أعلنت إيران مؤخَّرًا عن وجود «مدينة صاروخية» أُخرى تحت الأرض، لم يتمّ الكشف. وقد كانت الجدران الخرسانية السميكة لقاعدة الصواريخ تحت الأرض مرئيةً بوضوح، في مقطع الفيديو الذي نُشِر، إلى جانب مجموعة متنوِّعة من الصواريخ الموضوعة في رفوف أو عربات. وتفتخر إيران بأنَّ المنشأة العسكرية مُجهَّزة بمعدَّات الحروب الإلكترونية (التشويش ومكافحة التشويش)، إلى جانب الأدوات المعتادة واللازمة لإطلاق الصواريخ الباليستية أو صواريخ كروز. ولم تكشف إيران بعد عن عدد القواعد تحت الأرض التي بنتها، لكن هناك بعض التخمينات لعددها، اعتمادًا على ما رُصِد من قِبَل برنامج «جوجل إيرث» لتحديد المواقع الجغرافية.
وفي حين أنَّ وكالات المخابرات الإيرانية قد تعرف الكثير عن ذلك، فإنَّ البيانات المتاحة للعامَّة كافية لإثبات أنَّ مثل هذه المواقع العسكرية الإيرانية عُرضة لضربات وقائية؛ لأنَّها واحدة من أكثر الدول التي تخضع للرصد والمراقبة عبر الأقمار الصناعية في العالم. وفي حين أنَّ القاعدة مُعدَّة لشنّ ضربات، فإنَّه يمكن لخصوم إيران شنّ هجمات استباقية. وإذا لم تُنتهز هذه الفرصة، فإنَّه يمكن اعتراض الصواريخ الإيرانية أثناء توجُّهها نحو أهدافها. وفي حال توجيه ضربة ناجحة على أراضي أحد الخصوم، فإنَّ حماية هذه المواقع ضدّ القنابل الثقيلة القادرة على الاختراق العميق ليست مضمونة.
وصفت وسائل الإعلام الإيرانية القاعدة البحرية للحرس الثوري الإيراني، بأنَّها تمتلك القُدرة على إطلاق «صواريخ وألغام بحرية بمختلف النطاقات، وإطلاق نار بزاوية 360 درجة، ومواجهة الحرب الإلكترونية، وزيادة مدى وقوَّة التدمير في العمليَّات».
وقال قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي في حفل إزاحة الستار: «ما نراه اليوم، هو جزءٌ صغير من القُدرة الصاروخية الكبيرة والواسعة للقوّات البحرية التابعة للحرس الثوري». وفي يوليو 2020م، ادّعى قائد البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي رضا تنكسيري، أنَّ إيران قامت ببناء مدن صواريخ تحت الأرض على طول ساحل الخليج، محذِّرًا من «كابوس لأعداء إيران».
وقال موقع «جينز» للاستخبارات الدفاعية بعد يومين من حفل إزاحة الستار عن المدينة الصاروخية: «من المعلوم أنَّ القاعدة موجودة تحت الأرض منذ عام 2003م على الأقلّ، وأنَّها متّصلة بالأنفاق التي شُيِّدت منذ عام 2009م».
وقال الجيش الإيراني، الذي يضع في عقيدته القتالية المبنيَّة على «الدفاع الأمامي» الصواريخ والطائرات دون طيار في خطوط الجبهات الأمامية، أنَّ مستودعاتها منتشرة في جميع أنحاء البلاد، وعلى عُمق قد يصل إلى 500 متر تحت الجبال. وحتّى الآن، رُصِدت ما لا يقل عن ستّ قواعد تحت الأرض من هذه الأنواع، في حين أعلنت طهران رسميًا عن وجود ثلاث قواعد فقط. ويُشتبَه في أنَّ إيران منشغلة بتطوير قاعدة أو قواعد مُمَاثلة في سوريا، حيث تهاجم إسرائيل بشكل روتيني قاعدتها الجوِّية العسكرية «تي-فور».
ومنذ ظهور قواعد الصواريخ تحت الأرض، استثمرت العديد من القُوى المتنافسة فيها بشكلٍ كبير. ولقد احتفظت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، طوال فترة الحرب الباردة، بالصواريخ الباليستية النووية في وضعية الاستعداد للإطلاق، في قواعد تحت الأرض. ومع ذلك، لم يكونوا محصَّنين ضدّ هجمات الأعداء. ومن ناحية الردع وموازين القُوى، لم تستخدم قط إيران الصواريخ العابرة للقارات المخزَّنة تحت الأرض. حتّى قبل عقود، كان بإمكان الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تحديد مواقع قواعد الصواريخ تحت الأرض لبعضهما البعض، عبر صور الأقمار الصناعية، أو التجسُّس أو المراقبة الجوِّية السرِّية.
في القرن الحادي والعشرين، تستخدم إيران إستراتيجية عسكرية عمرها عقود، وتأمل في تحقيق نتائج إيجابية مُمَاثلة. وبغضّ النظر عن قابليتها للتأثُّر بهجمات العدو المباشرة أو التخريب أو الهجمات الإلكترونية، واصلت إيران بناء قواعد سرِّية وعميقة؛ لإبراز قوّتها العسكرية وإظهار القُدرة على الصمود في أعقاب الصراع.
وبينما الحرس الثوري الإيراني مستمرٌّ في بناء قواعد تحت الأرض منذ أكثر من عقد إلى الآن، فقد طوَّر خصومه قُدراتهم لدفن هذه القواعد في عُمق الأرض؛ ولا سيَّما أنَّه يمكن تتبُّع هذه المواقع المخفية تحت الأرض بتتبُّع الأثر الإلكتروني للهجمات التي تُطلِقها وإبطال مفعولها.
بالنظر إلى نقاط الضعف المذكورة أعلاه، يبدو أنَّ إيران أصبحت تبني هذه المواقع في مستويات أعمق تحت الأرض، وعلى مساحة أوسع، حيث تكون مفصولة بشبكة من الأنفاق، مع محاولة إبقاء مثل هذه الإنشاءات في مأمن من الهجمات الإلكترونية، قدر الإمكان. ويجدر هُنا النظر إلى معضلة الإنذارات الكاذبة، وسوء تقدير الإجراءات التي يتّخذها الخصوم. ومثل هذه القواعد السرِّية المعزولة والجاهزة لتنفيذ الهجمات، كما كان يحدث أثناء الحرب الباردة، تكون معرَّضة لشنّ ضربات عرضية.
وفي الختام، فإنَّ القواعد الإيرانية السرِّية لا تضمن لإيران التفوُّق العسكري على منافسيها، ومع ذلك، فإنَّها لا تزال تزيد من احتماليَّة توجيه إيران ضربة ثانية حتّى بالمفهوم التقليدي. ولعلَّ تفضيل إيران للتباهي بوجود هذه القواعد يثبت أنَّها أكثر اهتمامًا بالترهيب من الشروع في صراع مباشر، إلى جانب خدمة الهدف المتمثِّل في رفع الروح المعنوية العامَّة، بينما لايزال الشعب الإيراني يعاني بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية؛ الأمر الذي أدَّى إلى استمرار الاحتجاجات وتراجُع شرعية النظام السياسي.