية كبيرة؛ ومع ذلك فإن إطلاق إيران لصاروخ بالستي عابر للقارات مستهدفةً أحدَ أعدائها دونَ إجراء اختبارات سيُوقع النظام الإيراني والحرس الثوري في حرجٍ غير مسبوق لا سيما أنه طريقها للهاوية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير