بعد أن استولت حركة طالبان على مساحات كبيرة من الأراضي الأفغانية، وفرضت سيطرتها على العاصمة كابل، فرضت «طالبان» سيطرتها أيضًا على نقاط حدودية مهمَّة على خطّ الحدود مع إيران، وسيطرت على عدد من عواصم المقاطعات، بما فيها هرات ونمروز وفراه؛ ولأنَّ «طالبان» تستعِدّ لتولِّي السُلطة، فإنَّ العلاقة التي ستربطها بإيران مهمَّة، لا سيما أنَّها قد تؤثِّر على الوضع الأمني في أفغانستان، وفي المنطقة بشكل عام، إذ أنَّ إيران -منذ سنوات- وجهةٌ يقصدها اللاجئون الأفغان، وفي ظِلّ الأوضاع التي تشهدها إيران (المتمثِّلة في تعثُّر اقتصادها، والعقوبات الأمريكية الخانقة وتفشِّي فيروس كوفيد-19)، فإنَّ أمام إيران الآن تحدِّيات ومخاوف متعدِّدة الأوجه، بعد استيلاء «طالبان» على السُلطة في كابل.
وقد كان أولى اهتمامات إيران في المنطقة تقليصُ الوجود الأمريكي، ومن أجل هذا الهدف مدَّت إيران «طالبان» بالسلاح، كما أنَّ إيران تلقي باللائمة على سياسات الولايات المتحدة، إزاء انعدام الاستقرار وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في أفغانستان. وعلى الرغم من ذلك، ففي ضوء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان واستيلاء «طالبان» على السُلطة، فإنَّ إيران تتوقَّع عواقب لهذه الأوضاع مثل تدفُّق مزيد من اللاجئين الأفغان إلى أراضيها، وعلاوةً على ذلك، فقد أفادت عدَّة وكالات أنباء أنَّ «طالبان» أطلقت سراح آلاف الأسرى، من بينهم عناصر كانوا ينتمون لتنظيم داعش.
وتُعَدّ إيران إحدى أكبر شُركاء أفغانستان التجاريين، لكن التجارة الثُنائية بين البلدين قد تواجه تحدِّيات على إثر التطوُّرات الأخيرة، فوفقًا لمعلومات نشرتها غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة في طهران، فقد بلغت واردات أفغانستان غير النفطية من إيران ما يقرُب من 11%، شكَّلت معظمها منتجات الفواكه والأغذية، لكن طُرُق النقل واللوجستيات المُستخدَمة في دعم التجارة بين الدولتين تعرَّضت في الأشهر الأخيرة للضغوط، بعد أنَّ نشرت «طالبان» مقاتليها على الحدود؛ ما جعل المصدِّرين الإيرانيين يتردَّدون في تصدير منتجاتهم إلى أفغانستان. كما أفادت تقارير عديدة أنَّ الصادرات تراجعت تراجُعًا كبيرًا، إثر الصراع المتصاعد في أفغانستان، إذ يعيش أكثر من نصف شعب أفغانستان تحت خطّ الفقر، بحسب بعض التقارير، كما أفادت أيضًا أنَّ حالة انعدام الأمن الغذائي تؤثِّر على أكثر من 11 مليون أفغاني، إذ يواجه عديدٌ من الأُسر في مقاطعات أفغانستان الغربية نقصًا في الغذاء، ومعدَّل القوة الشرائية عندهم دون المتوسِّط، ولذا سيكون من مصلحة إيران دعم أفغانستان اقتصاديًا؛ حتى تتجنَّب أزمةً جديدة لتدفُّق اللاجئين. وتعتزم إيران توسيع آفاق التجارة مع أفغانستان، إذ يُشير افتتاح خطّ سكة حديد «خواف – هرات»، الذي يربط بين المدن الإيرانية والأفغانية، إلى عزم طهران زيادةَ صادراتها إلى أفغانستان، فإيران لا تريد المخاطرة بتعامُلاتها التجارية؛ ما جعلها تتعامل مع «طالبان» في السنوات الأخيرة، كما حاولت إيران أيضًا أن تؤدِّي دورًا دبلوماسيًا، من خلال استضافتها لمحادثاتٍ بين «طالبان» والحكومة الأفغانية.
وثمَّة جانبٌ مهمٌ آخر في ديناميكيات العلاقة بين إيران و«طالبان» يتمثَّل في تجارة المخدّرات عبر الحدود، فبالنسبة لـ «طالبان» تشكِّل إيران مكانًا مهمًّا لتوسيع صادراتها من الأفيون، الذي لا يزال مصدرًا حيويًا لإيرادات حركة طالبان. وتُعَدَ إيران من أعلى الدول في معدَّلات إدمان الأفيون، ولا تزال بقعةً نشطةً لتهريب المخدرّات، ونظرًا لأنَّ «طالبان» تسيطر على عديد من المناطق الحدودية الرئيسية، فمن المُحتمَل أن تتنامى التجارة غير المشروعة عبر الحدود، وقد يكون ذلك نقطةَ خلاف بين إيران و«طالبان» في المستقبل، إذ كثَّفت طهران جهودها في السنوات الأخيرة لتضييق الخناق على شبكات المخدّرات.
