أدَّى الهجوم على ناقلة النِّفط «إم في ميرسر ستريت» -الذي تزامن مع تولِّي إبراهيم رئيسي الرئاسة في طهران- إلى تصاعُد التوتُّرات في منطقة الخليج، إذ أسفر الهجوم بطائرة مسيَّرة في 29 يوليو على ناقلة النِّفط قُبالة سواحل عمان، عن مقتل حارس أمن بريطاني وقبطان السفينة الروماني.
وقد عزَّزت قطع الطائرة المسيَّرة -التي كانت تحمل المواد المفجِّرة ووُجدت في الناقلة- الاعتقاد بأنَّ الطائرة المسيَّرة إيرانية. وأدان مجلس الأمن الدولي الهجوم، فيما وجَّهت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومجموعة الدول السبع أصابع الاتّهام إلى إيران؛ لاستهدافها حركة الملاحة البحرية المدنية، ونفت طهران بشدَّة أيّ علاقة لها بالهجوم. وقد دعا قائد القوّات المسلَّحة البريطانية الجنرال نيك كارتر إلى الردّ على إيران؛ بهدف الردع وتجنُّب مخاطر «سوء تقدير» أكبر من جانب إيران، إذ قال الجنرال كارتر: «ما نحتاج إلى القيام به -بشكل أساسي- هو لفت انتباه إيران لسلوكها المتهوِّر جدًّا». وتعود ملكية السفينة إلى شركة يابانية، وتشغِّلها شركة «زودياك ماريتايم» ومقرَّها المملكة المتحدة، التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر. وأثناء الهجوم، كانت السفينة متّجِهة إلى الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، مُبِحرة من دار السلام في تنزانيا.
وذهبت تل أبيب إلى حدّ اتّهام رئيس إدارة الطائرات المسيّرة التابعة للحرس الثوري الإيراني سعيد آراجاني بتنفيذ الهجوم، ويدُلّ حُطام الطائرة المسيَّرة ذات الاتّجاه الواحد «كاميكازي» على أنَّها طائرة مسيَّرة إيرانية من طراز «شاهد-136». وقد اُستهدِفت السفينة التي تشغِّلها إسرائيل على بعد 400 كيلومتر من الساحل الإيراني؛ ما يثير تساؤلات حول قُدرة الطائرة المسيُّرة على التحكُّم من أجل تحقيق الاستهداف الدقيق. وكثيرًا ما ادّعى الإيرانيون أنَّ طائراتهم المسيَّرة مُجهَّزة بمنظومة للاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وإذا كان هذا الادّعاء سيُؤخَذ على محمل الجد؛ فإنَّ ذلك يعني أنَّ الحرس الثوري الإيراني قد وجد طريقة للتحايُل على العقوبات العسكرية المفروضة عليه، من خلال استخدام قمر صناعي أجنبي، والحصول على عرض النطاق التردُّدي التجاري، أو قد يعني ذلك أنَّ الحرس الثوري الإيراني نقل عناصر التحكُّم في الطائرات المسيَّرة إلى محطَّة إعادة إرسال أُخرى؛ إمّا على زورق صغير في عُمق البحر أو على قمَّة تل بعيدة في عُمان.
ويدُلّ الهجوم على أنَّ غضب إيران من المحادثات النووية غير المثمرة في فيينا والهجمات الإسرائيلية على سفنها التي تنقل الأسلحة إلى سوريا ولبنان، أدَّى إلى مقتل أبرياء من جانب، وإلى بدئها استخدام طائرات مسيَّرة «انتحارية» وألغام لاصقة؛ لاستهداف السفن التجارية من جانب آخر.
وبينما دخلت إسرائيل وإيران في دائرة هجماتٍ انتقامية شاملة منذ عقد تقريبًا، فقد وُثِّقت ثماني هجمات مُمَاثلة في البحر خلال الأشهر السبعة الماضية من عام 2021، وترفض إسرائيل تأكيد تورُّطها أو نفيه، بينما تلجأ إيران في الغالب إلى «الإنكار المعقول»، على الرغم من الأدلَّة التي تشير إلى تورُّطها. وحتّى الآن، فإنَّ مناوشات الظِلّ البحرية بين إسرائيل وإيران محسوبة وسرِّية، ونظرًا للخسائر في الأرواح وإدخال القوَّة الجوِّية الهجينة في الصراع، فمن المُرجَّح أن ترُدّ تل أبيب بالمثل، لكن بإلحاق خسائر أكبر بالسفن الإيرانية، إذ قد تحاول تل أبيب إغراق سفينة تحمل أسلحة إيرانية أو إمدادات مهمَّة لسوريا في شرق البحر المتوسط، لكن أيّ هجوم انتقامي من هذا القبيل في الخليج سيخدُم هدف طهران في إعاقة الملاحة البحرية في ممرَّات الخليج المائية.
وعلى ضوء رغبة إدارة بايدن في مواصلة المحادثات النووية وإحياء خطَّة العمل الشاملة المشتركة، فإنَّ حديث الولايات المتحدة عن الردّ على الهجوم، قد لا يتجاوز غضّ البصر، في حال استهدفت تل أبيب السفن الإيرانية. ومن غير المُرجَّح أن تلتزم بريطانيا بكلمتها، فقد أحجمت لندن عن تفعيل آلية «سناب باك» ضدّ طهران؛ بسبب انتهاكاتها لخطَّة العمل الشاملة المشتركة، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى وجود جماعة ضغط كبيرة مؤيِّدة لإيران في البرلمان البريطاني.
وبالرغم من أنَّ حكومة رئيسي نفت مرارًا قيام طهران بأيّ دور في هجوم 29 يوليو، فإنَّ لهجتها العامَّة فيما يتعلَّق بقضايا عديدة لا تزال عدائية، ويبقى أن نرى ما إذا كانت محاولات التخريب المُماثلة التي تقوم بها طهران ستستمرّ أم ستتوقَّف في الأسابيع المقبلة. ونظرًا لاستمرار حملة إسرائيل لاستهداف مخابئ الأسلحة الإيرانية في سوريا والعراق، فمن المُرجَّح أن يستعرض حزب الله عضلاته للانتقام لأيّ خسائر.
ومنذ أن طوَّرت تل أبيب- على مرّ السنين – قُدرتها على القتال على جبهات متعدِّدة، فإنَّ التوتُّرات بالقُرب من حدودها المباشرة لا يمكن أن تصرف انتباهها عن أنشطة إيران في الخليج وبحر العرب، فبينما تظلّ إسرائيل حذِرة ويقِظة في البحر، من المُرجَّح أن تختار إسرائيل هدفًا إيرانيًّا مناسبًا في شرق البحر الأبيض المتوسط، وقد ترُدّ بنهجٍ أكثر تشدُّدًا، يتمثَّل في مهاجمة قواعد الطائرات المسيَّرة والصواريخ الإيرانية سرًّا داخل الأراضي الإيرانية، وبالتالي فإنَّ لعبة «القط والفأر» لا تزال بعيدة من نهايتها.