تورط طهران في محاولة اغتيال الكاظمي والتهديدات الإيرانية المتصاعدة بالعراق

https://rasanah-iiis.org/?p=26715

اتضح أن الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2021م لم تكن مرضية لإيران، إذ تَكبَّد معظم حلفائها خسائر فادحة في نتائجها. واحتجَّت الأذرع الإيرانية على النتائج في الأسابيع الأخيرة، واستُهدِف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في هجوم بطائرات مسيرة، وسط تصاعد التوترات في البلاد. وأكد مسؤولون أمنيون عراقيون، أن الطائرات المسيرة المستخدمة في الهجوم إيرانية الأصل. وتشير التطورات المحلية والإقليمية منذ الانتخابات، إلى أن إيران قلقة الآن بشأن الحفاظ على نفوذها في العراق، بخاصة أن الشعب العراقي يقف بوضوح ضدّ تدخلاتها في العراق.

وتمكنت الكتلة الصدرية من الفوز بـ73 مقعدًا، وحصلت كتلة «تقدم» السنية على 38 مقعدًا، فيما حصل «ائتلاف دولة القانون» الشيعي وتحالف فتح على 34 و17 مقعدًا فقط على التوالي. وفي أعقاب نتائج الانتخابات، وصف قادة موالون لإيران في العراق النتائج بأنها «ملفقة»، وحذروا من أنه سيقع عنف إذا لم يُعَدْ فرز الأصوات. وتواجه أذرع إيران تحديات عديدة في المنطقة، وفي ظلّ الانتكاسة الأخيرة في العراق تشعر طهران بالقلق من تحوُّل المشاعر المعادية لإيران من الشارع إلى المجال السياسي العراقي. وعلاوةً على ذلك فإن العناصر الموالية لإيران ساخطون على قرار مقتدى الصدر استبعاد تحالف «فتح» من المشاركة في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، التي من المرجح أنها سوف تتبنى موقفًا مناهضًا لإيران. والتقى قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني مع الكاظمي، وأعرب عن دعمه الكامل للهدوء وضبط النفس في البلاد، لاحتواء ردّ الفعل الناجم عن هجوم الطائرات المسيرة. وحسب ما ورد، قال مسؤول مطّلع على الاجتماع إن قآني لم يحاول إلقاء اللوم على أي طرف في محاولة الاغتيال، التي أثبتت التحقيقات أن الميليشيات الشيعية هي المسؤولة عن تدبيرها. وتعكس زيارة قآني السريعة مخاوف القيادة الإيرانية بشأن الأعمال الانتقامية المحتملة، التي قد تنفّذها الحكومة العراقية المقبلة، ويمكن أن تقوِّض دور وتأثير الأذرع الموالية لإيران في العراق. لقد أصاب العنف الذي أشعلته طهران في البلاد على مر السنين الشعب العراقي بخيبةِ أملٍ كبيرة، مما دفع غالبية العراقيين إلى الاحتجاج على تدخلات إيران في الشأن العراقي، كما تجلى في تظاهرات أكتوبر 2019م، التي تضمنت شعارات مناهضة لإيران.

ويمكن للكتلة الصدرية التي حصدت 73 مقعدًا، تشكيل الحكومة العراقية المقبلة مع الكتل السنية والكردية، وتحديد المسار السياسي للبلاد للسنوات المقبلة. ويؤيد مقتدى الصدر سياسة خارجية تقوم على تعزيز التنمية الاقتصادية وزيادة التبادل التجاري. وأعرب الصدر عن اهتمامه بإقامة العراق علاقات أوثق مع روسيا والصين، وإعطاء الأولوية لتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية. مع ذلك، وعلى ضوء المشهد الجيوسياسي الحالي في المنطقة، فقد تكلّف إيران أذرعها في العراق لإحداث الفوضى وزعزعة استقرار البلاد، في هذا الوقت الحساس.

وأفصح الصدر عن مواقفه المناهضة لإيران بوضوح، إذ قال في كلمة على الهواء مباشرة عبر التليفزيون الحكومي: «جميع السفارات مرحَّب بها، ما دامت لا تتدخل في الشأن العراقي الداخلي»، ملمحًا إلى تدخلات إيران المزعزعة للاستقرار عبر سفارتها وقنصلياتها في البلاد على مر السنين، ودعا من أجل كبح جماح الأذرع الموالية لإيران، إلى حصر الأسلحة بيد الدولة. وأيَّد عديد من السياسيين والقادة العراقيين دعوته إلى نزع سلاح الموالين لإيران، وإنهاء احتكارهم الأسلحة، ومنع انتشار الأسلحة في السوق السوداء العراقية. ويهدد الصدر بدعوته هذه المصالح الإيرانية تهديدًا مباشرًا، إذ اعتمدت طهران على أسلحتها للضغط وترهيب خصومها في العراق، وإطلاق العنان للعنف كلما لزم الأمر، لضمان تنفيذ مخططاتها.

مع التراجع المحتمَل في نفوذ طهران، فإن من المرجح أن تنظّم الأذرع الإيرانية في العراق الاحتجاجات، وتهدّد الأمن الداخلي العراقي. ومن المرجح أيضًا أن تمارس إيران مزيدًا من الضغط على العراق لإنقاذ نفوذها، من خلال خفض إمدادات الطاقة والكهرباء للبلاد. وتحرص إيران على ضمان عدم اندلاع أي صراع شيعي داخلي، بخاصة في وجود شائعات عن انقسامات بين أذرعها في العراق. فقد كان بين «عصائب أهل الحق» بقيادة قيس الخزعلي و«كتائب حزب الله» خلاف واضح، عندما انتهكت الأولى وقف إطلاق النار بين الأخيرة والولايات المتحدة في عدة مناسبات، العام الماضي. وكانت أذرع إيران في العامين الماضيين تعمل مستقلةً أيضًا. وبشنِّ هجمات ضد القوات العراقية والأمريكية، وفي ضوء نتائج الانتخابات اصطدمت الأذرع بعضها ببعض، وأصبحت تتصرف باستقلالية أكبر وعدوانية أكثر، مما يسلط مزيدًا من الضوء على الخلافات المتزايدة بينها. من المرجح أن تكرر الأذرع الإيرانية، عسكرية كانت أو سياسية، إستراتيجية طهران في تصعيد التوترات، للضغط على الحكومة العراقية الجديدة، من أجل تقويضها وجعلها تبدو غير قادرة على مواجهة الأزمات المحلية المتزايدة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير