«تسريب ظريف».. هل يسعى «المتشددون» إلى تهميشه؟

https://rasanah-iiis.org/?p=24783

 أدلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ببعض التصريحات غير المعلنة في سلسلة من تسجيلات سُرِّبت بعد ذلك. ويشير توقيت التسريب إلى أن النيّة ربما كانت لتعزيز محاولة ظريف ترشّحه للانتخابات الرئاسية في يونيو المقبل، أو لتشويه سمعته قبل السباق الرئاسي، أو ببساطة إثارة الاهتمام العام بالانتخابات.

كما يمكن أن تكون التسجيلات قد سُرِّبت أيضًا للضغط على القوى الدولية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، للتوصل إلى اتفاق سريع مع طهران بشأن ملفها النووي.

مهما كانت النية من وراء التسريب، فإنَّها تكشف عن شيء واحد واضح، هو أنّ ظريف رجلٌ قابل للاستهلاك. كان التسريب جزءًا من مقابلة مدّتها ثلاث ساعات أو أكثر، أجراها معه الصحفي سعيد ليلاز في مارس الماضي كجزء من برنامج «التاريخ الشفوي» المصمّم لحماية إرث حكومة حسن روحاني. وكان من المفترض أن تتم أرشفته من قِبل المركز الإيراني للبحوث الإستراتيجية. لم يتضح بعد كيف تم تسريب التسجيلات، بيد أنها تسلط الضوء على وزير خارجية لا حول له ولا قوة ولا معنى لمنصبه.

يعترف ظريف في التسجيلات بعدم امتلاكه صلاحيات اتخاذ القرار فيما يتعلق بالدبلوماسية العامة.

وفي هذه الأثناء، انتقد المرشد الإيراني علي خامنئي، ظريف لتصريحاته بتذكيره بأن وزارة الخارجية كانت منفذًا وليس رائدًا للسياسة الخارجية في معظم دول العالم بما في ذلك إيران. كما قالت شخصية أخرى مقربة من محمد جواد لاريجاني : «إن ظريف يعاني من النرجسية». وبحسب لاريجاني، فإنَّ ظريف يعرف جيدًا أنه لا يقف فوق النظام الذي يمثله وأن التسجيلات المسربة أساءت إلى وزارة الخارجية الإيرانية.

وادعى ظريف في التسجيلات المسرّبة أن المحادثات النووية التي أدت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015م تعرضت للتخريب بشكل متكرر على يد «الحرس الثوري»، وأنه تُرك في الظلام عندما تفوقت السياسات العسكرية لـ«الحرس الثوري» الإيراني على الدبلوماسية. وقدم مستشار المرشد، علي أكبر ولايتي لظريف بعض النصائح بخصوص هذا الموضوع عندما ذكّر وزير الخارجية بأن الدبلوماسية بدون سلطة لا تنجح أبدًا.

ويلقي الموالون للمرشد باللوم على ظريف لإبرامه اتفاقًا نوويًّا معيبًا في المقام الأول، والذي لا يُتوقع أن يصمد أمام اختبار الزمن. وبحسب هؤلاء، فقد ادعى ظريف أن «الحرس الثوري» وروسيا حاولا عرقلة المحادثات النووية السابقة لإنقاذ إرثه. ويشير ظريف إلى أن قائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني لم يكن له دور في إقناع روسيا بالانخراط في الصراع السوري لتشويه سمعة «الحرس الثوري»، بل ربما حدث العكس. أي قد تكون إيران اضطرت إلى نشر قواتها في سوريا مقابل تعاون روسيا، وبالتالي تركت حدودها عرضةً للخطر.

وتشير التسجيلات المسربة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري أبلغ ظريف أثناء المحادثات النووية السابقة بضربات إسرائيلية متكررة ضد معاقل إيرانية في سوريا.

وأشارت هذه الهجمات إلى حملة منسقة بين إسرائيل وروسيا لتدمير القدرات العسكرية الإيرانية في سوريا.

وحاول ظريف في أعقاب التسجيلات المسرّبة، الحد من الأضرار من خلال قوله بأنه يجب أن يكون هناك تنسيق فعّال بين المجالين الدبلوماسي والعسكري، في إشارة إلى المغامرات والعمليات العسكرية لـ«الحرس الثوري».

 وفي الواقع، يعتقد معظم «المتشددين» الإيرانيين أنّ التسجيلات المسرّبة تكشف ازدراء ظريف للنظام الذي يمثله. كما تؤيد التسجيلات التي تم تسريبها الآراء المتشددة التي تصور ظريف كتكنوقراطي متحرر وغير كفء وغير قادر على قيادة المحادثات النووية.

وعندما تم استدعاء ظريف إلى البرلمان الإيراني لاستجوابه في 09 مايو 2021م بشأن التسجيلات المسرّبة؛ قال رئيس لجنة الأمن القومي مجتبى ذو النوري: «إن إجاباته تشير إلى أنه يحمل «ضغينة» ضد سليماني، وأنه يريد الطعن في مكاسبه العسكرية». وقال رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف: «إن ظريف يعمل ضد المصالح الوطنية» مضيفًا: «إن إيران لن يكون لديها تفاوض معه دون أن تكتسب مزايا على الجبهة العسكرية». ردَّ ظريف على ذلك بقوله إنه لم يؤيد _شخصيًّا_ التناقض بين أهداف الدبلوماسية والمجال العسكري.

ووافق قاليباف على قرار مجلس النواب بالتحقيق مع مركز البحوث الإستراتيجية ووزارة الخارجية. وقد تم بالفعل عزل حوالي 15 إلى 20 مسؤولًا حكوميًا من مناصبهم ومنع 15 من مغادرة إيران منذ تسريب التسجيلات. كما تلقّى أئمةٌ إيرانيون مقربون من خامنئي الضوء الأخضر لإلقاء خطب عامة ضدَّ ظريف.

  وفي السياق، تسلط التسجيلات المسرّبة الضوء على الطبيعة الخلافية للسياسة الإيرانية خلال فترة المحادثات النووية السابقة، إذ إنَّ هناك خلافات بشأن محادثات فيينا ولا يزال الطريق طويلًا قبل البدء في المحادثات النووية الرسمية واختتامها. وهذا يعني أن ظريف سيخرج من منصبه عندما يتم التوصل إلى صيغة نووية جديدة مع القوى العالمية؛ وبالتالي، سيكون «المتشددون» المحرك الرئيسي للمحادثات النووية المستقبلية وليس ظريف، حيث من المتوقع أن يفوز المرشح «المتشدد» في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذا ما يريدونه منذ فترة طويلة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير