أثارت فتوى قديمة أصدرها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي جدلًا، في الأسابيع الأخيرة؛ وبدأ الأمر كُلّه عندما أعاد وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي تفسيرَ فتوى خامنئي لعام 2003م، حينما أفتى المرشد بحُرمة امتلاك إيران الأسلحةَ النووية، ويرمي من وراء إثارتِه لهذه الفتوى القديمة الإشارةَ إلى أنَّ طهران يمكنُها امتلاكُ أسلحة نووية، إذا ما تعرَّضت إلى الضغط. ويُثير هذا الجدل تكهُّنات حول مآلات البرنامج النووي الإيراني، في وقتٍ تُكافح فيه حكومةُ حسن روحاني لإنقاذ الاتفاق النووي، بينما يُطالب المتشدِّدون الإيرانيون، الولاياتِ المتحدة برفع العقوبات، قَبل أنْ تعود طهران للالتزام ببنود الاتفاق مرَّةً أُخرى. فعندما انسحبت الولاياتُ المتحدة من خطَّة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018م، وفرَضت عقوبات «قاسية» على إيران، ردَّت طهران على ذلك بتصعيد أنشطتها النووية، لا سيما بتخصيبها لليورانيوم بمستويات تتجاوزُ المسموح به، إذ أعلنت إيران مؤخَّرًا بناءً على مشروع القرار الذي أقرَّه البرلمان الإيراني رفعَ مستويات تخصيب اليورانيوم إلى 20%.
لكي تزيدَ من حدَّة التوتُّرات، فقد وعدت إيران بتقليص امتثالها لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأصدَر برلمانُها في 23 فبراير 2021م مشروعَ قانون لإنهاء تنفيذ البروتوكول الإضافي، والذي يسمحُ بإجراء عمليات تفتيش مفاجئة لمواقعها النووية؛ ومع ذلك، ولنزع فتيل التوتُّرات المتصاعدة، فقد أثمرت جهودُ الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية إلى موافقة إيران الأسبوعَ الماضي على التمديد لمدَّة ثلاثةِ أشهُر، تسمحُ خلالها للوكالة الدولية بمراقبة منشآتها النووية.
ويحاول البرلمان الإيراني «المتشدِّد» الآن، إحباطَ جهود روحاني لإعادة التفاوُض مع الولايات المتحدة. ومن ناحية أُخرى، وفي خطوة لدعم جهود روحاني، تراجعت الإدارة الأمريكية الجديدة عن قرار دونالد ترامب بإعادة جميع العقوبات الأُممية على إيران، بينما لم تستجِب لطلب إيران برفع العقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة ترامب.
وعلى ما يبدو، فإنَّ خامنئي يحاولُ أن يلعبَ لعبةَ موازنة، عبر التزامِه الصمت وسطَ جدل الفتوى الدائر. وعليه، إذا تمكَّن روحاني من إقناع الولايات المتحدة برفع العقوبات، سيُرضي بذلك المرشد الإيراني الذي أشار لدعمه هذه التوجُّه؛ إذ تعهَّدت إيران بالعودة على الفور إلى التزاماتها بموجب خطَّة العمل الشاملة المشتركة، حالما رفعت الولايات المتحدة تِلك العقوبات.
لكن في حالة فشلِ إيران والولايات المتحدة في إنقاذ خطَّة العمل الشاملة المشتركة، فإنَّ صمتَ خامنئي سيدعمُ المتشدِّدين الذين يعارضون العملَ مع واشنطن، ويُعتبَر هذا الصمت بأنَّه السببُ في قيام شخصيات مِثل علوي المقرَّب من خامنئي بالتحدُّث علنًا للدِّفاع عن أنشطة إيران النووية الأخيرة، والتي تنتهكُ بنودَ خطَّة العمل الشاملة المشتركة.
