إضرابات عُمَّال النفط تهدِّد استقرار الحكومة الإيرانية

https://rasanah-iiis.org/?p=25381

 هزَّت إضرابات عُمَّالية واسعة النطاق قطاع النفط الإيراني هذا الصيف، إذ أضرب آلاف العُمَّال مطالبين بزيادة أجورهم، وتحقيق الأمن الوظيفي، والتمتُّع بظروف عملٍ أكثر أمانًا. وتكشف هذه الإضرابات عن مدى الضغوط الاقتصادية القاسية التي تواجهها إيران، بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات على قطاعها النفطي في عام 2018م، وعن مستوى الفساد المستشري في قطاع النفط الإيراني، الذي تمَّت خصخصته مؤخَّرًا ومؤسَّسات النفط التي تديرها الدولة.

 بدأت الإضرابات في شهر مايو، وحينها أُخبِر العُمَّال المضربون، أنَّ حكومة روحاني قد تستجيب لمطالبهم، حالما توقَّفوا عن الإضرابات. لكن المسؤولين الإيرانيين لا يعترفون بالمجموعات العُمَّالية المُستقلَّة، إذ يواجه الناشطون العُمَّاليون ردودَ فعلٍ صارمة من أجهزة الأمن، ومن المُرجَّح أن يُصدِر النظام القضائي الإيراني بحقِّهم أحكامًا قاسية. في بادئ الأمر، لم يكترث الرئيس حسن روحاني لموجة الإضرابات مُعتقِدًا أنَّها لن تؤثِّر على إنتاج أو توزيع النفط.

وسلَّمت السُلطات قرابة 700 عامل من المشاركين في الإضرابات في مصفاة النفط في طهران استمارات تسريحهم من عملهم، وخوفًا من نشوب غضب شعبي، ردَّ المسؤولون أنَّ خبر التسريحات الجماعية ما هي إلّا شائعات. من جانبهم، ردّ العمال من منصَّات التواصُل الاجتماعي أنَّهم بالفعل تسلَّموا آخر مستحقَّاتهم المالية، وطُلِب منهم ألّا يعودوا للعمل.  وترزح قطاعات الغاز والنفط والصناعات البتروكيمياوية في حالة توقُّف شبه كاملة، بعد انتشار الإضرابات في عدَّة أقاليم بالبلاد، بما فيها إقليم غرب أذربيجان وإيلام وأصفهان وبوشهر وطهران. وصرَّح «مجلس تنظيم احتجاجات عُمَّال النفط المتعاقدين»، أنَّ آلاف العُمَّال المتعاقدين شاركوا في الإضرابات.

وحظيت الإضرابات بدعمٍ على المستوى الدولي والداخلي، إذ أصدر ما يزيد عن 200 ناشط سياسي ونقابي ومدني بيانًا أكَّدوا فيه دعمهم للإضرابات. وعبَّر «المجلس الأسترالي لنقابات العُمَّال»، بالإضافة إلى عددٍ من اتحادات نقابات العُمَّال الدولية، عن دعمهم وتضامُنهم مع عُمَّال النفط المُضرِبين في إيران.

وفي شهر يونيو تعهَّد موظَّفو وزارة النفط بالانضمام للإضرابات، التي أصبحت معروفةً على مستوى العامَّة، بعد انضمام عُمَّالٍ من 60 مجمَّعًا صناعيًا، من بينهم عُمَّالٌ من «حقل بارس الجنوبي» و«محطَّة بوشهر للبتروكيماويات»، بالإضافة إلى عُمَّال من مصافي نفط أُخرى في البلاد، ونُقِلت هذه الاحتجاجات عبر منصَّات وسائل التواصُل الاجتماعي؛ الأمر الذي جعل مطالب العمل جزءًا من الخطاب العام في إيران. 

