استجابت نيودلهي بطريقة حذِرة للتغييرات غير المسبوقة في أفغانستان، في أعقاب سيطرة حركة طالبان على السُلطة في كابول. ولدى الهند مصالح كبيرة في أفغانستان، إذ صرَّح ممثِّلون إيرانيون في وقت سابق أنَّ دور نيودلهي في أفغانستان والمنطقة أمرٌ بالغُ الأهمِّية. وفي الآونة الأخيرة، أكَّد وزير الخارجية الهندي هارش فاردان شرينغلا، أنَّ الهند تتواصل مع الشُركاء الرئيسيين، بما في ذلك إيران، بشأن التطوُّرات في أفغانستان. ولدى كُلٍّ من الهند وإيران أولويات وتحدِّيات مختلفة فيما يتعلَّق بأفغانستان، ومع ذلك، لا يزال كِلا البلدين متشكِّكين بشأن «طالبان». بينما كانت الهند متردِّدةً لفترة طويلة في التواصُل مع «طالبان»، إلّا أنَّ إيران أشارت في السنوات الأخيرة -على الرغم من شكوكها- إلى أنَّها مستعِدَّة للعمل مع «طالبان»؛ لتأمين مصالحها الإقليمية. ولا تزال الهند تتذكَّر اختطاف «طالبان» لرحلة الطيران IC 814 في عام 1999م.
ويعكس مقتل المصوِّر الصحافي الهندي دانش صديقي، والإغلاق الفوري للسفارة والقنصليات الهندية، ناهيك عن عملية الإجلاء البطيئة التي أدَّت إلى إحباط الهنود الذين تقطَّعت بهم السُبُل في أفغانستان، انعدامَ الثِقة المستمِرّ بين نيودلهي و«طالبان». ولقد أنفقت الهند ما يقرب من 3 مليارات دولار على مشاريع تطوير البنية التحتية في أفغانستان، على مدى السنوات العديدة الماضية. وتوقَّفت التجارة الثُنائية فجأة، بعد أن قطعت «طالبان» الواردات والصادرات إلى الهند عبر طُرُق العبور الباكستانية.
ولدى كُلٍّ من الهند وإيران شواغل أمنية داخلية متقاربة على الأمن الداخلي، خصوصًا بعد سيطرة «طالبان» على كابول. وقال رئيس هيئة الأركان الهندي الجنرال بيبين راوات، مؤخَّرًا: «ستحرص الهند على منع أيّ نشاط قد يؤدِّي الى تدفُّق اللاجئين من أفغانستان إلى الهند، وسوف يتِم التعامُل معه بالطريقة التي تتعامل بها الهند مع الإرهاب». ويراقب «مكتب المخابرات الهندي» الرأي العام والتعليقات حول «طالبان»، إذ جرى اعتقال 14 شخصًا في ولاية آسام الهندية مؤخَّرًا؛ بسبب منشورات على وسائل التواصُل الاجتماعي تُقدِّم الدعم لـ «طالبان». وبحسب بعض التقارير، اعتقلت الحكومة الإيرانية أيضًا بعض الأفغان بتُهمة التلويح بعلم «طالبان» في طهران. وتشعر الحكومتان الهندية والإيرانية بالقلق إزاءَ الدعم الشعبي المتزايد لـ «طالبان»، والذي قد يؤدِّي إلى التطرُّف، وتشكيل خلايا نائمة متطرِّفة.
