انعقدت في غلاسكو بأسكتلندا، قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 26)، في الفترة من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر 2021م. وفي القمة، طلبت إيران رفع العقوبات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، حتى تتمكن من الحصول على تمويل المناخ من صندوق البيئة العالمية، فيما لم تتعهد بالحد من أنشطتها الاقتصادية، التي تساهم في ازدياد الاحتباس الحراري، ولم تشارك أيضًا في محادثات توقيع «ميثاق غلاسكو للمناخ»، الذي سيسرع وتيرة الأنشطة المتعلقة بالمناخ .
وكانت مساهمة إيران الوحيدة الجديرة بالذكر في قمة المناخ، تقديمها نتائج ثلاثة تقارير أعدتها كجزء من التزاماتها تجاه «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ». وقَّعَت على هذه المعاهدة 150 دولة في ريو دي جانيرو عام 1992م، وكان الهدف منها تحقيق الاستقرار في تركيزات غازات الاحتباس الحراري. وكانت إيران من الدول الموقعة، ثم صدَّقَت عليها عام 1994م.
بعد انعقاد مؤتمَر «كوب 26»، لم تتخذ إيران أي خطوات مهمة للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، على الرغم من أنها ذكرت أن لديها برنامجًا اقتصاديًّا منخفض الكربون. وفي الواقع، تحتل إيران حاليًّا المرتبة الأولى بين الدول المصدرة للانبعاثات (1.85%)، وربما كانت ثالث إلى ثامن أكبر مصدِّر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، في الفترة بين 2015 و2021م. وكانت بين الدول التي وقَّعَت اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015م، إلا أنها لم تصدِّق عليه.
ويستمرّ اعتماد إيران الكبير على الوقود الأحفوري، في دفعها لكي لا تتخذ قرارًا يتعلق بتوقيع ميثاق غلاسكو للمناخ، لا سيما أن أكثر الوقود الأحفوري يشكل ما لا يقل عن 90% من سلة الطاقة الإيرانية، ما يصعِّب عليها التحول إلى مصادر طاقة بديلة أكثر نظافة. وقالت إيران إنها «غير راضية عن الفقرة 36 الخاصة بالإلغاء التدريجي لدعم الوقود الأحفوري، في ميثاق غلاسكو للمناخ»
لكن الأهمّ من ذلك أن إحجام إيران عن اتخاذ خطوات إيجابية لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري ازداد، عندما انهار الاتفاق النووي الذي وقَّعَته مع مجموعة «5+1» عام 2015م، بعد انسحاب واشنطن عام 2018م تحت إدارة ترامب. وقال نائب وزير البيئة الإيراني السابق للشؤون القانونية كريم الشافعي، إن «قدرة البلاد على تخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 12%، مرهون بإنهاء العقوبات الجائرة والوحشية، وإمكانية الوصول إلى الموارد والتقنيات الدولية».
منذ ذلك الحين رفضت إيران تحميلها المسؤولية عن قراراتها البيئية السيئة، أو اتخاذ أي إجراء لمعالجة مشكلاتها البيئية الخطيرة، إذ تعاني مستوياتٍ مقلقةً من التصحُّر، الذي لا يمكن تداركه، وإزالة الغابات، وانخفاض هطول الأمطار، وازدياد الحرائق. وعوضًا عن اتخاذ إجراءات علاجية، تعمل إيران على تكميم أفواه الناشطين البيئيين، وهي القضية التي أثارها المتظاهرون المناهضون للحكومة في قمة «كوب 26». ومنذ عام 2017م، أصدرت إيران أحكامًا طويلة بالسجن على عشرات من نشطاء البيئة والعلماء، الذين توُفّي بعضٌ منهم في ظروف غامضة في أثناء احتجازه لدى الشرطة أو في السجون. وألغي الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي خطط سفره إلى غلاسكو، إزاء قلقه حول مواجهة الاحتجاجات المتوقعة، أو ما هو اسوأ من ذلك بإلقاء القبض عليه لدوره في مذبحة المعارضين السياسيين عام 1988م.
ويتوقع خبراء البيئة أنه إذا استمرت إيران في عدم تحسين معاييرها وممارساتها البيئية، فإن غازات الاحتباس الحراري ستزيد بنسبة 50% عام 2030م. وينبعث من إيران بالفعل أكثر من 600 مليون طن من الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري سنويًّا، بما يشير إلى مستويات عالية من عدم كفاءة استخدام الطاقة واستهلاكها. وليس من المستغرب أن إيران تُعتبَر من أكبر عشر دول ملوثة في العالم، من حيث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إذ التلوث الكربوني في البلاد آخذ في الارتفاع لمستويات مقلقة، وفقًا لـ«تقرير مراقبي الوضع المناخي».
هذه المستويات العالية من الإهمال البيئي تهدِّد مستقبل إيران بالفعل، مما يجعل هدف الحكومة للوصول إلى مستوى من التنمية المستدامة مستحيلًا، ويهدِّد أيضًا سبل معيشة ملايين الأشخاص داخل وخارج البلاد في المنطقة. وتُعتبر إيران أيضًا قاحلة أو شبه قاحلة بنسبة 80%، بالإضافة إلى انخفاض هطول الأمطار ومشاريع بناء السدود التي لا نهاية لها للحفاظ على موارد المياه الشحيحة، وتواجه البلاد أيضًا كارثة بيئية شديدة.
سوء الإدارة وصنع القرار الإيراني تَسبَّبا في معظم المشكلات البيئية لإيران، لا العقوبات المفروضة على البلاد فحسب. مع ذلك تُصِرّ إيران على أنه على الإدارة الأمريكية رفع العقوبات قبل أن توفي بالتزاماتها المناخية. علاوةً على ذلك، ترفض إيران النظر في دور عملياتها الصناعية، التي بدأت منذ ما يقرب من قرن من الزمان، على أنها ساهمت في ارتفاع درجات الحرارة في البلاد، التي تفاقمت قبل فرض عقوبات دولية عليها، وفي فترات مختلفة. يشير هذا، إلى جانب الحقائق المذكورة أعلاه، إلى أن الحكومة الإيرانية لا العقوبات، لا سيما تلك التي أعقبت عام 2018م، أسهمت كثيرًا في الوضع البيئي المتردي في البلاد.