وعلى الرغم من أنَّ طهران بدأت التعامُل مع «طالبان» في الأشهر الأخيرة، فإنَّها لا تزال متخوِّفةً من نواياها، إذ أعربت وزارة الخارجية الإيرانية مؤخَّرًا عن قلقها بشأن سلامة قنصليتها في هرات، بعد سيطرة «طالبان» على المحافظة، كما أعلنت إيران إغلاق قنصليتها مؤقَّتًا في مزار شريف، وأغلقت إيران بعض المعابر الحدودية المهمَّة مع أفغانستان، مثل معبر ميلاك.
كما زاد استيلاء «طالبان» على معبر إسلام قلعة من التوتُّرات، وزاد من المخاوف والشكوك بين الجانبين، فـ «طالبان» قلقةٌ من الانتشار العسكري الإيراني على طول الحدود الشرقية لإيران، أمَّا إيران -فخلافًا لما تقوله- فإنَّ القوّات المسلَّحة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني في حالة تأهُّب قصوى على الصعيد الأمني، وكثَّفت تلك القوّات تواجُدها على طول الحدود، بنشر قوات إضافية في محافظتي خراسان الجنوبية وفراه. كما تشير التقارير إلى أَّن الحرس الثوري الإيراني قد نشر قوات من طهران ونیسابور وزاهدان إلى بيرجند؛ لمساعدة حرس الحدود لمنع تسلُّل «طالبان» إلى خراسان الجنوبية. ونشر الجيش الإيراني أيضًا دبّابات «تي – 72 إس 1» وقاذفات صواريخ وطائرات مروحية هجومية من طراز «بيل» ومدرَّعات في بيرجند؛ ما يشير إلى أنَّ إيران تستعِدّ لأيّ تصعيد مُحتمَل للتوتُّر مع «طالبان».
ومن المُرجَّح أيضًا أن تركِّز إيران على تحويل بعض جماعاتها الوكيلة نحو أفغانستان، وتعزيز نفوذها في المناطق الحدودية، وسيعتمد مستقبلُ تعاون إيران مع «طالبان» أيضًا على كيفية تعامُل الحركة مع الأقلِّية الشيعية في أفغانستان، ويأتي ذلك في سياق الانتقادات المتزايدة ضدّ «السياسة المُخفَّفة» للحكومة الإيرانية تجاه «طالبان» من شخصيات إيرانية، مثل المرجع لطف الله الصافي الكلبايكاني. كما أنَّ عدَّة تقارير أشارت إلى أنَّ إيران تستعِدّ لتوفير الأسلحة للواء «فاطميون» وإعادة تنظيمه؛ لتأمين المناطق الحدودية. وقد اضطهدت طالبان في الماضي أقلِّية الهزارة الشيعية، إذ قال أحد القادة المنشقِّين عن حركة «طالبان»، والذي قُتِل مؤخَّرًا؛ الملا عبد المنان نيازي، في مقابلة داخل أفغانستان: «جميع الهزارة فاطميون، سأقتل الفاطميين وجميع من يلعبون دورًا رئيسًا في الحرب الأهلية في أفغانستان، سأقتل الآلاف من الهزارة».
ومن المُرجَّح أن تراقب طهران علاقة «طالبان» بالشيعة الأفغان، وأن تتدخَّل في حال كان تدخُّلها يخدم مصالحها الإستراتيجية، ففي الماضي تخلَّت عن العديد من الشيعة في مناطق مختلفة، وتُرِكوا يعانون؛ لأنَّ التدخُّل لم يكُن يخدمُ مصالح إيران. ومن ثمَّ، فمن المُرجَّح أن تتبنَّى إيران نهجًا براغماتيًا تجاه «طالبان»، يركِّز على تأمين مصالحها الاقتصادية؛ لمساعدة اقتصادها المتعثِّر وتأمين المناطق الحدودية لمنع تدفُّق اللاجئين الأفغان إليها. ومن المُحتمَل أن يكون ما سبق في صُلب مواضيع النقاش بين طهران و«طالبان»، لذا فالوقت كفيلٌ بكشف كيفية تطوُّر الأوضاع بين الجانبين، إذ سيتبيَّن ما إذا كانت العلاقة بينهما ودِّية، أو متوتِّرة بسبب الاختلافات الأيديولوجية أو الاختلافات في المصالح.