ألقى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي كلمةً في عيد النيروز، كان الهدف منها رفع معنويَّات الشعب، وتعزيز الثقة في الاقتصاد الإيراني المتعثِّر. وعلى مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، وفي بداية كُلّ عام إيراني جديد، يستعرض خامنئي أهدافًا اقتصادية عاليَة المستوى مغلَّفة بشعارات جذَّابة، يتوجَّب تحقيقها خلال العام. وقد ذكر خامنئي في خطاب النيروز السنوي المُتلفَز، أنَّ هذا العام سيكون «عام الإنتاج والدعم وإزالة العقبات».
وذكر خامنئي أنَّه ركَّز في خطابه على «الإنتاج»، على الرغم من اعتقاده أنَّ دعوته إلى ما أسماه «عام قفزة الإنتاج» قد تحقَّقت في العام الماضي. وبالتالي، وحسب قوله، فقد كانت قفزة الإنتاج الإيراني العام الماضي مرضيةً، لكنَّها غير كافية؛ بسبب سوء التخطيط الاقتصادي.
ومع ذلك، فإنَّه يبدو أنَّ خطاب خامنئي غطَّى بعض الحقائق المحلِّية القاسية. كان الاقتصاد الإيراني على شفا الانهيار العام الماضي؛ بسبب الفساد، وسوء الإدارة الاقتصادية، والعقوبات «القاسية» التي تقودها الولايات المتحدة. ومع ذلك، زَعَم خطاب خامنئي في عيد النيروز أنَّ إيران أصبحت أفضل حالًا الآن، مقارنةً بوقت توقيعها للاتفاق النووي مع القُوى العالمية في عام 2015م. وقد رفع الاتفاق النووي لفترة وجيزة بعض العقوبات المفروضة على إيران، لكن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعادت فرضها في عام 2018م؛ الأمر الذي يستدعي سؤال: كيف يمكن أن يكون الاقتصاد الإيراني في حالةٍ أفضل تحت العقوبات؟
لم يناقش خامنئي في خطابه أيَّة موضوعات مثيرة للجدل، وبدلًا من ذلك، قارن بداية قرن جديد في التقويم الإيراني بالمكانة التي كانت فيها البلاد قبل 100 عام كدولة «متخلِّفة»؛ لتوصيل رسالة مفادها أنَّ المستقبل كان بالفعل واعدًا للغاية. ولتوضيح وجهة نظره بأنَّ الاقتصاد الإيراني بحاجة إلى «دعم»، زَعَم خامنئي أنَّ زيادة الإنتاج كانت ممكنة مع المزيد من الاستثمارات، جنبًا إلى جنب مع استقرار العُملة الوطنية الإيرانية، وتعزيز ثقة الجمهور، وكذلك أيضًا من خلال توفير برامج الرعاية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجًا.
وأشار خامنئي إلى أنَّ البنك الدولي صرَّح بأنَّ إيران تحتلّ المرتبة 18 كأكبر اقتصاد في العالم؛ بينما لم يذكُر البنك الدولي ذلك، وقد تبيَّن أنَّ ما ذكره خامنئي ليس صحيحًا على الإطلاق. وقد تبيَّن أنَّ البنك الدولي قد وضع إيران في المرتبة 128، ضمن قائمة تشمل 190 دولة، من حيث الأداء الاقتصادي. ويرى البنك الدولي أنَّ إيران غير قادرة على خلق فُرص عمل مناسبة، وأنَّ اقتصادها قد انكمش بنسبة 6.8% في عام 2019م، وتشير الأرقام أيضًا إلى أنَّ إيران شهدت نموًا سلبيًا للعام الثالث على التوالي.
بالنظر إلى هذه الحقائق الاقتصادية القاسية، فإنَّ خامنئي قد تجاهل عمدًا في خطابه بعيد النيروز، أن يذكر قائمةً طويلة من التحدِّيات اليومية، التي يجب معالجتها لتعزيز الإنتاج في إيران. وتهدُف توقُّعاته الاقتصادية المتفائلة إلى تعزيز الثقة الشعبية في الأداء الحكومي، ورُبّما تشجيع الشعب الإيراني الذي فقد الأمل للتصويت في الانتخابات الرئاسيَّة المقبلة المقرَّر إجراؤها في الصيف المقبل. وليس من المستغرب أن يركِّز خطاب خامنئي في النيروز بشكل أساسي على السباق الرئاسي المقبل، حيث أعرب عن أمله في أن ينعش الرئيس الجديد اقتصاد البلاد، ويتّخذ خطوات جديدة للتصدِّي للفساد، وبناء حكومة مركزية قويّة.
ليس من الواضح بعد كيف يمكن تلبية دعوة خامنئي لـ«إزالة العقبات» هذا العام. بينما في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، على سبيل المثال، كان هناك 37 مليون إيراني يعيشون على معونات الرعاية الاجتماعية، والتي لم تضِف سوى 1.5 دولار يوميًا إلى جيوبهم. وفي حين ارتفعت رواتب الفئات الاقتصادية الأكثر ضعفًا في إيران بنسبة 39% في العام الجديد، فإنَّ نُشطاء حقوق العُمّال في البلاد يقولون إنَّ العُمّال لا يزالون يعيشون تحت خطّ الفقر؛ بسبب ارتفاع معدَّلات التضخُّم. وفي العام الماضي، حدَّد صندوق النقد الدولي معدَّلات التضخُّم في إيران عند 34.2%، بينما تقول معظم الأرقام الأُخرى إنَّها تصِل إلى قرابة الــــ 40%. وحسب موقع البنك الدولي، فقد بلغ التضخُّم في إيران في شهر فبراير لعام 2021م 48%.
ويعتقد المحلِّلون أنَّ خامنئي يضلِّل الشعب الإيراني، من خلال الاستمرار في التمسُّك بتقاليده. ولقد كان شعاره الداعي إلى قفزة في الإنتاج العام الماضي، في الوقت الذي تكافح فيه إيران جائحة صحِّية كبيرة -على أقلّ وصفٍ له- مضلِّلًا. وقبل عام، وصف خامنئي النيروز بأنَّه وقت ازدهار الإنتاج، على الرغم من عقوبات إدارة ترامب على إيران. وفي وقتٍ لاحق، ادَّعى خامنئي أنَّ إيران شهدت زيادة في الإنتاج، على الرغم من حملة الضغط الأقصى، واندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة والاحتجاجات ضدّ الفقر في جميع أنحاء البلاد.
قد يحاول خامنئي عبر خطابه أيضًا أن يُضيِّق من الآفاق الاقتصادية للبلاد، في العام المقبل. إذا كان هذا هو الحال، فإنَّ شعار خامنئي المتفائل بعيد النيروز لهذا العام ليس سوى محاولة مُتعمَّدة تمامًا لتضليل الشعب الإيراني مرَّةً أُخرى، حيث إنَّها تتوقَّع الاستمرارية والاستقرار الاقتصادي حتّى لو لم تكُن موجودة بالفعل في إيران.