ويعتقدُ علوي، الذي عُيِّن مباشرةً من خامنئي، أنَّ الوقت قد حان لتغيير سياسة إيران النووية بالكامل. وفي مقابلة أُجرِيت مؤخَّرًا على التلفزيون الوطني في إيران، أشار علوي إلى أنَّ طهران ليست بحاجة لعودة الولايات المتحدة إلى خطَّة العمل الشاملة المشتركة، مشيرًا إلى أنَّ العقوبات عزَّزت فعليًا صناعات إيران النووية؛ وبالإضافة إلى ذلك، ألمحَ علوي إلى أنَّ إيران قد تُقرِّر تطوير أسلحة نووية، إذا تعرَّضت لمزيد من الضغوطات.
من جانِبه، تجاهَل روحاني تصريحات علوي، مؤكِّدًا أنَّ موقف إيران من الأسلحة النووية لم يتغيَّر، ولطالما استخدمت إيران فتوى خامنئي -التي صدرت عام 2003م والتي تُحرِّم امتلاكَ إيران أسلحةً نووية- أثناء مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة، مؤكِّدةً أن استمرارَ تصنيع إيران للأسلحة النووية «مُحرَّم»، ومع ذلك، فإنَّ الفتوى هي حكم ديني مرِن يمكن أن يتغيَّر، وفقًا للأوقات والظروف، في ظلّ الشريعة الإسلامية الشيعية، وهي نقطة أكَّدها مؤخَّرًا الدبلوماسي الإيراني والعضو المتشدِّد في الحرس الثوري الإيراني أمير موسوي.
تُشير الدلائل إلى أنَّ نشاطات إيران النووية، تجعلها أقرب من امتلاك أسلحة نووية، وقال خامنئي مؤخَّرًا إنَّ إيران لديها القُدرة على زيادة مستويات تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 20%؛ لتصل حتى إلى 60%. وتكفي هذه المستويات لمساعدة إيران على التسلُّح بسرعة، ويقول مسؤولون إسرائيليون إنَّ إيران ستستغرقُ خمسة أشهر لإنتاج ثلاث قنابل، إذا تمكَّنت من تسريع أنشطتها لتخصيب اليورانيوم.
يدَّعي بعض المحلِّلين في إيران، مثل هادي ناصريان، رفعًا سريعًا للعقوبات لمنع المزيد من التطرُّف الإيراني. لكن مثل العديد من الدعوات الأُخرى القادمة من إيران، فإنَّه من غير المرجَّح أن تنجَحَ هذه الدعوات في تغيير وجهة النظر لدى الولايات المتحدة بضرورة رفع العقوبات؛ وفي غضون ذلك، أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقِها الشديد من تصريحات علوي بخصوص الفتوى النووية لعام 2003م.
ولا يُعرَف بعد ما إذا كانت التوتُّرات بين روحاني والمتشدِّدين في إيران بشأن مصير البرنامج النووي الإيراني ستتصاعدُ في الأسابيع والأشهر المقبلة، أو أنَّ إيران ستسعى للتوصُّل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة؛ نظرًا لحساباتها البراغماتية؛ وفي الوقت الحالي، تحاول إيران زيادةَ الضغوطات على إدارة بايدن للتَّنازُل عن القضايا الأساسية، قَبل المحادثات النووية الجديدة، بينما من ناحية أُخرى، تُشير الضربات الأمريكية التي تستهدف وُكلاء إيران في سوريا إلى محاولات واشنطن للضَّغط على طهران لبدء الخطوة الأولى. تُريد إدارة بايدن أن تقومَ إيران بالخطوة الأولى نحو محادثات نووية جديدة، لكن مع سيطرة المتشدِّدين في طهران، يبقى أن نرى ما إذا كان روحاني سيُغامر بالخروج من الاتفاق، أو ما إذا كانت المحادثات النووية ستُصبح حلمًا بعيدَ المنال، عندما يُسيطر المتشدِّدون على الرئاسة هذا العام.