لدى الهند وإيران مصالح اقتصادية وإستراتيجية مشتركة في أفغانستان، لا سيما تلك التي تتعلَّق بتوسيع العلاقات التجارية مع البلاد، وقد نشط البلدان في دمج مشاريعهما التنموية في ممرّ النقل الدولي «شمال-جنوب». وعمِلت الهند على مدى السنوات العديدة الماضية على إنشاء منفذ مباشر إلى أفغانستان عبر تشابهار، لكن وعلى ضوء التطوُّرات الأخيرة، توقَّفت العلاقات التجارية بين الهند وأفغانستان في الفترة الحالية، في حين أنَّ الهند لم تقُم حتَّى الآن بأيّ محاولة علنية للتعامُل مع «طالبان» بشأن التجارة الثنائية، وأقامت إيران روابط وثيقة مع «طالبان»، خاصَّةً على طول المناطق الحدودية المشتركة بين البلدين. وتشير عدَّة تقارير إلى أنَّ إيران استأنفت مؤخَّرًا صادراتها النفطية إلى أفغانستان، بعد أن وافقت «طالبان» على خفض الرسوم الجمركية بنسبة تصِل إلى 70%. ونظرًا لأنَّ إيران تشترك في حدود طويلة مع أفغانستان على عكس الهند، فإنَّ مخاوف طهران المباشرة تدور إلى حدٍّ كبير حول ضمان أمن الحدود، وتجنُّب تدفُّق اللاجئين؛ وبالتالي، وعلى الرغم من بعض التوتُّرات غير المسبوقة في العلاقات الاقتصادية الثنائية، إلّا أنَّه من المُرجَّح أن تواصل طهران تعامُلها مع «طالبان»، بشأن قضايا التجارة وأمن الحدود. ويُعَدّ تطوير ميناء تشابهار أولويةً رئيسية لكُلٍّ من الهند وإيران، لكن تعطَّلت العديدُ من الاستثمارات الهندية بسبب العقوبات الأمريكية والعوائق البيروقراطية. وبالنسبة للهند، يظَلّ تشابهار ثِقَلًا إستراتيجيًا موازنًا لميناء جوادر الباكستاني؛ لأنَّ الميناء سيُمكِّن نيودلهي من إقامة روابط تجارية مع أفغانستان وآسيا الوسطى. ومع ذلك، ونظرًا لأنَّ «طالبان» قد استولت على عدَّة مواقع إستراتيجية في أفغانستان، فإنَّ أهمِّية الميناء بالنسبة للهند تظَلّ موضع شكّ، خاصَّةً في ضوء التقارير الأخيرة التي تشير إلى أنَّ أفغانستان لن تكون طرفًا في المجموعة الرباعية المقترحة لمناقشة مستقبل تشابهار.
تنظُر كُلٌّ من الهند وإيران بشكلٍ أو بآخر إلى «طالبان» على أنَّها تهديد، لكن تُظهِر المؤِّشرات الأخيرة إلى أنَّه يمكن أن يكون هناك تعاونٌ مستقبلي بين طهران ونيودلهي، لا سيما في الأمور الأمنية. وخلال الاضطرابات في التسعينات، عارضت كُلٌّ من الهند وإيران حركةَ طالبان، ووسَّعتا دعمهما لتحالُف الشمال. ومع ذلك، وفي ضوء الاعتبارات الإستراتيجية في أفغانستان، فإنَّه من غير المُرجَّح أن تواجه الهند أو إيران «طالبان» بشكلٍ مباشر. وقالت وزارة الشؤون الخارجية الهندية مؤخَّرًا: «إنَّ الوضع على الأرض غير مؤكَّد (في أفغانستان)، وأنَّ الشاغلَ الأساسي هو أمنُ وسلامة الناس. وفي الوقت الحالي، ليس هناك وضوحٌ بشأن الكيان الذي سوف يشكِّل حكومةً في كابول. وأعتقد أنَّنا نتسرَّع بشأن الاعتراف». لا تزال الهند حذِرةً بشأن التدخُّلات الروسية والإيرانية والصينية والباكستانية في أفغانستان، وهي تتبنَّى سياسةَ «الانتظار والمراقبة»؛ لتحديد أفضل إستراتيجية لإعادة التوازُن الأمني الإقليمي في جنوب آسيا. وستَظهر الاختلافاتُ بين إيران والهند من خلال تفاعُلهما مع «طالبان»، حيث تختلفُ الأولويات الإستراتيجية على المدى القصير لكِلا البلدين في أفغانستان. وسوف تضطرُّ إيران، التي تشترك في حدودٍ مع أفغانستان، إلى تنحِية الخلافات الأيديولوجية جانبًا، واعتماد نهجٍ براغماتي تجاهَ «طالبان»، أمّا الهند فليست في عجلةٍ من أمرها لتبنِّي موقفٍ تجاهَ «طالبان»؛ فهي تنتظِرُ حتَّى تُفضِي العمليةُ الانتقالية لمزيدٍ من الوضوح حول «طالبان».