ولم تشمل ميزانية حكومة روحاني لعام 2020-2021م، التي أرسلت للبرلمان للمصادقة عليها، مخصَّصات لزيادة الأجور التي طالب بها عُمَّال القطاع النفطي، إذ صرَّحت وزارة النفط ألّا علاقة للإضرابات بنقص مخصَّصات الميزانية التي قدَّمتها حكومة روحاني.

يتقاضى العامل في المتوسِّط 200 دولار شهريًا، بمعدَّل عمل ستَّة أيام في الأسبوع، ويحصلون على يومين ونصف إجازة كُلّ شهر، ويعملون تحت درجات حرارة عالية في منشآت النفط بعيدين عن عائلاتهم، حيث أصبحت حالات الوفيات شائعة، من جرَّاء ظروف العمل الخطيرة في قطاع النفط.

وقال روحاني إنَّه سيتّخذ إجراءات حيال مطالب عُمّال النفط والغاز قبل انتهاء فترة رئاسته، إلّا أَّن الميزانية الأخيرة تعالج فقط بعض المخاوف التي تنتاب عُمَّال النفط والغاز، إذ خصَّصت بعض التمويل لـــــ «وزارة العمل والرعاية الاجتماعية الإيرانية»، لتقدِّم الأخيرة بدورها حزمةً من الحوافز مقيدةً بسقفٍ محدَّد. فالميزانية تُخصِّص تمويلًا لموظَّفي الحكومة الرسميين فحسب، بينما تصرِّح طهران أنَّ وزارة العمل ستستجيب لمطالب العُمَّال بعقودٍ مؤقَّتة. 

يُذكر هُنا أنَّ إضرابات عُمَّال النفط الواسعة -سابقًا- قد أسهمت بصورةٍ كبيرة في انهيار حكومة الشاه عام 1979م، وأدَّت إلى وصول رجال الدين لسُدَّة الحُكم في طهران، وإذا استمرَّت هذه الإضرابات، قد تؤدِّي إلى إغلاق قطاعات حيوية في الاقتصاد الإيراني، وسيكون الوضع كارثيًا؛ نظرًا للمشاكل الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها البلاد إزاء العقوبات الأمريكية، وآثار جائحة كورونا. وفي محاولة الحكومة الإيرانية وأجهزتها الأمنية لاحتواء موجة الإضرابات، قد تنشُب أزمة كبيرة إذا نفَدَت السيولة النقدية في طهران، وفشلت في الاستجابة لمطالب العُمَّال.

  وبالنظر في تاريخ إيران، من المُستبعَد أن تستجيب الحكومة لمطالب العُمَّال، وقد تلجأ لحلولٍ شكلية؛ إلّا أنَّه من المُحتمل جدًّا أن تلجأ أيضًا للردّ الأمني؛ لمنع الإضرابات من أن تسبِّب إخلالًا باستقرار البلاد؛ وبالتالي تراجُع شعبية النظام. ومع وصول الرئيس المُنتخَب إبراهيم رئيسي لكرسي الحكم، من المُحتمَل أن يواجه المضربون قوَّة الدولة بأركانها الكاملة، لا سيّما أنَّ إحدى مهام رئيسي هي توحيد الجبهة الداخلية، ومنع الاستقطاب، وتثبيت شرعية النظام. ويبدو المشهد الاحتجاجي مسدودَ الأفق في ظلّ حكم رئيسي، فقبضته الحديدية معروفةٌ جدًّا لعموم الشارع الإيراني. ومع ذلك، لم يعُد الخوف يُسيطر على الإيرانيين، فالبلاد شهدت عشرات المظاهرات في كافَّة أرجائها في السنوات القليلة الماضية، ولم تردع الأحكام القاسية ولا حتّى القتل على يد الأجهزة الأمنية المتظاهرين من إكمال مسيرتهم. لذلك أيُّ عملية قمع يشنُّها رئيسي من المُحتمَل أن تقود إلى ردَّة فعلٍ شعبية قويَّة جدًّا، وقد تجُرُّ البلاد إلى حلقةٍ جديدة من الاحتجاجات تتآكلُ بها وتتقلَّصُ معها شرعية النظام.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير